قصة قصر السعادة

قصة قصر السعادة هي حكاية وقصة تربوية وتعليمية هادفة تعلم الصغار أهمية السعي والاجتهاد في الحياة والتوكل علي الله مع الأخذ بالأسباب وعدم الركون للكسل والخمول من خلال مغامرة الصديقان النشيط والكسلان للوصول للقصر.

حورية جميلة

في صباح يوم من أيام الصيف الجميلة، سافر صديقان من الشبان الأقوياء في رحلة من الرحلات. وكانت الشمس طالعة، والسماء صافية. ولكن كان أحدهما معروفاً بالكسل والخمول والتردد في العمل، والآخر معروفاً بالنشاط والحركة والإقدام والشجاعة. وقد استمرا في رحلتهما حتى رأيا على مسافة بعيدة قصراً كبيراً مبيناً على تل مرتفع من الأرض جميل الشكل، كثير النوافذ، لامعاً كالرخام براقاً (لامعا) كالبلور.

أعجب الصديقان كل الإعجاب بمنظر ذلك القصر البديع (الجميل) عن بعد، وتمنيا أن يصلا إليه، كي يتمتعا برؤيته وجماله. وحينما كانا يفكران في جمال القصر البعيد ظهرت لهما فجأة حورية جميلة الوجه، تلبس رداء (فستانا) ذهبي اللون، وعلى رأسها قلنسوة مرصعة (مزينة) بالماس الثمين، وأقبلت وأتت نحوهما (جهتهما)، ووقفت أمامهما على كرة كبيرة ذهبية براقة لامعة. وكانت الكرة تتحرك تحتها حينما تتحرك، وتمشي معها حينما تمشى. وتسرع كالطائرة إذا أرادت. والتفتت الحورية إليهما وابتسمت، وحيتهما فرة الشاب النشيط التحية بأحسن منها، وسألها: من أنت أيتها السيدة؟ وإلى أين أنت ذاهبة؟

فأجابت السيدة: أنا حورية من الحوريات، وفي استطاعتي أن أعطي الحظ السعيد لمن أشاء وأريد. وإن ذلك القصر الذي تعجب به هو قصر السعادة، وهو قصرى وملكي، ويمكنك أن تصل إليه اليوم، إذا ثابرت على مشيك، وكنت نشيطاً، صبورا، قوى العزيمة والإرادة، ولم تبال التعب، وتجاهلت المشقة (التعب)، ولم تفكر في الراحة. يمكنك أن تصل إلى قصر السعادة إذا أردت، وكانت إرادتك قوية، وعزيمتك ثابتة. وتأكد أنه لا محال في الدنيا على من يصبر ويعمل ويبذل جهداً، ويستمر في طريقة التنفيذ وإن عندك صحة تساعدك في الذهاب، وقوة تسمح لك بالسير الطويل، ووقتاً كافياً للوصول إلى النهاية التي تتمناها.

مهمة شاقة

فلا تضع وقتك، فالوقت هو الحياة ومن أضاع وقته فقد أضاع حياته. وإني أعدك وعدا صادقاً أنك إذا استطعت أن تصل إلى قصر السعادة قبل أن تدق الساعة الثانية عشرة في نصف الليل، فإنك ستجدني هناك لأستقبلك وأحييك، وأهنئك بالنصر، وسلامة الوصول، وكنت معينة لك في دخول قصر السعادة، ووجدت حظك في الحياة، وتمتعت بالسعادة طول حياتك. ولكن تذكر ولا تنس أنك إذا تأخرت عن الموعد ولو ثانية واحدة بعد الساعة الثانية عشرة – فلن تجدني، ولن تراني، ولن يحميك أحد، ولن يفتح لك قصر السعادة، وستضيع منك الفرصة، ولن تصل إلى رغبتك، ولن تتحقق السعادة التي تفكر فيها، وتتمناها في الحياة.

وبعد أن أتمت الحورية كلامها مع الشاب النشيط غابت عن الأنظار، ولم يبق لها أثر، كأنها لم تكن موجودة من قبل.

نظر الشاب النشيط إلى صديقه الكسلان الذي جلس على الحشيش الأخضر في الظل تحت شجرة ليستريح من تعب المشي. وأخذ يستشيره في أن يذهب معه إلى تلك الحورية في قصر السعادة، ليجربا حظهما.

فتأوه (توجع) الكسلان، وهز رأسه، وقال: إنها حورية مستريحة لا تجد ما يتعبها أو يضايقها، سعيدة لا تجد ما يحزنها أو يؤلمها. وامتنع الكسلان عن الذهاب مع صديقه النشيط، واكتفى بالجلوس والنوم والراحة تحت الشجرة ورفض أن يتبعها ويسير وراءها ماشيا مع صديقه، وادعى الكسلان أنه تعبان من المشي.

ألح الشاب النشيط على صديقه الكسلان، وكرر له الرجاء في مشاركته في الذهاب. فضحك الكسلان وقال: ليس عندي حيوان أركبه. ولو كان عندي حصان أو حمار لركبته وذهبت معك، حتى نصل إلى قصر السعادة. ولكن من الصعب أن أمشي معك تلك المسافة الطويلة على رجلي وانا متعب. إنني لا أستطيع أن أذهب ماشيا، وأشكرك. تفضل وامش وحدك واذهب إذا أردت.

المغامرة والسعي

أضطر الصديق النشيط أن يذهب وحده، وودع صديقه الكسلان. وقال له: أستودعك الله، إلى اللقاء قريباً. وأخذ يسير وحده في الطريق الذي يؤدى (يوصل) إلى قصر السعادة. ومشى بخطوات ثابتة، واستمر ينظر إلى الأمام، ويمشي بنشاط، ولم يبال تعب الجسم. ولم يمنعه طول المسافة من المحاولة والمثابرة.

استمر الصديق الكسلان نائما على الحشيش الأخضر، حتى استراح من التعب، وأخذ ينظر بشوق إلى الأبراج البعيدة التي فوق قصر السعادة، وتمني أن يرى ذلك القصر. وقال في نفسه: لو كان عندي حصان أصيل لأمكنني الوصول إلى القصر بسهولة. وحقق الله ما تمناه، وبعد طرفة عين أحس بشيء خلفه، وسمع حصاناً يصهل، فالتفت حوله، فوجد بجانبه جوادا (حصانا) قوى الجسم، مرتفع الرأس، جميل الصورة، عليه سرج مريح، وفى فمه لجام جديد، وهو معد للركوب. ونظر إليه الحصان برفق وحنان، كأنه يقول له: تفضل واركب، فقد حقق الله رغبتك، وأرسلني إليك لتركب كما تريد.

نسي الكسلان أن يشكر الله على ما أنعم به عليه، وقال مرحبا بك أيها الحصان الأصيل. كثيرا ما يأتي الحظ فجأة، في الوقت الذي لا يجرى فيه الإنسان وراءه. والآن قد استراح وذهب تعبه، وحضر إليه الحصان وحده، ووقف بجانبه، فاضطر أن يقوم، ويركب الحصان، ويوجهه (يرشده) إلى الطريق الذي يوصل إلى قصر السعادة.

جرى به الحصان، وخطا به خطوات جميلة، وبعد ساعة لحق (أدرك) الكسلان صديقه النشيط، الذي اعتمد في رحلته إلى القصر على مشير وقدميه، وسار غير منتظر حصانا أو حماراً مع طول المسافة، ومشقة السفر.

فلما مر الكسلان بصديقه النشيط ضحك منه وسأله: ما رأيك يا أخي في هذا الحصان الجميل؟

أجابه النشيط: إنه جميل حقا، واستمر في مشيه يخطو خطوات سريعة، وينظر إلى الأمام بعينيه، ولا يفكر في حصان أو بغل أو حمار.

استمر الحصان في جريه إلى وقت الظهر، وقطع مسافة كبيرة من الطريق الذي يوصل إلى قصر السعادة.. وذهب الحصان، ووقف في الظل تحت شجرة كبيرة من الأشجار التي تبعد قليلاً عن الطريق.

حلم بدون عمل

فقال الكسلان لنفسه: إنه جواد (حصان) ذكي؛ فالوقت وقت الظهر، والحر الآن شديد. وفى العجلة (السرعة) الندامة، وخيرا الأمور الوسط، والاعتدال في كل شيء جميل. ورأى أن يقتدى بالحصان ويقلده، ويجلس تحت الشجرة، حتى يأكل ويستريح وينام، وتذهب الحرارة، ويعتدل الجو فنزل من فوق الحصان، وجلس تحت الشجرة فوق الحشيش الأخضر، واستند إلى جذع الشجرة، وأخرج غذاءه من سلته (سبته)، وتناول طعامه بشهية، ثم أحس بميل إلى النوم، ليستريح، فقد تعب من شدة الحرارة، واستيقظ اليوم مبكراً ليسافر مع صديقه، وشعر بأنه في حاجة إلى الراحة، فغطى عينيه بمنديل، ورقد تحت الشجرة لينام، وقال: إن من الخير أن أستريح، حتى يأتي العصر.

نام الكسلان نوما عميقا، كأنه كان في سابع نومة، أو كأنه لم ينم منذ سبعة أيام. وقد حلم أحلاماً لذيذة في أثناء نومه. حلم أنه دخل قصر السعادة، وأنه قوبل عند القصر بكل احترام وإجلال، واستقبل استقبالاً عظيما، وقدم له كل شيء أراده، وأطلقت المدافع والصواريخ فرحا بمجيئه، وعزفت الموسيقا تكريما له، وكانت الموسيقا مرتفعة، فاستيقظ من صوتها العالي.

استيقظ الكسلان من نومه بعد حلمه، ثم جلس، وأخذ يمسح عينيه، وينظر حوله، فوجد أن الصواريخ التي حلم بها هي أشعة الشمس الذهبية وقت غروبها، ولاحظ أن الموسيقي التي سمعها ورآها وهو نائم هي صوت صديقه النشيط، وهو ماش على قدميه، ومار في الطريق بكل ثبات وشجاعة.

قال الكسلان لنفسه: لقد حان وقت الذهاب لإتمام الرحلة، ثم نظر حوله للبحث عن الحصان الجميل الذي كان يركبه، فلم يجد له أثرا. أخذ يبحث هنا وهناك، وينادى مرة، ويصفر مرة أخرى، فلم يظهر الحصان، ولكنه وجد بدلاً منه حمارا، كبير السن، نحيف (هزيل) الجسم، أبيض اللون، فعجب كل العجب، وترك التفكير في الحصان، ولم يجد أمامه وسيلة أخرى غير ركوب ذلك الحمار النحيف. ركبه، وقصد الذهاب به إلى قصر السعادة.

حمار الكسلان

كان الحمار بطيئا في مشيه، ولكن شيئا في نظره خير من لا شيء. استمر الكسلان راكبا، وقد غربت الشمس، ودخل الليل، واشتد الظلام، وبدأت أنوار القصر تظهر من النوافذ عن بعد. وهنا قد ظهرت مشكلة أمام الكسلان؛ فقد أخذ الحمار يزداد في بطئه بالتدريج.

وفي النهاية وقف في مكان مظلم في الغابة، ولم يرد أن يتحرك أو يخطو خطوة واحدة. وحاول الكسلان أن يجعله يمشي ويسير ثانية فلم يستطع، أخذ يستحثه ويحضه على المشي فلم ينفع فيه الحث، ووبخه فلم يتأثر بالتوبيخ، وضربه فلم يؤثر فيه الضرب. حاول معه كل طريقة من الطرق، فلم يقدر أن يجعله يمشى كعادته، ولو ببطء. وأخيرا رفسه الكسلان برجله رفسة شديدة، وبدأ يضربه ضربا شديدا، فأحس الحمار أنه عوقب عقابا لا يستحقه، فرفع رجليه الخلفيتين، وأحنى رأسه إلى الأرض، فوقع الكسلان على ظهره، وكانت الأرض حجرية صلبة، فتألم كثيرا.

رقد الكسلان مدة طويلة وهو يتوجع من شدة الألم. وتمنى أن ينام في سرير مريح، ومكان دافئ، ليخف هذا الأمر وتذكر قصر السعادة. واعتقد أن فيه أسرة جميلة مريحة، فلكي يصل إلى تلك الأسرة حرك ضلوعه وجسمه. وجلس في مكانه الذي وقع فيه، وأخذ يبحث حوله عن الحمار البطيء، فلم يجد له أثرا.

أخذ الكسلان يزحف ويتمشى على ركبتيه، ويبحث بيديه، فلم يجد الحمار بجانبه. وفكر في أن ينام ثانية في المكان الذي وقع فيه. ولكنه سمع الذئاب الجائعة تعوى بصوت مخيف في الحقول، فخاف، واشتد خوفه. فقام، واستمر يبحث.

وأخيرا مست يده في الظلام شيئا كالسرج، فأمسك به، وظن أنه الحمار، ففرح كثيرا، ونظر إليه وتأمله فوجده بغلاً صغيرا. تردد أولا في أن يركبه، ولكنة سمع عن بعد الساعة وهي تدق الحادية عشرة مساء. فعرف أنه لا يزال عنده ساعة من الوقت، يمكنه أن يصل فيها إلى القصر.

انتهي الوقت

فركب البغل الجديد، واستراح في الركوب، فقد كان السرج مرتفعا من الخلف، واستطاع أن يسند ظهره إليه. وسار به في الطريق الموصل.

وكان البغل أكثر في البطء من الحمار، ولم يبق بينه وبين القصر إلا مسافة قصيرة. وقد ظهرت أنوار القصر من جميع النوافذ، وانعكس شعاعها على الرجل الكسلان. وفي تلك اللحظة سمع الساعة تدق الدقة الأولى من الدقات الطويلة التي تدل على منتصف الليل. فلما سمع دقات الساعة ازداد غيظا، وهاج كالمجنون. وأخذ يستحث البغل ويضربه ليسرع في مشيه، فرقد البغل، وترك الكسلان على كومة من الأرض. ولو جرى بنفسه لوصل إلى قصر السعادة، ولكنه كسلان. فبدلاً من أن يجرى حتى يصل إلى غرضه جلس ساكنا في مكانه. وأخذ يصرخ ويستحث البغل في أن يقوم بدون فائدة.

استمر الكسلان يستحثه، ويبحث عن حيوان آخر، ليأخذه إلى القصر فلم يجد. واستمر جالسا على الأرض، لا يتحرك، منتظرا أن يأتي إليه حصان أو حمار أو مهر أو بغل ليركبه. وبقي في مكانه جالساً على التراب لكسله وخموله، وقد كان في استطاعته أن يصل لو تحرك وكان نشيطا.

ومع أنه قد رزق حصانا ثم حمارا ثم بغلا ليركبها واحداً بعد آخر، ويسر الله له وسائل النجاح. ولكنه لكسله لم يكلف نفسه الحركة والمشي وبذل المجهود للوصول إلى قصر السعادة. فكان نصيبه الحرمان، ولم يصل إلى مقصده، ولم ينجح في تحقيق رغبته.

الحياة عمل

أما الصديق النشيط فقد وصل إلى قصر السعادة ماشيا على رجليه. ولم ينتظر حيوانا يركبه، وجاهد وثابر، وصبر، وتعب كثيرا من المشي. ولكنه تجاهل التعب، ولم يفكر في حرارة أو راحة أو مشقة، واستمر في رحلته، مصمما على الوصول قبل الموعد المحدد. وأخيرا كلل (وفق) الله سعيه بالنجاح، ووصل إلى قصر السعادة قبل نصف الليل، أي قبل أن تدق الساعة الثانية عشرة. فوجد الحورية في انتظاره، واستقبل استقبالا عظيما، بكل حفاوة وإجلال.

وفتحت له أبواب القصر، ووصل إلى غرضه في الحياة، وتحقق ما كان يتمناه. ووفق في رحلته وسعيه، ودخل قصر السعادة، وعاش سعيدا في حياته، عاش عيشة هانئة. وعرف كيف يجعل غيره سعيدا، واعتاد أن يساعد غيره، ويفكر في غيره من بني الإنسان. وأحسن إلى الفقراء والمساكين، واليتامى والعجزة والضعفاء. واعتقد في النهاية أن بالنشاط والمثابرة والصبر والعمل والإخلاص والإقدام يكون النجاح في الحياة.

وكانت نصيحته لغيره دائما: اعمل، وقدم ما عليك من الواجب، واترك النتيجة لله. وثق بأن الله سيوفقك، ويكتب لك النجاح والتوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى