قصة الملك والراهب

تعتبر قصة الملك والراهب مثالاً للوفاء والتضحية النبيلة للأطفال الصغار، وقد حدثت أحداث هذه القصة الجميلة في عهد أحد ملوك إنكلترا، وذلك منذ ثلاثمئة سنة.

قصة الملك الظالم والراهب المحبوب

الملك الظالم والراهب المحبوب

كان أحد ملوك إنكلترا معروفاً بالظلم والقسوة، وكان يعلم أن الشعب يكرهه، وذلك فإنه كان يخشى من حدوث انقلاب ضده، فكان يكلف رجاله بالتجسس على الناس، فإذا علم أن أحدهم يتحدث عنه بالسوء ألقاه في السجن، وقد لا يخرج من السجن إلا بعد أن يفارق الحياة.

أحد الجواسيس يتحدث إلي الملك

وفي أحد الأحيان جاء أحد جواسيس الملك إليه وقال له:

– يا صاحب الجلالة، لدي خبر خطير.

وسأله الملك:

– وما هو هذا الخبر؟.

قال الجاسوس:

– إنك تعرف طبعاً الراهب جورج ونج.

قال الملك:

– ومن لا يعرفه؟. إنه من كبار رجال الدين..

قال الجاسوس:

– إن هذا الرجل يريد أن يلفت نظر الناس إليه بكل وسيلة ممكنة، فهو يسكن في قصر فخم، ويحيط نفسه بكل مظاهر البذخ، ويتبرع بالكثير من الأموال للفقراء.

خوف الملك

وسأله الملك:

– وماذا في ذلك؟.

قال الجاسوس:

– في المدة الأخيرة يا صاحب الجلالة، ابتدأ يدعو إلي مائدته عدداً كبيراً من وجهاء القوم، ثم فوجئنا بأنه عين لنفسه حرساً خاصاً من الفرسان الأشداء، إنهم أكثر من مائة فارس، كلم مسلحون، ويؤدون له التحية العسكرية عند وصوله أو خروجه من القصر، ليفهم الناس أنه ملك غير متوج.

وما كاد الملك يسمع ذلك من الجاسوس حتى اشتد به الغضب، وضرب بيده بشدة على طاولة صغيرة أمامه ثم استدعي مستشاره الخاص.

وطلب الملك من الجاسوس أن يعيد كل ما قاله عن الراهب جورج على مسامع المستشار.

ولما انتهي الجاسوس من أقواله التفت الملك إلي مستشاره وقال له:

– ما رأيك في هذا؟.

قال المستشار:

– إن الحرس الخاص ليس لازماً لرجال الدين، ولاسيما إذا كان هؤلاء الحراس من الفرسان الأشداء المسلحين كما يقول.

قال الملك:

– إذن فالراهب له نوايا سيئة نحوي، إنه يريد أن يخلعني عن العرش ويجلس مكاني.

قال الجاسوس:

– هذا ما أخشاه يا صاحب الجلالة..

والتفت الملك إلي الجاسوس وقال له:

لقد انتهت مهمتك، فانصرف الآن ودعنا وحدنا، ولا تذكر شيئاً مما دار في هذه الجلسة لأحد كائناً من كان.

وانحني الجاسوس أمام الملك وقال له:

– أمرك يا صاحب الجلالة وانصرف عائداً إلى عمله.

ونهض الملك عن مقعده، وعقد يديه خلف ظهره ثم صار يروح ويجئ في الغرفة كالأسد الحبيس.

مستشار الملك

واقترب الملك من مستشاره الخاص ثم سأله:

– ما رأيك؟

قال المستشار:

– لابد يا صاحب الجلالة من معالجة هذا الأمر بمنتهي الحكمة، إن للراهب مركزه الكبير بين رجال الدين، وهو محبوب أيضاً من الناس..

الملك يتحدث إلي أحد مستشاريه

قال الملك غاضباً:

أعرف ذلك.. أعرف ذلك.. وأنا واثق من أن الرجل لم يكذب فيما قاله عن الراهب المذكور، لابد من استدعائه إلى القصر لكي أسأله وأستجوبه وأعرف منه حقيقة ما يدور في الخفاء.

قال المستشار:

– إنها فكرة طيبة يا صاحب الجلالة.

قال الملك:

– واحضر معي التحقيق الذي سأجريه معه، واكتب محضراً بكل ما يدور بيني وبينه من حديث، وسأجعله يوقع على ذلك المحضر ليكون دليلاً عليه فيما بعد، إذا احتج رجال الدين علي ما سوف أتخذه ضده من إجراءات.

– حسنا يا صاحب الجلالة..

وأرسل الملك من يستدعي الراهب السابق ذكره إلى القصر.

لقاء الملك والراهب

وحضر رجل الدين فوجد الملك ومستشاره الخاص في انتظاره، وقد جلس المستشار إلي مكتب ووضع أمامه ورقاً ومحبرة.

الحراس تأخذ الراهب لكي يقابل الملك

قال الملك:

– إنك رجل دين، والمفروض فيك الصدق، وسألقي عليك بعض أسئلة وسيتولى مستشاري الخاص كتابة هذه الأسئلة في محضر، كما سيكتب إجاباتك عليها، وتوقع بعد ذلك علي المحضر.

قال الراهب:

– كما تشاء يا صاحب الجلالة..

وسأله الملك:

–  لماذا تحيط نفسك بحرس من الفرسان المسلحين وبكل مظاهر الإسراف والبذخ التي سمعت عنها؟.

قال الراهب في هدوء:

– إني لم أفعل يا صاحب الجلالة أمراً ضد القانون، وكل ما أنفقه من مالي الخاص الذي ورثته عن أبي كما تعلم جلالتك.

قال له الملك:

– من المستحيل أن تقنعني بحسن نيتك..

قال رجل الدين:

– إن الله وحده هو الذي يعلم ما في القلوب.

وكثرت أسئلة الملك دون جدوى، فقد كان الراهب يجيب عليها إجابات معقولة.

خطة ومكر الملك

ولما نفد صبر الملك قال له:

– اسمع!. سألقي عليك ثلاثة أسئلة فقط، فإذا أجبت عليها إجابة صحيحة عفوت عنك، وإن عجزت عن الإجابة علي واحد منها أمرت بقطع رأسك، هل تقبل ذلك؟.

قال الراهب:

– سأبذل كل ما في استطاعتي يا صاحب الجلالة.

والتفت الملك إلي مستشاره الخاص وقال له:

– اكتب أنه قبل قطع رقبته إذا عجز عن الإجابة على أي سؤال من أسئلتي الثلاثة.

كان الراهب يعتقد أن هذه الأسئلة الثلاثة تختص بثروته وتصرفاته كالأسئلة التي سبق أن ألقاها عليه وأجاب عليها.

ولكن الملك قال له:

– إن السؤال الأول هو: في أي يوم سأموت؟ والسؤال الثاني هو: كم هي المدة التي أستغرقها إذا ركبت جوادي لأطوف حول العالم؟، والسؤال الثالث والأخير بماذا أفكر؟ وسأعطيك مهلة يوم واحد.

واشتدت الحيرة برجل الدين فقال للملك:

– يا صاحب الجلالة، إنها أسئلة صعبة ولا يكفي يوم واحد للإجابة عليها، أعطني مهلة أسبوعين.

قال الملك:

– أعطيتك مهلة أسبوعين فوقع الآن علي المحضر.

الراهب يغادر قصر الملك يفكر في الثلاث اسئلة الصعبة

ووقع رجل الدين علي المحضر ثم انصرف من القصر وهو حزين حائر لا يدري ماذا يفعل.

كان رجل الدين يعلم أن الملك جاد في تهديده ولاسيما بعد أن قبل هو ذلك..

واستشار رجل الدين بعض أصدقائه المقربين فلم يخبره أي واحد منهم بأي جواب على أي سؤال من الأسئلة الثلاثة..

ومر أسبوع..

ولم يبق له سوي أسبوع واحد ليعيشه!

فداء وتضحية

وفي عصر أحد الأيام كان يجلس الراهب في حديقة قصره وقد حمل رأسه بين يديه واستغرق في تفكير عميق، وإذا به يسمع صوتاً هادئاً يقول له:

– سيدي الفاضل، إنك أسديت إلي وإلي أسرتي الفقيرة كثيراً من الجمائل التي لن أنساها ما حييت، وما زلت أعيش في خير نعمتك إلي الآن، وقد لاحظت أنك حزين مهموم منذ بضعة أيام، وأنا علي استعداد لبذل حياتي من أجلك.

وكان الرجل راعي أغنامه.

فشكره رجل الدين وقال له:

– إن المشكلة أصعب بكثير من أن تجد لها حلاً.

ولكن الراعي ألح عليه حتي حدثه الراهب بتلك الأسئلة الثلاثة وأنه قبل أن يقطع الملك رأسه إن هو عجز عن الإجابة علي أي واحد منها.

وفكر الراعي قليلاً ثم ابتسم وهو يقول:

– سأجد لك الإجابة عليها.

وسأله الراهب في استغراب:

– انت؟

قال الراعي:

– نعم أنا! وإني أطلب منك ألا تذهب بنفسك إلي قصر الملك .. إنك تعلم أنني أشبهك شبهاً كبيراً في الوجه والهيئة، وسأذهب بدلاً منك، وسأرتدي ثيابك الدينية ولن يعرفني الملك، لأنه لم يشاهدك إلا مرة واحدة، فإذا أقنعته إجاباتي علي هذه الأسئلة الثلاثة نجوت أنا وأنت، وإذا لم يقتنع أكون سعيداً إذا ضحيت بحياتي من أجلك.

وشكره رجل الدين، وقال له إنه لا يقبل مثل هذه التضحية، ولكن الراعي أكد له أن الملك سوف يقتنع بإجاباته.

ولما سأله الراهب عن هذه الإجابات ابتسم الراعي وقال له:

– كن مطمئناً، لقد علمتنا أن الله يكون مع المظلوم علي الظالم، وأنا واثق من أن الله سينصرني وينصرك علي الملك.

الراعي يتكلم مع الراهب

الراعي في قصر الملك

ارتدي الراعي ملابس رجل الدين وذهب إلي قصر الملك.

واستقبله الملك وحسبه رجل الدين لأنه كان شديد الشبه به.

وقال له الملك:

– هل عرفت الإجابة علي أسئلتي الثلاثة؟

قال الراعي:

– إليك السؤال الأول، أيها الملك: ستعيش حتى اليوم الذي يعلم الله أنك ستموت فيه، ولن تعيش يوماً واحداً أكثر من ذلك واللحظة التي تموت فيها هي اللحظة التي تستنشق فيها أخر أنفاسك في هذه الحياة.

السؤال الثاني:

يجب أن تستيقظ عند شروق الشمس، وتركب جوادك وتظل سائراً به حتي تغيب الشمس وتشرق ثانية في اليوم التالي، فتكون قد سرت بذلك مع الشمس حول العالم في أربع وعشرين ساعة ..

وضحك الملك عالياً وقال:

– هذا صحيح! إنها إجابة لم تخطر ببالي من قبل.. والآن: المهم هو السؤال الثالث، ما الذي أفكر فيه الآن؟.

قال الراعي:

– إنك تظن أني الراهب جورج.

قال الملك: ومن أنت إذن؟

– ونزع الراعي عنه ثوب رجل الدين وقال: أنا راعي أغنامه.

وضحك الملك كثيراً، وأعجبته تضحية الراعي وسرعة بديهته، أمر له بمنحة مالية كبيرة وقال له:

– أخبر الراهب جورج أني عفوت عنه، ويسعدني أن يكون من أصدقائي المقربين، فرجل يستعبد قلوب الفقراء بجمائله هو رجل طاهر مخلص عظيم.

الملك يعفو عن الراعي والراهب

المصدر
قصة الملك والراهب - حكايات وأساطير للأولاد - المكتب العالمي للطباعة والنشر - بيروت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى