قصة الأمنيات الثلاثة

قصة الأمنيات الثلاثة هي قصة جميلة للأطفال متوسطة الطول مليئة بالصور الملونة تعلم الأطفال الصغار أهمية الأمانة والصدق في التعامل والتوكل علي الله مع اجتهاد العمل.

قصة الأمنيات الثلاثة

وفاة الأب تاركاً زوجته وابنه عمر

كان محمد عاملاً في إحدى ورشات المدينة، وكان مخلصاً في عمله محباً له، يبذل فيه جهدا كبيراً. كان يتعب كثيراً عند أدائه له ولا يرتاح إلا قليلاً على الرغم من أن جسمه النحيل لا يحتمل مشقة العمل الدؤوب، مما جعله يصاب بمرض ألزمه الفراش بعد أن استعصى علاجه، أخذ المرض يضغط عليه ويذيب جسمه النحيل، وأصبح هذا الجسم النحيل معلقاً بين الموت والحياة.

الأب علي سرير المرض - قصة الأمنيات الثلاثة

وكانت زوجته فاطمة ذات العشرة الطيبة والخلق الكريم قلقة على زوجها مما جعلها تبكيه وتتحسر لما آل إليه أمره.

أيمكن لهذا الغصن الرطيب أن يذبل؟ وعلى الرغم مما كان محمد يعانيه من مرض مضن، فإنه كان كثير التفكير في مصير زوجته وابنه.

أخذ مرضه يشتد، وصحته تضعف فأحس تبعاً لذلك أن ساعته قد حانت، وأن أجله قد قرب، وأنه على وشك أن يغادر هذه الحياة، ويفارق أعز الناس عنده، زوجته وابنه، فقال ذات يوم لزوجته في صوت ضعيف متقطع كان يخرجه بصعوبة إني سأفارقكم.

يا فاطمة، سأغادر هذا البيت الذي عشت له وفيه. سامحيني يا زوجتي إن لم أترك لكِ ولابنك ثروة تحميكما من متاعب الحياة ومشاقها، ومع ذلك فإني متأكد أنك ستواجهين الأيام بصبرك الذي عرفت به، وذكائك الذي فطرت عليه، وتربيتك الطيبة لابننا، حاولي أن تكوني كما عرفتك. مات محمد، وفارق الحياة تاركا وراءه عزيزين عليه لمصير مجهول.

فبكته زوجته وحزن عليه طفله، وتحسر على فراقه أحبابه وأصدقاؤه وكل من كان يعرفه أنه رجل يستحق كل هذا التأثر والجزع لما عرف به من صدق، ووفاء، وإخلاص في العمل، واحترام لمن كان يتصل به.

الزوجة وابنها تبكي وتفكر في عمل

لقد فارق الحياة ولم يترك شيئاً لزوجته وولده من حطام الدنيا ولكنه ترك لهما أخلاقا ومُثلا سامية وترك لهما الإيمان بالله، والصبر على قضائه وبلائه.

الزوجة تبحث عن عمل

منذ هذه اللحظة أخذت الزوجة تفكر في الكيفية التي تواجه بها متاعب الحياة، والسبيل التي تضمن لابنها العيش الشريف، والتربية الحسنة. كانت تحاول أن تصرف ابنها عن مرارة اليتم، ولهذا بدأن تفكر في عمل يقيها صعوبة الحياة.

ولكن ولدها كان هو الحاجز الذي يقف في طريق عملها، فمن يرعاه؟ هل تذهب لتبحث عما تأكله، وتعرض ابنها للضياع؟ واستمرت أياما كثيرة تفكر وتستنتج، وتبحث وتفتش ولكنها اهتدت في النهاية إلى حل. اهتدت إلى أن تكون عاملة في نسج الزرابي. ارتاحت للفكرة وأطمأنت إليها، باعت بعض حليها واسترت بثمنها الصوف، وغسلته، وفتلت خيوطه وبدأت عملها، حيث نسجت زربية أبدت في نسجها روعة وإتقاناً. وتفوقت في زخرفتها إلى حد لم تكن تتصوره. وأوصت ابنها كي يكون عوناً لها، هي بالعمل وهو بالدراسة لتصنع منه رجل المستقبل، وكلفت ابنها بأن يذهب إلى السوق عقب انتهائها من عملها كي يبيع منتوجها.

فرح عمر بالفكرة، وحمل ذات يوم زربيته وذهب بها إلى السوق، وباع منتوجه بكل ذكاء وبراعة، وعاد فرحا إلى البيت يحمل في جيبه النقود ويشد عليها بيده كي لا تضيع منه.

الابن عمر يبيع المنسوجات في السوق - قصة الأمنيات الثلاثة

وقد سره كثيرا اعجاب الناس بنسيج الزربية وزخرفتها. فرحت فاطمة بنتيجة أعمالها. وأقبلت منذ هذا اليوم على عملها بجدية أكثر. وفي يوم من الأيام ذهب عمر إلى السوق كما كان يفعل سابقاً وبينما كان يتجول وقعت عينه على كيس كان يحمل في جوفه شيئا فمد يده إليه، وفتحه ليعرف ما فيه. وكانت دهشته كبيرة عندما عرف ما فيه من نقود.

فعاد إلى البيت بسرعة فرحاً بما عثر عليه وأخبر أمه بما وجد.

كنز ضائع

كان فرحاً وهو ينثر أمامها دنانير ذهبية لماعة وقال مخاطباً أمه: بهذا يزول فقرنا، وتتحسن حياتنا، بهذا نستبدل فقرنا غني، وشقاءنا سعادة، وفوجئ الابن بغضب أمه وهي تسأله في صرامة: من أين أتيت به؟ وكيف وصل إلى يدك؟ كان ابنها يصرخ، وهو يؤكد لها بقسمه أنه لم ينتزعه من أحد، وأنه وجده ملقى على الأرض. فنهرته أمه، وأمرته أن يعود به إلى السوق ليبحث عن صاحب المال، وأفهمته أنها لا تعيش إلا من عرق الجبين، فلما رأت الحيرة في وجه ابنها.

الأم تسال ابنها من أين حصل علي الذهب والدنانير

قالت له: ألم تفكر في صاحب المال؟ فإذا كنت الآن فرحاً به فإن حزنه أضعاف فرحك. لا شك أنه حزين بما فقد وأضاع من مال، وتأكد بأن ماله الذي في يدك قد شقي صاحبه كثيراً في سبيل جمعه.

وقالت له: عد إلى السوق وابحث عن صاحبه لعلك تعثر عليه. أعلن في الناس بصوت مرتفع ليسمعك جميع الناس، وأعلمهم بأنك عثرت عما أضاعه صاحبه. واطلب منهم بعد ذلك، أن يبرزوا أمامك العلامة الخاصة بهذا المفقود.

صدق وأمانة

ففعل ما أمرته به أمه. فإذا بأحدهم يجري نحوه وهو يهرول وأنفاسه تكاد تحتبس في صدره، وأعلمه بأنه صاحب الأمانة المفقودة فطلب منه عمر أن يصفها له ليتأكد من الحقيقة. فلما وصفها له وكان وصفه مطابقا للحقيقة سلمه الكنز فأراد صاحب الكيس أن يكافئه بقطعة ذهبية ولكن عمر أبى أن يقبلها خوفاً من غضب أمه عليه.

الابن عمر ينادي في السوق علي صاحب الكنز والذهب

فقال الرجل معجباً به: إني لم أر مثلك لحد الآن. فرغم الفقر الذي يبدو عليك إلا أن نفسك الأبية، وأخلاقك الكريمة تأبى عليك أن تقبل إحسان الناس عليك، فخير لك أن تذهب إلى البيت لتستشير والدتك وتسألها: أي الأمرين تريد: دعاء خير أم قطعاً ذهبية من هذه التي بين يديك؟

فلما رجع الولد وأخبر أمه بما حدث له مع صاحب الكيس، غضبت أمه وصرخت في وجهه، وقالت له يظهر أن الذهب لا زال يلعب بعقلك الصغير. عد إلى هذا الرجل، واطلب منه دعاء الخير فهو أفضل لنا من عشرات الأكياس فعاد عمر إلى السوق، وأخبره بما يرغبان فيه هو وأمه عندها رفع يديه إلى السماء، وأخذ يدعو الله في خشوع أن يوفقه إلى ما يسعده في دنياه قبل آخرته وأن يرزقه زوجة صالحة تمنحه السعادة وطيب العشرة، وأن يمن الله عليه بزيارة بيت الله الحرام كي تحتمل فواعد إسلامه. وهكذا شب عمر في ظل رعاية والدته فتحسنت أخلاقه، ورسخ حب الخير في نفسه.

الخير يبقي

مرت سنوات، فكر عمر بعدها في الرحيل طلباً للعلم، ورغبة في اختيار وسيلة عيش تسعده في حياته لأن أمه صارت عاجزة عن حمايته من متاعب الحياة. وهكذا قصد بلدة سمع عن غزارة علمها، وكثرة علمائها، ولطف المعاملة عند سكانها، وعندما نزل بهذه المدينة أخذ يلازم المسجد ليستمع إلى دروس شيخ أعجبته وأثرت في نفسه، وأغرته بمتابعتها. وهنا تعرف على الشيخ. وعرف الشيخ بدوره حالة هذا الفتى، وما يرغب فيه من عمل يكفل له العيش.

عمر يصلي في المسجد لله أن يحقق الأمنيات الثلاثة

فعرض عليه الشيخ أن يكون عاملا في مزرعته، ويقيم معه في منزله. وعندما ازدادت معرفة الشيخ لعمر: رغب في أن يصاهره، ويزوجه ابنته، فلما أخبره عمر عن انشغاله بأمه التي تعيش وحيدة. طالبه بأن يأتي بها لتعيش بجانبه. فتحسنت حياة عمر بعد ذلك، وعلت منزلته بين الناس بفضل قربه من هذا الشيخ وازدادت سعادة عمر أن تم الزواج بحضور أمه التي أولته عنايتها.

الأمنيات الثلاثة

وذات صباح رفع عمر يديه عقب صلاته ليشكر الله بعد أن حقق له أمنيتين وألح في الدعاء أن يحقق له أمنيته الثالثة. فلما سمعته زوجته لعبت بها الظنون وأخبرت أمها بما سمعته وأنها تخشى أن يكون قد تزوج قبلها ويأمل أن يتزوج بعدها، وتلك هي الأمنية الثالثة التي لم تتحقق له بعد. فجزعت الأم لجزع ابنتها، وأخبرت زوجها بما يساور ابنتها. غير أن الأب أنكر هذا الادعاء، وقال لا يمكن لواحد مثل عمر أن يفعل مثل هذا، لا يمكن لصاحب القلب الطيب والنفس الطاهرة أن يخبئ علينا مثل هذا، في هذه اللحظة دخل عمر إلى البيت وألقى تحيته بابتسامته المعروفة. فإذا به يلاحظ ما أدهشه إن العائلة غاضبة واجمة فلما سأل عن السبب أخبره صهره بما يشغل بال ابنته فضحك عمر من هذه الأوهام، وضحك أكثر لغيرة زوجته التي أضعفت عقلها ثم شرح لهم عمر قصة أمنياته الثلاث، فقال:

عمر يتحدث إلي الشيخ عن الأمنيات الثلاثة

كنت صغيرا بائعا في السوق، ووجدت كيس دنانير ذهبية أرجعتها إلى صاحبها فدعا لي بالخير، فتحسنت أحوالي وتزوجت هذه المرأة الصالحة وبقيت لي الثالثة وهي تأدية فريضة الحج فقال صهره مندهشاً أنت إذن الطفل الصغير الذي أرجع إلي الذهب والدنانير!!

المصدر
قصة الأمنيات الثلاثة - سلسلة حكت لي جدتي - المكتبة الخضراء للطباعة والنشر والتوزيع - الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى