قصة عزير عليه السلام

قصة عزير عليه السلام هي قصة ذكرت في القرآن الكريم في سورة البقرة، وهي قصة تدل على قدرة الله على إحياء الموتى وإعادة البلاد بعد خرابها. عزير كان رجلا صالحا من بني إسرائيل، لم يثبت أنه نبي، ولكن كثير من أهل العلم عده من أنبياء الله. تبدأ قصة عزير عندما كان يحفظ التوراة ويعلمها للناس، وذات يوم مر على قرية خاوية على عروشها، وهي بيت المقدس على المشهور، فتعجب من خرابها وقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها. فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وأظهر له كيف يحيي القرية وحماره الذي كان معه، فأصبحت آية للناس. وعندما رجع إلى قومه، قالوا إن عزير مات منذ مئة عام، فأخبرهم بأن الله أحياه، فقدسوه وادعوا باطلا أنه ابن الله. وقال عزير: أعلم أن الله على كل شيء قدير.

ومن القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للأطفال:

  1. تأكيد على توحيد الله وأن لا شريك له ولا ولد له.
  2. تعظيم قدرة الله وأنه يحيي ويميت ويبدأ الخلق ثم يعيده.
  3. تشجيع على حفظ كتاب الله وتعلم أحكامه وتطبيقها في الحياة.
  4. تحذير من التشكك في قضاء الله وقدره، والثقة بحكمته في كل شيء.
  5. تقدير نعمة الحياة والصحة والأمن، والشكر لله على ما أنعم به.

تأمل عزير في الكون البديع

عندما يشاء الله سبحانه أن يبين لعباده دلائل قدرته وعظمة خلقه، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وأمام ذلك نجد العقول تحتار وتنبهر لهذه القدرة العظيمة التي لا حدود لها.

ومن قصص القرآن الكريم، قصة فيها موعظة وذكرى وردت في كتاب الله العزيز الحكيم، خص بها نبيه عزيراً عليه السلام. وتجد كلاماً مجملاً عنها في سورة البقرة وفي الآية (259) التي تحكي: أن عزيراً عليه السلام كان ماراً راكبا حماره يحمل معه زاده (الأكل والشراب). يتأمل آثار خلق الله وقدرته في هذا الكون الفسيح. فينظر إلي نبات مختلفة أشكاله وألوانه، إلى نهر جارية مياهه بانتظام، إلى سماء يرى فيها الطيور صافات من فوقه بأجنحتها لا يمسكهن إلا الله سبحانه. وينظر إلى مخلوقاته تعالى وكيف صورها تصويراً.

فتعجب لهذه القدرة العظيمة، وتقدير ما في هذا الكون تقديراً، وحساب ما فيه حساباً دقيقاً. فكل شيء موزون بميزان حكمته البالغة، فذلك هو صنع الله عز وجل الذي أتقن كل شيء.

قرية مدمرة

لقد تعود عزير أثناء تنقله في إحدى القرى الاستمتاع بمناظرها الخلابة من مروج واسعة ونبات سندسي وحقول غناء تسبي الناظرين، وتغريهم بثمارها المتنوعة بتنوع وتعاقب الفصول.

ولكن في هذه المرة، وهو يمر بقربها، هاله منظرها وأفزعته حال الدمار الذي رآها عليه. وعلم أنه ما كان ليحدث لها كل هذا لو لم يبدل أهلها نعمة الله كفراً. ولم يقتلوا الأنبياء بغير حق، وقد جحدوا نعمة الله عليهم، ولم يعبدوه حق عبادته. فغضب عليهم غضباً شديداً وأحل بهم دار البوار (الهلاك) وكان ذلك كما يلي:

لقد تعود بنو إسرائيل على درء (دفع) الحق ورفضه من أي طرف. بل كانوا يقتلون كل من نهاهم عن الزيغ وارتكاب الفواحش والمعاصي، التي لا يرضى الله عن فاعليها. ودفاعاً عن المؤمنين انتقم سبحانه وتعالى لعباده الصالحين الأخيار فسلط عليهم ملكاً جباراً جزاءً على فعلهم الشنيع، ومكرهم الفظيع.

التفكير في خراب القرية

ولما رأى عزير عليه السلام ما حل بتلك القرية من خراب ودمار، وأصبح كل شيء فيها محطماً. حيث صارت كما وصفها الله سبحانه ﴿خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا﴾ أي خالية من السكان والحيوان وكل ما هو حي يتحرك. بل حتى الأبنية لم تسلم هي الأخرى، فتساقطت العروض (السقوف) وتبعتها الجدران.

نزل عزير عليه السلام عن حماره، وجلس على الأرض ليستريح قليلاً من وعثاء (مشقة وتعب) السفر وكأبة المنظر الذي شاهده. ثم أخرج زاده ليتغذى، فسمى الله في أول طعامه وشرابه، وحمد الله في آخر كل منهما. وبقي شيء من الطعام بعد أكله تركه في الإناء. وقد كان عزير عليه السلام من الحامدين الشاكرين لربهم ذي الأفضال والأنعام ليقينه أن الخالق سبحانه يحب العبد الشكور. إذ يقول الله جل وعلا: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم، 7. ثم استسلم للراحة التامة ومد رجليه، وتوسد الأرض.

وأخذ عزير عليه السلام يفكر مرة أخرى في تلك القرية الخربة؛ يتدبر أمرها وما حل بأهلها من خراب ودمار. وإن كان يعلم أن سبب حلول هذه النقمة وهذا الدمار ليس إلا بما كسبت أيديهم. فالمولى سبحانه رؤوف رحيم ولا يظلم ربك أحداً. ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ولعتوهم وظلمهم تهدمت قريتهم. ولا شك أن كل من اتصف بوصفهم، وخطا خطاهم لن يكون جزاؤه إلا مثل ما حل بهؤلاء عاجلاً كان ذلك أو آجلاً.

تفكير وتأمل ثم موت عميق

ومن شدة دهشته ناجى نفسه قائلاً: ﴿ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾. ولم يكن سؤاله هذا استنكاراً لقدرة الله وعظمته. بل هو يؤمن بأن الله سبحانه إذا أراد لشيء أن يكون قال له: كن فيكون.

فحاشا لله أن ينكر عزير عليه السلام قدرة الله على إعادة إحياء القرية بمن فيها. بل سؤاله كان حول الكيفية التي يتم بها ذلك الإحياء بعد كل هذا الدمار. وإنما أراد أن يكون شاهداً للطريقة التي تحيا بها ليزداد إيماناً ويقيناً وثباتاً. فالذي يرى الشيء بعينيه يكون أكثر يقيناً من الذي يسمعه أو يعلمه دون أن يراه.

وبينما هو على تلك الحال من التأمل والتفكير إذا بالموت يأتيه بغتة. ولم تكن موتته عادية بل هي موتة عجيبة؛ تدوم مائة عام، ثم يعود بعدها إلى الحياة.

وطبيعي جدا أنه في هذه المدة الطويلة تحدث أشياء لا تحصى ولا تعد. وبدايتها كانت بموت حماره الذي يركب عليه ويرافقه في أسفاره إذ خر ميتاً. وأخذ الدود يأكل لحمه، وينهش عظمه، ولم يبق منه إلا العظام المتناثرة هنا وهناك. غير أن طعامه وشرابه قد بقيا على حالهما لم يتغيرا. أما القرية التي صارت خاوية على عروشها فقد بدأ الناس يتوافدون عليها ويؤمونها الواحد تلو الآخر. وما من شخص يمر بها إلا وأعجب بطيب هوائها وصفاء جوها. ويعود إليها مصطحباً معه أهله؛ فشيدت فيها الدور والبنايات والمرافق المختلفة التي يحتاجونها. وأعادوا الحياة للحقول فزرعوها بمختلف النباتات والأغراس كالزيتون والعنب وأنواع من الخضر. وزالت عنها آثار الخراب والدمار التي كانت من قبل، وازدهرت فيها الحياة من جديد، وأحييت بعد موتها.

فمن شاهدها قبل اليوم ورأى كيف أصبحت قال: سبحان من أحيا الأرض بعد موتها. وبث فيها من كل دابة من دواب الأرض مما يحتاجه الناس من معز وأبقار وأغنام. لقد صارت القرية آية في النماء والازدهار.

قدرة الله جل وعلا

ولما اكتمل بناء القرية من جديد، ودبت فيها الحياة بعث الله عبده عزيرا عليه السلام ونفخ فيه الروح. فتح عزير عليه السلام عينيه وأخذ ينظر حواليه. حينها أرسل الله إليه ملكاً في صورة بشر وسأله قائلاً: ﴿ كَمْ لَبِثْتَ ﴾؟ فرد عزير عليه السلام قائلاً: ﴿ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾. ولأنه كان ميتاً فعلاً، ولم يشعر بشيء، اعتقد أن مدة نومه لم تتعد يوماً أو بعض يوم. لكن الملك قال له: ﴿ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ فما تركه من ماء وطعام بقيا على حالهما الأولى لم يتغيرا.

فلا الماء تغير لونه أو طعمه، ولا الطعام أصابه فساد أو تعفن، قد أبقاهما الله سبحانه كما تركهما عزير عليه السلام أول مرة، ولم يتأثرا طوال مدة موته.

هكذا شاء الله أن يبين لعزير أنه قادر على أن يبقيه على حاله كيفما كانت الظروف ومهما طالت المدة، علما أن الطعام يعتريه الفساد والتعفن بسرعة. أليس هذا العمل دليلا للناس أجمعين على قدرة الله الواحد الأحد، وعلى مدى عظمته وأن لا شيء يعجزه؟!

كيف يحيي الله الموتى؟

ثم أشار عليه الملك قائلاً: ﴿ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ ﴾ فانتبه ليبحث عنه، ولم يجده، إنما رأى عظاماً بالية منتشرة هنا وهناك. عندها تفطن إلى أن تلك العظام هي عظام حماره الذي كان يركبه. وبقيت على تلك الحال ليري الله لعبده عزير عياناً، ولمن يقرأ ذلك في الكتب السماوية سماعاً. يريهم كيف يحيي الموتى، وأنه على كل شيء قدير. ويكون ذلك جواباً عن سؤاله الذي طرحه فيما مضى عندما قال: ﴿ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وحان الوقت ليرى ذلك عياناً. ويكون آية للناس ولذا قال له: ﴿ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾.

وأخد عزير عليه السلام ينظر إلى عظام حماره كيف بدأت تتجمع وتلتصق وتلتحم ببعضها. وأصبحت على هيأتها الأولى، وانتشرت فيها العروق، واكتست لحماً وجلداً. ثم نفخ فيه الروح، وصار يتحرك وينهق تماماً مثل ما كان من قبل. ولما رأى عزير ذلك كله بعينيه قال: ﴿ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. وبهذا بين الله لعزير قدرته، فضلاً عن مشاهدته القرية كيف هي مزدهرة تنعم بالحياة. فسبحان الخلاق ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، الذي أمات عزيراً وحماره. وسبحان الذي أبقى عزيراً على حاله، وغير من شأن الحمار. فالله يفعل ما يشاء، كما حافظ على الطعام والشراب من التعفن. وهو قادر على إبقاء الميت على حاله أو إحيائه بلم رفاته (كل ما تكسر وبلي)، والذي يقدر على إحياء ميت واحد يقدر على إحياء كل الأموات.

تذكير بمن يحيي ويميت

ولما رأى عزير عليه السلام رأي العين آية من آيات الله الباهرات تتجلى أمامه، أحب أن يذكر للناس ما شاهده، فركب حماره متجهاً إلى أهله ليطلع على حالهم، وما حدث لهم طوال هذه المدة، وهل بقيت الأبنية كما تركها أم تغير كل شيء.

فلما وصل إلى قريته ذهب إلى جاره الإسكافي صانع الأحذية للناس من الجلد المدبوغ؛ إذ يقطعه قطعا متفاوتة في الشكل والحجم بحيث يحدث التلاؤم بينها فلا يختل المقياس، ويجمع بين تلك الأشكال لتصبح أحذية.

لقد كان هذا الإسكافي شاباً في مثل سن عزير، ولما طالت مدة غيابه عن أهله وقريته، ظن الإسكافي أنه مات، وانتهى ذكره، وكاد ينساه نهائيا، ولما جاءه ووقف أمامه قال له: إني أنا عزير قد جعلني الله آية لكم؛ فقد أماتني الله مائة عام ثم بعثني لتعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأنه يحيي ويميت، وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فهو لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. ولما رأى الإسكافي الشيخ عزيراً وتأمل ملامحه وهيأته تذكره وأيقن أنه هو عزير حقيقة، فرح به فرحاً شديداً، وعجب من أمره أشد العجب وتساءل: كيف برجل يموت مائة عام ثم يعود حياً كما كان لم يتغير منه شيء؟، ثم استدرك بأن الله هو الذي أحياه بعد أن أماته ولو بعد مائة عام.

وذاع خبر عزير بين الناس في مجامعهم وأسواقهم، وأصبح حديث العام والخاص، وكانت فرصة للشباب الذين لا يعرفون عنه شيئاً إلا بما حدثهم به آباؤهم وأجدادهم ليتعرفوا عليه، بينما الشيوخ الكبار يعرفونه حق المعرفة كما يعرفون أباه وأمه.

ومن ذاك الوقت أصبح مزاراً يقصده الناس من بني إسرائيل من القرى المجاورة زرافات ووحدانا ليروا هذا الذي كرمه الله سبحانه وأعلى منزلته، وقد خلد الله قصته في كتابه العزيز، وجعله آية للناس جميعاً، كما عظم بنو إسرائيل أمر هذا النبي الكريم، ورفعوا منزلته جداً، وأحبوه حباً جماً.

انحراف عن التوحيد إلى الشرك

لكنهم عندما بالغوا وتجاوزوا الحد في تعظيمه واعتقدوا فيه اعتقادا منحرفاً أخرجهم عن توحيد الله تعالى وعن عبادته قالوا: إن عزيرا لم يكن رجلاً عادياً كبقية الناس، حيث لم نسمع أن رجلاً مات ثم بعثه الله بعد مائة سنة إلا إذا كان ابن الله، ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾، وهذا لجهلهم وكفرهم وتعظيمهم لرجل تعظيماً أكثر مما ينبغي، وما هو إلا عبد من عباد الله ونبي من أنبيائه، بعثه الله إلى بني إسرائيل ليريهم آية من آياته، ومعجزة من معجزاته، وبدلاً من أن يهتموا بقدرة الله وعظمته ليزدادوا إيماناً ويقيناً، توجه اهتمامهم إلى عزير وكأنه هو الذي أمات نفسه مائة عام، ثم أحياها، وهذا لضعف عقولهم، وسذاجة تفكيرهم مما حول تعظيمهم للخالق ذي القدرة الباهرة إلى تعظيم المخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا حياة ولا موتاً ولا نشوراً.

فعزير عليه السلام من أنبياء الله تعالى وعباده الأخيار، بعثه الله إلى قومه ليعلمهم أن الله يرضى عن عباده إن هم وحدوه ولم يشركوا به شيئاً وأنه سبحانه يبشر الذين يسمعون كلامه ويهتدون بهديه بجنة عرضها السموات والأرض، ولينذر من أعرض عن هذه الدعوة بعذاب جهنم.

وبقي قليل ممن آمن به من قومه الذين عايشوه ورافقوه طيلة حياته على دين الله المجيد وعبادة الله وحده، وعقب موت أولئك الصالحين من قومه خلفهم آخرون من الذين تمكن الشيطان من إغوائهم، فوسوس لهم وغير عبادتهم الحقة، وجعلهم يزعمون أن عزيرا ابن الله، وكان حكم الله فيهم هو ما جاء في قوله تعالى: ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾ (كيف يصرفون عن الحق) فتباً وتعساً لهم في الدنيا والآخرة، لأنهم افتروا (اختلقوا) على الله الكذب، وبدلوا دينه الحق، فطردوا من رحمة الله لعملهم السيئ، وعقيدتهم الفاسدة ونيتهم الخبيثة، وعبادتهم الباطلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى