الطفولة المبكرة (مرحلة اللعب)

مشكلة الخجل عند الأطفال ومتي يتحول إلي اضطراب الشخصية الاجتنابي

اضطراب الشخصية الاجتنابي عند الأطفال تعرف علي أسبابه وأعراضه وكيفية علاجه

نمو الطفل الطبيعي يمر بعدة مراحل، ولكل مرحلة صفاتها التي تميزها من حيث تطور ونمو القدرات العقلية والجسمية والسلوكية. ويمر الطفل بمرحلة الخوف من الأشخاص الغرباء منذ الشهر السادس وحتي السنتين ونصف من العمر. وهذه مرحلة طبيعية عند كل الأطفال. وبعض الأطفال يظهر نوعاً من الخجل والاعتماد علي الأهل عند اللقاء مع الأقرباء والأصدقاء أو الأشخاص الغرباء. وغالبا ما يكون الخجل صفة طبيعية في كثير من الأحيان. ولاسيما في حالة الطفلة البنت. ويساعد المجتمع علي ذلك حيث يتوقع من الأنثي أن تكون أكثر خجلاً وتحفظاً من الذكر. كما يتوقع من الذكر أن يكون أكثر انطلاقاً وجرأة واعتماداً علي النفس وأكثر عدوانية أيضاً. وعندما يكون الخجل علي درجة شديدة ومستمرة لستة أشهر علي الأقل يمكن عندها أن نسميه اضطراباً نفسياً. ويسمي عند الأطفال باضطراب الشخصية الاجتنابي (Avoidant Personality Disorder) وهو أحد أنواع اضطرابات القلق عند الأطفال.

واضطرابات القلق عند الأطفال قد تستمر إلي مرحلة الشباب وعندها تتغير بعض التسميات والمصطلحات. وبعضها الأخر يتحول إلي اضطرابات نفسية أخري. وفي الحالات الأخري تتحسن هذه الاضطرابات وتزول مع نضوج الطفل وتعلمه أساليب تكيف وتأقلم ناجحة ولاسيما في الحالات التي يعطي فيها الطفل اهتماماً أكبر من الأباء ورعاية خاصة لمساعدته علي تجاوز حالته وخاصة في حال توفر الظروف الملائمة لتطوره الطبيعي وهذا ما يهدف إليه العلاج النفسي للأطفال.

أسباب اضطراب الشخصية الاجتنابي

ينتشر اضطراب الشخصية الاجتنابي (الهروبي) عند الإناث أكثر من الذكور ولكنه يظهر عند الذكور بشكل مبكر. وتلعب العوامل التكوينية المزاجية دوراً في هذا الاضطراب. كما أن الحرمان من أحد الأبوين أو كليهما له دور في ذلك. إضافة إلي الإيذاء الجسدي أو الجنسي الذي قد يتعرض له الطفل. وبعض الأباء مسيطرون وأقوياء وبعضهم الأخر يشكو من التحفظ والخجل. وفي عديد من الحالات يتعرض الطفل للانتقاد والتصغير في جو الأسرة وأمام الضيوف والغرباء.

وينتشر هذا الاضطراب أكثر بين الأطفال الذين لديهم أمراض جسمية شديدة كالحمي الرئوية (الحمي الروماتيزمية) والتشوهات العظمية المختلفة وغير ذلك من العاهات الجسمية مما يضيف إلي صعوبة تكيف هؤلاء الأطفال مع أصدقائهم وأقرانهم ومشاركتهم في اللعب والنشاطات الرياضية المختلفة، ويجعل قدراتهم الاجتماعية ناقصة وغير كافية.

وينتشر أيضاً بين الأطفال المغتربين مع أهلهم. أو الذين يتنقل أهلهم كثيراً في عدة مدن أو بيئات مختلفة حيث يفتقد الأطفال إقامة علاقات مستمرة ويخسرون تعلم القدرات الاجتماعية المختلفة.

وتلعب اضطرابات تطور اللغة والنطق دوراً مهيئاً لهذا الاضطراب. وهذه الاضطرابات تشمل اضطرابات نطق بعض الأحرف أو الإبدال والحذف لبعض الأحرف أو نقص القدرة علي التعبير اللغوي الصحيح حيث يستعمل الطفل قواعد مبسطة وجمل قصيرة. إضافة إلي صعوبة تعلم كلمات جديدة. وهذه الاضطرابات اللغوية تكون عادة مرحلية ومرتبطة بالنمو. وهي تتحسن تلقائياً ويزيد التدريب من إمكانية وفرص التحسن بكفاة عالية.

ويهيئ أيضاً للاضطراب الشخصية الاجتنابي الهروبي وجود أحد أنواع اضطرابات القلق عند الأم. وقد تكون الأسباب أكثر غموضاً وتعقيداً وتلعب عدة عوامل معاً دورها في نشوء هذا الاضطراب.

ملامح وأعراض الشخصية التجنبية

والملامح الأساسية لهذا اضطراب الشخصية الاجتنابي هي الابتعاد عن إقامة علاقات جديدة، مما يؤدي إلي تأثر حياة الطفل في علاقاته الاجتماعية. وتستمر علاقة الطفل مع أهله بشكل طبيعي ولكن يغلب عليه السلوك الاعتمادي والطلبات الذاتية الكثيرة وهو يهرب من الألعاب التنافسية الرياضية وغيرها. وفي المناسبات والمواقف الاجتماعية يحاول الطفل الاختباء أو يتكلم بصوت منخفض ويهمس همساً في أحيان أخري. وتظهر عنده أعراض الارتباك واحمرار الوجه والتلعثم بينما يكون غاضباً ومتعجرفاً مع أهله. ولا يوجد لدي أي اضطراب في الذكاء عادة.

ويصبح الطفل كثير التوتر وربما قد يبكي ويرفض المشاركة في أي أنشطة ومناسبات اجتماعية ولا يستطيع الابتعاد عن أهله ويلتصق بهم.

ويؤدي هذا الاضطراب إلي تأخر قدرات الطفل الاجتماعية وظهوره كشخصية منكمشة مكبوحة متجمدة ومتحفظة مما يجعله يخسر كثيراً من الأصدقاء وتضيع عليه فرص اللعب والمرح والانطلاق وتكوين مهارات جديدة رياضية أو ثقافية.

وأثناء الفحص النفسي لهذه الحالات تجد أن الطفل يصعب عليه أن يترك أبيه أو أمه. ويجلس في غرفة الفحص النفسي منكمشاً ولا يقترب من الألعاب أو أوراق الرسم. وقد يميل إلي رسم بعض الرسومات غير الواضحة والعنيفة والمحطمة. وهو يفضل استعمال عدد قليل من الألوان في الرسم والأشكال التي يرسمها صغيرة وفي جانب صغير من الورقة وعندما يرسم بيتاً لا يضع له نوافذ أو أبواب.

واضطراب الشخصية الاجتنابي عند الأطفال دائما ما يصاحبه أعراض التوتر والقلق العام ومخاوف متنوعة. وتميل شخصية الطفل إلي ضعف الثقة في النفس وعدم قدرته علي الدفاع عن نفسه أو استقلال شخصيته.

وبعض هذه الحالات تستمر لفترات طويلة وبعضها الآخر يتحسن. وعندما يكون هذا الاضطراب شديداً ومتعمماً ومستمراً يمكن أن نطلق عليه اسم اضطراب الشخصية الاجتنابية الهروبية مما يعني بشكل عام أن الاضطراب سيأخذ شكلاً مزمناً وشديداً. وهناك كثير من الحالات التي تتحسن تلقائياً كما ذكر سابقاً وهذا ينطبق علي عدد من اضطرابات القلق في مرحلة الطفولة. وفي إطلاق التسميات الخاصة علي اضطرابات الأطفال النفسية واختلافها عن اضطرابات الكبار في معني أساسي، وهو إمكانية تحسن الحالة وزوالها مع تقدم الطفل في المراحل الدراسية الأولية ومع ازدياد قدراته وربما تغير ظروفه الأسرية والعائلية. ويلعب التطور النفسي الذاتي والعقلي دوراً هاماً في تحسن الحالات النفسية عند الأطفال وهذا ما يستدعي تفريقها ودراستها دراسة مستقلة وإعطاء التسميات الخاصة بها.

إقرأ أيضاً:

اضطراب الشخصية الاجتنابي عند الأطفال

وأما بالنسبة للعلاقة بين الاضطراب الاجتنابي الهروبي عند الأطفال والخوف الاجتماعي المتعمم عند الكبار والشخصية الاجتنابية الهروبية عند الكبار فهي لا تزال غامضة وهي ليست علاقة طردية متبادلة. وقد تتطور بعض الحالات إلي الخوف الاجتماعي المتعمم أو إلي الشخصية الهروبية وبعضها الأخر لا تحدث لديه هذه الاضطرابات.

ويفضل عادة من الناحية العملية أن لا يطلق تشخيص الخوف الاجتماعي أو الشخصية الاجتنابية الهروبية في حالات الأطفال إلا إذا كانت أعراض هذه الاضطرابات واضحة وشديدة وهذا ما يحدث في عدد من الحالات. وذلك لاعتبارات نظرية حول نشوء الاضطرابات النفسية إضافة للاعتبارات العملية وهي بشكل أساسي إمكانية التحسن والتطور الإيجابي التلقائي. وأما من الناحية العلاجية فإن تشجيع الطفل المستمر علي الأداء في المواقف الاجتماعية له دور أساسي وذلك عن طريق المكافآت وغيرها. كما أن زيادة الزيارات وتوفير الفرص الاجتماعية العملية، أسلوب فعال وناجح. وإن تنمية المهارات الفنية والرياضية والإبداعية يساعد الطفل علي زيادة ثقته في نفسه ويسهل انخراطه في المواقف الاجتماعية الجديدة مع الأطفال الآخرين. وكثيراً ما يفيد الطفل اشتراكه في نادي خاص أو تغيير المدرسة.

ومن الأمور الهامة والتي لا تلقي الاهتمام الكافي هي تغيير سلوك الأبوين تجاه الطفل. من حيث إطلاق الصفات السلبية عليه وعدم إشراكه في بعض المناسبات نظراً لأنه خجول ولا يتفاعل. بل يجب الأخذ بيده وبالتدريج ليزيد من مشاركته وتفاعله. ويحتاج الأبوين إلي الصبر وبعض الجهد والمعلومات إضافة لهدوء الأعصاب مما يساعدهم علي استمرارهم في خطة التشجيع المستمر وتفهم خوف الطفل وقلقه والحوار معه وتفهم أحاسيسه وآرائه والعمل علي تعديلها. ومن الملاحظات العملية المفيدة إعطاء خمسة دقائق إضافية للطفل يومياً وفيها مزيد من الاهتمام بالطفل والتدريب علي أداء بسيط مثل قول نكتة أو نشيد ومكافأته علي ذلك. وتشجيعه أن يحضر لليوم التالي شيئاً كي يقوله أمام الأهل أو أشخاص أخرين.

نصائح علاجية في حالات الأطفال

وإليك بعض النصائح الفعالة التي تساعد الأهل المهتمين بمساعدة طفلهم في التخلص من الخجل الشديد الذي يمنعه من المشاركة بالأنشطة والمناسبات الاجتماعية.

  1. ارتباك وتوتر الطفل في بعض المواقف الاجتماعية التي يمر بها هو شئ طبيعي يحدث لدي العديد من الأطفال، فلا تركز علي موقف خجل وتضخم المشكلة. فمعظم الأطفال يحتاج القليل من الوقت لتجاوز خجله.
  2. تفهم مشاعر طفلك وما لديه من قلق وتوتر واستمر في مراقبة سلوكه وفترات الخجل والانكماش التي يمر بها. راقب درجة التوتر في المنزل أو المدرسة ودرجة الاهتمام والرعاية والتشجيع التي تقدم له. وحاول تعديل الأمور السلبية قدر الإمكان.
  3. تجنب دائماً إطلاق التسميات والأوصاف غير المقيدة مثل: الخجول – خواف – ضعيف وغير ذلك.
  4. اهتم بتشجيع هوايات الطفل المختلفة بما فيها الرياضة والفنون وغيرها.
  5. ساعد طفلك علي الانتظام والإلتزام في التدريب والتمرين واستغلال كل الفرص المتاحة لمواجهة المواقف الاجتماعية والتعامل مع أصدقاءه الأخرين، ومشاركة الطفل في ذلك.
  6. استعمل بعض الأساليب المتنوعة لتخفيف التوتر الذي يعانيه الطفل في المواقف الصعبة كالتشجيع اللفظي أو الحلوي أو اللعب. ويمكنك مشاركة طفلك في ما يواجهه من مواقف أو البقاء بجانبه فترة حتي يخف لديه حدة التوتر والقلق.
  7. وفر للطفل مزيداً من فرص التدريب في المنزل وغيره. خمسة أو عشرة دقائق يومياً تطلب منه أن يتحدث عن موضوع ما أو أن يتلو قصة أو غيرها أمام الأهل أو غيرهم. لا تكثر من الانتقاد وخاصة في مراحل التمرين الأولي وتقبل أداءه.
  8. ابتعد عن تبويخ الطفل وإهانته وعقابه أمام الأخرين بقدر ما تستطيع.
  9. اعطي للطفل حرية الاكتشاف والبحث والتعلم من التجربة والخطأ. تقبل ما قد يصنعه من الأخطاء ولا تكن مثالياً تريد الكمال التام.
  10. تذكر أن تعلم طفلك بأنك تدعمه وتشجعه وأنك دائماً موجود بجانبه وقت الحاجة أو عند مواجهته لأي موقف اجتماعي صعب.
  11. استمر في دعم طفلك وتشجيعه علي ما يظهره من سلوك اجتماعي جيد، واجعل المكافآت مباشرة بعد السلوك المرغوب وليست بعيدة زمنياً. حتي يربط الطفل ذهنياً بين المكافأة والسلوك المرغوب كما أن الطفل لا يستطيع فهم الزمن مثل ما يفهمه الكبار.
  12. ابتعد عن اليأس واستمر في المحاولة وابدأ بشكل علمي ومستبصر في مساعدة طفلك علي التغيير مع العزم علي الاستمرار. اسأل أهل الاختصاص من أصحاب الخبرة والعلم عند اللزوم. وتأكد أن العديد من حالات اضطرابات القلق في الطفولة تتحسن بشكل سريع وتتعافي مع تقدم العمر خصوصاً مع الأهل الذي يهتمون بتشجيع طفلهم ومساعدته.

المراجع

  • د. المالح، حسان. (1995). الخوف الاجتماعي (الخجل) دراسة علمية للاضطراب النفسي. دمشق، دار الإشرقات للنشر والتوزيع.
  • Avoidant Personality Disorder: Symptoms, Causes & Treatments

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى