قصة قارون

قصة قارون هي قصة وردت في القرآن الكريم في سورة القصص، تحكي عن رجل من بني إسرائيل كان ابن عم موسى عليه السلام. وكان آتاه الله مالاً كثيراً، لكنه تجبر وتكبر على قومه ونسي نعمة الله عليه، فأهلكه الله بخسف الأرض به وبداره. من القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة هي:

  1. أن نشكر الله على ما أعطانا من نعم، ونستخدمها في طاعته وخدمة دينه وعباده.
  2. أن نتواضع ونتعامل بإحسان مع الناس، ولا نستعلي عليهم بمالنا أو جاهنا أو علمنا.
  3. أن نتذكر أن الدنيا فانية والآخرة باقية، وأن نبتغي فيما آتانا الله الدار الآخرة، ولا ننسى نصيبنا من الدنيا.
  4. أن نتجنب الفساد في الأرض، وألا نفسد فيها بالظلم أو المعصية أو المخالفة لشرع الله.
  5. أن نستفيد من قصص الأمم السابقة، وألا نقع في مثل ما قعوا فيه من المعاصي والغرور.

قارون

ذكر الله سبحانه وتعالى في قصة موسى عليه السلام مع قومه لما نجاهم من فرعون رجلاً يسمى قارون. وهو ابن عم موسى وهارون عليهما السلام. وقد ذكر الله قصته في كتابه الكريم في سورة القصص من الآية 76 إلى الآية 83. وسنبسط هذه القصة أكثر لما لها من وقع في القلوب ولما فيها من موعظة وذكرى للناس أجمعين:

لقد رأى قوم موسى كيف شق الله سبحانه طريقاً في البحر لعبده وكليمه موسى عليه السلام وقومه فأصبح منقسماً إلى قسمين اثنين، كل قسم كالجبل العظيم. فسلكوا ذلك الطريق ونجوا من فرعون وجنوده الذين اتبعوهم. ولما توسط فرعون وجنوده ذلك السبيل أطبق الله عليهم فرقتي البحر فغرقوا جميعا.

وسار موسى بقومه وأخذوا يسيحون في الأرض، ليس لهم فيها مستقر، ولا بلد معين يسكنونه. وكان من بني إسرائيل رجال كسبوا أموالاً ضخمة، لا يستطيع العاد أن يعدها لكثرتها. وأغنى يهودي آنذاك هو ابن عم موسى عليه السلام واسمه قارون. كان في بداية أمره مفضلاً على قومه لحسن صورته، وحسن تلاوته للتوراة.

مال وجمال

لقد كان جميل الصورة، وضيء الوجه، حتى إنه سمي بالمنور، وزاد هذا الحسن كمال هيئته وسمته. وأما صوته فقد كان إذا قرأ التوراة يترنم بها كيفما شاء، وذلك من فضل الله عليه لأنه سبحانه ﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ﴾ فاطر، 1. فيعطي من يشاء حسن الصورة والصوت والقامة. وبالإضافة إلى هذه النعم التي فضله الله بها على بني إسرائيل، فقد زاده الله سبحانه نعمة المال الكثير. قال سبحانه في ذلك: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ القصص، 76. أي أن مفاتيحه لكثرتها يعجز عن حملها جماعة الرجال الأقوياء الأشداء.

وكان إذا ارتحل مع قومه إلى مكان آخر ارتحل ومعه البغال الكثيرة، تحمل الصناديق التي تحتوي الكنوز المختلفة من ذهب وفضة وجواهر نفيسة، بمختلف الأشكال والأحجام من سلاسل وخلاخل ودمالج وأساور وخواتم وأقراط وأمشاط ذهبية مرصعة بالجواهر الكريمة الغالية الأثمان، ناهيك عن الخيول والأبقار والمعز، وكثرة العبيد الذين يقومون على خدمة مصالحه ومصالح أبنائه.

نصح الصالحين للطاغي

لما رأى قارون ما هو فيه من النعم العظيمة التي لا يملكها أحد غيره. وبدلاً من أن يشكر الله عليها، بدل نعمة الله كفراً، فطغى وتجبر، وأشر وبطر (تكبر وجحد النعمة) ﴿ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ القصص، 76. أي بغى على قومه لكثرة خيراته، وبغى على موسى عليه السلام حسداً منه. حيث أراد أن تكون الوجوه متجهة إليه، والآذان منصتة لكلامه، والقلوب معظمة ومحبة له. إذ أن موسى وأخاه هارون كسباً قلوب بني إسرائيل، فأحبوهما وعظموهما وأطاعوهما. وظن قارون أن ما عنده من المال حقيق بأن يجعله خيراً من موسى. فازداد بذلك تيهاً وافتخاراً، وإعجاباً وغروراً بنفسه، حتى ظن أن ليس هناك من هو خير منه فوق الأرض.

أراد سبحانه أن يوقظه من غفلته التي هو فيها. فبعث إليه رجالاً صالحين من بني إسرائيل، وقالوا له: ﴿ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ القصص، 76. أي لا تطغ وتتجبر فأنت تعلم يا قارون أن الله سبحانه لا يحب المتكبرين المرحين (الفرح والمرح هنا بمعنى التكبر وجحود النعمة). فلقد قرأت ذلك في التوراة وأنت أعلم بما فيها من الأوامر والنواهي، وبما فيها من الحكم والمواعظ.

لقد أراد هؤلاء الصالحون نصحه لعله يتذكر أو يخشى، وذكروه بما ينبغي أن يفعل من آتاه الله خيراً. وقالوا له: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾ القصص، 77. إنه الأساس الذي ينبغي أن تكون عليه، فقصدك وإرادتك ينبغي أن تكون، في استعمال ما وهبك الله سبحانه من مال جزيل، ونعمة عظيمة، مطيعاً لربك ومتقرباً إليه بأنواع القربات.

تكبر قارون

وقارون ما ترك هذا الأساس إلا لغفلته عن الغاية التي من أجلها منح الله هذا المال لعباده. وهو يعلم أن هذه النعم ليست من كده أو حيلته فقط. وإنما هو عطاء من الله وتوفيق منه، ولا يحق لعباده أن يتكبروا ويطغوا ويتجبروا. فحاشا لله سبحانه أن يرزق عباده ما يكون سببا للتيه والطغيان. وإنما يتيه ويطغى أولئك الذين لا يستعملون نعم الله عليهم في محلها.

وكان قارون من هذا الصنف الأخير؟ وحتى لا يظن أن دين الله يمنع على الإنسان التنعم بنعمه، والتلذذ بطيبات الحياة الدنيا وقال له هؤلاء الناصحون: ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ﴾ القصص، 77. فالله سبحانه وتعالى جعل بدن الإنسان لا يقوم ولا يحيا إلا بالمباح مما رزقنا به سبحانه من أكل وشرب ولباس ومسكن. ولا بأس على العبد أن يتنعم بما خلق الله له من طيبات الحياة الدنيا، فإن لنفسه عليه حقاً، ولأبنائه عليه حقاً، ولوالديه عليه حقاً، ولزوجته عليه حقاً، وينبغي أن يرعى هذه الحقوق لأنها من حظه ونصيبه في الحياة الدنيا، ومن فضل الله على العبد أنه عندما يأكل ويشرب أو يتمتع بنعم أخرى من الحلال الطيب، ناوياً بذلك أن يتقوى على العبادة وفعل الخير، متوجهاً إلى الله بالحمد والشكر – عندما يفعل هذا يحسب له ذلك التنعم عبادة، ويعطى عليه أجراً.

وهذا المال الذي أنعم الله به على قارون هو إحسان منه. فهو سبحانه يحب الإحسان إلى عباده، ويحب أن يحسن العباد إلى بعضهم بعضاً. ولذلك ذكر الناصحون قارون بهذا وقالوا له: ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ ﴾ القصص، 77. فكما أن الله سبحانه قد أحسن إليك بهذا المال العظيم، فأحسن أنت إلى العباد يزدك الله سبحانه إحساناً. ولا تكن من الذين يبغون الفساد في الأرض فتمنع حق المساكين والفقراء. لأنك لو منعتهم حقهم كنت مفسداً في الأرض والله لا يحب المفسدين.

رد متكبر مغرور على الناصحين

ولكن رغم تذكير هؤلاء الناصحين لقارون إلا أنه رد عليهم بقوله: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ﴾ القصص، 78. ومعني ذلك أن المال الذي عندي إنما تحصلت عليه بقوتي وعلمي. فمكانتي عند الله عظيمة، ومنزلتي عنده رفيعة، وقد كافأني بهذا الخير الوفير.

وازداد قارون طغياناً وتجبراً لما كلموه عن ضرورة التصدق من ماله. إذ كان يظن أن الله سبحانه يترك عبده يعبث بالمال ويفعل به ما يشاء.

ولله سبحانه حكم يعلمها هو في جعل الناس فريقين فقراء وأغنياء. صرح بأهمها في قوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ الزخرف، 31. (مسخراً في العمل مستخدماً فيه). وللفقراء حق في أموال الأغنياء، فإذا منع الأغنياء حق الفقراء فتلك فتنة وفساد عظيم. ولهذا كلف الله عبده موسى عليه السلام أن يأمر أغنياء بني إسرائيل بالتصدق على الفقراء.

موسى عليه السلام ينصح بعبادة الله وفعل الخير

وكان موسى عليه السلام يعظ بني إسرائيل ويعلمهم دين الله الذي أنزله عليه كالصلاة والصيام وصلة الأرحام والتأخي والتعاون، وغيرها من الأوامر. وينهاهم عن الظلم وقطيعة الرحم، والفحش والحسد والبغضاء، والنميمة والغيبة. وكان الناس مطيعين له إلى أن أخبرهم أن الله سبحانه يأمر الأغنياء بالتصدق على الفقراء. فكرة الأغنياء ذلك وانزعجوا لهذا الأمر، وكان قارون أكثرهم انزعاجاً، ولأنهم لا يمكنهم أن يعصوا موسى عليه السلام. وهم يعلمون أنه يوحى إليه من عند الله سبحانه، أرادوا أن يتحايلوا على هذا الأمر الرباني فيبطلوه، ولكن كيف لهم أن يبطلوه؟ وما هي الوسيلة التي تمكنهم من ذلك؟

اتهام موسى عليه السلام بالزنى

أوحى الشيطان إلى قارون بحيلة، فجمع أغنياء بني إسرائيل في بيته. وقال لهم: أليس موسى يقول: إن الذي يفعل الفاحشة جزاؤه الرجم؟ تعالوا نجعل لبغي شيئاً؛ نعطيها مالاً عظيماً لتقول للناس إن موسى قد فعل معي الفاحشة. فينفر الناس منه ومن دينه ويتركونه ودينه، واتفقوا مع بغي (زانية) من بغايا بني إسرائيل على ذلك.

ولما قام موسى عليه السلام كعادته لوعظ بني إسرائيل وتوجيههم وحثهم على الخير ونهيهم عن الشر، جاء في معرض حديثه: “إن عقوبة مرتكب الفاحشة هو الرجم بالحجارة حتى الموت”. استوقفه الأغنياء قائلين: وإن كنت أنت الذي فعلت الفاحشة؟ فرد عليهم: ولو كنت أنا. فقالوا له: إنك قد فعلت الفاحشة مع امرأة، وأرسلوا إليها لتشهد على موسى بذلك، وعظم الخطب واحتار الناس واضطربوا، وجزع موسى لذلك أشد الجزع. كيف يتهمون رجلاً نقياً، وهو كليم الله ومن أعظم الرسل؟!

تبرئة الله لموسى

ولما وصلت المرأة إلى المكان، ورأت ذلك الجمع، هالها موسى عليه السلام وأنوار النبوة تتلألأ من وجهه، وهو كله خشية وهيبة لله عز وجل. وناداها قائلاً: أسألك بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل إلا صدقت. هنالك حصحص الحق ( بان بعد كتمانه)، وكشفت المرأة عما أراده هؤلاء الكذابون الأفاكون من تشويه لصورة موسى عليه السلام. فشهدت بالحق، وأقرت للحاضرين جميعاً أن موسى عليه السلام بريء من هذه الاتهامات، ثم أخبرتهم بتلك المؤامرة التي حيكت ضده.

خر موسى من توه ساجداً لله سبحانه باكياً لهول ما اتهموه به، وكيف أن الله سبحانه قذف التوبة في قلب تلك المرأة فأقرت بالحق. وبينما موسى عليه السلام ساجد ودموعه تسيل على خديه، وهو متضرع إلى ربه داعياً شاكياً له بما فعله قارون به. بينما هو كذلك استجاب الله لدعائه عليه السلام وقال له: إني أمرت الأرض أن تطيعك بما تأمرها به، فأمرها بما شئت.

إعجاب بأبهة موكب قارون

﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ ﴾ القصص، 79. خرج قارون في تجمل عظيم وسط مراكب هائلة من الخيول والبغال المزينة بأحسن زينة، ومعه الخدم والحشم. فانبهر بموكبه ضعفاء العقول والإيمان، وتمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ القصص، 79. إنهم محبون للدنيا شغوفون بتحصيلها، وهم يظنون أن من عنده مال نال نصيباً عظيماً وحظاً سعيداً، ولذلك قالوا: ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ القصص، 79.

ولكن الناصحين الأبرار أهل العلم الذين يعرفون أن ما عند الله خير وأبقى، وأن مصير المؤمنين جنة عرضها السماوات والأرض وفيها الخيرات الكثيرة التي لا يفنى نعيمها، ولا يبيد أهلها، قالوا لهم: ﴿ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ ﴾ القصص، 80. ولا ينال ثوابه إلا الصالحون.

نزول العقاب على قارون

هنالك دعا موسى عليه السلام الأرض أن تبتلع قارون ومن معه ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ القصص، 81. غاص هو وخدمه وحشمه وماله وداره، ولم يبق الله منهم أحداً ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ القصص، 81. وهل يستطيع أحد أن ينتصر أو ينصره أحد إذا خذله الله وأذله؟ لم ولن يحدث هذا أبداً.

ولما رأى الناس ما حل بقارون وكيف انشقت الأرض وابتلعته، قال الذين تمنوا مكانه بالأمس واعتقدوا أن من أوتي مالاً فإنه ذو حظ عظيم: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ القصص، 82. أي أنهم عدلوا وندموا عما كانوا يرجونه، وعلموا أن الله سبحانه يعطي المال والدنيا لمن يشاء. فطابت أنفسهم لأنهم لم يكونوا كقارون، وقالوا: ﴿ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ ﴾ القصص، 82. أي لولا فضل الله لكان حالنا كحال قارون، وأيقنوا أن الفضل كله في أن يكون الله راضياً عنك سواء كان لك مال أو لم يكن.

ورأوا بأعينهم كيف صار حال من أعرض عن شكر الله على نعمه وأصبح من الخاسرين ﴿ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ القصص، 82. (ويكأن: ألم تر أن الشأن) وهكذا ختم الله سبحانه هذه القصة بقوله: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ القصص، 83. فالخير كله في اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، وعدم التكبر والإفساد في الأرض، والنهاية السعيدة أعدها الله للمتقين الذين يرجون رحمته ويخافون عذابه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى