قصة الحطاب وجنية النهر

قصة الحطاب وجنية النهر هي قصة أطفال جميلة تعلم الأطفال الصغار أهمية السعي إلى العمل والتوكل علي الله وعدم الاستسلام للحزن والابتعاد عن الغش والرضاء بقضاء الله من خلال ما يحدث للحطاب في الغابة مع جنية النهر والمفارقة بينه وبين جاره الغني الخبيث.

حادثة مؤسفة

حريق مصنع كبير ويفقد عمله

سعيد عامل من عمال مصنع القماش، يخرج كل صباح من بيته، متوجهاً إلى عمله وهو كله عزم ونشاط وحيوية، ولا يعود إليه إلا في المساء، وفي يديه لعب وحلوى لطفليه الصغيرين اللذين ينتظران عودته.

ذات مرة شب حريق مهول في المصنع الذي يعمل فيه سعيد. تحطم المصنع عن آخره، ولم يبق منه سوى مكان مكدس بأكوام من الرماد وهياكل الأجهزة. تأسف سعيد للواقعة الأليمة التي حلت بالمصنع، مصدر رزقه.

مرت أيام وشهور وسعيد في الانتظار لعل وعسى أن يبنى المصنع وتصلح الأجهزة وتعود الحياة إلى ما كانت عليه من قبل. لكن للأسف الشديد، انتهى المصنع، وبدأت مأساة سعيد. واستحالت حياته إلى معاناة بعد ما كان ينعم بالهناء والهدوء والاستقرار.

يحاول البحث عن عمل

خيبة أمل

صار يخرج كل صباح للبحث عن عمل لكسب قوته اليومي، لكن المسكين يعود إلى البيت خائباً، خائر القوة. وقدماه متورمتان من كثرة المشي، وبنفس ثقيلة متعبة بالهموم، يستقبله طفلاه عند عتبة الباب باسطي ذراعيهما. فيحتضنهما إلى صدره، وقلبه يعتصر ألماً وحسرة، خوفاً من الفقر الذي صار يهدده. لا سيما أن ما ادخره من مال ومعونة أصبح على وشك النفاد.

ذات مرة كان جالساً على سجادة في فناء الدار، متكئاً إلى جذع شجرة الجوز، عيناه سابحتان في الفضاء الواسع وفكره تائه، وحوله طفلاه يلعبان وبجانبه زوجته فاطمة، التي كانت تشعر بما يقاسي زوجها، لكنها تكتم شعورها. وتتظاهر بالمرح لتخفف عنه آلامه وأحزانه. فجأة، وقع نظر سعيد على فأس معلقة على جدار في ساحة البيت.

حدق في الفأس ملياً حتى جحظت عيناه. ثم ابتسم ابتسامة عريضة، فتلاشى الحزن وزال الهم والغم عنه. وأشرق وجهه وانشرح صدره، وانتفض واقفاً، وقال لزوجته:

– وجدت عملاً، سأشرع فيه غداً. سألته فاطمة: أي عمل يا سعيد؟

رد عليها في كبرياء وبكل افتخار: الاحتطاب. الأهم هو العمل، وكسب مال الحلال بدلاً من استسلامي للفقر والجوع.

حطاب ماهر

في الصباح الباكر، خرج سعيد من بيته ومعه بعض الأغراض، والفأس على عاتقه، والفرحة تملأ قلبه.

لما وصل إلى الغابة، وجدها أجمل مما كان يتصورها. أشجار باسقة، كثيفة، ملتفة الأغصان. والزهور البرية بأشكالها وألوانها الزاهية، زادت الغابة جمالاً وبهاء. أما الطيور فقد ملأت الفضاء زقزقة وتغريداً. توغل سعيد في الغابة فأشرف على نهر عظيم منساب، وعلى ضفتيه نبات الخيزران، وهو نبات بالغ في الطول، لقد سبق لسعيد أن رأى من قبل هذا النبات وكيف يحضر لتصنع منه أغراض شتى.

يقرر الحطاب البدء في تقطيع الأشجار

فتزاحمت الأفكار في رأس سعيد. ووقف منبهرا، بما تزخر به الطبيعة من ثروة وجمال وهواء نقي.. بعد أن جال في الغابة واستمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة، شرع في جمع الأغصان الميتة اليابسة دون أن يؤذي الأشجار الفتية أو الأغصان الخضراء. وعند انتهائه من جمع الحطب أخذ في فرزه وتصنيفه وربطه حزماً. كما اقتلع بفأسه نبات الخيزران وبسكين عدله وسواه أليافاً ووضع الألياف في حفرة على صخرة تشبه حوضاً. وجلب إليها الماء من النهر وغطاها، لكي تصبح الألياف لينة مطواعة أثناء ضفرها وتشكيلها. نقل سعيد حزم الحطب إلى السوق فباعها. وبثمنها اشترى ما تحتاج إليه أسرته، وعاد إلى بيته مسروراً. حضرت فاطمة إبريقاً من الزعتر، وتحلقت العائلة حول المائدة، ترتشفه بذوق، وسعيد لم ينقطع لسانه عن ذكر ما شاهده، من جمال الطبيعة وسحرها، وفوائد الغابة التي لا تعد ولا تحصى.

حياة الحطاب سعيدة مع أولاده وأسرته

استمرت حياة سعيد على هذا المنوال، يجمع الحطب، ويضفر ألياف الخيزران. وكم كان يتفنن في تشكيل الأطباق والسلال والتحف، والعكاكيز للمسيين والعجزة، وعمله متقن للغاية، لذا سلعته لم تبر، بل تباع في يوم عرضها.

ضياع الفأس

وذات مرة إذ هو يتنقل في الغابة كعادته بحثا عن الحطب، رأى شجرة يابسة في منحدر، يجري من تحته النهر العميق. اقترب سعيد من الشجرة بحذر رويداً رويداً ليقلعها بفأسه فإذا بالفأس تفلت من يده وتقع في النهر، كان النهر سريع الجريان. تأسف سعيد للفأس التي ضاعت منه. وقال بحسرة: يا رب من أين لي بفأس أخرى؟ كانت سلاحي، بها حطمت الجوع الذي هدد عائلتي.

وبينما هو في تلك الحال يناجي ربه بقلب حزين، وعينين دامعتين، إذا بصوت يناديه: يا سعيد لا تحزن ولا تقنط خذ فأسك الذهبية. التفت سعيد مذعوراً نحو الصوت. فذهل لمنظر امرأة خارجة من أعماق النهر لم ير في حياته مثيلة لها.

الحطاب وجنية النهر

بعد برهة استرجع فيها أنفاسه. وبلسان متلعثم، قال لها: من أنت؟

ردت عليه قائلة: لا تخف مني ولا ترتبك، أنا ساكنة النهر وحارسة الغابة. خذ فأسك التي ضاعت منك.

ثم نظر إلى الفأس التي بيدها، فلم يغره اللون الذهبي اللماع، رد عليها بلهجة حزينة لا.. لا هذه ليست فأسي. غطست الجنية في قاع النهر ثم ظهرت ثانية، وقالت له: خذ فأسك الفضية يا سعيد.

رد عليها سعيد بصوت اليائس: يا ست الحسن أنا حطاب، عبد فقير، فأسي لا هي من ذهب ولا من فضة. قبل أن يتم كلامه اختفت الجنية في لمح البصر في مياه النهر، ثم صعدت وفي يدها فأس عادية طار سعيد من الفرحة، وقال بأعلى صوته هذه فأسي إنها لي.

أخذها من الجنية وشكرها من أعماق قلبه على مساعدتها وعاد راجعاً.

الحطاب وجنية النهر

لكن الجنية نادته قائلة: لا تستعجل الذهاب يا سعيد انتظرني سأعود إليك حالاً. غطست الجنية في النهر ثم ظهرت وفي يدها جرة من الدنانير الذهبية، سلمتها لسعيد وهي مرددة: خذ هذه هدية مني إليك، عد إلى بيتك سالماً غانماً وأسعد أسرتك. مد سعيد يديه ليمسك الهدية – الجرة – وهو غير مصدق نفسه أهو في حلم أم في يقظة؟ أخذ سعيد الجرة من ساكنة النهر وهو يرتجف وعيناه محدقتان فيها ولسانه عاجز عن التعبير. أمسك الجرة، وودع ساكنة النهر بنظراته دون أن ينطق بكلمة من شدة المفاجأة.

جنية النهر تعطي الحطاب جرة مليئة بالذهب

جزاء الكريم

انطلق يعدو كأنه يسابق الريح ومع ذلك كان يظهر له بيته بعيداً، وعند وصوله وجد زوجته وأولاده وحتى جيرانه في انتظاره منشغلين لطول غيابه. قص سعيد عليهم، كيف قضى وقته وما حدث له في الغابة وكانوا ينصتون إليه باهتمام كبير، وهم يعرفونه رجلاً صادقاً في أقواله وأعماله.

شكر سعيد كل الحاضرين عن انشغالهم به، ثم وزع عليهم بعض الدنانير الذهبية، اعترافاً لهم بمآزرتهم لأسرته، ووقوفهم معها أثناء غيابه. افترق الجميع، دخل كل واحد إلى بيته والكل يدعو لسعيد بالعمر المديد والصحة الجيدة والمال الوفير ولم يبق سوى رجل ثري، جشع، يسكن بالجوار، واقفاً بجانب سعيد. ولما اطمأن بأن لا أحد سواهما، طلب من سعيد تحديد ووصف مكان وجود الجنية. حدد سعيد المكان ووصفه لجاره الثري بدقة. أخذ الجار الثري الجشع كل المعلومات التي يحتاج إليها وعاد إلى قصره.

دخل سعيد إلى بيته، واستلقى على سريره ونام قرير العين. أما جاره الثري الجشع فقضى ليلته متألماً من شدة الحسد والغيرة خوفاً من أن يصبح سعيد غنياً وينافسه.

ينام الحطاب ليلاً بعد ما حدث مع  جنية النهر

الجار الحسود

في الصباح الباكر، استيقظ الرجل الثري، فاستعد للذهاب إلى الغابة وقبل مغادرة بيته، قال مخاطباً نفسه: سعيد فقد فأساً فعوضته له الجنية بجرة من الذهب، أما أنا فسأخذ معي فأسين لتعوضهما لي بجرتين وأصبح أغنى من سعيد، وأبقى الغني الوحيد في هذا البلد.

أخذ الرجل الفأسين وخرج من قصره متوجهاً نحو الغابة. ولما وصل، فتش عن المكان فوجده كما نعته له جاره سعيد. وقف مدة يتأمل المكان فإذا بالمكان حقاً مخيف، النهر سريع الجريان مياهه تفور فوراناً، لو حاول الاقتراب من الشجرة اليابسة؛ لانزلقت قدماه لا محالة، ووقع في النهر وجرفته المياه بغير رجعة. فكر قليلاً ثم خطر له أن يلقي بالفأسين في النهر، وعند ظهور الجنية يدعي أنهما أفلتتا منه.

الجار الخبيث الطماع يلقي جزاءه من جنية النهر

جزاء الطمع والخبث

وفعلاً ألقى بالفأسين في النهر، وانتظر قليلاً فإذا بالجنية تظهر وكأنها منزعجة منه، فخاطبته بلهجة جافة: من أنت وماذا جئت تفعل هنا؟ رد عليها: أنا حطاب يا ست الحسن جئت لأحتطب فوقعت فأسي في النهر ثم جئت بثانية فأفلتت هي الأخرى مني فوقعت في النهر.

غطست الجنية في قاع النهر ثم عادت بفأسين من الذهب الخالص.

فوقع نظره عليهما، فبهره لونهما الذهبي وصرخ قائلاً: هاتان الفأسان لي. مد يديه ليمسك بهما لكن الجنية غاصت بهما في النهر واختفت، بقي الرجل الماكر على ضفة النهر. منتظراً ظهورها، ورغم طول انتظاره لم يفقد الأمل مازال في مكانه يترقبها بلهفة وشوق. وهو يردد بين شفتيه: إن الجنية منهمكة في ملء الجرار بالذهب والدنانير. يا ترى كيف أنقلها إلى بيتي؟ هذا كثير علي؟

ثم قال: سأتفق معها اليوم على أخذ جرتين، وغداً أعود بعربة لنقل كل الجرار. وبعد طول الانتظار أدرك الرجل الماكر بأن الجنية لن تعود. ثم انتبه من غفلته وأدرك أن النهار انتهى، الشمس مالت إلى المغيب، والغابة متشعبة المسالك، فإن لم يخرج منها حالاً وبسرعة، سيصعب عليه بعد ذلك الخروج في الظلمة، وربما يتيه ويعرض نفسه إلى الهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى