قصة الحصان الغاضب

قصة الحصان الغاضب من قصص الأطفال الهادفة الجميلة التي تحكي عن الحصان “داحس” الساخط على حياته في المزرعة ويقرر مغادرتها ليعلم فيما بعد أن حياته في المزرعة هي أفضل ما يكون.

مزرعة هادئة وسعيدة

يحكى أنه كان في قديم الزمان حصان صغير الحجم اسمه داحس. كان جميلاً، ذا أنف ناعم كالمخمل، وفروة بنية تلمع كالكستناء المصقولة. وقد عاش في مزرعة له فيها أصدقاء كثيرون، واصطبل (بيت) حسن دافئ، وطعام كثير، وحقول خضر يركض فيها، ويُسر كثيراً. وكان له صديقان حميمان في تلك المزرعة؛ عجلة بيضاء اسمها فلة، وخنزير قرنفلي اسمه رورو.

داحس داخل المزرعة مع أصدقائه - قصة الحصان الغاضب

لا شك، أيها القارئ الصغير، في أنك توافق مثلي على أن داحس كان عنده كل شيء يجعله سعيداً، ولكنني يؤسفني أن أخبرك بأنه كان حصاناً صغيراً ساخطاً. لقد قالت له أمه، بفخر عظيم، عندما كان صغيرا جدا، إن جده البعيد البعيد كان من خيول السباق. في ذلك الحين لم يعر داحس قول أمه اهتماماً كبيراً، ولكنه عندما أصبح أكبر سناً صار يتذكر ذلك القول بين الحين والآخر، وأخيراً قرر أنه أرفع من أن يكون حصاناً للجر والعمل.

الحصان الغاضب داعش يسخط علي المزرعة ويتذكر حصان السباق جده

وهكذا صار كره الحصان داحس لعمله يزداد يوماً بعد يوم، وصار يتذمر حينما كان يشد إلى العربة لتسليم الحليب، أو أخذ المزارع إلى السوق، أو أخذ زوجته للزيارة.

وفي أحد الأيام الجميلة شد المزارع الحصان داحساً إلى العربة الصغيرة، واستعد للذهاب إلى السوق. وضع في العربة بيضاً طازجاً، وزبداً وجبناً، ووردا أحمر من حديقته، وتبرم الحصان البني كعادته، وتململ حتى أضطر المزارع إلى دعوة ابنه الصغير، لكي يمسك بالرسن، إلى أن ينهي استعداده للذهاب إلى السوق.

الحصان الغاضب يجر العربة إلي السوق

وأخيراً انطلقت العربة، وراح داحس يخب (يركض) على الطريق بسرعة. وكانت الشمس مشرقة، والعصافير تغرد، فأخذ المزارع يصفر لحناً قصيراً رائعاً.

وعندما اقتربا من سوق البلدة، سمع المزارع والحصان الحاناً موسيقية مرحة، وعندما دخلا ساحة السوق، نظر داحس حوله مندهشاً. كان يوم المهرجان، وكانت هنالك أرجوحات زورقية الشكل، وأرجوحة دوارة، ولعبة رماية على جوز الهند يربح الجوزات فيها من يصيبها. فنصب (رفع) داحس أذنيه مندهشاً.

يجر داحس العربة في الطريق من المزرعة إلي السوق

حصان ساخط

رأى داحس ما يستحق الفرجة، وقد سر كثيراً عندما وقف صاحبه في وسط السوق تماماً، وأخذ البيض والزبد والجبن والورد من العربة، ثم اختفى في شارع قريب.

كان كل مكان مملوءا بالناس، ولم ير داحس مثل ذلك العدد الكبير من الأولاد طول حياته. فبعضهم كان يطير في الهواء في الأرجوحات الزورقية، وهم يصيحون ويضحكون، وبعضهم ينطلقون في الأرجوحة الدوارة وهي تئز بهم، وسط أنغام الموسيقى.

يزيد سخط الحصان الغاضب داحس علي حياته عندما يري السوق

وكان عدد كبير منهم قد اشتروا بالونات ملونة من عجوز صغيرة الحجم، وراحوا يركضون بها، وهي مربوطة بخيوط طويلة، ثم عرض أحدهم مشهداً قره كوزَيا (بالدمى المتحركة)، يتخاصم فيه “يانش” الأحدب المعقوف الأنف، وزوجته “جودي” على نحو مثير للضحك، فسر داحس كثيراً جداً بذلك المشهد. لقد أضحكه يانش، وأسف داحس كثيراً لانتهاء العرض.

في ذلك الحين استرعت انتباهه الأرجوحة الدوارة. وقد دهش كثيراً عندما رأى الأولاد لا يجلسون على الكراسي أو المقاعد، كما كان يظن، بل يركبون خيولاً، ويا لها من خيول!

ينبهر الحصان داحس بأحصنة الأرجوحة عندما يرها

كانت تلك الخيول مخلوقات فاخرة، ذات عيون كبيرة براقة، وأنوف واسعة شامخة، وكانت أعرافها (شعر أعناق الخيول) الطويلة وأذنابها تسبح في الهواء وراءها، وكانت تضرب بأقدامها الأمامية الهواء، وكانت فراؤها قرمزية، تزينها لمسات ذهبية هنا وهناك.

لم يتصور داحس قط أن مثل تلك المخلوقات الرائعة موجودة في الدنيا. وقف هادئاً تماماً، ورقبته ممدودة، وعيناه ممتلئتان إعجاباً، وفجأة ضرب الطريق الصلبة بحافره، فأطار شرارة في الهواء، ثم هز رأسه بحيوية ظاهرة.

يتمني داحس حياة أحصنة الأرجوحة السعيدة

ثم قال لنفسه: ((طبعا، طبعا، ذلك هو المكان الذي يجب أن أكون فيه.))

((هذا هو نوع الحياة الذي يلائمني، تلك هي الطريقة التي يجب أن يحياها حفيد حفيد حفيد جواد للسباق. سأنضم إلى تلك الخيول اللامعة فوق مسطبتها المذهبة؛ سوف تكون مستعدة جدا للترحيب بي عندما تسمع عن جد جد جدي.))

عاد المزارع في تلك اللحظة، وانطلق مع داحس عائدين إلى المنزل.

يعود الحصان الغاضب إلي المزرعة يجر العربة

أحلام وردية

ما كاد الحصان الصغير يطلق سراحه في الحقل، حتى ركض إلى السياج، لأنه كان يعلم بأن العجلة فلة ستكون في الجانب الآخر من الحقل. وطبعا جاءت راكضة عندما سمعت صهيل (صوت الحصان) داحس الخفيف.

فقالت له، وهي تلهث قليلاً: ((مرحبا، هل قضيت وقتاً ساراً؟ ما أسعدك! كم أتمنى أن أساق إلى السوق!))

فقال داحس: ((أأنا سعيد؟ لا أظن أنني سعيد أبداً. أصغي إلي يا فله، إنني سأغادر المزرعة هذه الليلة.))

يناقش الحصان الغاضب خطة الهروب من المزرعة

فقالت له فله بصوت فيه دهشة كبيرة: ((ستغادر المزرعة! ما الداعي لذلك؟)) ثم ازدادت اقتراباً من السياج، لكي ترى داحساً بشكل أكثر وضوحاً.

فحدثها داحس مطولاً عن خيول الأرجوحة الدوارة، وكيف قرر أن يصبح واحداً منها. فبدت العجلة الصغيرة البيضاء حزينة، وقالت له: ((لا تذهب يا داحس، ابق معنا فأنا والخنزير رورو سوف يحزننا فراقك كثيرا جدا.))

يودع داحس الحصان الغاضب صديقته العجلة فلة في المزرعة قبل المغادرة

ولكن الحصان البني كان مصراً على الذهاب، وعندما التقى رورو أخبره عن خطته بالتفصيل.

فقال له رورو: ((لا تذهب يا داحس، انس كل شيء عن تلك الخيول البليدة الحمر، وأبق هنا معنا. سنستوحش لك كثيراً أنا وفله.)) ولكن داحس لن يقبل نصيحة من أحد، مع أنه، عندما ودع العجلة فلة والخنزير رورو بعد ذلك، شعر فعلا بأنه مكتئب جداً، وود لو استطاع أخذهما معه.

يودع الحصان الغاضب داحس صديقه الخنزير رورو

مغادرة المزرعة

وفي وقت متأخر من تلك الليلة، عندما كان كل شيء هادئاً، وانطفأت الأنوار في بيت المزرعة، خرج داحس بصعوبة من فتحة في السياج، وأصبح في الطريق العام. ثم صهل صهيلاً خفيفاً قائلاً: ((وداعا أيتها المزرعة!)) ثم سار بسرعة نحو البلدة.

لم يكن الظلام شديداً؛ لأن القمر كان طالعاً، ولكن الهدوء والسكون كانا تامين. وفي طريقه التقى كلبا يركض على الطريق، فأفزعه؛ ولكن الكلب كان مستعجلا، فلم يقل سوى ((ليلة سعيدة)) بينما كان ينطلق مسرعا.

يغادر الحصان الغاضب المزرعة ليلاً

وأخيراً وصل داحس إلى ساحة السوق، وهناك وجد كل شيء صامتاً ومهجوراً. كانت الأرجوحات الزورقية هادئة، لا تبدي حراكاً، ومرمى جوزات الهند خاوياً، والأرجوحة الدوارة، ذات الخيول القرمزية، كانت مهجورة.

وقف داحس في ظل جدار، وانتظر قليلاً. نظر حوله، فلم يجد أحداً. وحاول الإنصات فلم يسمع صوتاً واحداً، واتجه نحو الأرجوحة الدوارة بهدوء تام؛ وبقلب شديد الخفقان صعد إلى حصان أعجبه كثيرا جداً.

يعجب الحصان برؤية أحصنة الأرجوحة

خيول الأرجوحة

فقال له بأسلوب مهذب جداً: ((عفواً. هل تظن أن في وسعك التحرك قليلاً، لتفسح لي مكانا؟ إن جد جد جدي كان من خيول السباق، وأنا أود الانضمام إليك وإلى أقربائك.))

فلم يقل له الجواد القرمزي شيئاً. فنظر إليه داحس، وسعل قليلاً، وانتظر. وظل الحصان القرمزي صامتاً، لذا انتقل داحس إلى الحصان التالي.

قال له بالأسلوب المهذب كالسابق: ((عفوا، عفوا، هل لك أن تتلطف، وتتحرك قليلاً، لتفسح لي مكاناً؟))

يتحدث الحصان البني داحس إلي أحصنة الأرجوحة الخشبية ولا أحد يرد عليه

((إن جد جد جدي كان حصان سباق، وأود أن أصبح واحداً منكم.))

ولكن الجواد الثاني لم يقل شيئاً، واستطاع داحس أن يرى عينيه تلمعان في نور القمر، وتعجب من سكوته. ولكنه بعد أن جرب جواداً آخر، ثم جرب آخر، اعتقد أنها جميعًا نائمة، وأنها لا ريب تنام وعيونها مفتوحة.

ثم قال لنفسه: ((يجب أن لا أزعجها، سأنتظر حتى الفجر، موعد صحوها من نومها.))

يقرر الحصان الغاضب داحس الانتظار بجوار أحصنة الأرجوحة

ثم انتقل ليقف إلى جانب عربة مقفلة كأنها بيت صغير مصبوغ، قائم على دواليب.

انتظر الحصان البني بصبر مدة من الزمن، وكان نائماً تقريباً عندما أيقظه صوت صادر من العربة.

قال ذلك الصوت: ((يا سليم! يا سليم! ما هذه الضجة الغريبة في الخارج؟ يبدو كأن أحدا يشخر.))

فأجاب صوت آخر خافت جداً: ((لا أحد، عودي إلى النوم.))

يسمع داحس صوت شخص قادم من العربة

فقال الصوت الأول ثانية: ((ولكن يوجد حقاً شيء هناك يا سليم، لا بد من ذهابك لترى ما هو.)) كان داحس موشكاً على الابتعاد عن ذلك المكان، عندما سمع صوتاً، ثم رأى رجلاً يخرج من العربة. كان لا يرتدي سوى قميص وسراويل، وكان شعره منتصباً.

ثم قال: ((يا لحسن الحظ، لقد كنت مصيبة يا مريم. إنه جواد صغير! من أين أتى يا ترى! سأربطه إلى الدولاب هنا.)) ثم شده الرجل شداً قوياً، وعاد إلى العربة.

يخرج أصحاب أحصنة الأرجوحة من العربة ويجدوا الحصان داحس أمامهم

حياة جديدة

يجب أن يفلت من رباطه – ويعود إلى المزرعة. وإذا كان لا بد من جر العربات، فإنه يفضل أن يجر عربة صاحبه، دون أية عربة أخرى في العالم. وراح يشد الحبل الذي يربطه إلى الدولاب، وكرر ذلك مراراً، إلى أن سمع صوتاً خشناً يطلب إليه التزام الهدوء.

خاف الحصان البني الصغير من أن يتحرك، ولم يمض وقت طويل حتى استغرق في النوم. أغلق أجفانه، وانخفض رأسه أكثر فأكثر؛ وحلم أنه حصان أرجوحة دوارة.

يربط أصحاب الأرجوحة الحصان الغاضب داحس في العربة

لمعت عيناه، وقد صبع بلون قرمزي جميل. وحافراه الأماميان يضربان الهواء، وعرفه الطويل وذيله يسبحان في الهواء خلفه. وما كان أعظم حماسة داحس عندما بدأت الموسيقى العالية، وأقبل كثير من الأولاد راكضين إلى الساحة. ها هو يدور ببطء، وعلى ظهره فتاة صغيرة.

دار ثم دار، وازدادت سرعته ثم ازدادت، واستمر عزف الموسيقى، وبعد وقت قصير بدأ داحس يشعر بدوار (دوران يأخذ في الرأس) خفيف.

يحلم الحصان الغاضب داحس بحياته كحصان أرجوحة

شعر أن رأسه دائخ وأنه يكاد يتقيأ، وتمنى لو يتوقف عن الدوران. ثم توقف، ولكن المدة كانت قصيرة، وبعد ذلك بدأ يدور ثانية، وعلى ظهره صبي صغير. وازداد ارتفاع صوت الموسيقى؛ فسبب ذلك له صداعاً (ألماً في الرأس). وشعر بدوخة شديدة، ثم صار الصبي الصغير الذي على ظهره يضرب رأسه بقبضته، ويركله (يرفسه) بكعبيه.

يفزع الحصان الغاضب عندما يعيش حياة حان الأرجوحة في الحلم

هل هذه إذن هي حياة حصان الأرجوحة الدوارة؟ كم كان مخطئاً …. آهِ، حبذا ….. ثم استيقظ.

كان الصباح قد أقبل، واستطاع داحس أن يسمع بلبلاً يغرد. يا الفرح! لا يزال كما كان، ولم يصبح حصان أرجوحة دوارة على كل حال. وبينما كان يرقص سروراً، خرج الرجل من العربة، وبدأ يفك الحبل المربوط بالدولاب.

صل داحس، عندما نتر الحبل من يد الرجل، قائلاً: ((إما أن أهرب الآن، أو لا هرب أبداً!)) وراح يعدو (يركض) على طول الطريق بأقصى سرعة.

يقرر الحصان الغاضب داحس الهروب والعودة لحياته في المزرعة

العودة للمزرعة

وبينما كان عائداً إلى مزرعته، قال لنفسه: ((كانت فلة و رورو مصيبين عندما قالا إن المزرعة هي أحسن مكان…. أما أن أكون حصان أرجوحة دوارة، فذلك أمر فظيع. لا أستطيع أن أتصور كيف تطيق تلك الخيول الحمر ذلك. ولكن لا أظنها، مع ذلك، خيولا حقيقية. ليست سوى خيول مصنوعة من الخشب. كم كنت غبيا!)) وضحك داحس من نفسه، بينما كان يشق طريقه خلال الفتحة في السياج، ليعود إلى حقله ثانية.

يعود داحس إلي المزرعة

فسمعته فلة في الحال. وسرت كثيرا بعودته، وأسرعت لتنقل الخبر السار إلى رورو. وفي صباح اليوم التالي دهش الفلاح كثيراً عندما وجد حصانه، وفي فمه لجام.

حمد داحس حسن حظه، لعودته ثانية إلى بيته، بين أصدقائه. لقد صار يتمتع كثيراً بعمله؛ وفي الحقيقة أصبح مسروراً جداً، بحيث أنه – بعد فترة من الزمن – نسي كل ما يتعلق بجد جد جده، حصان السباق العريق.

يقد الحصان الغاضب داحس حياته في المزرعة ولم يصبح ساخطاً بعد الأن - قصة الحصان الغاضب

المصدر
قصة الحصان الساخط - سلسلة قصص الحيوانات - محمد العدناني - مكتبة لبنان ناشرون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى