العلوم التربوية

نموذج معالجة المعلومات في الدماغ وتطبيقاته التربوية

إن علماء النفس المعاصـر يتخذون منحى مختلفاً في دراسة الذاكرة والدماغ البشري، يتسق بشكل عام مع التصورات المعرفية للسلوك، ويدعى بنموذج معالجة المعلومات Processing (Approach Information). وهذا المنحى معرفي يستند إلى أساس، وقد استفاد من علم الكمبيوتر.

لقـد أثر هذا المنحى في العديد من مجالات علم النفس، وبخاصة في مجال علم النفس التعليمي، وحل بشكل أساسي محل المنحى الارتباطي الذي وجه بحوث الذاكرة البشرية منذ أوائل القرن العشرين.

على الرغم مـن العـوامل العديدة التي تؤدي أدواراً متباينة في تطوير نموذج معالجة المعلومات الآن، فإن أكثر هذه العوامل تأثيراً وأهمية هو التزايد السريع الذي طرأ على تقنية الكمبيوتر والحاسبات الالكترونية، لذلك بدأ بعض العلماء والباحثين بالنظر إلى الإنسان كنظام منطور جداً لمعالجة المعلومات.

يجب على أي نموذج لمعالجة المعلومات أن يؤدي ثلاث مهام أساسية هي:

  1. استقبال المعلومات الخارجية أو ما يسمى بالمدخلات (Input) وتحويلها أو ترجمتها بطريقة تمكن الجهاز من معالجتها في مراحل المعالجة التالية.
  2. الاحتفاظ ببعض هذه المعلومات المدخلة في صور تمثيلات معينة.
  3. التعرف علي هذه التمثيلات والقدرة علي الاستدعاء والاستخدام في الوقت المناسب.

أي انه يجب على جهاز معالجة المعلومات أن يترجـم المعلومات ويحتفظ بها ويستعيدها.

المفاهيم الأساسية في نموذج معالجة المعلوماتBasic Concepts in Information Processing Theory

  1. الخزن Storage: هو اكتساب أو اقتناء المعلومة، وذلك بوضع المعلومات الجديدة وخزنها في الذاكرة.
  2. الترميز Encoding: تغير صيغة المعلومة الجديدة كما ستخزن في الذاكرة، فنحن لا نخزن المعلومة بالشكل الذي تعطى لنا فيه، بل إننا نغير المعلومة من شكل لآخر.
  3. الاسترجاع Retrieval: هو عملية تذكر المعلومات التي خزنت سابقاً في الذاكرة.
  4. المعالجة Processing: هي سلسلة الأفعال أو التغيرات بما في ذلك المعلومات التي تشكل التفكير البشري.

نموذج عمل معالجة المعلومات في الدماغ وذاكرة الإنسانA Model of Human Memory

تتكون الذاكرة البشرية من ثلاثة أجزاء هي:

  1. ذاكرة حسية Sensory Register.
  2. ذاكرة عاملة قصيرة المدى Working (or Short- Term) Memory.
  3. ذاكرة طويلة المدى Long- Term Memory
نموذج معالجة المعلومات في الدماغ وذاكرة الإنسان
1

ذاكرة حسيةThe Sensory

هو جزء من الذاكرة يحمل المعلومات التي يستقبلها (التي تسمى Input) كما هي من غير ترميز (Unencoded)، حيث إن كل ما تسمعه أو تشاهد أو تحس به يخزن في الذاكرة الحسية، والمعلومات التي في الذاكرة الحسية لا تبقى إلا فترة قصيرة، فالمعلومة البصرية تبقى أقل من ثانية، أما المعلومة السمعية تستمر من (2-3) ثوان.

الانتباهAttention

يؤدي الانتباه دوراً هاماً في عملية نقل المعلـومـة مـن الذاكرة الحسية إلى الذاكرة العاملة، حيث إن أي شيء في الذاكرة الحسية لا يوليه الشخص الاهتمام سوف يختفي من جهاز الذاكرة، بسبب محدودية قدرة الإنسان على الانتباه، تخزن فقط كمية قليلة جداً من المعلومات في الذاكرة الحسية لتحويلها إلى الذاكرة العاملة.

الانتباه في الصف الدراسيAttention in the Class Room

مـن المهـم أن ينتبه الطلاب إلى الأشياء التي نريد أن يتعلموها إلى حد ما، باستطاعتنا أن نعـرف مـن ينتبه من الطلاب في الصف من خلال سلوكياتهم الواضحة كالنظر إلى المعلم، أو إلى الكتاب وعلى العكس من ذلك، النظر إلى الشبابيك أو الحديث مع الآخرين، ولكـن المظهر الخارجي قد يخدع أحياناً، فيمكنك النظر إلى المعلم من غير أن تكـون سـامعاً لما يقوله أو النظر إلى الكتاب دون أن تتعلم كلمة واحدة، الانتباه ليس فقط مظهر خارجي، بل أنه عملية ذهنية عقلية.

2

الذاكرة العاملة

كمية معينة من المعلومات المخزنة في الذاكرة الحسية تنقل، أو تحول إلى الذاكرة العاملة قصيرة المدى، وتعالج بطريقة تمكن من الاحتفاظ بها لفترة زمنية أطول، أما المعلومات الأخرى فتتلاشى من جهاز الذاكرة، ولكن كيف يمكن أن نجعل الذاكرة قصيرة المدى تحتفظ بالمعلومات لفترة أطول.

قام الباحثون بتجربة للإجابـة عـن السؤال السابق (الهاتف والشخص) يتناول هذا المثال مهمة الاحتفاظ برقم هاتف معين، تمكن أحد الأفراد من الاتصال بصاحب هذا الـرقـم، يقـوم الفـرد في بداية هذه المهمة بالبحث عن الرقم المطلوب في دليل الهاتف ولـدى اهتدائه إلـيـه يـقـوم بالاحتفاظ به في الذاكرة الحسية، غير أن هـذا يحتفظ بالمعلومات لفترة زمنية قصيرة جداً، بحيث لا تسمح بإدارة العدد الأول من الرقم المطلوب، فماذا يفعل الفرد في مثل هذه الحالة، تشير الخبرة العادية إلى أن الاحتفاظ بالرقم يتطلب ترديده فترة استخدامه، فإذا تم الاتصال بالشخص المطلوب يزول الرقـم مـن الذاكرة قصيرة المدى لعدم ضرورة الرجوع إليه ثانية، أما إذا لم تنجح محاولة الاتصال، فيستطيع الفرد الاحتفاظ بالرقم لعدة ثوان أو دقائق شريطة ترديده على نحو متكرر طيلة تلك الفترة.

كيف نطور الذاكرة العاملة

نستنتج من تلك التجربة أن الترديد بعد عاملا هاما للاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة قصيرة المدي لفترة أطول.

توحـي نتائج هذه التجارب أن طاقة الذاكرة قصيرة على تخزين المعلومات المرمزة محدودة وضعيفة جـداً، إذا حدث عامل الترديد حيث تضيع هذه المعلومات خلال فترة زمنية قصيرة جداً.

لا تشكل استراتيجية الترديد إلا جانباً واحداً من عملية معالجة المعلومات في مرحلة التخزين قصيرة المدى، فقد أشارت نتائج بعض الدراسات إلى أن الذاكرة قصيرة المدى تستطيع الاحتفاظ بعدد معين من وحدات المعلومات المرمزة بغض النظر عن شكل هذه الوحدات أو نمطها؛ أي أن طاقة الذاكرة قصيرة المدى محدودة الوحدات الداخلية إليها سواء كانت هذه الوحدات حروفاً أو مقاطع أو كلمات (Mulock) وقد أفادت أن في قدرة الذاكرة قصيرة المدى الاحتفاظ بعدد من وحدات المعلومات المرمزة يتراوح بين 5 و9 وحدات.

هذه النتائج تعد أمراً هاماً بالنسبة للتعلم المدرسي، إذ يمكن زيادة طاقة الاحتفاظ طالما أن الاحتفاظ يعتمد على عدد الوحدات الداخلة، وذلك من خلال تنظيم المعلومات في الوحدات متكاملة كتنظيم الحروف في كلمة والكلمات في جمل.

يتضح مما سبق أن استراتيجية معالجة المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى تقوم على إدخال المعلومات المرمزة على شكل وحدات منفصلة ومتكاملة، وعلى ترديد هذه الوحدات.

خصائص الذاكرة العاملة

  1. قصر المدة الزمنية للذاكرة العاملة، دقائق قليلة.
  2. محدودية عمل وقدرة الذاكرة العاملة وقدرتها.
  3. نقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى.
3

الذاكرة طويلة المدىLong- Term Memory (LTM)

هي الجزء الأخـيـر مـن مكونات الذاكرة وجهـازه، هذا الجهاز من الذاكرة يحمل المعلومات لفترة طويلة من الزمن، يـوم، أسبوع، أو شهر أو حتى سنة أو طول العمل.

خصائص الذاكرة طويلة المدى

  1. خاصية طول المدة.
  2. قدرة غير محدودة بشكل خاص.
  3. الارتباطات في الذاكرة طويلة المدى يتم تنظيمها وربطها مع بعضها بعضاً.

تخزين المعلومات في الذاكرة طويلة المدى

ترمز وتخزن المعلومات في الذاكرة طويلة المدى بعدة أشكال منها:

  1. بشكل لفظي/ الكلمات.
  2. بشكل بصري/ صور.
  3. بشكل سمعي/ أصوات.

وتؤكد الأبحاث أن المعلومات التي تخزن بأكثر من طريقة (سمعي، بصري، لفظي)، فإن استدعاءها يكـون أيسر وأسرع، لذلك فإننا يجب أن نقدم المعلومات لطلابنا بأشكال مختلفة من أجل مساعدتهم على التذكر.

استراتيجيات نموذج معالجة المعلومات وتخزينها في الذاكرة طويلة المدى:

يمكننا تقسيم استراتيجيات تطوير الذاكرة طويلة المدي إلى عدة أصناف وأنواع منها:

1

استراتيجية الترديد

وتعني ترديد شيء ما عدة مرات من أجل الاحتفاظ به لفترة محدودة في الذاكرة.

2

استراتيجية التفصيلات

وتعني بالتوسع التدريجي للمعلومة القديمة، وهذا يؤدي إلى زيادة البناء المعرفي. والتوسع في المعلومات مثال جيد لعملية البناء في التعلم، حيث يربط الطلاب أجزاء مـن المعلومات الجديدة بأجزاء من المعلومات السابقة لإعطاء تعلم مجد للمعلومات الجديدة، وهو ما يشبه استخدام النموذج الحلزوني لبرونز. مثال: عندما نبدأ بقراءة مادة تاريخية جديدة، فإننا نتذكر أشياء تعرفها مسبقاً عن تلك الفترة الزمنية، ومـا تـوالـي فيها من أحداث تساعد على ربط المادة التاريخية الجديدة بالمادة السابقة.

3

استراتيجية التنظيم

إيجاد روابط بين مختلف مواضيع المعلومات التي يحتاجها الفرد ومثال علي ذلك:

ذهبنحاساردواز
بلاتيننحاس أصفرفضة
ألمنيومياقوت أصفرزمرد
حديدبرونزرخام
ماسرصاص 
صلبياقوت أزرق 
جرانيتحجر 
القائمة العشوائية للكلمات
استراتيجية التنظيم في معالجة المعلومات في الدماغ
استراتيجية التنظيم في معالجة المعلومات
4

استراتيجية البيئة

عند محاولة تذكر المعلومات فإن ذلك سيكون سهلاً إذا كانت البيئة مشابهة للبيئة الأصلية التي تم فيها التعلم. وقد تم اختيار ذلك في دراسة تجريبية حيث قدم الطلاب إلى اختبار في مادة، في غرفة معينة، غير التي درسوا فيها المادة، ووجدوا أن أداءاتهم على الاختبار (إذا كانت غرفة الاختبار تتحسن ومشابهة لغرفة الدراسة التي تم فيها التعلم، فالدراسة للامتحان في ظروف مشابهة له يمكن أن تحسن من النتيجة التي يحصل عليها الطلبة لما لها من أهمية مساعدة للتذكر).

5

استراتيجية الموقع(Loci Method)

وهي إحـدى استراتيجيات الكلمات الرابطة Peg Word Method، وهذه الاستراتيجية تمثل ذاكرة بصرية للأشياء البسيطة، إذ نتخيل مكانا أكثر ألفة مثل غرفتك. ثم تأخذ فيها مواقع محددة مثل:

  1. الطاولة خلف الباب الأمامي.
  2. الكرسي بجانب التدفئة.
  3. طاولة الطعام.
  4. الكرسي بجانب طاولة الطعام.

ثم نحفظ قائمة الأمكنة بالترتيب. هذه ستصبح روابط (Pegs) لكل مهمات الذاكرة المكانية أو الموقعية في المستقبل، فمثلاً عندما يكون لديك قائمـة وتريد حفظها وتذكرها ببساطة، ضع كل فقرة من القائمة في واحدة من المواقع في الغرفة، وتصور كل فقرة تجلس في مكانها وفي اللحظة التي تريد فيها أن تتذكر الفقرات، فإن كل ما تقوم به هو أن تتخيل بأنك تسير في داخل البيت وترى ما هو على:

  1. الطاولة خلف الباب الأمامي.
  2. الكرسي بجانب التدفئة.
  3. طاولة الطعام.
  4. الكرسي بجانب الطاولة.
6

استراتيجية الكلمات الرابطة(Peg Word Method)

وتعني استخدام كلمة أو أكثر للربط بين مجموعة من الكلمات.

مثال: لحفظ أسماء العواصم العربية في آسيا وهي مثلاً: بيروت – دمشق – عمان – بغداد فيربطها برابطة وهي كلمة (بدعب).

7

استراتيجية السلسلة

ومفهومها ربط الفقرة الأولى بالفقرة الثانية التي يراد حفظها والفقرة الثانية بالثالثة والثالثة بالرابعة، وهكذا في نظام ربطي متسلسل وذلك باستخدام ربط مرئي.

مثال: إذا أردت أن تذهب إلى البنك، مكتب البريد، البقالة، فإنه يمكن أن تتخيل أن الفلوس الموجودة في جيبك، تلك التي سوف توضع في البنك ثم تتخيل أن الفلوس قد عبثت في مغلفات رسائل ثم أخيراً تتخيل أن هذه الرسائل في عربة بقالة، أي في كل وحدة تتخيل صورة بصرية تقود إلى الأخرى.

وهناك أسلوب آخر من أساليب السلسلة الذي يتضمن أن تدمج كل الفقرات التي تريد حفظها في قصة ذات نغم، إذا أردت أن تعلم الطفل باستخدام قصة منغومة من مثل.

مثال: المسمار عند النجار، والمسمار عند الحداد.

8

استراتيجية الكلمة المفتاحية

وهي من استراتيجيات السلسلة ومثال علي ذلك:

  1. إذا أردت أن تربط أسماء البلاد بأسماء العواصم.
    • قاهرة – مصر << يستخدم كلمة مفتاحيه قمقم.
    • بغداد – عراق << يستخدم كلمة مفتاحيه بعبع.
  2. أسماء رؤساء الجمهوريات وربطها ببلادهم.
    • جاك شيراك – فرنسا << يستخدم كلمات مفتاحيه جفجف.
    • توني بلير – بريطانيا << يستخدم كلمات مفتاحية تبتب.
  3. أسماء المخترعين بمخترعاتهم.
    • توماس اديسون/ كهرباء << تستخدم كلمة مفتاحيه تكتك.
    • جراهام بل/ التلفون << تستخدم كلمة مفتاحيه جتجت.
9

استراتيجية التجميع

وهي وسيلة من وسائل استخدام التذكر، وتتضمن في معناها أن وحدة المعلومات توضع بطريقة مـا ذات معنى حتى يتسنى للذاكرة قصيرة المدى أن تحتفظ بها لمدة أطول، حيث إن الذاكرة قصيرة المدى تعاني من احتفاظ في عدد المعلومات وتذكرها الأسهل أن توضع في تجميعات لتصغير حجمها.

مثال: لخزن رقـم في الذاكرة قصيرة المدى كالرقم ٣٥٤٨٦٠ فإنه يمكن أن توضع كالتالي: 60، 48، 35 وحدتين وحـدتين أو ٨٦٠، ٣٥٤ ثلاث وحدات، ثلاث وحدات.

10

استراتيجية التعلم ذو معنى

أي فهم وإدراك المادة التعليمية وربطها بالبناء المعرفي.

أسباب النسيان

  1. الفشل في الاسترجاع Failure to return.
  2. الخطأ في البناء Reconstruction error.
  3. التداخل Interference.
  4. التلف Decay.
  5. الفشل في التخزين Failure to store.
  6. يتعلق بالترميز والتنظيم بالترميز والتنظيم.

التطبيقات التربوية لنموذج معالجة المعلومات

  1. التعلم المبني على المعنى يدوم.
  2. التعليم المبني على أهمية عرض المفاهيم الأساسية لكل درس في بدايته على أساس أن هذه المفاهـيـم يـتم تذكرها بشكل أكبر من المفاهيم الفرعية التي قد تأتي في أثناء الدرس.
  3. التدريب الموزع أكثر فاعلية من التدريب المكثف.
  4. الاعتماد على التكرار اللفظي للمادة المتعلمة.
  5. الاهتمام بنقل أثر التدريب في التعلم.
  6. الاهتمام بالتداخل قد ينتج من وجود مثيرات تشوش التعلم الجديد.
  7. إجـراء تنظيم للمعلومات التي قد يتم تعلمها بطرق تساعد الطلبة على عمل كتل من أجل الاستيعاب.
  8. الاهتمام بتنظيم المعلومات بشكل يساعد على التذكر.
  9. تنظيم شرح المادة التعليمية بشكل تطرح فيه أسئلة في بداية الدرس، وخلال الدرس، وفي نهايـة الـدرس، بحيث تهدف هذه الأسئلة بالإضافة إلى تناول أهداف الدرس، مراجعة المعلومات ذات العلاقة من جهة، وإعادة تنظيم المعلومات لكل متكامل ذي معنى لدى الطلاب من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى