قصة البجعات والطفل الصغير

قصة البجعات والطفل الصغير هي قصة وحكاية عن حب الاخوات سعاد ونبيل وأهمية الاستماع لنصائح الوالدين والاهتمام بالأخ الصغير في أسلوب قصصي تربوي وتعليمي مسلي وهادف.

نصيحة الأم

ذات مرة كانت سعاد – وهي طفلة صغيرة تعيش في كوخ صغير مع أمها وابيها وأخيها الصغير واسمه نبيل.

وفي صباح يوم من الايام قالت الأم لسعاد: ابنتي العزيزة، إن عمرك الآن سع سنوات، وأظن أنك يمكنك أن تعتنى بأخيك الصغير وتقومي بما يحتاج إليه، في أثناء وجودي في الخارج كشراء بعض الخضر والفواكه. ويمكنك أن تلعبي معه في حجرة اللعب، أو في حديقة البيت، وعندكما كثير من لعب الأطفال. واحذري أن تخرجي من الحديقة أو تذهبي به إلى الشارع، وكوني قريبة منه طول الوقت ولا تبعدي عنه، ولا تتركيه وحده أبدا.

قالت سعاد: سمعا وطاعة يا أمي، سأنفذ كل ما أمرت به، وسأعمل بنصيحتك، وسألعب مع أخي، ولن أتركه وحده.

سرت الأم من كلام سعاد، وأخذت حقيبتها وخرجت لشراء بعض الأشياء التي يحتاج إليها البيت.

صديقة سعاد

استمرت سعاد تلعب مع أخيها نبيل في الحديقة حتى حضرت صديقة لها، ونظرت إليها من فوق باب الحديقة ونادتها: تعالى يا سعاد. أخرجي من الحديقة، وتعالى لتلعبي معي في الشارع.

فوضعت سعاد أخاها نبيلا على الحشيش الأخضر، تحت نافذة الحجرة المطلة على حديقة البيت، ونسيت نصيحة أمها، ونسيت وعدها لها بأنها لن تترك أخاها وحده. وتركت الحديقة، وتركت أخاها وحده وليس معه أحد، وجرت وخرجت؛ لتلعب مع صديقتها، وتتسلق معها بعض الأشجار التي في نهاية الشارع وبعد قليل مسمع صوت بجعة بيضاء وهي تطير فوق حديقة البيت، ومعها عد كبير من البجعات البيضاء.

ولم تسمع سعاد صوت البجعات التي تطير فوق بيتها؛ لأنها كانت بعيدة في آخر الشارع. نظرت البجعات فوجدت الطفل الصغير وحده، يلعب في الحشيش، تحت النافذة، فقالت إحدى البجعات: أنظري إلى ذلك الطفل الصغير إنه مسكين يلعب وحده. وليس في البيت أحد يحرسه ويلعب معه، وقالت بجعة أخرى: إنه يحسن بنا أن نأخذه معنا، ثم طارت إلى الأرض، والتقطت الطفل الصغير، ثم وضعته فوق ظهر كبير البجع؛ لأنه أقوى منها، ويستطيع حمله بسهولة، ثم طارت البجعات، وابتعدت عن البيت، ومعها الطفل الصغير الذي أهملته أخته سعاه.

وبعد مدة قصيرة رجعت سعاد إلى البيت وفتحت الباب، ودخلت الحديقة، فلم تجد أخاها نبيل في المكان الذي تركته فيه تحت النافذة، ولم تري له أثرا.

دخلت البيت وأخذت تبحث عنه في كل حجرة من الحجر، وفي المطبخ، وفي كل مكان في البيت، وفي كل ناحية من الحديقة، فلم تجده مطلقا، ولم تجد له أثرا. فخرجت تجرى، وأخذت تنظر هنا وهناك، تنظر إلى أعلى وإلى أسفل، حتى رأت بجعات بيضاء تطير على بعد في الجو، ومعها أخوها الصغير نبيل.

مطاردة البجعات

اضطربت سعاد، وجرت وراء البجعات، وصاحت: إن البجعات قد أخذت أخي، وطارت وابتعدت حتى غابت عن الأنظار، واختفت.

استمرت سعاد تجرى وتبحث عن البجع، وعن المكان الذي نزلت فيه البجعات التي أخذت أخاها حتى وجدت موقدا (فرناً) صغيرا للخير والكعك، فقالت له: أيها الموقد، أيها الموقد، أخبرني من فضلك: أين ذهبت البجعات؟

فتحرك الموقد على أرجله الأربع، وقال: افتحي بابي، وخذي كعكة من الكعكات التي عندي وكليها، وسأخبرك عن المكان الذي نزلت فيه البجعات.

غضبت سعاد من هذا القول، وقالت إني قد اعتدت ألا أكل إلا الكعك الذي تصنعه أمي. فاعذرني إذا قلت: لن آكل من كعكك. ولهذا لم يخبرها الموقد عن المكان الذي ذهبت إليه البجعات.

استمرت سعاد في جريها، حتى وصلت إلى شجرة تفاح في حديقة بجانب الطريق، فقالت لها سعاد: يا شجرة التفاح، أرجو أن تخبريني عن المكان الذي ذهبت إليه البجعات.

فقالت شجرة التفاح: خذي تفاحة من تفاحتي اللذيذة وكليها، وسأخبرك عن المكان الذي ذهبت إليه البجعات.

تألمت سعاد، وغضبت وقالت: إني لن أكل تفاحة من تفاحك لأني قد اعتدت ألا آكل إلا التفاح الذي أجده في حديقة أبى. ولهذا لم تخبرها شجرة التفاح بما طلبت.

تركت سعاد شجرة التفاح، واستمرت في جريها حتى وصلت إلى نهر يجرى فيه اللبن كما يجرى الماء في الأنهار، وشاطئاه مصنوعان من المربي. فقالت له سعاد: أيها النهر العجيب، أيها النهر الغريب، من فضلك أين ذهبت البجعات؟ فأجابها النهر: اشربي كوبا مما عندي من اللبن، وكلي قليلا مما عندي من المربي، وسأخبرك بما تريدين.

غضبت سعاد وقالت: إني لن أشرب إلا اللبن الذي نأخذه من بقرة أبي. ولن آكل إلا المربي التي تصنعها أمي. ولهذا لم يخبرها النهر بما أرادت.

كوخ بعيد

تركت سعاد النهر، واستمرت في جريها حتى قربت الشمس أن تغرب. وفي اللحظة التي كانت تفكر فيها في الرجوع إلى بيتها، رات كوخا صغيرا في جهة منعزلة، وبه نافذة واحدة، فذهبت إلى الكوخ، وقرعت بابه، ثم استأذنت ودخلت، فرأت امرأة عجوزا، تجلس بجانب النار، لتدفئ نفسها، ووجدت أخاها الصغير جالسا في الحجرة. فقالت لها العجوز: نهارك سعيد أيتها الفتاة الصغيرة من أين أتيت؟

قالت سعاد: نهارك سعيد يا سيدتي. لقد أتيت من مكان بعيد، وكنت أبحث عن أخي الصغير. وإني أحس ببرد شديد. فهل تسمحين لي يا سيدتي بالجلوس قرب النار لأدفئ نفسي؟

قالت العجوز: اجلسي بجانب النار أيتها الفتاة الصغيرة، ودفي نفسك. وكلي هذا الطعام اللذيذ، وأعطت سعاد طعاما في إناء فضي، ووضعت في يدها ملعقة فضية، وقالت العجوز لها: كلي هذا الطعام بهذه الملعقة، ثم خرجت العجوز من الحجرة.

وفي اللحظة التي أقفلت فيها العجوز باب الحجرة ظهر فجأة فأر من الفئران بالقرب من الموقد. وقال: أيتها الفتاة الصغيرة، قدمي لي شيئا من هذا الطعام وسأخبرك خبر يفيدك، وسأساعدك بقدر ما أستطيع. فأعطته سعاد الطعام، وقدمته له بالملعقة الفضية. فلما آكل الفأر الطعام، قال لها: خذي أخاك، واهربي به بسرعة، وأجرى بقدر ما تستطيعين، ولا تمكثي هنا مع هذه المرأة العجوز؛ لأنها ساحرة.

تركت سعاد الطعام، وأخذت أخاها الصغير، وخرجت من بيت الساحرة وهي تجرى ومعها أخوها، واستمرت في جريها حتى بعدت عن الأنظار. وبعد مدة نادت الساحرة: أيها البنت الصغيرة، هل أنت في الحجرة؟ فأجابها الفأر بصوت كصوت البنت الصغيرة: نعم أنا في الحجرة، آكل طعامي بجانب النار.

استمرت سعاد في جريها، ولم تنقطع عن الجري لحظة واحدة، وبعد قليل قربت الساحرة من النافذة ونادت ثانية: أيتها البنت الصغيرة، هل أنت في الحجرة؟ فأجابها الفأر ثانية بصوت كصوت البنت الصغيرة: نعم أنا في الحجرة، آكل طعامي بجانب النار.

الهروب من الساحرة

استمرت سعاد تجرى، ومعها أخوها نبيل، ثم رجعت الساحرة إلى البيت، ونادت: أيتها البنت الصغيرة، هل أنت هنا؟ فلم يجبها أحد، فقد رجع الفار إلى جحره، وقد كان يحاكى ويقلد صوت الفتاة. فلما رأت الساحرة أن الطفلة أخذت أخاها وهربت به، ولم تجدهما في حجرتها غضبت غضبا شديدا. وبدأت تصرخ بأعلى صوتها، وتقول: أيتها البجعات، طيري وراء هذين الطفلين، وأحضريهما ثانية لي هنا.

وقد كانت البجعات مستريحة في مكانها. فلما سمعت صراخ الساحرة وأمرها، قامت مسرعة، وطارت في الحال وراء سعاد وأخيها الصغير لإحضارهما ثانية إلى الساحرة. طارت البجعات بأسرع ما تستطيع، وأخذت تصيح وهي تطير في الجو.

كانت سعاد في ذلك الوقت بالقرب من النهر اللبني، ورأت البجعات وهي تطير، وسمعتها وهي تصيح. فقالت سعاد: ايها النهر اللبني، أرجو أن تخفينا كي لا ترانا البجعات البيضاء.

قال النهر اللبني: كلي شيئا من المربي التي عندي، واشربي قليلا من لبني، وسأخفيكما ولن تراكما البجعات. قالت سعاد: شكرا جزيلا لك أيها النهر. ثم أكلت شيئا من المربي، وشريت قليلا من اللبن. وأخفاهما النهر تحت الشاطئ. ولم تتمكن البجعات من رؤيتهما، واستمرت البجعات في طريقها وطيرانها.

أخذت سعاد أخاها الصغير، وبدأت تجرى ثانية به. ولكن البجعات رجعت فرأت سعاد وأخاها وهما يجريان. واستطاعت سعاد أن تسمعها وهي فوق رأسها تصيح وتقول: “هنك، هنك، أرنك، أرنك.”

حارت سعاد في أمرها، وقالت لنفسها: ماذا أستطيع أن أفعل؟ وفجأة رأت شجرة التفاح. فرجتها سعاد، وقالت لها: يا شجرة التفاح، يا شجرة التفاح، أرجو أن تنقذينا من هذه البجعات، وتخفينا حتى لا ترانا. أجابت الشجرة: كلي تفاحة من تفاحي اللذيذ وسأخفيكما، وأحقق رغبتكما، وأنقذ حياتكما.

قالت سعاد: شكراً جزيلاً لك. وأكلت تفاحة من الشجرة، فأخفتهما الشجرة بعيداً تحت أوراقها. ولم تستطع البجعات أن تراهما، وطارت وبعدت عنهما وفرحت سعاد، وأخذت أخاها، وجرت به.

العودة للمنزل

استمرت سعاد في طريقها وهي تجرى بأخيها، حتى قربت من بيتها. فرأتهما البجعات ثانية، وحركت أجنحتها الكبيرة، وأخذت تصيح، وتطير إلى أسفل، لخطف الطفل الصغير.

وفجأة رأت سعاد الموقد، وهو يتحرك على أرجاء الأربع الصغيرة. فرجت سعاد الموقد، وقالت له: أيها الموقد، أيها الموقد، أرجو أن تخفينا وتنقذ حياتنا من البجعات البيضاء.

أجاب الموقد: كلي كعكة من كعكي اللذيذ، وسأعمل على إخفائكما وإنسان حياتكما. فأخذت سعاد كعكة، وأكلها في الحال، ففتح الموقد بابه، ودخله الطفلان، وأخفيا عن الأنظار، ولم تستطع البجعات أن تراهما. وأخيرا اضطرت البجعات أن ترجع عن طريقها، وترتد إلى الساحرة خائبة، وتعود من حيث أتت.

وخرجت سعاد واخوها نبيل من الموقد. وشكرت سعاد للموقد مساعدته وإنقاذه لها ولأخيها، وأخذت أخاها الصغير ثانية بين ذراعيها، وجرت به إلى البيت وكان قريبا. وأخيرا وصلت سعاد ونبيل بالسلامة إلى حديقة البيت، بعد التعب الشديد. ووضعت سعاد أخاها الصغير على الحشيش الأخضر تحت نافذة الحجرة المطلة على الحديقة. وندمت سعاد على مخالفتها نصيحة أمها كل الندم. وصممت في نفسها ألا تخالفها مرة أخرى.

وبعد قليل رجعت أمهما، ورجع أبوهما، وعاش الجميع في بيتهم سالمين هادئين، واستمروا في سعادة وسلام، وهدوء واطمئنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى