قصة عصفور الشتاء المغرد

تعرف على قصة ومغامرة عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء للحصول على الخيوط الفضية للحصول علي رضا زوجته وبناء عشهم الجميل.

بداية فصل الشتاء

كان الطقس بارداً جداً، فالثلج يغطي الأرض، وحافات السقوف أصبح ماؤها خيوطاً من جليد تتدلى منها. وتجمدت مياه البرك، وراح الأولاد يركضون هنا وهناك بوجوه وردية وأنوف قرنفلية. وبقي أبو الحناء “سوسو” وأم الحناء “سوسن” طول النهار في زاوية مخزن الحبوب، ولم يجترئا على الخروج إلا عندما يجوعان. وكان وجدان الطعام صعباً جداً؛ وكانت جميع الحشرات التي يحبها سوسو وسوسن مخبأة في الشقوق، حتى العنكبوت اختفى عن أعينهما.

الأولاد يلعبون بالثلج في بداية فصل الشتاء - قصة عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء

ومع ذلك كان هنالك مكان واحد، عرفا أن من المرجح أن يجدا فيه شيئا لكي يأكلاه. وذلك المكان هو عتبة شباك غرفة الأولاد في المنزل الكبير؛ اذ كان الأولاد يضعون عليها فتات الخبز مرتين أو ثلاثاً كل يوم. لقد أحسن العصفوران بذهابهما إلى عتبة الشباك تلك، وإلا كانت أحوالهما هما قد ساءت كثيراً.

الأولاد ينثرون فتات الخبز علي الشباك للعصافير

وفي أحد الأيام التي اشتد فيها البرد كثيراً، حط العصفوران على عتبة الشباك.

ثم قالت سوسن بعد هنيهة: ((ما أحسن حظنا! إن فتات الكعك اليوم هو أحسن فتات أكلناه، والزبيب لذيذ الطعم.))

وقال سوسو في أثناء نقداته بمنقاره: ((لقد سرني يا عزيزتي أن الفتات قد أعجبك. أما أنا فيعجبني فتات الخبز الجاف أكثر من فتات الكعك.))

وبعد راحة قصيرة قالت له سوسن: ((يا سوسو! ما هذا الذي أراه داخل الغرفة؟))

عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء يأكل فتات الخبز علي الشباك

غرفة مبهجة وكبيرة

التقط سوسو قطعة كبيرة من الفتات، وراح ينط مقتربا من النافذة، ونظر إلى داخل الغرفة. فرأى في طرفها البعيد شجرة عيد الميلاد. وكانت عالية حتى كادت تصل إلى السقف، ولونها أخضر، وأغصانها كثيرة، فيا له من منظر جميل. وقد تدلت منها كرات ملونة من الزجاج المنير، وفرقاعات زاهية اللون تشتمل على هدايا، وأكياس مملوءة بالحلوى، ولعب صغيرة، وحيوانات صغيرة من جميع الأنواع. ووزعت الشموع غير المضاءة على جميع أجزاء الشجرة، وتدلت من كل غصن خيوط طويلة فضية تحمل أنواعاً من الزينات اللامعة.

أبو الحناء ينظر إلي غرفة الأولاد وهي مليئة بالأشجار والزينة

فحدق كلا العصفورين في الشجرة مدة من الزمن، ثم قالت سوسن لزوجها: ((إنني أحب كل تلك الخيوط الفضية البراقة، ألا تحبها أنت؟)) ولكن، قبل أن يتمكن سوسو من إجابتها، جاءت خادمة إلى النافذة لتنفض ممسحة الغبرة، ففزع العصفوران، وعادا طائرين إلى مخزن الحبوب.

يعود الطائر أبو الحناء وزوجته إلي عشهم في مخزن الحبوب

تجمع في الطقس البارد عدد كبير من العصافير الصغيرة في المخزن، قبل حلول المساء. وقد دخلته من نافذة مكسورة الزجاج، ومن باب لا يغلق جيداً. ودارت الثرثرات والزقزقات بينها، عندما راح يحدث بعضها بعضاً عن مغامراتها في ذلك اليوم. وكانت عصافير الدوري أكثرها ضجيجاً، وكادت الزرازير تكون مزعجة مثلها.

يتحدث عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء إلي زوجته عما حدث اليوم

كنز في الغرفة

قال سوسو لسوسن في ذلك المساء. بينما كان أحدهما يجلس قريبا من الآخر: ((إنك هادئة جدا يا عزيزتي، هل أزعجك شيء؟)) فرفعت سوسن رأسها إلى زوجها، ثم خفضته، وتنهدت.

وقالت له: ((أريد قليلاً من تلك الخيوط الفضية البراقة لعشي في الربيع. تصور كم ستبدو جميلة عندما أحوكها هنا وهناك! وكم سيكون شديداً إعجاب كل إنسان بها!))

فأجابها سوسو بسرعة: ((لا. لا. يا عزيزتي! إن هذا لن يفيدنا أبداً: لأن هذا النبات قد يجعل عشنا يشع كثيراً. بحيث يراه الأولاد، فيأتون ويسرقون بيضنا!))

زوجة أبو الحناء تطلب منه إحضار الخيوط الفضية لبناء العش

فأجابته سوسن، وعيناها اللامعتان تنظران إليه بلهفة: ((آه لا، لن يفعل الأولاد ذلك، وسوف يظنون أن هذا النبات ليس سوى قطرات من الندى تلمع في الشمس. أرجوك يا عزيزي أن تجلب لي قليلا منه، إنك عصفور شجاع جدا. إنني أخاف كثيراً من الحصول عليه بنفسي.))

وبينما كان أبو الحناء يوشك أن يجيبها، فتح باب المخزن محدثا صريراً (صوت انفتاح الباب)، فسكتت الطيور كلها. ثم دخل رجل حاملاً فانوساً، أضاء المكان بتوهجه الوردي.

عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء وزوجته في العش داخل مخزن الحبوب

فملأ طاسا من خابية القمح، ثم خرج تاركاً المخزن في ظلام، كما كان من قبل.

ثم قالت سوسن لسوسو برقة: ((هل ستجلب لي قليلاً من ذلك النبات؟)) فنظر أبو الحناء إلى زوجه الصغيرة. لقد أحبها أن تفكر بأنه شجاع، وأحب أن تنال ما تريد. ولكنه خشي المغامرة بدخول غرفة الأولاد. لذا قال لها: ((يا عزيزتي! سوف تنسين قريباً كل شيء عن هذا النبات. هل لنا أن نتكلم في موضوع آخر؟))

زوجة أبو الحناء تصر علي طلبها الخيوط الفضية من غرفة الأولاد

فقالت سوسن بصوت رقيق جداً: ((آه يا عزيزي، لقد ظننت…)) ثم تدحرجت دمعة ببطء إلى منقارها. ثم هزت جناحيها، وقالت: ((حسنا يا عزيزي! سأحاول أن لا أفكر فيه ….)) ولكنها ما كادت تلفظ قولها الجريء، حتى أنهته بتنهد عميق.

فالتفت إليها سوسو فوراً، وقال لها بلطف: ((لا تبكي يا عزيزتي! طبعا سأحضر لك قليلا منه. وسوف يكون أول شيء أحضره غداً.)) ثم وضع كلا العصفورين الصغيرين رأسه تحت جناحه، ونامَ.

ينام عصفور الشتاء المغرد ابو الحناء وزوجته في العش

أمنية الخيوط الفضية

كان الثلج يتساقط بشدة في صباح اليوم التالي. وكانت الرياح قوية جداً. بحيث لم يكن أي عصفور صغير آمنا على نفسه إذا خرج. وجلس سوسو وسوسن في زاويتهما، يتحادثان قليلاً وينامان قليلاً، وجوعهما في ازدياد طول الوقت. وفي العصر توقف نزول الثلج. وأشرقت الشمس. ثم خرج الأولاد من البيت يقفزون، وبعد قليل أصبحوا مشغولين بصنع رجل من الثلج.

الأطفال تصنع رجل الثلج في الشتاء

أخذ البستاني مكنسته، وراح يكنس الثلج من الممرات، وطار سوسو وسوسن معاً إلى شجرة. تشرف على نافذة غرفة الأولاد، وأشرقت عينا سوسو حينما رأى الثلج قد أزيل عن العتبة، التي كان فتات الخبز قد رش عليها.

ثم قال لسوسن مسروراً: ((إن الطعام يجعلنا دائماً أكثر شجاعة.))

أبو الحناء ينظر إلي غرفة الأولاد من بعيد

ثم راحا يأكلان الفتات، وكانت سوسن مشغولة بالنظر إلى النبات الفضي من النافدة. بحيث لم تعلم أنها كانت تأكل فتات الخبز بدلا من فتات الكعك.

وبعد أن أكل الفتات كله، قال سوسو: ((اذهبي الآن يا عزيزتي سوسن، وانتظري في شجيرة الآس البري، وأنا سأرى ما يمكنني عمله لك.)) ثم نفخ صدره الأحمر افتخارا.

ذهب سوسو إلى الشباك. فوجده مفتوحاً قليلاً من أعلاه، ورأى الغرفة خالية من الناس. فدخل من الشباك، وحط فوق خزانة صغيرة.

يقرر عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء علي دخول الغرفة لإحضار الخيوط الفضية

شجاعة أبو الحناء

أدار أبو الحناء رأسه لينظر إلى شجرة عيد الميلاد، فكاد يطير عقله من الخوف. لقد رأى بالقرب منه فما كبيراً مفتوحاً، ذا أسنان كبيرة جداً، ورأى عينين تحدقان إليه بشراسة، فظن سوسو أن مخلوقاً مخيفاً كان على استعداد لابتلاعه، ولم يعلم أن ذلك المخلوق لم يكن سوى حصان هزار.

ينظر عصفور أبو الحناء إلي حصان خشبي هزاز

لقد خاف سوسو جداً، فطار إلى كرسي على الجانب الآخر من الغرفة. وما كاد يصل إليه، حتى طار ثانية. ووقف هذه المرة فوق ستائر الشباك. وهو يرتجف فرأى دمية (لعبة) كبيرة جالسة على الكرسي. وكانت ذات شعر أشقر وعينين كبيرتين زرقاوين، لا تحدقان إلا فيه، ثم نظر إلى بقية ما في الغرفة، فرأى عيونا أخرى موجهة إليه، وشاهد على أرض الغرفة لعبة على شكل دب يحدق فيه بشراسة. ورأى في الزاوية جندياً خشبياً واقفاً. يسدد إليه بندقيته.

أبو الحناء في غرفة الأولاد وهي مليئة باللعب والهدايا

فقال سوسو لنفسه: ((أعني يا ربي! ماذا يجب أن أصنع؟)) ثم نظر إلى ما في الغرفة ثانية، فأدرك أنها لم تكن سوى لعب، وكانت جميعها لا حياة فيها، كالأشياء التي على شجرة عيد الميلاد. فتنفس الصعداء (تنهد تنهداً عميقاً دلالة على زوال الخوف). ثم هبط من مكانه، ووقف على كرسي الدمية، وراح يشد لها شعرها، ثم نقر أنف الدب، ولكنه لم يقرب الحصان الهزاز، وطار إلى شجرة عيد الميلاد.

دمية علي شكل فتاة شقراء بجوار عصفور أبو الحناء

كانت الزخارف تلمع، والكرات الزجاجية تشع على ضوء النار. والدمى الصغيرة تنظر إليه بعيون صغيرة.

انشغل سوسو جداً في البحث عن الخيوط الفضية البراقة، ليحملها إلى سوسن. وبينما هو كذلك كاد عقله يطير من شدة الرعب؛ إذ فتح الباب فجأة، وامتلأت الغرفة بالأولاد والكبار، ثم أغلق الشباك. وأنزلت الستائر، وراح الأولاد يقفزون هنا وهناك حول الشجرة. وهم يتحدثون عن جمال الشجرة. ويصيحون طالبين إضاءة الشموع. فخاف سوسو كثيراً. ولم يستطع التحرك.

يدعي عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء أنه دمية مثل باقي الألعاب

حبيس في الغرفة

فجثم سوسو على الغصن، وهو يرتعد من شدة الخوف، وراح يحدق، وهو صامت، إلى الناس حوله من خلال الأغصان، مؤملا أن لا يراه أحد. ثم خاف خوفاً شديداً جداً، عندما بدأ رجل طويل بإشعال الشموع. فضحك الأولاد وانصرفوا إلى الثرثرة، ولكن سوسو راح يقلص نفسه أكثر فأكثر، متسائلاً عن الوقت الذي ستحرق فيه الشموع أطراف ریشه.

صاحب المنزل يضيئ الشموع علي شجرة الكريمساس

وبعد قليل رقص الأولاد حول الشجرة، وهم يغنون، ثم صاح الرجل الطويل قائلا: ((حان الآن وقت الهدايا.)) فاختارت أولى البنات الصغار كرة من المطاط، ذات لون أزرق وأخضر، وأختار صبي صغير قطاراً. أما الثالثة فكانت بنتا نحيفة جداً، وقد طلبت بخجل لعبة كانت موضوعة في أعلى الشجرة. ووقف الرجل الطويل على كرسي ليصل إليها ويجلبها لها.

ثم سمع سوسو بنتاً أخرى تقول: ((أرجوك أن تعطيني اللعبة أبا الحناء.)) فخاف سوسو المسكين كثيراً. وكاد قلبه يتوقف عن الخفقان.

فقال لها الرجل الطويل: ((أتريدين اللعبة أبا الحناء؟ ولكن لا أظن أن على الشجرة لعبة من هذا النوع.))

الفتاة تطلب من أبيها إحضار اللعبة أبو الحناء

فأجابته البنت مندهشة: ((هنالك لعبة من هذا النوع، أنظر!)) ثم أشارت بإصبعها إلى سوسو، فنظر إليه الجميع. فقال الرجل الطويل: ((إذا هنالك واحد، ولا أدري كيف وصل إلى هناك.)) وذهب إلى الجانب الآخر من الشجرة، ليحضر كرسياً ويقف عليه.

فارتجف سوسو كثيراً من الخوف، حتى ظن أنه سيقع عن الشجرة. فإذا لم يقم بعمل سريع، فإنه سيبقى هناك اللعبة أبا الحناء – في غرفة الأولاد تلك، مع الدمية ذات العينين الجامدتين، والحصان المخيف. ماذا يستطيع أن يفعل؟ وبدأ رأسه يدور من الحيرة.

يخاف عصفور أبو الحناء مما قد يحصل عليه وهو واقف علي شجرة الكريسمامس

غناء عصفور الشتاء أبو الحناء

ثم عرف فجأة ماذا يحب أن يفعل، عرف أن الحكمة الكبرى تفرض عليه أن يري جميع الناس أنه عصفور حقيقي حي، لا لعبة جامدة لا حياة فيها.

ثم توقف عن الارتجاف، وفرد جناحيه، وطار إلى أعلى غصن في الشجرة. وهناك رفع رأسه عالياً، وفتح منقاره الصغير، وراح يغني بأعلى صوته. وارتعش بلعومه، والتمع صدره التماع التوت البري الأحمر، الذي كانت الغرفة مزينة به. فصاح الصغار والكبار قائلين: ((لقد ظهر أنه عصفور حقيقي، ما أجمله!))

يغرد عصفور الشتاء أبو الحناء فوق شجرة الكريمساس

كانت العيون كلها متجهة إلى سوسو وهو يغرد، ويصفر، ويزقزق، وعندما توقف عن ذلك أخيراً، صفق الجميع له، وأزاح الرجل الطويل الستائر، وفتح النافذة.

ثم قال له: ((شكرا يا أبا الحناء الصغير؛ لأنك صيرت شجرة عيد الميلاد هذه أحسن شجرة عرفناها. طر الآن إلى عشك سالما.))

وقال له الأولاد، وهم يلوحون بأيديهم، بينما كان يطير في الهواء البارد القارس: ((وداعا يا أبا الحناء الصغير، وداعا.)) وكان سروره بحريته عظيماً جداً، بحيث لم يفكر أبداً بالخيوط الفضية البراقة.

تشعر جميع الأسرة بالفروح والسرور لغناء وتغريد عصفور الشتاء أبو الحناء

حرية عصفور الشتاء المغرد

استطاع سوسو أن يطير رأساً إلى شجيرة الآس البري؛ لأن الظلام لم يكن شديداً. وهناك رأى أم الحناء سوسن في حالة فلق شديد، وقد سرت كثيراً بعودته سالماً، ولم تعر الخيوط الفضية البراقة أي اهتمام. عادا معاً طائرين إلى مخزن الحبوب، وهناك أصغت سوسن، وهي فاتحة منقارها من شدة الدهشة، إلى قصة مغامرات سوسو.

وعندما ذاب الثلج، وازرق لون السماء، بعد أسبوعين أو ثلاثة، وبعدما أصبح الطعام كثيرا ثانية، وجد سوسو شجرة عيد الميلاد في الحديقة.

عصفور الشتاء المغرد ابو الحناء يعثر علي شجرة الكريمساس بالخارج

كانت بعض الخيوط الفضية البراقة لا تزال تتدلي منها. وعندما أدار البستاني ظهره. طار سوسو إليها متلهفاً، وأخذها إلي سوسن. فسرت بها كثيراً، وخبأتها، وعندما أنهت بناء عشها في الربيع، أعجب به جميع من رآه.

يحصد أبو الحناء علي الخيوط الفضية ليزين بها عشه - قصة عصفور الشتاء المغرد أبو الحناء

المصدر
قصة أبو الحناء الحكيم - سلسلة قصص الحيوانات - محمد العدناني - مكتبة لبنان ناشرون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى