قصة القط ملك الغابة

قصة القط ملك الغابة هي قصة خيالية عن الحيوانات مناسبة للأطفال تتحدث عن الذكاء واستعماله في التغلب على القوي البدنية.

القط الكسول

عاش القط بندق في بيت النجار، وكان أيام شبابه ماهرا في صيد الفئران، حين كان نشيطا خفيف الحركة، يبحث عنها ويطاردها في كل مكان. أما الآن فقد ولت أيام الشباب، وأصبح قطا كسولا ثقيل الحركة إما لكبر سنه أو لمرضه الذي أصابه أخيرا. ولم تعد للقط بندق أية فائدة سواء في داخل البيت أو في عشة الدجاج والبط والوز، فقد كف من مدة عن مطاردة الفئران، وأصبح يبحث عن طعام له أسهل وأشهى، فيخطفه من مطبخ البيت في غفلة من زوجة النجار، لا سيما بعد أن امتنع أصحاب البيت عن تقديم الطعام له. فلم يعد ما في البيت من زبدة وقشدة، ولبن وجبن، ولحمة وخبز، تسلم من عدوانه.

وراحت زوجة النجار تطارده وتشكوه إلى زوجها، وتقول له في غضب: لماذا نحتفظ بهذا القط عندنا، بعد أن صار لا فائدة فيه؟ فلم يعد طوال السنة الماضية يمسك بذيل فأر واحد، حتى إن الفئران صارت تسخر منا ومن قطنا الكسول الذي لا يسبب لها أي إزعاج، ويكتفى طوال الوقت بإزعاجنا نحن أصحابه، فلا نستطيع أن نحتفظ بأي شيء بعيدا عن عدوانه، هذا وقد تكاثرت الفئران وراحت تمرح في البيت بحرية، فماذا أنت فاعل يا زوجي العزيز؟ هل تتركه هكذا يفعل بنا ما يشاء؟

أخيرا، اتفق الرجل وزوجته على أن يأخذ القط معه عندما يذهب إلى الغابة لإحضار بعض الأخشاب، ويطلق سراحه هناك.

في الغابة

وفي صباح اليوم التالي، وضع الرجل القط العجوز بندق في كيس، وحمله معه إلى الغابة. فلما انتهى من قطع ما يكفيه من الأخشاب، أخرج القط المسكين من الكيس، ورماه في بقعة منخفضة من الغابة حيث تتجمع مياه الأمطار، ثم انصرف على عجل وهو يدفع عربته الصغيرة المحملة بالأخشاب أمامه. فراح القط العجوز يفكر في حزن شديد، ويقول في نفسه: لو أنني كنت كلبا لجررت له العربة – مع كرهي لذلك – ولما تركني هكذا للأقدار لا حول لي ولا قوة، ولكن طبيعتي لا تسمح لي أن أفعل ما يستطيع أن يفعله أي كلب.

وراح القط يتلفت حوله يمينا ويسارا، ثم قال في يأس: الظاهر أنى سأبقى هنا حتى أهلك من الجوع.

ولكن القط سمع فجأة صوتاً يناديه. فالتفت إلى الناحية التي يأتي منها الصوت، فوجد ثعلبة تنظر إليه متعجبة، كوافد جديد إلى الغابة لم تر له شبيها من قبل، ثم سمعها وهي تخاطبه تقول: “يوم جميل أيها الحيوان الطيب!”

صديق جديد

أجابها وهو يدير وجهه عنها، وقد تملكه الغضب من صاحبه النجار الذي تركه ومضى، بعد كل ما عمله له طوال عشرته الطويلة معه: ” يوم جميل … إن أردت ذلك”.

قالت الثعلبة: “من أنت وما اسمك؟ وما الذي جاء بك إلى هنا، وماذا تريد؟”

قال: “أنا القط بندق …”، وراح يحكى لها حكايته كلها.

أطرقت الثعلبة برأسها، ثم قالت في نفسها: “مهلا.. مهلا! ألا تستطيعين أيتها الثعلبة أن تجعلي من هذه الفرصة التي سنحت لك، ميزة تستفيدين منها؟ فالقط بندق حيوان جديد بالنسبة لحيوانات الغابة، لم تر مثله قبل، ولم تسمع عنه شيئا. فيمكن أن أستعمله كوسيلة لتخويفها منه”.

قالت الثعلبة بعد أن أعجبتها الفكرة: “استمع إلى جيدا أيها القط بندق.. أنت الآن صديقي وأنا آسفة لكل ما حدث لك، وسوف أساعدك. تعال عش معي ولا تتوقع أن تجد عندي الكثير الذي تطلبه، ولكن مرحبا بك في حدود القليل الذي أملكه”.

قال القط بندق: “شكرا لك لعطفك الكريم عليا، وأنا أقبل دعوتك لي”.

قالت الثعلبة: “هيا بنا إذن!”

وأخذته إلى جحرها وراحت تحفر بمخالبها لتوسع جحرها فجعلته على هيئة قمع، حتى يبدو الجحر مخيفا، ثم طلبت من القط أن يرقد داخل الجحر ويستريح. ثم انطلقت تنادى حيوانات الغابة، وقالت لها: “إني أحمل لكم رسالة هامة”.

فتجمعت حيوانات الغابة كبيرها وصغيرها، لتسمع الرسالة التي جاءت بها الثعلبة

خطة ماكرة

قالت الثعلبة: “هل سمعتم أيها الأصدقاء عن الحدث المثير الذي حدث في غابتنا؟ فقد جاء إلينا حاكم جديد أكثر شراسة وعنفا من كل حاكم عرفناه من قبل. إنه القط بندق، وإن له وجها ذا شوارب طويلة، ولسانا حادا.. كأنه الإبرة، وعينين مضيئتين ملتهبتين، ومخالب كأسنان المشط، وذيلا طويلا كذيل الأفعى، وعندما ينام يغط في نومه كحيوان كسلان.. أما في يقظته فلم أسمع منه إلا كلمة واحدة لا يزال يرددها هي كلمة أكثر.. أكثر.. أكثر، مهما يكن نوع الهدايا التي تقدم له”.

وأكملت حديثها قائلة: “قد طردني من منزلي الذي أسكنه أيها الأصدقاء بعد أن أعجبه، ولكنني لن أحزن لذلك ولن أشكو. وكل ما أفعل هو أن آخذ أمتعتى وأشيائي وأذهب إلى جذع شجرة أو إلى أي جحر. ولن يتركني بعد لحالي، فقد أمرني أن أتولى أمر غذائه، وهذا ما لا أستطيع أن أقوم به وحدي، فكل مخزوني من الغذاء التهمه الحاكم في يومه الأول، ولم يعد عندي شيء أقدمه له الآن، ولذلك أمرني أن أدعوكم جميعا لاجتماع، لأطلعكم على مطالب الحاكم الجديد… وقد أصدر أوامره أن يتولى الاجتماع الترتيبات اللازمة لتوفير ما يحتاج إليه كل يوم، من اللحم واللين بكميات كافية”.

ثم قالت: “هذا ما كلفت أن أبلغكم إياه، وأنتم الآن تعرفون ما هو مطلوب منكم. ولكن احذروا أن يغضب الحاكم الجديد منا، وإلا فالويل لنا جميعا”.

ساد الاجتماع حالة من الجلبة والهياج، وراح الدب ينشب مخالبه في جسمه من فرط الغضب، وتحركت كل الحيوانات متجهة إلى بيوتها، وكل منها يذكر نفسه بما يجب عليه أن يحمله إلى جحر الثعلبة، في الوقت المحدد لذلك.

خوف مسيطر

وفي صباح اليوم التالي ذهبت الحيوانات كلها إلى حجر الثعلبة، ووضعت ما كانت تحمله من هدايا، وقد استولى عليها الخوف والرهبة.

فأحضر الذئب نصف خروف، وأحضر الدب العسل الذي سطا عليه من بيت النحل، وأحضر ابن عرس بطة جاهزة معدة للطهي بعد أن نتف ريشها، وأحضرت زوجته بعض البيض، وكذلك أحضر السنجاب بعض الثمار.

وهكذا أحضر كل حيوان ما استطاع، ووقفت الحيوانات كلها في صف واحد لا يجرؤ واحد منها على الاقتراب من الجحر.

ونظرت الثعلبة من ثقب جحرها، ثم أخرجت رأسها وهمست: “ما يزال حاكمنا نائما، ولا أجرؤ على إيقاظه. فلننتظر حتى يستيقظ”.

خرج الدب فجأة من بين صفوف الحيوانات وقال: “اسمعي أيتها الأخت…”

فقاطعته الثعلبة وقالت: “لا أيها الدب.. اسمح لي أن أقول لك إني لست أختك الآن، بل أنا زوجة الحاكم، فقد جاءنا القط بندق وهو أعزب، بينما بقيت أنا كما تعلمون جميعا أرملة مسكينة لسنوات طويلة. وأخيرا تفضل على القط بندق وطلب منى أن أتزوجه. ولذلك أطلب منكم جميعا أن تخاطبوني من اليوم فصاعدا بوصفي زوجة الحاكم”.

تبادلت الحيوانات نظرات الدهشة فيما بينها، ثم هزت أكتافها ولم تنبس بكلمة.

وبعد قليل خرجت الثعلبة من جحرها، واستدعت أكبر الحيوانات سنا لتتقدم واحدا بعد واحد لتعرب عن احترامها وولائها للحاكم. ولكن الحيوانات خافت ولم يتزحزح أي حيوان من مكانه، واكتفى كل منها بالنظر إلى صاحبه وقال: “اذهب أنت أولا.. هيا تقدم”.

وأخيرا تم الاتفاق فيما بينها أن يتقدم الخنزير. واقترب الخنزير قليلا من الجحر وحاول أن يهذب من صوته المنكر المزعج، فصاحت زوجة الحاكم في وجهه وجذبته بعيدا وقالت له: “إن سلوكك هذا غير مهذب، وبعيد عن اللياقة”.

وطلبت الحيوانات من الدب أن يتقدم.

وراح الدب يخطو نحو الجحر، ولكنه تجمد في مكانه عندما رأى من فتحة الجحر المظلم، عينين ناريتين تبرقان وتضيئان وجها مستديرا مرعبا ذا شوارب طويلة، فهمهم الدب بكلام مبهم، ومن ثم تراجع وفرائصه ترتعد.

القط ملك الغابة

فصاحت الثعلبة: “أفسحوا الطريق، فسيخرج الحاكم إلينا الآن”.

قالت ذلك فقفزت الحيوانات مبتعدة، واختباً بعضها في داخل الأشجار القريبة، وبعضها الآخر خلف جذوع الأشجار.

وخرج القط بندق يمشى بخطوات بطيئة متمهلة، بينما همست الثعلبة في أذنه بأن يرفع ذيله إلى أعلى بقدر ما يستطيع.

واتجه القط بندق إلى المائدة التي أعدت له، وراح يتناول الطعام، ويدمدم بحكم العادة: أكثر.. أكثر.. أكثر.

وراح في نفس الوقت ينظر شذرا إلى الدب الواقف خلف إحدى الأشجار، يرقب القط ويعجب في نفسه مـن هذا الحاكم الغريب الذي لن يصمد أمامه دقيقة واحدة لو هجم عليه.

هذا وبينما كان القط بندق منهمكا في تناول الطعام، راحت الحيوانات تتسلل مبتعدة عن المكان وقد أصابها الذعر، وفي دقائق قليلة فرت بخطوات سريعة لاهثة، دون أن تلقى خلفها نظرة واحدة إلى الغابة، حيث كانت الثعلبة وزوجها بندق يتجولان هنا وهناك، وحيث عاشا في هناءة وسعادة، يصيدان، ما حلا لهما الصيد.

وهكذا استطاعت الثعلبة بمكرها ودهائها أن تحوّل هذا القط عديم الفائدة، الذى نبذه صاحبه، إلى ملك الغابة ومصدر رعب دائم لكل حيوانات الغابة، حتى إنها فرت جميعها خوفا منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى