أثر غياب الأب عن الأسرة وتربية الأبناء
ما هو أثر غياب الأب عن الأسرة وتربية الأبناء؟ لا يخفى عل أحد ما للتربية من دور مهم ومباشر في بناء الإنسان وتوجيه أفكاره ومشاعره وتحقيق نموه وتكامله، وبالتالي ليكون عضواً مفيداً مجتمعه، ومواطناً صالحاً قادراً عل أداء مسؤولياته الفردية والاجتماعية. وأول مكان تتم فيه العملية التربوية هي الأسرة التي تحتضن الطفل وتتبني جميع مستلزماته المادية كالمأكل والملبس والنوم والاستراحة أو المعنوية كحاجته للحب والعطف والحنان وغير ذلك.
جدول المحتويات
لذا كان لزاماً عل الوالدين أن يقوما بأداء حق الطفل وتوفير مستلزماته والاهتمام بأمره ورعايته في شؤونه ومراقبته في تحركه حتى ينشأ سليماً، وأن يكونا واعيين ومثقفين وكفوء لأداء هذه الوظيفة لا سيما الأب الذي يقع على عاتقه الجانب الأكبر من المسؤولية في بناء شخصية الطفل وفكره وسلوكه ونفسه وذهنه وأن يؤهله لحياته المستقبلية. وأي تفريط بهذا الأمر أو تسامح يؤدي – لا سمح الله ـ إلى انحلال الأسرة وانحراف الأولاد وممارستهم لمختلف الجرائم والجنح وابتعادهم عن الأب وسقوطهم في أحضان أخرين وتأثرهم بهم مما يكون له عواقب وخيمة علي حياتهم الحالية والمستقبلية.
الأهمية التربوية للأسرة
وتعد الأسرة المكونة من الأبوين، أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفهـا الإنـسان ولا تزال تقوم بدورها في تعليم وتهذيب النشئ وتزويـده بخبـرات الحيـاة ومهاراتهـا المحـدودة ومعارفها البسيطة، وقد أدى تطور الحياة البشرية وزيادة الخبـرات الإنـسانية وتعـدد أنـواع المعرفة البشرية إلى أن تشارك الأسرة مؤسسات أخرى في واجب الرعاية والتوجيه، فتخلّـت الأسرة عن بعض ما كانت تقوم به، إلا أنها ظلت المؤسسة التربوية الأولى في حيـاة المجتمع الحديث .
وتتجسد الأهمية التربوية للأسرة فيما يلي:
- أن الوالدين هما أول من يتفاعل معهما الطفل بصورة مستمرة، فهما يقدمان له نماذج حيـة عن الحياة الإنسانية؛ ولذا فإن سلوك الوالدين يعد أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في حياته
- يلعب الأبوان دوراً أساسياً في تنمية قدرة الطفل على استخدام الألفاظ؛ للدلالة على الأشـياء المحيطة به، علماً بأن اللغة هي عامل رئيسي في التنشئة الاجتماعية التي تقوم على تفاعـل الفرد مع الآخرين.
- إذا كانت الأسرة هي أول من يحتضن الطفل ويتولى رعايته فإن من الحقائق المسلّم بها عنـد علماء النفس والتربية، أن السنوات الأولى من حياة الطفل من أهم وأخطـر الفتـرات فـي تكوين شخصيته وتحديد ملامحها الرئيسية، وليس معنى ذلك : أن تلك السنوات المبكرة تحدد نمو الطفل ، إلى درجة لا يمكن معها إحداث تغيير فيما بعد، لكن المقصود هو أن الأسـس ذات الأهمية البالغة في حياة الطفل، توضح وتترسخ في تلك الفترة.
أثر غياب الأب عن الأسرة وتربية الأبناء
لأثر غياب الأب عن الأسرة وتربية الأبناء .. تأثيرات سلبية؟ نستطيع – بكل تأكيد – أن نعتبر وجود الأب داخل كيان الأسرة هو تواجد ضرورى وحيوى، فهو الذى يمارس مهام ووظائف تعجز الأم عن القيام بها. وعليه فلا يمكن للأم أن تعوض غياب الأب، من هذه المهام ما نقدمه على الصفحات التالية:
الأب.. محور الدفاع
الأب كما يراه الطفل هو نظام دفاعى جاهز للعمل فى أية لحظة. و أثر غياب الأب عن الأسرة هو غياب لنظامها الدفاعي وهذا الدفاع يختلف كثيراً عن دفاع الأم، فالأب يدافع بمهاجمة الآخرين وقت الخطر لحماية أطفاله وزوجته أيضاً. لذا يمكن أن نسميه «الذود عن» بينما يمكن تسمية ما تصنعه الأم فى موقف مماثل هو «الهروب من». أى أنها تقوم بوسائل دفاعية هروبية يتمثل فى الابتعاد عن مكمن الخطر. ونحن نعتبر أن كلا الشكلين من الدفاع ضرورى. غير أن صورة الأب ووسائل دفاعه فى هذا الخصوص تصنع نوعا من الأمان لدى الطفل.
الأب.. واضع الحدود
إذا كان الحد لغوياً هو «الحاجز» بين شيئين ، أو هو نهاية شئ ليبدأ آخر، فلكل شئ تقريبا حد، والأهم هنا أن للنفس حداً نسميها «حدود الذات» أى «حدود النفس».
، يمكننا على ضوء ما تقدم اعتبار أن الأب هو واضع «الحدود» للأبناء. فهو الذى يعاقب طفله إذا ما تخطى «الحدود» فى سلوك ما غير مرغوب. أى أنه «السلطة» فى البيت. والأب جسدياً ونفسياً هو الأقرب لتمثيل السلطة «العقابية» أكثر من الأم التى هى فى الغالب متسامحة أكثر منه لعاطفتها وحنانها الغالبين عليها. لقد رأيت بنفسى عدد كبير من الأولاد يدخنون «التبغ» أمام أمهاتهم، فى حين لا يتجرأوا على فعل هذا السلوك فى وجود آبائهم. إذا للأب علاقة وثيقة بإرساء حدود السلوكيات عند أولاده، وبسببه يتعلم هؤلاء الأولاد أول مفاهيم «الحدود».
هذه إذا «حدود» السلوكيات، أما «الحدود» الداخلية للنفس فهى تمثل الحد الفاصل بين الأشياء ، بين الحقيقة والخيال، بين ما يحدث داخل العقل وخارجه، بين المرض والسواء ولهذه الحدود ثلاثة أشكال هى:
- الشكل الأول : تكون الحدود الداخلية الذات أو النفس قوية لاتسمح بالاختراق أو النفاذ. فيقهر الإنسان نفسه، ويحرم من تبادل الحوار والخبرات نتيجة إغلاق مسام هذه الحدود وعدم السماح بالاختراق أو النفاذية. وهذا الشكل غالبا ما يكون انعكاسا لأب قاهر، جائر على الأبناء، وربما هذا أقرب للتربية الشرقية المتزمتة.
- الشكل الثانى : هو التميع والاختراقية الشديدة، مما لا يسمح بالاحتفاظ بالخبرات فينتج شخصية غير متماسكة متميعة فى مواقفها.
- الشكل الثالث : هو أقرب إلى المثالية فى السماح والاختراقية أو النفاذية، وفى نفس الوقت التماسك والقوة. فيحوى إيجابيات الالتزام والتماسك من ناحية ، وتبادل الخبرات والعلاقة بالآخر من جهة أخرى.
إقرأ أيضا:
- تأثير الخلافات الزوجية على الأطفال .. احذر آثارها السلبية
- دور الأب في تربية الأبناء دليل شامل
- مشكلة غياب الأب عن البيت.. ورحلة البحث عن المال
الأب.. والحفاظ على المسافات
لابد أن نعترف أن هناك مسافة بين الأب والأبناء، قد تتزايد هذه المسافة فى العلاقة فتصبح علاقة شبه رسمية. وهى تمثل الأب شديد الهيبة مع الابن الخائف ، وهى سمة تنشئة الجيل الأسبق.
وقد تتناقض هذه المسافة وتذوب فتتزايد وتتناقص فى ظروف غير مناسبة مما يربك الأبناء. وفى تزايد المسافة إرساء لحدود قاسية، وفى تناقصها إلغاء للحدود أو تعديلها وتخطيها.
وتتسم المسافة البعيدة بتقديس الأب بما يستتبع ذلك من إحساس بالأمان والاحترام وما يستتبعه من الالتزام بالحدود. ولكن قد يتحول الإحساس بالهيبة إلى خوف من العقاب وتزايد الإحساس بالمسافة إلى درجة الشعور بعدم وجود الأب عند اللزوم ويتولد القهر واللاتلقائية، وربما توجد هذه السمات كثيراً فى المجتمعات الشرقية.
وفى تناقص المسافة يمنح الطفل مزيداً من الحرية، وما ينتج عنها من الاستقلالية والإبداع. أو قد تتحول سلباً إلى عدم احترام الحدود والتسيب أو الفساد أو التدليل. وقد يكون هذا النموذج فى التربية ، هو أيضاً الأقرب إلى الجيل الحالى مقارنة بالأجيال السابقة.
ولاشك أن هناك مسافة أيضاً بين الأم والأبناء غير أنها فى أغلب الأحوال أقرب من مسافة الأب. فطبيعة الرجل وما يتميز به من خشونة وتحكم وسيطرة وجدية وواقعية، أقرب إلى خلق مسافة أكبر مما تخلقه الأم نتيجة عاطفتها ورقتها ورحمتها وتسامحها وكلاهما لازم.
الأب.. جوهر الصحة النفسية
ارتباك الأم يؤدى إلى التأثير فى طفلها مما يخلق منه نفسيه غير سوية، أما الأب فيرتبط بإمكان تفجير أبدع ما فى الابن. فالأب يقف كحاجز للتحدى فى وجه أبنائه، من استطاع أن يتجاوزه مخترقاً حدود ومسافات وقيود هذا الأب كاسراً إياه داخله استطاع أن يمر بمرحلة نمو تليها أخرى، وهكذا. أى أن الأب هو محرض على النمو تكاملياً سواء بوجوده القوى المتحدى، أو بوجوده السامح بالحرية.
أما علاقة الأب بالمرض فهى علاقة غير مباشرة، فعندما يغيب الأب لأي سبب من الأسباب، يحاول أحد أفراد الأسرة القيام بمهامه أو أخذ دوره، غالبا تكون الأم، ولأنها غير مهيأة للقيام بأدوار ذكرية ترتبك أو تبالغ فى هذا الدور وهى تعيش ما ليس منها ولا فيها فهنا تؤثر فى الأبناء بشكل باعث على اللاسواء النفى.
،عموماً، نستطيع القول: إن أثر غياب الأب عن الأسرة يعرضها للأخطار، كما يعرض الأبناء لتجاوز الحدود السلوكية المرغوبة وعدم الاكتراث بها
د. وفيق صفوت مختار، الأسرة وأساليب تربية الطفل، دار العلم والثقافة، 2004