قصة الطائر الماهر

قصة الطائر الماهر هي أحد قصص الأطفال الجميلة تحكي عن ذكر الإوز الذكي ودوره في مساعدة صاحبه في الحفاظ على حيوانات الحظيرة من الأغنام والماشية وهروب اللص.

ذكر الإوز الماهر

كان عند سيدة قروية – تسمى جليلة – ذكر إوز، رمادي اللون، كبير الحجم، مملوء الجسم. وهو ذكي يفهم معظم ما تقوله له صاحبته كل يوم.

وكانت السيدة جليلة تفتخر بطائرها هذا؛ لذكائه ومهارته، وقدرته على تقليد ما يراه من الأعمال التي في مستواه. وكانت متزوجة فلاحا فقيرا اسمه سعيد، عنده مزرعة صغيرة. يستأجر أرضها ليزرع فيها البطاطس والبطاطا والكرنب والبامية، والملوخية، وبعض أنواع الخضر. ويبيعها ليستعين بما يكسبه على المعيشة، وينتفع بطبخ بعضها في البيت. وكان عنده عدد قليل من الغنم والخرفان يرعاها على شاطئ النهر. ويرجع بها في المساء، ليتركها في حظيرتها وراء كوخه، المتصل بالأرض الزراعية في قريته.

وفي يوم من الأيام قالت السيدة لزوجها، وهي فخورة بطائرها: أنظر يا عزيزي! إن الإوز يتبعني في كل مكان بالبيت، كما يتبع الكلب صاحبه. وربما تعجب إذا قلت لك إنه يمكنه أن يقفل مزلاج الباب الصغير لحظيرة الغنم، بمنقاره، بسهولة كما أقفله أنا بيدي. ويظهر أنه لاحظني وأنا أقفل باب الحظيرة كل يوم، برفع الخشبة الصغيرة، وخفضها. فبالملاحظة والتقليد والتكرار عرف بالضبط كيف يمد منقاره، ويقفل باب الحديقة، وباب الحظيرة، كما يفعل الإنسان تماما. والحق أنه طائر ذكي ماهر.

وذات يوم زلقت رجل السيدة جليلة، وهي في المطبخ، والتوى مفصل قدمها، وكعب رجلها، فوقعت على الأرض. وتألمت من هذه الحادثة، وصعب عليها المشي، وذهبت إلى سريرها بكل صعوبة. ومع فقر زوجها أحضر لها طبيب المستشفى بالقرية، فرآها، وبحث حالتها. ثم قال لها أمام زوجها: يحزنني أن أقول لك يا سيدتي إن كعب الرجل قد التوى كثيرا، فوقعت على الأرض، ولا يحسن المشي على رجلك الآن. ويجب أن تستمرى في السرير؛ حتى يتم شفاؤك، وسآتي كل يوم لأقوم بعمل العلاج الضروري لك.

مرض ومساعدة

حارت السيدة المسكينة في أمرها، وتألمت حينما سمعت ما قاله الطبيب؛ فعندها أعمال كثيرة في البيت يجب أن تقوم بها بنفسها، وليس هناك من يساعدها، وزوجها مشغول طول النهار برعي الغنم، وزراعة الخضر، وهي وحدها المسئولة عن إدارة بيتها الصغير، فماذا تفعل؟ وحار زوجها كذلك، فزوجته مريضة، وقد أمرها الطبيب بالبقاء في السرير، وعدم المشي على رجلها، فماذا يفعل فيما يحتاج إليه البيت من كنس وتنظيف وترتيب أسرة، وغسل آنية، وإعداد طعام له ولزوجته المريضة.

فكر في أن يحضر لها سوزان الصغيرة، وهي ابنة أخته، وسنها تسع سنوات، وقد ذهب إليها وأحضرها معه، لتدير شئون بيته، وتعنى بصحة زوجته، حتى تتحسن حالها، وتشفى من مرضها.

قالت سوزان لخالها، لا تشغل فكرك يا خالي، ولا تقلق من جهة البيت، ويمكنك أن تترك كل شيء لي؛ ففي استطاعتي أن أرتب الأسرة، وأغسل الملابس، وأنظف الأواني، وأعد المائدة، وأطبخ الطعام، وأكنس البيت، وأمسحه وأنظفه.

استراح بال خالها، فقد استطاعت أن تقوم حقا بالأعمال التي يحتاج إليها البيت، وتعمل ما تعمله أحسن فتاة كبيرة متمرنة في العالم. ولم تنس سوزان أن تطعم ذكر الوز، فأحبها كل الحب، وأخذ يمشي وراءها في كل مكان بالبيت، وأعجبت به وهو يقفل الباب الصغير لحظيرة الغنم، ولم ينس ذكر الإوز أن يقفله. ولم تنس سوزان أن تأخذ الغذاء لخالها في الحقل وهو يرعى الغنم، بعد أن تنتهي من أعمال البيت.

تحسنت صحة السيدة جليلة، وشفيت قدمها وسمح لها الطبيب بالمشي عليها، ورجعت سوزان إلى بيت أهلها، وشكر لها خالها وزوجته ما قامت به من عمل، وما أظهرته من نشاط ومهارة في المدة التي مكثتها معهما.

أجرة الطبيب

لم يأخذ الطبيب شيئا من أجر العلاج؛ لثقته بسعيد الراعي. وأخذ الزوج يفكر في سداد أجر الطبيب، بعد أن شفيت زوجته من مرضها. وفي يوم من الأيام سألها: كيف نستطيع أن ندفع أجرة الطبيب؟ وليس عندي نقود متوفرة، إني أعلم أنه طبيب قنوع، لا يفكر في جمع المال، ويعامل الفقراء معاملة خاصة، ولا يطلب أجرا لكل زيارة أكثر من عشرين قرضا.

أجابت الزوجة: إن عندنا ذكر الإوز، وهو الآن سمين جدا، ووزته أكثر من عشرة أرطال. وأعتقد أن من الممكن بيعه بثمن غالي.

تأوه الزوج وقال: يؤلمني أن أبيع ذكر الإوز، فهو طائر ذكي ماهر، يسير معي كأنه رفيق لي، ويجلس معي وأنا أرعى غنمي. ولكن يجب أن ندفع للطبيب الأجر الذي يطلبه بأي طريقة.

أخبرت السيدة جليلة ذكر الإوز بأنه سيرسل غدا إلى السوق ليباع، فتألم كثيرا، وحزن حزنا شديدا، وقلق باله، وقل نومه، واستمر مستيقظا طول الليل؛ لما أصابه من السهر والحزن.

وفي تلك الليلة كان القمر بدرا يضئ العالم بنوره. وقد وقف ذكر الإوز حزينا، على رجل واحدة، في حظيرته الصغيرة، فسمع صوتا عند حظيرة الغنم، فمشى، وتمايل في مشيه، وذهب إلى الباب، ليرى من أحدث هذا الصوت. ونظر إلى حظيرة الغنم؛ ليرى الأغنام والخرفان، ويطمئن عليها. وقد لحظ – وهو ينظر – صورة سوداء تدخل من الباب الصغير لحظيرة الغنم. وتأكد أن هذه الصورة لشخص غريب، وليست لصاحب البيت، فهو نائم في الكوخ، وصوته مسموع وهو نائم، وليست الصورة لنعمان صديق صاحبه. فنعمان طويل القامة، سمين، كبير الجسم، وهذه الصورة التي يراها صورة رجل نحيف الجسم، قصير القامة.

تأكد ذكر الإوز أنه لص من لصوص القرية، طرده صاحب البيت منذ أسبوع؛ فقد طلب اللص منه نقودا، فرفض إعطاءه شيئا، وهدده بالتبليغ عنه إذا حضر إلى هذا المكان مرة أخرى. فرد عليه اللص، وهدده بقوله: سترى ما يحدث لك فيما بعد، وستعاقب على ما قلت.

لص الحظيرة

وقد أتى اللص الليلة، وأراد أن يفتح باب حظيرة الخرفان، ويطردها إلى الخارج؛ حتى تتوه في الحقل القريب من البيت، وتأكل الذئاب بعضها، ولا يجد لها أثرا في الصباح.

غضب ذكر الإوز، وصاح بصوت مرتفع: قاق.. قاق.. قاق؛ لأنه يحب صاحبه، ولا يريد أن ينتقم اللص منه، ويفتح باب الغنم والخرفان، لتتوه في الحقل، أو تأكلها الذئاب.

استمر ذكر الاور يرفع صوته: قاق.. قاق.. قاق. وخرج من حظيرته، ومشى إلى حظيرة الغنم، وأخذ ينظر حوله، ليبحث عن اللص، فوجده يسوق الغنم والخرفان جهة الباب المفتوح، فأخفى الطائر الذكي نفسه عند السور بين الأعشاب، حتى قربت الغنم والخرفان من الباب؛ فطار بجناحيه، واستمر يصيح بأعلى صوته: ققاق-قاق-قاق-قاق.

خافت الغنم، ثم رجعت ثانية إلى حظيرتها. وخاف اللص، ووقف حائراً. فطار ذكر الإوز إلى أعلى، وضربه بجناحيه ضربة شديدة في وجهه، ففزع اللص، واشتد خوفه، وخرج من باب الحظيرة يجرى، بقدر ما يستطيع؛ لاعتقاده أن ذكر الإوز ساحرة عجوز. فهرب وذهب إلى حاله، ورجع من حيث أتى.

رأى الإوز اللص وهو يجرى هربا ففرح فرحا كثيرا؛ لانتصاره عليه. ولاحظ أن الغنم الآن آمنة، فاطمأن عليها. وأخذ يتمايل في مشيته؛ حتى وصل إلى الباب الصغير، ومد منقاره إلى أعلى، ووضع المزلاج – وهو قطعة من الخشب – في مكانه من الباب. وأقفله بمهارة.

شاهد علي ما حدث

وبعد أن اطمأن ذكر الإوز على الغنم والخرفان، رجع إلى حظيرته فرحا مسرورا، فرأى رجلا سمينا، ضخم الجسم يلاحظه، وهو نعمان صديق صاحبه، فعرفه، وحياه بصوت هادئ: قاق-قاق. ذهب إليه نعمان، وقال له: لقد رأيت كل ما فعلته أيها الطائر الشجاع. وأنى معجب بك كل الإعجاب. وما رأيت طائرا ماهرا مثلك في حياتي. رأيتك وأنت ترجع الغنم إلى حظيرتها. وقد أخفت اللص؛ حتى هرب خوفا منك. ولاحظتك وأنت تقفل الباب بالخشبة الصغيرة (المزلاج). وقد وفرت على كثيرا من التعب والمشقة. وقمت بما أردت أن أقوم به. وقد رأيتك ورأيت اللص، ولاحظت كل ما فعلته. وفي الصباح سأخبر صاحبك بما حدث. وسأقول له: إنك طائر ذكي ماهر ثمين، لا نظير لك.

رجع ذكر الإوز إلى حظيرته الصغيرة؛ لينام. وفى الصباح ذهب إلى البيت؛ ليطرق الباب، ويوقظ صاحبه كعادته كل يوم.

وبعد الفطور، حضر نعمان، وذهب إلى صديقه سعيد، فوجد السيدة جليلة ذاهبة إلى السوق، ومعها ذكر الإوز، لتبيعه في ذلك اليوم، فسألها: إلى أين أنت ذاهبة بذكر الإوز؟

أجابت السيدة: أنا ذاهبة به إلى السوق، لأبيعه، وأنتفع بثمنه في دفع أجر الطبيب. وإني مضطرة إلى هذا، متألمة كل الألم لبيعه، مع شدة إعجابنا به، وحبنا له، ولكن ماذا نفعل؟ وهو الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نبيعه الآن؛ فهو سمين، كبير الحجم، ثقيل الوزن.

إوز لا يقدر بثمن

قال نعمان: اسمحي لي أولا أن أخبرك بما رأيته بعيني في الليلة الماضية، وما فعله هذا الطائر النادر. وأخبر السيدة جليلة بكل ما رأى. وبين لها كيف حافظ على الغنم، وكيف أرجعها إلى حظيرتها، وكيف ضرب اللص بجناحيه على وجهه، وكيف خاف اللص وجرى وهرب.

عجبت الزوجة بما سمعت، ونادت زوجها من الحقل؛ لتخبره بما سمعت.

قال الزوج: يجب إلا تبيعي طائرا نادرا كهذا، وأن تحتفظي به؛ فقد أنقذ غنمنا من الضياع. وأحب أن أرد له الجميل، وإني متأكد أنه يحب أن يمكث معنا ولا يباع، ومن الممكن أن نبيع بدلا منه خروفاً من الخرفان، وندفع من ثمنه أجر الطبيب.

وافق الجميع على بيع الخروف، لدفع أجر الطبيب. وفرح ذكر الإوز فرحا كثيرا، وطار وهو مسرور إلى صاحبه، وأخذ يصيح فرحا: ققاق-قاق-قاق. وعاش ذكر الإوز سعيدا في حياته مع الفلاح وزوجته.

وقد اعتاد نعمان صديق الأسرة أن يهدى إلى ذكر الإوز في كل عيد هدية من الهدايا. فما تلك الهدية؟ إنها صفيحة متوسطة الحجم، من البسلة الخضراء التي يحب الطائر أكلها. وهو الآن سعيد، يظهر إحساسه بالسعادة حينما يحدث هذا الصوت: س-س-س-س.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى