قصص مؤمنين ال فرعون

قصص مؤمنين ال فرعون هي قصص قرآنية تتحدث عن بعض الأشخاص الذين آمنوا بالله وبدعوة موسى عليه السلام رغم طغيان فرعون وقومه. من هؤلاء المؤمنين:

  • مؤمن آل فرعون، والذي كان من عشيرة فرعون وكتم إيمانه ثم أظهره عندما تغلب موسى على السحرة. وقد أمر فرعون بقتله وتعذيبه عذباً شديداً، ولكنه صبر وثبت على دينه حتى استشهد.
  • امرأة مؤمن آل فرعون، وهي ماشطة بنت فرعون، التي كانت مؤمنة من إماء الله الصالحات. وقد أظهرت إيمانها بالله وبرسوله موسى عليه السلام، وقد أمر فرعون بإحراقها في نار كبيرة. ولكن الله نجاها من الدنيا وأدخلها الجنة.
  • رجل ناصح من أقصى المدينة، الذي جاء إلى موسى عليه السلام يخبره أن فرعون وقارون وهامان يتآمرون على قتله. ويأمره بالخروج من المدينة، وقد قال له: ((يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)).

قصص مؤمني آل فرعون تحمل العديد من القيم التربوية للأطفال، منها:

  1. قيمة الإخلاص لله والإفصاح عن الإيمان حتى في أشد المواقف خطورة.
  2. قيمة التضحية في سبيل الحق والدفاع عن دين الله.
  3. قيمة المشورة والإخبار بالخير والإحسان إلى المؤمنين.
  4. قيمة التفاؤل بالخير والثقة بالله في كل حال.

فرعون ودعوة موسى عليه السلام

لقد أرسل الله عز وجل كليمه موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى عبادته وحده لا شريك له. فمن يطعه ويتبع سبيله يدخله الجنة، ومن يعصه ويخالف طريقه يكن جزاؤه جهنم.

ويعتبر فرعون المستهدف الرئيس بالدعوة قصد ترك بني إسرائيل يخرجون مع موسى عليه السلام من مصر. حيث جاء في قوله تعالى: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء، 17.

ولكن فرعون طلب من موسى برهاناً وبياناً على صدق قوله. وما كان على الرسول الكريم إلا أن ألقى عصاه على الأرض فتحولت بقدرته سبحانه أمام أعينهما إلى ثعبان عظيم. ثم أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء ناصعة تلوح منها الأنوار.

ورغم هذا الدليل القاطع على نبوته أصر فرعون على كفره واستكبر. ولكن الله أيد موسى بتسع آيات أخرى، لعل فرعون يكف بأسه عن بني إسرائيل فيتركهم يغادرون مصر. ومع هذا لم تجد تلك الآيات نفعاً، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ النمل، 14. والأدهى من ذلك أن معظم قوم فرعون اتبعوه كلهم باستثناء ثلاثة منهم أراد الله أن يظهر الحق على أيديهم، وينجي موسى من كيد فرعون بفضلهم. ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ هود، 97.

نجاة موسى عليه السلام من الموت

وفعلاً لقد نجا موسى من الموت ثلاث مرات خلال المراحل الثلاث من عمره وهي:

عندما كان رضيعاً، ولما صار شاباً يافعاً قبل أن يوحى إليه، وفي فترة النبوة وتبليغ الرسالة.

فالأولى عندما اجتذب من البحر وهو في صندوق، وأدخلته الجواري على آسيا زوجة فرعون التي أحبته من أول وهلة رأته فيها.

ولما جاء فرعون ورآه أراد قتله لقراره بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل خوفاً على ملكه. وقالت له: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ﴾ القصص، 9. فلبي فرعون رغبة زوجته، لأنه لا يرفض لها طلباً لحبه الشديد لها.

بذلك نجا موسى من موت محقق، فتربي بين مناكب القصر في أحضان زوجة فرعون الرحيمة. ينعم بالخيرات في لهو ولعب حتى كبر. وتعتبر آسيا أول من آمن به من آل فرعون عندما عاد إلى مصر. ودعا قومه إلى توحيد الله تعالى وعبادته وعدم الإشراك به. لقد آمنت بأن الرب الحق هو رب موسى عليه السلام، الذي خلق ورزق وصور الإنسان في أحسن تقويم. وما زوجها فرعون إلا عبد من عباده، له عليها الطاعة لا العبادة.

فرعون يعذب زوجته المؤمنة

ولما علم فرعون بأن زوجته آمنت بموسى عليه السلام وبما يدعو إليه اشتد غضبه عليها فهددها وتوعدها. لئن بقيت مؤمنة ليعذبنها عذاباً شديداً، ثم ليقتلنها قتلة شنيعة. لكنها لم تبال بتهديده لتغلغل الإيمان في أعماق نفسها.

وعقابا لها نصب لها جنود فرعون أربعة أوتاد في أرض جرداء قاحلة. وطرحوها أرضاً على ظهرها بين الأعمدة، وشدوا اليدين والرجلين إلى تلك الأعمدة. وهي طريقة تعذيب اشتهر بها فرعون حيث قال فيه تعالى: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ﴾ الفجر، 10. ولقد تنوعت أساليب التعذيب عليها، وهي امرأة مسنة ضعيفة ألفت العيش الرغيد، ورفاهية القصور الفخمة، ولم تعرف القساوة أو الغلظة قط.

فكيف حالها اليوم وهي مطروحة على أرض حارة يابسة تلفحها أشعة الشمس الوهاجة، ورجال فرعون يجذبون الأوتاد إليهم حتى تكاد أوصالها وأطرافها تتقطع وتنفصل عن جسدها.

ورغم هذا الموقف الصعب والمشهد المؤلم، ما زال فرعون يحاول إغراءها لتعدل عن رأيها. وتعود إليه كما كانت من قبل في القصر تخدمها الجواري. وهي ترفل (تجر ذيلها وتتبختر) في أجمل الملابس وأبهى الحلي. ولأن إيمان آسيا كان أقوى أبت وتمسكت بموقفها، وكلها يقين بأن ما عند الله خير وأبقى. واختارت أن تكون إلى جوار رب العالمين في جنات ونهر فقالت داعية الله: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ التحريم، 11. استجاب الله لها، وبعث إليها الملائكة تظلها بأجنحتها من أشعة الشمس المحرقة. فخفف ذلك عنها العذاب حتى قبضت روحها طاهرة طيبة، وبنى لها الله بيتا في الجنة وخصها بمنزلة رفيعة.

فمن ذا الذي يصبر صبرها ويثبت ثباتها؟ لقد عظم الله شأنها وجعلها سيدة نساء عصرها، جزاء لصبرها على التعذيب، وفي ثباتها على إيمانها المتين، وفي مقاومتها للجبروت والطغيان.

نجاة موسى من انتقام فرعون

أما الشخص الثاني – من آل فرعون – الذي أنقذ موسى عليه السلام من الموت. فقصته، أن موسى عليه السلام استنصره رجل من بني إسرائيل على مصري. ولما تدخل موسى لنصرته ودفع الرجل المصري وقع على الأرض ميتاً، ولم يعلم بذلك أحد. وفي اليوم الموالي استنجد الإسرائيلي نفسه بموسى على مصري آخر، وعندما زجره موسى عن حماقته قال له الإسرائيلي: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس؟. وما إن سمع المصري هذا الكلام حتى هرول مسرعاً إلى قصر فرعون. وأخبرهم بأن الذي قتل المصري بالأمس هو موسى عليه السلام، مع أن القتل كان خطأ وليس مقصوداً.

اجتمع فرعون بوزرائه للنظر في أمر موسى وما يجب فعله، واتفقوا على أن يقتلوه. وفي هذه الأثناء أسرع رجل – كان من بين الحاضرين – ليبحث عن موسى عليه السلام ويعلمه بما اتفقوا عليه. ولما وجده قال له: ﴿يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ القصص، 20. ونصحه بمغادرة مصر حالاً حتى لا يقبضوا عليه. ولم يبق أمام موسى عليه السلام إلا أن يعمل بنصيحة الرجل، فخرج من مصر مسرعاً. وبذلك نجا من موت أكيد، ويعود الفضل في نجاته لله أولاً، ثم للرجل الذي أخبره. فكان هذا الشخص هو الثاني الذي يؤمن بموسى وبما يدعو إليه بعدما بعث رسولاً بعد عودته إلى مصر.

رغبة التخلص من موسى عليه السلام

وأما الشخص الثالث – من آل فرعون – الذي ينقذ موسى من الموت فهو الرجل الذي يكنى بمؤمن آل فرعون الذي يأتي الكلام عنه بعد قليل.

ورغم أن فرعون اللعين رأَى رأيَ العين الآيات البينات، والدلائل الواضحات، والمعجزات الباهرات، عاند الحق وضاق ذرعا (لم يقدر عليه) بموسى عليه السلام ودعوته. فعزم على أن ينهي دعوته إلى الأبد وقال مخاطباً قومه: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ﴾ غافر، 26. أي اتركوني أقتل موسى ولا يخيفكم إن دعا ربه.

بهذا أراد أن يحث قومه ويؤلبهم (يجمعهم ويحرشهم) على موسى مدعياً أنه جاء ليردهم عن دين آبائهم فقال: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ غافر، 26. لقد صار فرعون واعظاً ومرشداً وداعياً ولكن إلى ماذا؟

مؤمن من ال فرعون

ولما بلغ الخبر موسى وما يريده فرعون قال: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي﴾ غافر، 27. أي لجأت إلى الله فهو الوحيد الذي يحميني منه ومن بطشه. في هذا الظرف الصعب، خرج رجل من آل فرعون عن صمته وتحدث بكلام حكيم بليغ رد به عن نوايا فرعون ومقاصده. فذكر تعالى هذا الرجل بقوله: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ﴾ غافر، 28.

إنه الرجل الذي كتم إيمانه طويلاً خوفاً من بطش فرعون ورجاله. ولكن لما عظم الأمر وبلغ حد قتل موسى لم يستطع أن يسكت ويخفي إيمانه. وأخذ يخاطب فرعون بكلام لين يدل على رأي سديد، وفهم رشيد، كي يثني (يكف) من عزم فرعون الذي أزمع عليه. وهو الذي لا يجرؤ أحد على تحديه، ومع هذا استمال سمع فرعون، وجلب انتباهه الكلام الفصيح فواصل قائلاً: ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ﴾ غافر، 28.

وهو يقصد بذلك أن الله عز وجل سيفضحه إن كان ادعاؤه كذباً. ولو أن ذلك مستبعد لما رأيناه من المعجزات مما يدل على صدق قوله وصحة ما يدعو إليه. ولذا أخشى عليكم عاقبة سوء، وذلك ما عبرت عنه الآية: ﴿وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ﴾ غافر، 28. أي أن تصابوا بما توعدكم به من عذاب في الدنيا والآخرة. ولذا فإنه من الأفضل لك يا فرعون ألا تعترض طريقه، وألا تقف في وجهه. واتركه يدعو قومه ليتبعوه إلى الموضع الذي أراد، فهذا خير لكم وأسلم. ثم توجه إلى مخاطبة جموع الحاضرين من قادة ووزراء، ووجهاء القوم وأغنيائهم بلباقة ولطف وقال: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ غافر، 29. أي أتضمنون دوام ملككم وبقاءه؟ ألا تخشون أن يتبدل عليكم الأمر إن آذيتم موسى، وتحل عليكم نقمة الله: ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ﴾ غافر، 29.

حجة مؤمن ال فرعون

ولما لاحظ فرعون أن الرجل ألزمهم الحجة بفضل كلامه الفصيح ورأيه الرجيح، لم يجدوا ما يقولونه أو ما يردون به عليه. وخوفاً من أن يستجيب الحاضرون لدعوته وينقلبوا عليه سارع فرعون قائلاً: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ غافر، 29.

وإن كان في قرارة نفسه يعلم يقيناً أنه على خطأ، وأن موسى على صواب وحق، خاصة بعد أن أراه الآيات البينات. ومع هذا استكبر، فضل وأضل معه قومه.

ولما أدرك الرجل المؤمن أن الكلام مع فرعون وقومه لا طائل منه، فضل عدم الدخول معهم في جدال. لأنه تأكد لديه أن عقولهم تحجرت، وقلوبهم قست وغلب عليها الباطل. فعمد إلى مخاطبتهم بأسلوب آخر فيه تهديد ووعيد لعلهم يرشدون فيهتدون إذ قال: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ غافر، 30-31.

وفرعون وقومه لا يجهلون التاريخ، وهم يعلمون ما حل بمن قبلهم من الأقوام عندما كذبوا برسلهم فدمرهم الله تدميراً. إذن ليعلم فرعون وقومه أنهم قد يصابون بما أصيب به الأولون في الدنيا وما سيلقونه في الآخرة. حيث قال: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ﴾ غافر، 32-33. إنه لتذكير بقدرة الله على عباده الظالمين في الدنيا، وما يؤولون إليه يوم القيامة عند مثولهم بين يدي الله حين لا ينفع مال ولا جند ولا جاه.

جهل فرعون وقومه

إن الرجل الصالح لم ييأس من تذكير قومه، وعاد بقوم فرعون إلى ماضيهم، وهم أعرف الناس به. فهم مصريون ويعرفون جيداً ما وقع لمصر قديماً في عهد يوسف الصديق عليه السلام وقال لهم: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ﴾ غافر، 34.

وقديماً يا آل فرعون أطاع أجدادكم يوسف الذي كان هو العزيز ووزيراً ذا جاه، ولم يطيعوه لأنه كان نبياً مرسلاً: ﴿حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ﴾ غافر، 34. لهذا ضل أجدادكم بعد موته، وإني لأراكم تتبعون خطاهم وتسيرون سيرهم. وإن كانوا هم بالأمس قد كذبوا يوسف فها أنتم اليوم تكذبون موسى عليه السلام. وأخشى عليكم أن يضلكم الله كما أضل أجدادكم لشككم في دعوة موسى كما شكوا هم بالأمس في دعوة يوسف. إذ قال لهم: ﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾ غافر، 34.

ومع هذا حاول فرعون أن يوغل (يدخل) الشك في قلوب رجال قومه نحو إله موسى عندما نادى وزيره هامان: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ﴾ غافر، 36-37. ولكنهم يعلمون كما يعلم فرعون أنه يستحيل عليه أن يصل إلى مبتغاه، والله سبحانه خالق كل شيء ولا تدركه الأبصار.

دعوة إلى الرشاد والنجاة

قال المؤمن: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ غافر، 38-39. هكذا حضهم على تذكرة الآخرة، لأن الدنيا هذه متاع زائل والعاقبة الحسنة لا تكون إلا لمن عمل صالحاً وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر، 40.

وأشار عليهم بأنهم لو يسمعون كلامه ويعملون به فإن الله تعالى ينجيهم في الدنيا والآخرة، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتبع كلامهم لأنه لا يريد أن يكون مصيره جهنم كمصيرهم، أعاذنا الله وإياكم منها حيث قال: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ غافر، 41-42. فأي الدعوتين أفضل؟ التوحيد الخالص الذي مآله الجنة أم الشرك الذي مآله النار؟ ما من شك في أن الذي يدعونه إليه لن يفيده في شيء فالعبادة لا تكون إلا لله وحده المجيب للدعوات المنجى من المهالك والمضرات: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ﴾ غافر، 43.

ولما يئس الرجل المؤمن من رد فرعون وقومه إلى الصواب، وتأكد من غلف قلوبهم وصم آذانهم قال: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ﴾ غافر، 44. أي أن ما أحذركم منه سيحدث لكم، وستذكرون كلامي ونصحي لكم، وستندمون حيث لا ينفعكم ولا يفيدكم الندم في شيء، لأن الله يكون قد غضب عليكم. وأما أنا فلن تضروني بشيء لأني فوضت أمري لله، وسيختار لي المرتبة الحسنى في الجنة، والله مع المتقين، ولن يخيب رجاءهم فيه أبداً.

نجاة المؤمن وعذاب الكافرين

وكان الأمر كذلك فقد نجاه الله من القوم الظالمين كما أخبر سبحانه بذلك في قوله: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ﴾ غافر، 45. فكل الحيل والمكائد التي دبرها فرعون ليهلك هذا الرجل الصالح المؤمن بموسى عليه السلام باءت بالفشل. وحل بفرعون وقومه ما كان يحذرهم منه في حال عصيانهم لموسى عليه السلام، وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ غافر، 45. لقد أغرق الله فرعون ووزراءه وقومه كلهم وكانت عاقبتهم سيئة.

ولن يتوقف عذاب فرعون وقومه عند الغرق فحسب إنما عذابهم مستمر في الآخرة. وهو ما جاء في كتاب الله العزيز الحكيم: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ﴾ غافر، 46. ومعلوم أن عذاب الله في الآخرة أعظم حيث قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ غافر، 46. بينما سيدنا موسى عليه السلام وصاحبه الرجل المؤمن كانت عاقبهما سليمة. إذ نجوا من كل سوء في الدنيا، وما ينتظرهم من نعيم في الآخرة أحسن وأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى