قصة يوشع عليه السلام

قصة يوشع عليه السلام هي قصة قرآنية عن نبي من أنبياء الله تعالى الذي كان صاحبًا وتلميذًا للنبي موسى عليه السلام. وقد ذُكر في القرآن الكريم في سورتي الكهف والمائدة، وفي التوراة في سفر يوشع.

قصة يوشع عليه السلام تحتوي على عدة قيم تربوية للأطفال، منها:

  1. قيمة الصبر والثقة بالله: فقد صبر يوشع على مصاعب التيه في الصحراء مع موسى عليه السلام. ووثق بوعد الله بدخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان، ولم يخف من جبابرة أهلها.
  2. قيمة الشجاعة والإخلاص: فقد كان يوشع من الرجلين الذين أمروا بدخول أرض كنعان وتجسس أحوالها. وعاد بتقرير صادق وإيجابي، وحث بني إسرائيل على دخولها بتوكل على الله.
  3. قيمة التعلم والتطور: فقد كان يوشع فتى موسى عليه السلام، وتعلم منه الحكمة والعلم. وأصبح نبيًا وقائدًا لبني إسرائيل بعد موسى، وأقام شرع الله في أرض كنعان.

طغيان وإذلال

لما بعث الله سبحانه نبيه وكليمه موسى بن عمران عليه السلام ليدعو فرعون وقومه إلى توحيد الله وعبادته، وإلى تسريح بني إسرائيل ليخرجوا معه لم يقبلوا. فأنزل الله سبحانه على أهل مصر آيات بينات، ومعجزات باهرات، ودلائل ساطعات، بلغ عددها تسعاً. ولكنهم ازدادوا طغياناً وكفراً، وأصروا واستكبروا استكباراً. هنالك أدرك موسى وقومه أن فرعون لا يتركهم أبداً يخرجون من مصر. لأنه تعود هو وقومه استعباد بني إسرائيل وتعذيبهم، والتنكيل بهم.

لقد كان اليهود أذلاء مستصغرين مقهورين، بل هم في حال أسوا من ذلك. حيث كانوا خدماً لأهل مصر، يستغلونهم أبشع استغلال في النجارة والزراعة والتجارة والحدادة، وكل الأعمال الصعبة. لأن الأقباط أهل مصر كانوا سادة بينما بنو إسرائيل هم العبيد، وحتى نساؤهم لم يسلمن من المهانة والذل. فهن يشتغلن داخل بيوت المصريات؛ إذ يؤمرن بتنظيف الملابس وطهي الطعام، وكنس البيوت، وتحضير الفراش، وتهيئة البيت، وترتيبه أحسن ترتيب. وليس هذا فقط، فقد كن أيضاً مسؤولات عن الدواجن والأبقار والمعز، وتنظيف ساحاتها، وهن مأمورات بتنظيف بهو البيوت وساحاتها. ولقد قمن بذلك تحت وطأة (ضغط) إذلال القبطيات اللواتي كن ينلن منهن بالسب والشتم والتعيير، واللطم في بعض الأحيان !!..

هروب المستضعفين وضلالهم الطريق

أمام هذا الوضع المخزي، لم يكن هناك أمل في الخروج من مصر. حتى أذن الله لموسى عليه السلام، فضرب لهم موعداً لن يخلفوه. فأعدوا أمتعتهم، وخرجوا ليلاً متسللين، فرحين لفرارهم من فرعون. ولكن سرعان ما دبت في قلوب الناس الحيرة والاضطراب لأنهم تاهوا ولا يدرون أي طريق يأخذون، وأي فج يسلكون. فالسماء قد أطبقت بظلامها عليهم، ولم يعد يرى في الأفق شيء. فالنجوم ذات الأضواء الخافتة والمترامية هنالك في السماء لا تكفي ليرى الناس بعضهم بعضاً من شدة سواد الليل وحلكته. ولا يكاد يسمع إلا نقيق الضفادع أو البوم، إذ هما من الحيوانات التي لا تنشط إلا ليلا.

اختار موسى عليه السلام في الأمر، وإن كان الله سبحانه هو الذي أمره بالخروج، فكيف يخرج ولم يبين له الطريق؟ إن الأمر خطير، وكلما مضى الوقت ازدادت القلاقل والاضطرابات في الناس. فهم يدركون أنه لو انقشع الظلام وظهر الصبح، سيعلم فرعون مكانهم وسيدركهم ويقتلهم تقتيلاً.

خبر نقل رفاة يوسف عليه السلام

وكان من بني إسرائيل علماء أخذوا العلم عن آبائهم وأجدادهم. وكلما قضى أحدهم نحبه إلا وقد ورث ابنه علماً تركه له آباؤه الأولون. وكان مما توارثوه أمر لم يكن موسى عليه السلام يعرفه. وقالوا له: نحن نخبرك عن سبب ضلالنا عن الطريق، فقال موسى: وما هو؟ قالوا له: إن يوسف عليه السلام قد أخذ على آبائنا عهداً ألا نخرج من مصر إلا مع نقل عظامه ورفاته معنا. ويوسف عليه السلام كان عزيزاً لدى أهل مصر. كانت تحت يده خزائن الأموال يتصرف فيها كيفما شاء لعدله وأمانته وقوته وثقة الناس فيه. وإن لم يكن يوسف من أهل مصر فهم أحبوه لإحسانه لهم ونشر دين الله بينهم، ولمكانته عند الملك.

ولما توفي عادوا إلى ما كانوا عليه من قبل. ولأنه نبي (أخبر من الله) أن أبناءه وأبناء إخوته سوف يخرجون من مصر بعد أن استقروا بها. فأوصى بنيه وبني إخوانه أن يأخذوا رفاته معهم إذا خرجوا من مصر، فقال لهم موسى: وأيكم يدري أين قبر يوسف؟ قالوا له: لا أحد يعرف عن قبر يوسف شيئاً إلا امرأة عجوز ورثت علم ذلك عن أبيها.

عجوز بني اسرائيل

أرسل موسى عليه السلام إلي العجوز لتخبره عن موضعه. فلما حضرت أمامه سألها قائلاً: دليني على قبر يوسف، قالت له: لا والله لا أفعل حتى أكون معك في الجنة.

ياله من شرط عظيم، وموسى عليه السلام لا يملك أن يدخلها الجنة. إذ إلى الله يرجع الأمر كله؛ فمن شاء أدخله ومن شاء لم يدخله. ولذلك اشتط (أفرط وتجاوز الحد) موسى عليه السلام غضباً من هذا الشرط، وتعجب لأمرها. وكيف لها أن تشترط شرطاً كهذا من أجل شيء بسيط علمته وجهله بنو إسرائيل. فقال له علماء بني إسرائيل: أعطها ما اشترطت، فأعطاها وعداً أن يدعو الله تعالى لعله يجعلك معي في الجنة. ودعا موسى ربه في ذلك فأجابه الله لما طلب، وقال للعجوز: أنت معي في الجنة إن دللتنا على موضع القبر.

مضت العجوز والناس يتبعونها إلى بحيرة فيها ماء قليل. وقالت لهم أنضبوا (احفروا الأرض ليعود الماء فيها)، أو خذوا الدلاء واحملوا الماء خارج البحيرة بسرعة إلى أن فرغت من الماء كلية. ثم قالت لهم: احفروا هنا؛ أخذوا الفؤوس والمعاول وبدأوا بالحفر. وما هي إلا ضربات حتى ظهرت لهم جثة يوسف عليه السلام بلحمه وعظمه وهيئته التي كان عليها في حياته لم يتغير منه شيء، رغم طول السنين العديدة. لأن الله سبحانه وعد بأن تبقى جثث الأنبياء على حالها لا يأكلها الدود كبقية الأجسام. وهكذا تبدو عظمة الأنبياء في الحياة وبعد الممات. تعجب بنو إسرائيل مما رأوه، وأيقنوا بقدرة الله العظيمة، ولما أخرجوه من الأرض، وحملوه على دابة من دوابهم إذا بالطريق مثل ضوء النهار، تظهر لهم جلياً، وقد زالت ظلمة الليل التي اكتنفتهم.

غرق الكافرين ونجاة المؤمنين

على هذه الطريق سار بنو إسرائيل، ولما ابتعدوا قليلاً أراد فرعون وجنوده أن يدركوهم، فخرجوا إليهم مسرعين. ولما اعترض بني إسرائيل البحر ضربه موسى بعصاه فانفلق إلى فلقتين واجتاز هو ومن معه في طريق بينهما. ولما وصل فرعون إلى ذلك الطريق وهم باجتيازه ليدرك بني إسرائيل، أطبق عليه وعلى جنوده البحر فكانوا من الهالكين.

تخاذل وجهن أمام الجبارين

واصل موسى وقومه سيرهم إلى المكان الموعود، وعندما أشرفوا على أبواب المدينة التي يقصدونها علموا أن سكانها من العمالقة الجبارين. فجبن عموم الناس وخافوا مقاتلتهم مع أن الله سبحانه قد وعدهم بالنصر. وبما أنهم نكلوا (أحجموا وجبنوا) قال لهم موسى واعظاً: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ المائدة، 21. فرد قومه عليه: ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ المائدة، 22. ورغم هذا بقوا مذعورين، وشكوا في نصرة الله لهم.

وأمام هذا الموقف الصعب الذي تخاذل فيه بنو إسرائيل عن لقاء العدو ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ﴾ المائدة، 23. وهذان الرجلان هما يوشع بن النون وكالب، وهما من عباد الله الأخيار، الصالحين الأبرار. ولقد كانا على يقين من النصر لوثوقهما وتحققهما من وعد الله. ومع هذا الوعظ من موسى وهذا التذكير من هذين الرجلين، إلا أن بني إسرائيل بقوا متخاذلين، خائفين. وقالوا لموسى: ﴿يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ إنها لقمة الجرأة في النُكُول (نُكوص وجُبن). لذا تبرأ موسى عليه السلام منهم ودعا ربه قائلاً: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ المائدة، 25.

عقاب على الجبن بالتيه

استجاب الله لدعاء كليمه، وعاقب بني إسرائيل لتكذيبهم بوعد الله. وأوحى إلى عبده قائلاً: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ المائدة، 26. وأمره ألا يحزن عليهم لأنهم فاسقون، استحقوا أن يكونوا تائهين جزاءً بما فعلوا. فصاروا يمشون دون توقف كالتائه الذي ليس له مستقر. فإذا حل عليهم الليل في أي مكان أدركوه حطوا رحالهم وزادهم وباتوا، ثم ينصرفون من الغد حاملين أمتعتهم.

وقد سألوا موسى عن الطعام والشراب، وكيف يستظلون من حر الصيف ووهج الشمس، فرزقهم الله سبحانه من خير الأطعمة. فكانوا إذا استقروا بمكان وجدوا فيه المن والسلوى. والمن طعام حلو يجدونه تحت الأرض ويأخذونه من غير تكلف. أما السلوى فهو نوع من أنواع الطيور التي يصطادونها دون أن ينصبوا لها فخاً أو شباكاً، وأما الماء فإن موسى عليه السلام كان يضرب الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً بعدد الأسباط (القبائل)، وأما حمايتهم من حر الشمس فقد ظلل الله عليهم فوق رؤوسهم الغمام يحفظهم من وهج الحرارة الشديدة. ومازالوا كذلك حتى طلبوا منه أن يستبدلوا طعامهم الذي أعطاهم الله إياه بالطعام الذي تخرجه الأرض من العدس والبصل وغيرها فقال لهم: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ﴾ البقرة، 61. انزلوا إلى أي مكان شئتم تجدوا ما طلبتم.

يوشع عليه السلام خليفة لموسى عليه السلام

وما زال موسى وهارون مع قومهما إلى أن توفاهما الله. واستخلف موسى يوشع بن النون، لأن اليهود كان يسوسهم الأنبياء. إذ كلما مات نبي خلفه نبي آخر، وقد مكث موسى مع قومه في التيه أربع عشرة سنة، يحكم بينهم بالتوراة. يذكرهم ويعلمهم إلى أن انقضت المدة التي كتبها الله لهم أن يقضوها في التيه لفسقهم، فاستخلفه يوشع وعمره مائة سنة.

ولما انقضت الأربعون سنة التي عوقبوا بها في التيه (أرض قفراء يضل فيها الإنسان) أمر الله عبده يوشع عليه السلام أن يزحف بقومه إلى البيت المقدس التي وعدهم الله بها من قبل.

شروط التجنيد لدى يوشع عليه السلام

أخذ يوشع يجهز الجيش ويعده، ويشحذ الهمم، ثم أرشدهم مبيناً لهم الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الجيش ليغزو أولئك الجبابرة العتاة الكفرة الطغاة، والعمالقة البغاة.

وقال لهم: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، أي خطب امرأة وعقد عليها، فهذا الصنف من الرجال لا يكون في الجيش؛ لأنه لو خرج معه سيكون مشغول البال، مضطرب النفس، يفكر في المرأة التي سيتزوج بها، ولا يكون ثابتاً عند التقاء الجيش مع العدو، ولا يحارب بقوة البأس، كبقية الجند، فيؤثر على بقية الجنود، ويتسرب الوهن والضعف إلى نفوسهم فيفشلون ويتخاذلون.

والصنف الثاني الذي منعه أن يكون في صفوف الجندية هو الرجل الذي بنى بيتاً ولم يرفع سقفها، لاهتمامه ببنائه وهو يتحسر على عدم إتمامه، ويكون حاله كحال الأول، فلا يكون باسلاً (شجاعاً) في الحرب عند التقاء الجمعين، وبفشله يفشل الكثير من الجند، فيزرع فيهم الضعف والهوان.

وأما الصنف الثالث الذي منعه يوشع أن يكون مع الجيش فهو الرجل الذي اشترى غنماً أو إبلاً، وهو ينتظر ولادها، فحاله لا تختلف عن حال الصنفين الأولين، فهو مشتاق لرؤية نتاج ولادة غنمه وإبله.

فتح بيت المقدس

وهكذا انطلق الجيش الفاتح إلى بيت المقدس، أين التقى الجيشان يوم الجمعة والتحم الطرفان، وتقاتل الفرسان. فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، وتعالت الصيحات وارتفعت الرايات، وحمي الوطيس (اشتعلت الحرب). واشتد القتال، وظهرت ملامح النصر للمؤمنين، ولكن الوقت ليس في صالحهم لأن الشمس قد دنت من الغروب، وإذا غربت وجاء الليل، فلا قتال فيه، والغد هو يوم السبت، وفيه يحرم على اليهود القتال، وإن توقف القتال فإن العمالقة سيعدون العدة أكثر، ويهيئون أنفسهم أفضل ليوم الأحد، وهو ما ليس في صالح بني إسرائيل.

علم يوشع عليه السلام أن الأمر صعب، فقال مخاطباً الشمس: إنك مأمورة وأنا عبد مأمور، ثم دعا ربه قائلاً: اللهم احبسها عليناً، فتوقفت بإذن الله لدعاء يوشع، ولم تتوقف لأحد إلا لهذا النبي الكريم عليه السلام، وتواصل القتال حتى فتح الله عليه، وكانت النصرة للمؤمنين، فاغتنموا الفرصة، وراحوا يجمعون مال المنهزمين من أسلحة وأمتعة لأنفسهم وقد حرم ذلك عليهم.

تقديم قرابين الشكر لله

أحضر يوشع الغنائم المتبقية التي لم تسرق، وقربها قرباناً إلى الله، وكانوا قديماً إذا قربوا القرابين إلى الله تنزل نار من السماء فتحرق القربان، ولكن قربان يوشع وجيشه لم تأكلها النار هذه المرة، فقال لهم يوشع: إن فيكم غُلولاً (خيانة، وهنا سرقة)، وأراد أن يعرف من غل من الجنود، فقال: ليبايعني من كل قبيلة رجل، ولما صافحهم لزقت يده بيد رجل منهم، فقال له: إن الذي غل من قبيلتك، فلتصافحني قبيلتك كلها، ومازال أفراد تلك القبيلة يصافحونه الواحد تلو الآخر حتى لزقت يده بيدي رجلين منهم، فعلم أنهما اللذان سرقا الغنائم من الحرب، فجاءا بما غلاه وهو رأس بقرة من ذهب، ووضعاه مع الغنائم الأخرى، وجاءت النار فأكلتها.

عقاب العصاة بعد النصر

ثم أوحى الله سبحانه إلى يوشع عليه السلام أن يدخل بالفاتحين إلى بيت المقدس ويأكلوا من خيراتها كيفما شاءوا كما قال سبحانه في القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة، 58. وأمرهم أن يدخلوا مطأطئ الرؤوس، خاشعين خاضعين ساجدين، وأن يقولوا عند دخولهم: “حِطة” أي حُط علينا أخطاءنا ومعاصينا التي فعلناها من قبل والتي بسببها حُرم على آبَائنا الدخول إلى المدينة المقدسة، ولكن هل عمل بنو إسرائيل بأوامر الله؟! كلا فبنو إسرائيل الآباء هم بنو إسرائيل الأبناء، وقلوبهم ونفوسهم وطباعهم من طينة واحدة، وهم يقولون سمعنا وعصينا، فلا لأوامر الله أطاعوا ولا لكلام نبيه انصاعوا، وغرهم النصر الذي أحرزوه على العمالقة، ولولا توفيق الله ما انتصروا، ولولا أن ثبتهم الله لفروا منهزمين.

ولما دخلوا المدينة دخلوها مستهزئين بالأمر والطريقة التي أمروا بها، دخلوا على أفخاذهم متهكمين مستهزئين، وزادوا في كلمة “حطة” السابقة النون وقالوا: “حنطة” (حبة في شعرة)، ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ البقرة، 59. ودخلوا بهيئة غير التي أمروا بها، إذ دخلوا يزحفون على أفخاذهم، فخالفوا العقل والقول معاً استخفافاً بأمر الله، فأنزل الله عليهم ﴿رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ﴾. أي عذاباً سلطه الله عليهم، فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا.

ثم استقر حكم بيت المقدس على يد بني إسرائيل، يحكمهم يوشع عليه السلام إلى أن توفاه الله، وعمره مائة وسبع وعشرون سنة، ثم استخلفه كالب بن يوفنا. وقد أشار الله سبحانه إلى هذه القصة مختصرة في سورة البقرة في الآيتين 58-59.

ألا فليعتبر المعتبرون من أحوال بني إسرائيل المختلفة مع أنبيائهم وتعاملهم مع أوامر الله تعالى، وكيف يُكافأ منهم المؤمنون الطائعون؟ وكيف يعاقب العصاة الجبناء والمنافقون. ولله في خلقه شؤون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى