قصة قوم تبع

قوم تبع هم قوم عرب من أهل اليمن، وتبع هو لقب لملوك حمير، وأشهرهم تبع أسعد أبو كرب الحميري. وقد ذكر قوم تبع في القرآن الكريم في سورة ق وسورة الدخان، وكان عذابهم سيل العرم الذي خرّب بلادهم وشرّدهم. وقد يستفاد من قصة قوم تبع بعض القيم التربوية للأطفال، مثل:

  1. التفكر في آيات الله والاستفادة من عبر الأمم السابقة.
  2. التوحيد والإيمان بالله والرسل والآخرة.
  3. التواضع والإنصاف والتجنب من الاستكبار والظلم.
  4. الشكر لنعم الله والتجنب من الكفران والعناد.

تكاثر أولاد سبأ في اليمن

كانت اليمن قديماً تضم شعبين هما سبأ وحضرموت. وأصل هذين الشعبين هو قحطان، الذي هو أصل العرب العاربة، وما زالت سلالته تتكاثر حتى صارت شعوباً وقبائل. فسبأ وحضرموت هما من سلالة قحطان وسمي سبأ بهذا الاسم لأنه أول من سبأ في العرب (أي أدخل السبي إلى اليمن والسبيُ: نساء يؤخذن في الحرب). وكانوا يسمونه أيضاً بالرائش، وسبب هذه التسمية أنه حارب قوماً فانتصر عليهم. وهو أول من غنم أموال العدو بعد الغزو، وقسمها على قومه، فلقب بالرائش لأن العرب تسمي المال ريشا.

لقد تكاثرت سلالة سبأ وحضرموت، وتضاعف أفرادها حتى أصبحت شعوباً وقبائل. فبعد زواجه انحدر منه عشرة أبناء هم: الأزد وحمير وكندة ومذحِج وأنمار والأشعريون ولحم وحذام وعاملة وغسان. ومن هؤلاء من هم من صلبه ومنهم من هم من أحفاده.

سبأ تعيش في رفاهية

إن هذا العدد الهائل من الأبناء الذين كانوا يقطنون مدينة سبأ انتشروا وتوزعوا في أماكن مختلفة من الأرض.

كانت سبأ مدينة كبيرة جداً، يعيش بها ملوك اليمن وأهلها. ومن ملوكهم بلقيس التي ذكر الله سبحانه قصتها مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل. وكانت المدينة منذ القدم رائعة الجمال تحيط بها أراض خصبة شاسعة، ينبت فيها كل أنواع الفواكه والزروع والخضار. فهي جنة الله في الأرض، وفيها وجدت الطيور مأوى لها، ولقد تخللت أراضيها الأنهار والأودية، وبها ازدادت رونقاً وجمالاً. فطاب هواؤها واعتدل مناخها، وعاش أهلها في سعة ونعمة وغبطة مما أنبتت الأرض من ثمار وزروع. ولهذا كانت مهبط أنبياء الله ليذكروا أهلها بفضل الله ونعمه، ووجوب شكره بالعبادة. فهو وحده المستحق للمدح والشكر، وهو وحده الذي يعبد بحق لا غيره. وكانوا ينصتون لكلام الأنبياء ويتبعون إرشاداتهم ونصائحهم وتعاليمهم، فزادهم الله نعماً كثيرة. إذ يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ إبراهيم،7. فبشكر الله وعبادته يزداد العبد نعمةً وفضلاً.

بناء السد وانحراف عن الدين

وبعد مرور أزمنة وطول عهد، وتعاقب الأحيال والأقوام، انحدر عن الأجداد سلالة لم تكن مثل الأولين السابقين. فقد أعرضوا عما أمروا به، إلى أن جاء زمن بلقيس ملكة سبأ التي كانت وقومها يعبدون الشمس من دون الله. ثم اهتدت على يد نبي الله سليمان عليه السلام فآمن معها قومها لأنهم تبعا لها.

كان في أرضهم نهر ذو أهمية يمر بحقولهم، وكل فئة تريد استغلاله والاستحواذ على مائه وحدها، فاشتد عليه النزاع وكثرت بسببه الخصومات. ولما رأت بلقيس تنازع قومها عليه، اهتدت بحكمتها الموفقة وسديد رأيها ورجاحة عقلها إلى أن تربط بين الجبلين ببناء عال فسدت ما بينهما بالصخر والقار (الزفت). وأصبح بناء في غاية الإتقان والإحكام، وجعلت له أبواباً ثلاثة بعضها فوق بعض. وبنت دونه بركة عظيمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجاً، يفتحونها كلما احتاجوا إلى الماء، ويسدونها إذا اكتفوا. وإذا هطل المطر اجتمعت فيه أودية اليمن، فيفتح الباب الأعلى في السد ليتدفق على البركة فتزداد امتلاء. وإن لم تكف تلك البركة في السقي فتح الباب الثاني ثم الثالث من السد. فلا ينضب الماء حتى يأتي العام الموالي فيمتلئ مرة أخرى.

كان الناس من أهل سبأ على الدين الحق والتوحيد النقي الذي جاءهم به سليمان عليه السلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. ولكنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الشمس والأصنام التي ظلوا لها عاكفين، ولها ساجدين، وبالذبائح لها مقربين راجين رضاها، ومنها خائفين، وفيها راغبين، ومنها راهبين. فتبدل صفاؤهم إلى كدر، وتحول النقاء إلى أقدار، وتغير التوحيد إلى شرك، والطاعات إلى معصية. فعاثوا في الأرض فساداً بعد إصلاحها، ولأن رحمة الله واسعة، ولا يريد إلا الخير لعباده رأى أن ينقذهم من تيههم وضلالهم وشركهم العظيم، ويخرجهم من هذا الظلام الدامس إلى النور الوضاء، نور عبادة الله وحده لا شريك له بطاعة تامة لأوامره واجتناب لنواهيه.

توسع ملك (تبع) وإيمان قومه

ومن ملوك اليمن كذلك تبع (هو لقب من يحكم سبأ وحضرموت) الذي تولى الحكم في المملكة كلها كما تحكم في معتقدهم، وهو من عباد النار والأصنام، ومعروف أن الناس على دين ملوكهم.

لقد استطاع بفضل سياسته الحكيمة، أن يوسع مملكته ويكون جيشاً جراراً، فعظم سلطانه، وقوي جيشه، ومر بالمدينة المنورة (يثرب) فأراد قتال أهلها. لكنهم تصدوا له وقاتلوه بالنهار، وإذا حل الليل استضافوه وقدموا له الأكل. وقد كان سكانها من اليهود والعرب؛ فاستحيا منهم، وكف عنهم الحرب لكرمهم. ثم اصطحب معه حبرين (رجلي دين من اليهود) من الذين يعلمون التوراة. فنصحاه وأخبراه أنه لا يستطيع الاستيلاء على هذه المدينة، ولا يستطيع دخولها لأنها سوف تكون الأرض التي يهاجر إليها آخر الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

ولما واصل سيره بجيشه مر بمكة المكرمة، وأراد هدم الكعبة، فبعث الله عليه ريحاً لا يكاد يقوم القائم فيها إلا بمشقة، وكادوا يهلكون. فدعا حبريه (الراهبين) ليسألهما عن هذا الأمر. فقالا: إنك تريد بيتاً يمنعه الله ممن أراده بسوء. وأعلماه بعظمة هذا البيت وتاريخ بنائه العائد إلى عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وما سيكون له من شأن عظيم على يدي النبي المبعوث في آخر الزمان. فقال لهما: كيف تذهب هذه الريح عني. قالا: تجرد من أثوابك والبس ثوبين ثم قل: لبيك لبيك، ثم تدخل فتطوف، ولا تهيج أحداً من أهله. قال: فإن فعلت ذلك ذهبت هذه الريح عني؟ قالا: نعم. فعظم الكعبة وطاف بها، وكساها أحسن كسوة فأذهب الله الريح عنه. ثم عاد إلى اليمن، وأسلم لدين الله أي دين اليهود الذي كان موجوداً آنذاك.

ولما وصل إلى بلده دعا قومه إلى دين الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام. فاتبعه وآمن بما يدعو إليه عامة أهل اليمن، فكان سعيه مشكوراً، وذنبه مغفوراً. فالله وعد أجراً عظيماً للذي يهتدي بسببه شخص واحد. فما مقدار أجر من كان سبباً في هداية أناس كثيرين كحال تبع رحمه الله!

عودة إلى الوثنية

ولأن قوم تبع لم يثبتوا على ما دعاهم إليه من الالتزام بالدين وخالفوه في دعوته. وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة النار وتمجيد الأصنام فور موته. ذمهم الله سبحانه ولم يذم تبعاً لأنه مات على الحق. وقال الله سبحانه في القرآن الكريم: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَاهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ الدخان، 37. فأهلكهم الله سبحانه عقاباً على ردتهم وانحرافهم عن الدين. وقد ذكر لنا سبحانه كيف أهلكهم مبيناً حالهم قبل الردة عندما كانوا يشكرونه على نعمه.

جزاء الجحود والكفر

لقد كان أهل اليمن كما ذكرنا في رغد من العيش آمنين مطمئنين. ولأنهم حادوا عن سواء السبيل بدل الله حالهم من نعمة إلى نقمة. ومن أمان واطمئنان إلى خوف ورعب بعد أن كانوا كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ سبأ، 15. نعم لقد كانت أرض سبأ آية في الجمال والنضارة. لذلك عظمها الله سبحانه وتعالى فكانت عبارة عن جنتين وارفتي (ممدتي، واسعتي) الظلال.، وما أمر أهل سبأ إلا بما يلي: ﴿كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ سبأ، 15. فيالها من نعمة ويا له من أمر يسير لو امتثلوا لأمر الله ليغفر الله ذنوبهم ويعفو عن زلاتهم. ولكونهم بشراً فوقوعهم في الخطأ والتقصير محتمل جداً، ولكنهم أبوا أن يقوموا بواجب الشكر لله، ووجهوا الشكر إلى من لا يستحقه من الأصنام.

ولما أعرضوا عن شكر الله وعبادته تبدلت الجنتان فاندثرت الأرزاق، وزال النعيم، وقل الأمن، وقد بين الله سبحانه هذا في كتابه وقال فيهم: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ سبأ، 16. كان سيلاً عظيماً سلطه الله سبحانه على هذا البناء العظيم الشاهق الذي هو السد. وكان قبل ذلك قد أتى عليه مخلوق ضعيف يشبه الجرذان يسمى الخلد قام بثقبه من أسفل في نواح عديدة حتى ضعف وتشقق.

سيل العرم

ولما جاءت أيام السيول صدم الماء البناء فتدفق إلى أسفل الوادي. فخرب الأبنية وقلع تلك الأشجار اليانعات والنخل الباسقات والثمار الطازجات والحدائق الفارهات (المليحة الحسناء). فطمست النضارة وتحول كل شيء إلى وحل وطين. وانقطع الماء عن الأشجار لأن السد الذي كان يمسك الماء لتسقى به انهار. فيبست وتحولت الجنتان إلى جنتين أخريين، ولكن في شكل آخر.

وقد ذكر الله سبحانه هذا التحول فقال: ﴿وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ سبأ، 16. صارت الجنتان الجديدتان تؤتيان ثماراً من نوع آخر غير التي كانت توجد بهما من قبل، فهي لرداءتها تقزز النفس وتقبضها. فلا تؤكل إلا تجرعاً، فلا ترغب فيها النفوس ولا تشتهيها، ولولا الحاجة ما أكلت. وذلك كثمار الخمط (الأراك) التي تسمى (البربر) وهي ثمار مرة، والناضج من ثمارها يسمى الكباث، وأطيبه الأسود، أما الأثل فهو الطرفاء، مع قليل من شجر السدر كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ سبأ،16. والسدر هو شجر النبق، ينتفع بورقه في غسل اليدين. ويوجد بكثرة في البساتين التي يكثر فيها الماء. ولكن السدر الذي أعطاهم الله إياه هو سدر بري لا ينتفع به، ولا يصلح ورقه لشيء.

فبعد أن كان شجرهم من خير الشجر صيره الله من أسوأ الشجر لأعمالهم الشنيعة. وهو ما تؤكده الآية الكريمة: ﴿ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ سبأ،17. فالله لم يظلمهم ولكنهم ظلموا أنفسهم، وأي ظلم أعظم من الكفر والشرك.

عقاب آخر على الجحود

لقد كان لأهل سبأ تجارة وتعامل مع أهل الشام مما جعلهم يترددون عليها. وهم في ارتحالهم لا يجدون مشقة لكثرة مدنهم وازدهارها وتقاربها من بعضها. وإن رحلوا لا يحملون الزاد معهم فهم يبيتون في هذه القرية، ويقيلون في التي تليها وهكذا دواليك. فكانت ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ إن القرية الثانية تظهر للناظر من مكان الأولى لدنوها منها، كما لم يكونوا يخافون عدوا ولا قاطع طريق.

وقد بين الله سبحانه هذه النعمة فقال: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ سبأ، 18. فمشيهم كان مقدراً إلى أن يصلوا إلى الشام سالمين آمنين في أيام معدودات، ولكنهم تمنوا أمنية ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ سبأ، 19. واستبدلوا السيء بالحسن، واستبدلوا التعب بالراحة، واستبدلوا الخوف بالأمن.

تمزيق وشتات

فحقق الله سبحانه بعدله وعلمه أمنيتهم، ودمر القرى العامرة التي كانوا يمرون بها في أسفارهم، وأصبحت مغاور مقفرة مخيفة، وبعد ذلك أصبحوا يسافرون لتجارتهم بمشقة وخوف، يحملون معهم الزاد، ويأخذون الرواحل (جمع راحلة وهي الناقة أو الحصان) في الحر والقر، وهم مع ذلك غير آمنين، فصارت الشام التي يقصدونها للتجارة من أبعد الأماكن، والوصول إليها لا يتم إلا بعد جهد جهيد، وبشق الأنفس، لقد تمنوا الشر فأعطوه، وأضحت قصتهم طرفة المجالس، وأحدوثة الناس تلوكها الألسن في كل مكان، وما زال الناس يتحدثون عن سبأ وما حل بهم لبغيهم وظلمهم إلى اليوم، وجعلهم الله سبحانه حديث العام والخاص.

ولما ضاق بهم الحال، تفرقوا في البلاد كما قال سبحانه: ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ سبأ، 19. فبعد أن كانوا مجتمعين متحدين متلاحمين متناصرين أصبحوا مشتتين متفرقين في البلدان، وصار يضرب بهم المثل ويقال في تفرقهم وتشتتهم: تفرقوا أيدي سبأ، وتفرقوا شذر مذر.

وبينما ذهبت لخم وحذام وعاملة وغسان إلى الشام مكثت سلالة مذحج وكندة والأزد والأشعريين وأنمار وحمير باليمن، ولكنهم تفرقوا هم أيضا هنا وهناك في بلدان مختلفة بعد أن كانوا كلهم يمنيين من سبأ، وبعدما كانوا يعيشون في البلد الذي كان فيه السد العظيم المعروف بسد مأرب، الذي تحطم وبقيت أطلاله إلى اليوم إذ قال تعالى عنه: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ﴾ سبأ،19. أي فيما ترون وتسمعون عن هؤلاء القوم علامات اعتبار ﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ سبأ، 19؛ فهي آية للصابرين في الضراء، الشاكرين في النعماء، وليست للضجور الكنود الكفور الحسود، فهذه الآية لا تحرك فيه ساكناً، ولا تزيده إيماناً، وهو يشبه أهل سبأ فيما كانوا فيه من عدم الشكر والعصيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى