قصة مؤمن ال ياسين

قصة مؤمن ال ياسين هي قصة قرآنية تحكي عن رجل صالح كان يسكن قرية في بلاد الشام. وقد آمن بالرسل الذين أرسلهم الله إلى أهل قريته ليدعوهم إلى التوحيد والإخلاص. ولكن أهل القرية كذبوا الرسل وتطايروا بهم وهددوهم بالرجم والعذاب. فجاء هذا الرجل من أقصى المدينة يسعى لينصر الرسل ويوعظ قومه بأحسن الكلام. فقتلوه شهيدا في سبيل الله، فأدخله الله الجنة وقال له: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) يس، 26.

من القيم التربوية التي تستفاد من هذه القصة للأطفال هي:

  1. قيمة الإيمان بالله ورسله واتباع دعوتهم إلى الحق والخير.
  2. قيمة الشجاعة والإخلاص في نصرة دين الله والدفاع عن رسله في وجه المكذبين والطغاة.
  3. قيمة التضحية والفداء في سبيل الله والرضا بقضائه وقدره.
  4. قيمة التوكل على الله والثقة بوعده وجزائه للمؤمنين والكافرين.
  5. قيمة التوبة والإنابة إلى الله من عبادة الأصنام والشرك بالله.

جحود أصحاب الرس وكفرهم

هذه قصة رجل آمن بالله رباً وخالقاً ورازقاً، وأخلص العبادة له وتحدى قومه المكذبين. ولم يخف من بطشهم وطغيانهم بل ثبت ثبات الجبال، وصبر لله وبالله، حتى قضى نحبه (مات) على يد قومه الظالمين. وقد ذكر الله سبحانه قصته في القرآن الكريم، وشكره، ومدح صنيعه، وأعلى منزلته، في الدنيا والآخرة. ولم يذكر قصته إلا في موضع واحد من كتابه، هي سورة ياسين، من الآية 13 إلى الآية 29.

كما ذكر سبحانه وتعالى قومه في مواضع كثيرة من القرآن وسماهم بأصحاب الرس، وذمهم وشنع بهم، ونفر من التشبه بهم، في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)﴾ سورة ق. فقد جعل الله سبحانه أصحاب الرس بمنزلة الأقوام الذين طغوا في البلاد كقوم نوح وثمود وغيرهم ولذلك كانت خاتمتهم واحدة. فكل منهم أخذه الله بذنبه، منهم من أرسل عليهم الطوفان، ومنهم من أرسل عليهم الصيحة أو المسخ أو الغرق. فلنذكر الآن هذا المؤمن وما حل بقومه من العذاب:

في مدينة أنطاكية من أرض الروم كان هنالك قوم يعيشون بها. يأكلون من خيرات الله التي اجتباها (اختارها) لهم مما تخرج لهم الأرض من الخضار والزروع والفواكه. وسخر لهم الأنهار المتدفقة التي تسكب مياها رقراقة وجداول تسقى بها حدائق غناء، أصبحت قبلة الطيور لطيب هوائها واعتدال مناخها.

ومع كل هذه النعم إلا أن أهل هذه البلدة لم يعرفوا واجبهم. بل ونسبوا ما لا ينبغي أن ينسب لله فجعلوه لمن لا ينفع ولا يضر. وقد أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وشكروا من لا يستحق الشكر من الأصنام والأوثان التي اتخذوها آلهة. فأصبحوا يقربون لها القرابين، ويسجدون لها، ويخافونها فيدعونها ويرجونها. فتغير صفو قلوبهم، وانتكست فطرتهم (طبيعتهم الأصلية)، وانحرف تفكيرهم، فلا عقل يردعهم، ولا علم يبصرهم، ولا زاجر يزجرهم.

إرسال الله إليهم رسلاً

أراد الله سبحانه برحمته ورأفته أن يوضح لهم السبيل، وينير لهم الطريق. فبعث لهم عبدين من عباده الأخيار، وأمرهما أن يدعوا القوم الكافرين بالرفق واللين، وبالحكمة والموعظة الحسنة. وأخذا يكلمان قومهما، ويدعوانهم إلى الإيمان بالله وحده وينهيانهم عن الكفر والشرك. ولكن قومهما أبوا الانصياع، وأحبوا الضياع، وكذبوا الرسولين، وثبتوا على عبادتهم للأصنام. ولم يرد الله سبحانه أن يعجل لهم العقوبة، بل أمهلهم، وشملهم حلمه الواسع، لعلهم يهتدون.

وزاد لهم من كرمه وجوده أن بعث مع هذين الرسولين رسولاً ثالثاً، ليقوي أخويه، ويثبتهما على الدعوة. ولكي يكون الرسول الثالث حجة قوية على القوم الكافرين أن النبيين اللذين كانا من قبله كانا على هدى ونور. وأن ما جاءا به هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك.

ولا يوجد في القرآن قصة ذكر الله لنا فيها أنه بعث إلى قوم من الأقوام بثلاثة رسل إلا مع هؤلاء القوم. مما يدل على أنهم قوم غلاظ قساة القلوب معاندون، لا عقل لهم يفكرون به. قد أبطلوا بصرهم وسمعهم وأفئدتهم التي تساعد على التدبر والتفكير. فأصبحوا كالحيوانات، بل هم أضل، فالحيوانات لا عقل لها، وهؤلاء لهم عقول أبطلوها. وهم يرون آيات الله في خلقه، ثم لا يتذكرون ولا هم يدبرون.

وقد ذكر الله سبحانه كيف بعث الله رسله هؤلاء فقال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ يس، 13-14. ولكن هل سمع أهل القرية لهؤلاء الأنبياء الذين جاءوا لهم بالبراهين القاطعة، والدلائل الساطعة، والآيات النافعة، على أن ما يدعونهم إليه حق، وأن عبادتهم للأوثان عبادة باطلة؟ كلا!

تكذيب وتهديد للرسل

أنكر أصحاب الرس دعوة المرسلين إليهم وقالوا لهم: ﴿مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ﴾ يس، 15. ولما غلبتهم الحجة لم يجدوا ما يدفعون به هذه الآيات التي جاءهم بها المرسلون.

فغلبوا هنالك وزعموا أن الله سبحانه لن يبعث عبادا بالرسالة، وكذبوا المرسلين في دعوتهم. ولم يكن لهؤلاء الرسل شاهد على صدقهم، فجعلوا الله سبحانه هو الشاهد على صدقهم. وقالوا لقومهم: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ يس، 16-17. ولم يكتف هؤلاء الكافرون باتهام المرسلين بالكذب، بل تعدوا إلى شيء آخر فقالوا لهم: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ﴾ يس، 18. أي لم نر على وجوهكم علامة خير في عيشنا، فمنذ أن جئتمونا نقص خيرنا، فقلت أموالنا، وجفت أنهارنا، وقل زرعنا. فيا عجباً لهؤلاء القوم الذين يجعلون الرسل الثلاثة هم سبب ما حل بهم من الشر!

ومع أن المرسلين وعدوا الكفار الجاحدين، إن هم أطاعوهم واستجابوا لدعوتهم، بأن الله سبحانه سيفيض عليهم بركات من السماء والأرض. فتكثر أموالهم وأرزاقهم وزروعهم، وتعمر أنهارهم، ولما رفضوا الاستجابة لدعوة المرسلين سلط الله سبحانه عليهم العذاب الأليم. وليتهم عادوا إلى رشدهم، بل أصروا على الكفر إصراراً.

ووجهوا الاتهام فيما أصابهم من عذاب إلى المرسلين، وهم يعلمون أنهم بريئُون من ذلك، ثم توعدوهم. فقالوا: ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يس، 18. أي لو لم تتوقفوا عن دعوتكم لأشبعناكم سباً وتغييراً، ورجماً بالحجارة، وسنعذبكم عذاباً شديداً، ولنقتلنكم شر قتلة.

فقال المرسلون: أمن أجل أنا دعوناكم لعبادة الله وحده وترك ما أنتم فيه من الشرك والضلال تقولون: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ﴾ يس، 18. بل ﴿طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ﴾ يس، 18. لأنكم أهل ليسلط الله عليكم عقوبته وعذابه فأنتم ﴿قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ يس، 19.

فحاشا لله أن يظلمكم بل أنتم الظالمون المسرفون، عاقبكم الله لجهلكم وإسرافكم. ومع أننا جئناكم منذرين ومبشرين من رب العالمين إلا أنكم أبيتم السماع للرشاد. وأصررتم على العناد، فافعلوا الآن ما بدا لكم.

رجل من أقصي المدينة

اجتمع القوم وقرروا قتل المرسلين، فأخذ الناس يتكلمون خفية بينهم عما عزم فعله وجهاء القوم وأغنياؤهم، وأهل السلطة منهم، إلى أن وصل الكلام إلى أدنى رجل متواضع زكي النفس، ذي عقل سليم، لم يتعكر كما تعكرت عقول قومه، وفطرته سليمة، اسمه حبيب، كان يسكن خارج المدينة.

ولما سمع الخبر هاله ما عزم عليه قومه من الشر، ولم ينتظر طويلاً بل خرج سريعا باتجاه قومه، وقد ذكر الله سبحانه هذا المنظر فقال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ﴾ يس، 20. ولما وصل إلى أهل الحل والعقد من قومه، أظهر لهم مكنونات قلبه، ولم يخف منهم ومن بطشهم، ولم يفزع من جبروتهم بل ثبت، وتكلم بكلام فصيح أظهر فيه رجحان عقله، وقال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ يس، 20. ثم أردف قائلاً: ﴿اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ يس، 21. فهؤلاء المرسلون يدعون إلى الله حقيقة وليس كذباً، فلو كانوا كاذبين لطلبوا منكم على دعوتهم إياكم مالاً، ولكنهم ما طلبوا ذلك، فهم يدعونكم لتؤمنوا بالله وحده، وهذا كاف على أنهم مهتدون، ولم يدعوكم لأنفسهم لتعظموهم، أو ليكونوا عليكم ملوكاً.

جزاء نهي ونصح المؤمن!

ثم صرح لهم بإيمانه بالمرسلين وبما يدعون إليه وقال: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يس، 23. فالله سبحانه هو الذي خلقني وصورني في أحسن صورة، أليس حقيقاً بي أن أشكر من أبدعني؟ إنه القادر على خلقي من لا شيء، لا يعجزه أن يرجعني بعد موتي إلى الحياة، وكيف تريدون أن أكون مثلكم في عبادتكم، وأنتم قد اتخذتم هذه الأصنام وجعلتموها بمنزلة الرب سبحانه؛ تقربون لها القرابين، وتخضعون لها مع علمكم أنها لا تنفع ولا تضر، ولا ترفع ولا تخفض، ولا تعز ولا تذل، فهي عاجزة عن كل شيء.

ثم وجه خطابه إلى هؤلاء المرسلين فقال لهم: ﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ يس، 25. أي اشهدوا لي عند الله يوم القيامة أني آمنت بكم وبما تدعون إليه، واتبعتكم عليه، ولما سمع قومه مقالته، غضبوا عليه غضباً شديداً، ووثبوا عليه وثبة رجل واحد، فما زالوا يضربونه بأيديهم وأرجلهم وبالحجارة حتى قتلوه، رحمه الله.

ولم يكن له أحد يمنعه عنهم ويخلصه منهم، وما إن خرجت روحه حتى بشر بالأجر العظيم: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ﴾ يس، 26. فأصبح منعماً في الحياة البرزخية (هي الحياة بين حياتين، الحياة الدنيا والحياة في الآخرة)، قد أكرمه الله سبحانه على صبره وثباته على الدين، وعلى نصره للمرسلين الذين أراد قومهم أن يقتلوهم.

فلما أصبح في الحياة البرزخية منعماً لم ينس قومه ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ يس، 26-27. ولما وثب عليه قومه أخذ يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعلمه بما أعده الله لعباده الطائعين من النعيم المقيم.

فلما مات رأى ذلك في البرزخ عياناً، ورأى أن ما كان المرسلون يعدون به حق لا شك فيه، فتمنى من قلبه لو أن قومه استجابوا للمرسلين كي يغفر الله لهم كما غفر له، وأكرمهم الله كما أكرمه، فهو ناصح أمين في حياته وبعد مماته.

صيحة تهلك قاتلي العبد الناصح

ولما قتله قومه ظنوا أن الله لا يعاقبهم على فعلتهم الشنعاء، فقتلوا معه الأنبياء الثلاثة. ولكن الله سبحانه انتقم لعباده الصالحين، ولم يبعث على هؤلاء المجرمين جيشاً من السماء ليقاتلوهم. لأنهم أحقر وأذل من أن يفعل معهم ذلك: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ يس، 28. بل عاقبهم كما عاقب أمثالهم من المجرمين المكذبين ﴿إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ يس، 29. فبعث عليهم ملكاً من ملائكته المقربين غليظ شديد وصاح عليهم صيحة واحدة، فماتوا كلهم.

وهذه هي عاقبة المجرمين الذين آذوا عباد الله المؤمنين لا لشيء إلا لأنهم دعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وقد كان هؤلاء القوم من بلدة أنطاكية قبل مبعث كليم الله موسى عليه السلام لأن الله سبحانه بعد إنزال التوراة عليه لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم، أما قبله فقد أهلك أمماً عن آخرها لعنادهم وعتوهم وطغيانهم وكفرهم كقوم هود وصالح ونوح ولوط، وغيرهم.

لقد ضرب هذا الرجل المؤمن أروع الأمثلة وأرسخها في سعة العقل ورباطة الجأش (القلب) مما يدل على قوة إيمانه وشجاعته النادرة، والدليل على ذلك أنه كان وحيداً لا ناصر له ولا معين، يجابه قومه بكلام حكيم، ويخاطب عقولهم لعلهم يتوبون، وعن الشرك يبتعدون، وبالإسلام يتمسكون، فأقام عليهم الحجة بعد دعوة الرسل الثلاثة، ولذلك ما عاتب الله سبحانه بعد ذلك قومه، وما أرسل عليهم رسلاً آخرين، بل كانت نهايتهم صيحة واحدة أصبحوا بها من الخامدين الهالكين، وكذلك تكون عاقبة الظالمين الكفرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى