قصة طالوت وجالوت

قصة طالوت وجالوت هي قصة وردت في القرآن الكريم في سورة البقرة. وتحكي عن معركة بين بني إسرائيل والعمالقة، وكيف نصر الله تعالى بني إسرائيل بفضل إيمانهم وصبرهم وتوكلهم على الله. وكيف قتل داود عليه السلام جالوت الجبار بحجرة واحدة.

بعض القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للأطفال هي:

  1. قيمة الإيمان بالله تعالى وأنه هو المنصور لعباده المؤمنين، وأنه لا يخذل من توكل عليه واستعان به في كل أموره.
  2. قيمة الصبر على الشدائد والبلاءات، وأن الله تعالى مع الصابرين، وأن الفرج مع الكرب، وأن العاقبة للمتقين.
  3. قيمة التواضع والانقياد لأوامر الله تعالى ورسوله. وألا يتكبر المؤمن على أخيه المؤمن، أو يحسده على نعمة أو فضل من الله تعالى.
  4. قيمة الشجاعة والبسالة في مواجهة الظلم والطغيان. وألا يخاف المؤمن من عدد أو قوة الأعداء، بل يثق بأن الله تعالى هو المستولي على كل شيء.
  5. قيمة التفاؤل والإبداع في استخدام الموارد المتاحة، وألا يستسلم المؤمن لليأس أو التشاؤم، بل يبحث عن حلول جديدة وفعالة لمشاكله.

حال بني إسرائيل مع أنبيائهم

كان اليهود قديماً يقودهم الأنبياء؛ كلما مات نبي خلفه نبي آخر، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحثهم على التمسك بما أوجبه الله سبحانه على عباده، كأن يوحدوا الله وحده بالعبادة ولا يشركوا به أحداً. فالعبادة لا تكون إلا لله وحده لا شريك له، لكن الكثير من بني إسرائيل لهم قلوب قاسية، وعقول جامدة. لم يكونوا يسمعون كلام هؤلاء الأنبياء، ولا ينصتون لمواعظهم إلا قليلاً منهم، فكثر فيهم الفساد والفسوق والفجور.

قصة بني إسرائيل مع التابوت

ولقد توارث بنو إسرائيل تابوتاً (صندوقاً) فيه بقايا مما ترك لهم موسى عليه السلام من التوراة والعصا وغيرها. وكانوا إذا خرجوا للقتال أخذوا معهم هذا التابوت ووضعوه في مقدمة الصف. وإذا التقى الجمعان وتعاركا نصرهم الله سبحانه ببركة هذا التابوت. ولكن هذا الحال لم يدم، فبعد أن تفشت معاصيهم وكثر عصيانهم، التقوا يوماً في معركة مع عدو من أعدائهم فهزموهم. وأخذوا منهم التابوت، واستولوا على ديارهم واسترقوا أبناءهم (استعبدوهم)، واحتاروا فيما يفعلونه. وكيف يثأرون لأمواتهم الذين قتلوا في المعركة، وكيف يسترجعون أبناءهم الذين أخذهم العدو ليسترقهم ويكونوا له عبيداً.

ذهب بنو إسرائيل إلى نبيهم يسألونه أن ينظم لهم أمرهم، ويؤمر عليهم رجلاً يستمعون إليه ويطيعونه. ليقودهم لمحاربة هؤلاء العمالقة سعياً لاسترجاع تابوتهم الضائع. وقد ذكر الله تعالى هذه القصة في سورة البقرة من الآية 246 إلى الآية 251 فقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ البقرة، 246.

خلافهم على تعيين قائد للمعركة

قصد أغنياء بني إسرائيل نبيهم الكريم يسألونه أن يجعل عليهم ملكاً ليقاتلوا معه في سبيل الله. فهم لا يستطيعون تسيير أمور القتال وحدهم إذا لم يكن معهم قائد يقودهم، وعالم بمكائد الحرب وأساليب القتال يرشدهم.

ولكن شمعون عليه السلام يعرف قومه جيدا، ويعرف طبائعهم وأخلاقهم، فهم لا عهد لهم ولا ميثاق. فإن هم وعدوا أخلفوا، وإذا حدثوا كذبوا، وإذا ائتمنوا على أمانة خانوا، لا يؤديها إلا قليل منهم. ولذلك قال لهم نبيهم: ﴿ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ  ﴾ البقرة، 246. فهو يشفق عليهم، وينصحهم وينبههم قبل أن يرتدوا عما أبرموه من حب القتال فيما زعموا.

وردوا على سؤاله بجواب قاطع، ورد أكيد على أنهم سيقاتلون، وذكروا له الأسباب المحفزة لهذا القتال المشروع. وقالوا له: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ  ﴾ البقرة، 246. لأن العمالقة طردوا بني إسرائيل من بلادهم (القدس) التي كانوا فيها، وخربوا ديارهم، وسفكوا دماءهم، وأخذوا أموالهم وذراريهم. وذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله، وألحوا على نبيهم شمعون عليه السلام ليأذن لهم في القتال. ولكن إلحاحهم وحماستهم لم يكونا عن صدق نية وإنما تظاهر وادعاء. ولذلك قال تعالى عنهم: ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ البقرة، 246.ولكن كيف تولوا عن القتال الذي طلبوه؟.

اعتراضهم على قيادة طالوت

في البداية بين الله سبحانه لهم الملك الذي طلبوه ليكون قائدهم. وقال لهم نبيهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾ ، فما رضوا بهذا الذي اختاره لهم الله سبحانه. وقالوا لنبيهم: ﴿ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ﴾ البقرة، 247. أي كيف يكون له الملك علينا وهو ليس من بيت النبوة ولا من بيت الملك. لأن بني إسرائيل كانوا مقسمين إلى اثني عشر سبطا (قبيلة)، تكون كلها أمة كبيرة؛ فسبط النبوة هو سبط (لاوي)، وسبط الملك والسلطان هو سبط (يهوذا). وطالوت ليس من هذين السبطين بل كان رجلا من الجنود. ولذلك أنكروا أن يكون لطالوت الملك لأنه في رأيهم ليس أهلاً لذلك. مع أنهم هم الذين طلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكاً، ولم يشترطوا أن يكون هذا الملك من أي سبط من الأسباط.

ومما أنكروه أيضاً من صفات طالوت أنهم قالوا لنبيهم عليه السلام: ﴿ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ﴾ البقرة، 247. فطالوت لم يكن ذا مال، وعندهم أن من ليس ذا ثروة كبيرة ليس أهلاً ليكون ملكاً، ولكن نبي الله شمعون عليه السلام بين لهم أسباب اختيار الله سبحانه لعبده طالوت، قائلاً لهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ﴾ البقرة،247. أي ميزه عليكم ورفع شأنه، فهو سبحانه إليه يرجع الأمر كله؛ يجعل من يشاء ملكا، وينزع ممن يشاء الملك، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، يعز من يشاء ويذل من يشاء. وهو من أراد بحكمته وعلمه أن يصطفي عبده طالوت على بقية بني إسرائيل.

ملك طالوت وتابوت العهد

وقد امتاز هذا العبد بصفتين هما كما قال لهم نبيهم عليه السلام: ﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ البقرة،247. فهو عليم بالحرب وغيرها، ولعلمه ذاك صلح أن يكون ملكاً، والقتال لا يستطيعه إلا أولو العلم من الرجال. كما يحتاج القائد الملك إلى صبر وثبات أمام الصعاب. وقد كان طالوت قوياً جسيماً، وحمل السلاح والزاد ومواجهة العدو في المعركة. كل هذه الأمور لا يستطيعها إلا أولو القوة من الرجال.

وحتى لا يظن بنو إسرائيل بنبيهم شمعون عليه السلام ظن السوء المعهود فيهم، فقد بين لهم آية عظيمة ودليلاً قويا على أن طالوت قد اختاره الله سبحانه وليس شمعون عليه السلام هو الذي يفعل ذلك، وقال لهم: ﴿ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ البقرة، 248. أي أن هذا التابوت حين يأتي به الله تسكن إليه نفوسكم، وتطمئنون بأن طالوت هو من اصطفاه الله واختاره فعلاً. فلا يكون في نفوسكم بعد هذا أي شيء من الغل أو الحقد أو الضيق. فلتستسلموا لهذا الاختيار، ولتطيعوا أوامره بعد ذلك، لأن التابوت فيه: ﴿ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ ﴾ البقرة، 248.

وهو عبارة عن صندوق فيه بعض آثار موسى وهرون وبعض الأمور الأخرى مما كان بنو إسرائيل يُعظمونها، تحمله الملائكة إليهم. وجاء التابوت إليهم كما أخبرهم شمعون عليه السلام، وبذلك ازداد المؤمنون بذلك إيماناً. وأيقن بنو إسرائيل أن طالوت قد اختاره الله سبحانه، فخضعوا له وأطاعوه.

تعليمات القائد للجيش

أخذ طالوت يجهز الجيش، ويعد العدة، وينظم الأمور، كي لا يكون هناك خلل، ثم خرجوا بعدتهم وعددهم الكبير المقدر بالألوف. وفي أثناء الطريق قال لهم طالوت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ﴾ البقرة، 249. أي أن الله سبحانه سيختبركم في طريقكم بنهر “الشريعة” وهو بين الأردن وفلسطين. ثم أرشدهم وقال: ﴿ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ﴾ البقرة، 249. نهاهم عن الشرب منه، ورخص لهم في أن يشربوا كمية قليلة بمقدار غرفة واحدة باليد. وهذا اختبار من الله سبحانه ليعلم الصابر منهم على السير والعطش، وذلك علامة على الثبات في القتال. ومن لم يستطع الصبر على العطش الذي مشقته صغيرة فكيف يصبر على المشقة الكبيرة في القتال؟

ولكن هل سمعوا لطالوت؟ كلا، لقد شرب منه معظمهم، ففشلوا بذلك في الاختبار الذي يؤهلهم للقتال، ولن يكونوا من جند طالوت، ولن يشاركوا في القتال، وإن كانوا ظاهرا مع الجيش.

ساحة المعركة

ولما وصل طالوت مع قومه إلى ساحة المعركة وتراءى الجمعان. قال الذين شربوا من النهر وقد كانوا ألوفاً: ﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ البقرة، 249. لقد هالهم منظر جالوت وجنوده لكثرة عددهم وشدة بأسهم وقوة أجسامهم، وهم المشهورون بالعمالقة. ولكن المؤمنين بوعد الله الموقنين بنصره لعباده الذين أطاعوا طالوت ولم يشربوا من ماء النهر. قالوا لقومهم ضعاف الإيمان: ﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ البقرة، 249. فالنصر لا يكون بكثرة العدد فقط بل يكون بالثبات والصبر، وبالسماع لإرشادات القائد ونصحه. إذ أن الجيش إذا لم يكن ثابتاً صابراً سميعاً مطيعاً لأوامر القائد فإنه سيهزم.

ولما التقى الجمعان، وتصاف الطرفان؛ فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، قال المؤمنون: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ البقرة، 250. لقد كان المؤمنون ضعافاً، وعددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأما جيش جالوت فكان أكثر من ذلك أضعافاً مضاعفة، وبدأت المعركة، وأصحاب جالوت مغترون بقوتهم وعدتهم التي لا تفيدهم.

تشجيع على قتل جالوت ثم انتصار

خاف طالوت أن يفشل الجيش أمام قوة عدوهم. فأراد أن يشحذ هممهم ويقوي عزائمهم، ووعدهم بأنه سيزوج ابنته لمن يقتل جالوت، ويقاسمه نصف نعمه، ويشركه في الملك. وكان في القوم داود عليه السلام الذي ترصد لجالوت فقتله، ولم يكن نبياً بعد. فلما رأى جنود جالوت الكفار أن ملكهم قد قتل ولوا فارين مدبرين، وتفرقوا بعد اجتماع، وخارت قواهم بعد التسلط والجبروت. فانتصر المؤمنون الذين أيدهم الله وثبتهم، وأعزهم بعد ذلة، وقواهم بعد ضعف.

توقفت المعركة وفرح المؤمنون بنصر الله، أما المخذولون فقد ندموا أشد الندم، وتحسروا على عدم سماعهم لكلام طالوت لما نهاهم عن الشرب من النهر، وقد شرف الله سبحانه عباده الصابرين، وجعلهم من جنوده الأخيار، أما داود عليه السلام فقد حظي بما لم يحظ به الآخرون؛ إذ وفى طالوت الحاكم بما وعد به، فزوجه ابنته، وقاسمه ثروته، وناصفه الملك.

نبوة داود عليه السلام وملكه

أصبح بنو إسرائيل بعد هذا الانتصار يعيشون في سلم وأمان، ودولتهم من أقوى الدول وأعزها، لها جيش من أقوى الجيوش، ثم إن الله سبحانه أكرم عبده داود عليه السلام بالملك، فانفرد بالحكم وحده على بني إسرائيل، وزاده الله شرفاً حين اختاره واصطفاه وجعله نبياً، وقد ذكر الله سبحانه في كتابه العزيز هذه الميزات التي ميزه الله بها عليه السلام وقال: ﴿ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ﴾ البقرة، 251.

ومع أن داود عليه السلام لم يكن من سبط يهوذا الذين فيهم الحكم والسلطان إلا أن الله سبحانه بجوده وكرمه تكرم على عبده داود بأن جعله نبياً، لنقاء قلبه، وصفاء سريرته، ولين طبعه، وسماحة أخلاقه، وعلمه مما يشاء، فسار فيهم سيرة حسنة، وساسهم أحسن سياسة، ووجههم أحسن توجيه، وعلمهم أحسن تعليم، حيث دعاهم لعبادة الله وحده لا شريك له، خالق كل شيء، ورازق كل مخلوق، فما من دابة على الأرض أو في السماء أو في البحر إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين، فأحيا عليه السلام في بني إسرائيل التوراة المقدسة، ونشر دين الله الذي طمست معالمه، ومحيت آثاره، ونسيت أركانه، وربي الصغير والكبير على حب الله سبحانه الرحيم وعلى حب نبيه عليه السلام.

وبقوا على ذلك إلى أن مات داود عليه السلام في يوم السبت وقد بلغ من العمر مائة سنة، ثم خلفه ابنه سليمان عليه السلام وسار سيرة والده؛ إذ كان عبدا شكوراً كأبيه، ولذلك شكر الله صنيعهما، ومدحهما مدحاً مشرفاً، قائلا سبحانه: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ سبأ، 13.

وفي نهاية القصة ينبغي الانتباه إلى العبر التي يمكن الاستفادة منها عن عاقبة كل من طالوت وداود ومن معهم، وعاقبة جالوت وجنوده المغرورين بقوتهم، والمخذولين المنافقين العاصين لقائدهم طالوت ولله سبحانه، كل ذلك فيه دروس وعبر يحب الانتباه إليها والاستفادة منها في الحياة العملية عند الشدائد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى