قصة النملة والصرصور

تحكي قصة النملة والصرصور للأطفال الصغار أهمية العمل والنشاط والابتعاد عن الكسل والتخاذل فمن يجد في العمل يحصد ثمرة عمله واجتهاده من خلال هذه القصة الجميلة بالكلمات والصور.

قصة النملة والصرصور

فصل الصيف السعيد

ذات أمسية من فصل الصيف الجميل خرجت رجاء تتنزه في الغابة مع جدتها، فسمعت صوتاً أفزعها؛ إذ هي للمرة الأولى تسمع مثل هذا الصوت، فسألت جدتها: أتسمعين هذا الصوت يا جدتي؟!

الجدة وحفيدتها تجلس في الحديقة

ضحكت الجدة وقالت: نعم بنيتي! إنه صوت الصرصور.

قالت رجاء باستغراب وخوف وهي تتشبث بثوب جدتها: هيا نعد إلى البيت، أنا خائفة منه يا جدتي!

ضحكت الجدة كثيراً، وقالت لها وهي تضمها إلى صدرها: لا تخافي يا عزيزتي! الصرصور حشرة صغيرة، لا يتعدى طولها بضعة سنتمترات وليست من الحشرات المؤذية.

لاحظت الجدة أن القلق لا زال يظهر على رجاء، فدعتها للجلوس. قعدت الجدة وأجلست رجاء في حجرها، وصوت الصرصور لم ينقطع.

قالت الجدة مبتسمة: إن هذا المكان مناسب لأقص عليك حكاية، قصتها على جدتي وأنا في مثل سنك. ابتسمت رجاء ابتسامة عريضة، فاعتدلت في جلستها وهي تتابع بانتباه بالغ كلام جدتها.

– الجدة تشير بأصبعها إلى منملة: أنضري يا بنيتي إلى هذا الوكر، إنه قرية النمل، وهذه الحشرة الصغيرة تسمى النملة، وهي رمز النشاط والعمل الدؤوب، يضرب بها المثل في الاجتهاد والصبر، فهي تعمل وتسعى، لا تكل ولا تمل ولا تثنيها المصاعب، تعيش في مجموعات كبيرة كما تشاهدين. تتعاون مع بعضها، في مجتمع حير العلماء والمهندسين في نظامه ونمط معيشته.

النملة النشيطة والصرصور المتكاسل

أما هذه الحشرة المصرصرة فيضرب بها المثل في الكسل والتراخي، سكتت الجدة برهة تستحضر القصة ثم قالت: سأقص عليك قصة النملة والصرصور.

الجدة: انتهى فصل الصيف الجميل الذي تنضج فيه الفواكه والخضر، وتتعدد أنواعها، وفيه يطول النهار ويقصر الليل.

بداية فصل الشتاء

وجاء فصل الخريف، فقصر النهار، وطال الليل، جنى الفلاح الثمار ففرعت الحقول من الحبوب والفواكه، واصفرت أوراق الأشجار، فعبثت بها الرياح ونثرتها هنا وهناك، انخفضت درجة الحرارة، فهجرت الطيور أوكارها، وصارت الحقول خالية موحشة. وبدأت زخات المطر تتساقط، فوجد الصرصور نفسه في العراء، لا مأوى له ولا غذاء، شعر بالوحشة، وراح يبحث عن مكان يقيه من هبوب الريح وسقوط المطر، فلم يحد سوى بعض الشقوق في تجاويف الشجر، فالتجأ إليها.

وما أن حل فصل الشتاء حتى ازداد الجر برودة وزاد المطر تهاطلاً بغزارة، وكثرت متاعب الصرصور.

قبع الصرصور في مأواه، وهو يرتعش من البرد القارس، والجوع يعصر أحشائه. نفد صبره ولم يعد يحتمل أكثر مما هو عليه، وفجأة تذكر أن له جارة كريمة، ميسورة الحال، تسكن قريبا منه، فخرج من مسكنه متجها نحو بيت جارته النملة.

الصرصور يطرق علي باب النملة

كانت النملة جالسة في بيتها، صغارها يلعبون ويمرحون، وإنهم لفي لهوهم ذاك إذا بهم يسمعون طرقا على الباب!
طق …طق.

النملة: من يدق على الباب؟

الصرصور بصوت فاتر منقطع: أ أنا… ج.. ج.. جارك. فتحت النملة الباب بحذر، واشتدت دهشتها لما رأت جارها المرح الطروب يقف أمام بابها مطأطئ الرأس حزينا مبللاً، يرتعد من البرد! أذنت النملة للصرصور بالدخول فدخل.

النملة: أهلا وسهلا بجاري المرح الطروب، تفضل.

الصرصور يرد متلعثماً: ي …ي يزيد ف ف … فضلك … يا جارتي.

الصرصور في بيت النملة

دخل الصرصور البيت وهو في حالة يرثى لها، أجلست النملة الصرصور في مكان مريح ودافي وسألته: ما بك يا جاري؟ يبدو أنك تحمل هماً كبيرا؟ أم أنك متعب من جراء هذه الأمطار! لا بأس عليك، استرح.

الصرصور بصوت ضعيف وحزين: أ.. أنا جو.. جوعان! أحشائي ت..ت تتمزق جو .. جو.. جوعا هل لك … طع.. طعام؟

تقول النملة مستغربة: جوعان!؟ جاري الصرصور جوعان!؟ سأحضر لك حالاً مشروبا ساحنا وطعام لذيذا تتناوله.

اتجهت النملة نحو المطبخ لتعد المشروب والغذاء للصرصور. لحقتها الصغار تسألها: لم جاء هذا الغريب يا أمي؟ وماذا يريد؟

الأم: إنه جارنا الصرصور!

الصغار: ذاك الذي كنا نسمعه يغني طيلة فصل الصيف؟

الأم: نعم إنه هو.

الصغار: لم قصدنا نحن بالذات يا أمي؟ أطرديه حالا.

الأم: مهلا يا أحبائي! من شيمنا ألا نرد جارا ولا ننهر سائلاً، وإن فعلنا هذا فإنه يلحق بنا عيباً وعاراً عظيما! ثم أردفت قائلة: أيطيب لكم أن تبيتوا شباعا مستدفئين وجارنا يتضور (يتلوى) جوعا ويرتعد من البرد؟!

الصغار بلهجة جافة: لا يهمنا أمره! إنه ليس منا وغريب عنا! ولا نرضى أن يشاطرنا في الغذاء، ولا يخفى عنك يا أمنا أننا في بداية فصل الشتاء.

الأم: لا تكونوا بخلاء فالطيب يؤثر ويفضل غيره على نفسه ولو كانت به خصاصة.

الصغار: إنك يا أمي تلتمسين له العذر، فما هو السر؟

النملة تتحدث مع أبنائها عن كرم الضيافة

ضحكت الأم وقالت: تسألونني عن السر! ببساطة، السر حسن الجوار، وسأخبركم لاحقاً عن أشياء أخرى.

عدو إلى لعبكم! يا أعزائي، سأرجع بعدما أقدم له الأكل.

لكن الصغار جعلت الصرصور نصب أعينها تنظر إليه بشفقة تارة، وتتهامس فيما بينها تارة أخرى: مسكين الصرصور! ليس له بيت! وليس له غذاء! إنه متشرد. انظروا إليه كم هو بائس وحزين! منظره يثير الشفقة! والبعض منها يقول: يا له من متطفل (الذي يحضر وليمة لم يستدع إليها) وقح حشر نفسه بيننا كأنه منا يشاطرنا فيما ادخرته أمنا بعد تعب ومشقة.

الصرصور ينظر إلي النملة وهي تعمل باجتهاد

حسن الضيافة والخلق الكريم

انتبه الصرصور لنظرات الصغار التي لم تفارقه، وللغمز والهمز المتبادل بينها، فشعر بالحرج، ولكن ما عساه أن يفعل. عادت النملة وفي يدها صينية عليها مأكولات لذيذة وحساء حار، أكل الصرصور حتى شبع، فعادت له عافيته.

الصرصور يقلب نظره هنا وهناك ويتمتم: يا له من بيت منظم ومرتب! غرف كثيرة! ومدخرات الغذاء وفيرة! الكل مرتاح؛ الصغار ينعمون بالدفء الكبار مرتاحون غير مبالين بهبوب الرياح ولا بنزول المطر، ولا بوميض البرق..

استرجع الصرصور عافيته . فعاد له مرحه، وغنى للصغار أغاني جميلة مؤثرة وهادفة. ولما هم بالذهاب قالت النملة: لا…لا يا جاري، غير ممكن أن تخرج في مثل هذا الوقت وأنت متعب، فالسماء ممطرة والجو بارد، ابق معنا الليلة نتناول العشاء معاً، لقد أعددت أطباقا شهية إكراما لك.

الصرصور: نعمت الجارة! أنت طيبة وكريمة.

قضى الصرصور أمسية سعيدة، وكان يتابع كل الحركات، ويلاحظ جميع تصرفات سكان المنملة، أدهشه حسن النظام والتدبير المحكم والتسيير المتقن، فأحس بذنب عظيم وقال في نفسه: لم لا أكون مثل جارتي؟ أليس عارا على أن أزاحمها فيما ادخرته لأطفالها بتعب ومشقة، لقد رأيتها في فصل الصيف تروح وتجيء، وهي تجر كل ما وجدته في طريقها من طعام يصلح للادخار، فكم من مرة شاهدتها تجر شيئا أكبر منها، فينال منها التعب، ومع ذلك لم تيأس، ولم تقل أف أبدا، يومها أنا كنت بين الأشجار أغني وأغني، ليل نهار، دون ملل. وقد قال المثل الشعبي فيما يشبه موقفي هذا أمام النملة التي تقول للصرصور: (عندما كنت أطمر أنت كنت تزمر).

ما أقبح وما أبشع وجودي بين هؤلاء الذين أكرموني، وأنا بينهم متسول ذليل.

ولما حان وقت العشاء اجتمع الكل حول المائدة، وضعت النملة أطباقا شهية ومتنوعة من اللحوم الجافة والبقول وبذور الفواكه وفتات الخبر …الخ أكلت النملة وصغارها وأكل الصرصور معها.

وعندما استعد للرجوع إلى بيته، زودته النملة ببعض الزاد وهي تنصحه وترشده.

النملة تودع الصرصور وتزوده بالغذاء

النملة تنصح أبنائها الصغار

أخذ الصرصور الزاد، وشكر جارته النملة جزيل الشكر على طيبتها وحسن ضيافتها وكرمها. ووعدها، إن أطال الله عمره، أن يرد لها الجميل، ولن ينسى ما أسدته له من معروف مادام حياً.

ودع الصرصور العائلة الكريمة، وعاد إلى بيته وهو يلوم نفسه، ونادم أشد الندم على ما ضيع من وقته، وعازم على العمل في الصيف القادم إن شاء الله ليرد للنملة بعض جميلها، وحتى لا يعرض نفسه للشفقة والإحسان مرة أخرى.

الصغار: لقد ذهب الصرصور يا أمي، أخبرينا لماذا جاء يطلب الأكل؟

الأم: انتبهوا يا صغار اليوم ويا كبار الغد! هل رأيتم إلى ما آل وصار إليه جارنا الصرصور، أتتذكرون تلك الأيام التي كنا نطمر فيها الغذاء، وهو كان يزمر -ليل نهار- دون ملل، ولم يفكر في اليوم الذي يقل فيه الغذاء، فالمثل الشعبي يقول: (القاعد معطتم كسر)، إنه لعار كبير أن يمد أحد يده يطلب القوت وهو في كامل قواه الصحية، العقلية والبدنية، أوصيكم يا أحبائي بالصفات الحميدة وعلي رأسها الكرم والإحسان إلى الفقراء والجيران، كما أوصيكم بالنشاط والعمل، وبنبذ التراخي والكسل؛ إذ بالعمل الدؤوب المتواصل تعيشون أعزاء سعداء، ونحن معشر النمل، لا نرضى بمثل حال الصرصور، ولا نمد أكفنا للسؤال، ندأب في تحصيل قوتنا، ولا نطمع في أكل رزق غيرنا، شعارنا العمل، يقول فينا أحد الشعراء.
ونحن في عين الوجود أمه *** ذات اشتهار بعلو الهمة

المصدر
قصة النملة والصرصور - سلسلة حكت لي جدتي - المكتبة الخضراء للطباعة والنشر والتوزيع - الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى