قصة أصحاب البستان

قصة أصحاب البستان هي قصة وردت في القرآن الكريم في سورة القلم. تحذر من البخل والطمع والظلم وتبين فضل الصدقة والتقوى. تروي القصة أن رجلا صالحا كان يملك بستانا خصبا يعطي منه حق الفقراء والمساكين كل عام. لكن بعد وفاته، أراد أولاده أن يمنعوا الفقراء من حصتهم وأن يجتمعوا كل المحصول لأنفسهم. فأرسل الله على البستان طائفا من نار أحرقه وأهلكه، فندموا على ما فعلوا واستغفروا ربهم.

ومن القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للاطفال الصغار هي:

  1. أهمية شكر الله على نعمه وإظهار ذلك بالإحسان إلى خلقه، خاصة الفقراء والمساكين.
  2. خطورة البخل والطمع والظلم وأنها تجلب غضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة.
  3. فضل الصدقة والتقوى وأنها تزيد في المال وتباركه وتحفظه من الزوال.
  4. ضرورة اتباع سنة الآباء الصالحين وعدم التغيير في دينهم وأخلاقهم.
  5. حسن التوكل على الله والرجاء في رحمته والتوبة من الذنوب.

جدية عمل الرجل الصالح وإحسانه

هذه القصة ليس لها ذكر إلا في سورة واحدة من القرآن الكريم، وهي سورة “ن” وتسمى أيضاً سورة “القلم”. ومضمون هذه الآيات أن الله سبحانه قص علينا قصة أصحاب البستان، لنتعلم ونفهم. فما كان من خير فعلناه، ومان كان من شر تركناه. إذ كان في إحدى قرى أرض الله رجل مؤمن غني يعيش مع أبنائه وزوجته عيشة رغدة. وكانت له أرض واسعة بها أنواع الفاكهة المختلفة، تتخللها جداول يسقى بها النبات والشجر.

لقد أولاها الرجل عناية خاصة؛ فهو دائماً يتعهدها بنزع الحشائش المضرة وتقليم الأشجار. وهي آية في الجمال، من نظر إليها أعجبته، وإذا دخلها ازداد بها إعجاباً، ولذلك سماها الله سبحانه (جنة). وكان هذا الرجل الثري سخياً كريماً، على جانب كبير من الأخلاق الحسنة الفاضلة، فهو ملجأ للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام. لم يكن أنانيا يدخر ما آتاه الله لنفسه فقط لأنه يعلم أن هذه الأموال والبساتين والجنان إنما هي عطاء من الله سبحانه ليختبر بها عبده: أيعطيها لمستحقيها، أم يدخرها عنده كما هو حال كثير من الأغنياء، الذين يحتفظون بالمال لأنفسهم فحسب؟

وكان هذا الرجل الصالح إذا جاء وقت الحصاد قسم المحصول إلى ثلاثة أقسام: قسم يتصدق به على المعوزين والمحتاجين، وقسم آخر يدخره لنفسه ولعياله لتلك السنة، وقسم آخر يهيئه بذوراً ليستعمله في إعادة زرعه.

وكان إذا تصدق يشعر براحة وابتهاج وانشراح النفس والصدر، وبراحة البال. إذ هو يرى في عمله هذا إرضاء لربه سبحانه بإدخال السرور والفرحة في قلوب المساكين. ويعلم أن ما يتصدق به سيعوضه الله عنه خيراً منه في الدنيا والآخرة.

تذمر أبنائه من إحسانه للفقراء

أما أبناؤه فكانوا خلاف أبيهم، لقد كانوا بخلاء أشحاء، أنانيين لا يحبون إلا أنفسهم. وأرادوا أن يمنعوا أباهم من الصدقة، فكلموه ليكف عن أعمال البر، والتصدق على الفقراء، وخوفوه بأن المحصول ينقص بالصدقة. ولكن لإيمانه القوي وإرادته الصلبة، وثباته على دين الحق، لم تتغير قناعته عن فعل الخير. وبقي على ذلك مدة مديدة، ولم يفرط في شيء إلى أن توفاه الله، تاركاً لأبنائه تلك الأرض الخصبة الطيبة التي كانت تنتج الكثير من الخيرات، ولكن أيتبع أبناؤه سيرة أبيهم أم يخالفونه؟

وفاة الوالد وشح الأولاد من بعده

ومنذ البداية، بعد وفاة والدهم، أجمعوا على أن أباهم لم يحسن التصرف في الأرض والاستفادة من محصولها. وقد ضيع عليهم أن يكونوا أكثر الناس ثراء. وبدلاً من أن يذكروه بالخير وما اتصف به من خلق حسن، وصفوه بالحمق، وسوء التسيير، ناكرين جميله وأفضاله عليهم.

إنهم قساة غلاظ متعجرفون (متكبرون) حتى مع أبيهم، فما بالك مع الناس الآخرين…!!

ثم قرروا أن يغيروا طريقة تسيير محصول الأرض. وتعاهدوا أن يأخذوا المحصول كله ولا يعطوا الفقراء منه شيئاً. ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ أي حلفوا بالله حلفا لا حنث فيه، ليحصدن المحصول صباحاً باكراً حتى لا يراهم أحد، ولا يسمع بهم مسكين، ولا يحس بهم فقير. لأن هؤلاء الناس يعرفون وقت الحصاد، وقد تعودوا أخذ نصيبهم لما كان الرجل الصالح حياً. وهاهم أبناؤه اليوم يغيرون طريقة والدهم، إلا أخاً لهم. كان هو أفضلهم خلقاً وعدلاً، فقال لإخوته: لو تسبحون الله تعالى وتستغفرونه خير مما عزمتم على فعله. ولكنه ما استطاع أن يقنعهم لأنهم أكثر منه عدداً، وقد عزموا على المضي فيما اتفقوا عليه ﴿ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾، فلا يستثنون نوعاً من الأشجار لغيرهم، إنما يأخذونها كلها. فما لأحد من الفقراء والمساكين نصيب فيها؛ فالجشع أعمى قلوبهم، والشح طمس أعينهم، والطمع أفسد نفوسهم. لقد أصبحوا في ضلال مبين، وحتى الثمر المتساقط لم يسمعوا لأحد بأخذه.

تدمير الثمار ليلا

ولكن الله سبحانه بعدله وحكمته حرمهم من الثمار كلها، كما سنرى. فمن أراد الكل نزع منه الكل، والله سبحانه يعامل المتحايل الماكر على عكس ما نوى.

وفي أثناء الليل، بينما هم في غطيط (شخير، كناية عن نوم عميق) نومهم إذ حدث ما لم يكن في الحسبان: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ إذ بعث الله سبحانه ريحاً وإعصاراً دمرت جنتهم اليانعة وأصبحت خراباً. ومن قدرة الله – سبحانه – العظيمة أن هذه الريح المدمرة لم تأت إلا على بستان هؤلاء الإخوة الذين اتفقوا على الشر. ولم تمس غيره، فأصبح خراباً شمله الدمار كله دون غيره. فهو أسود موحش خصه قضاء الله تعالى بذلك، أما الجنان الأخرى فبقيت على حالها لم تصب بأي سوء. وأما جنتهم ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ أي كالليل الأسود أو البستان مقطوع الثمار.

وأصبحت جنتهم منفصلة عن بقية الجنان الأخرى لا تشبهها في شيء، تبدو كالليل الأسود أو كالبستان مقطوع الثمار. فلا هم ينتفعون بثمرها، ولا يستظلون بظلها، لقد حرمهم الله سبحانه الخير الذي تعودوا عليه. وهذا بسبب الذنب الذي عزموا على فعله، فقد أرادوا الثمار كلها، فنزعها الله منهم كلها.

أما هم فقد كانوا خلال تلك العاصفة في سبات عميق، لا يعلمون ما حدث لحديقتهم التي كانت جميلة، وما أحسوا بتلك الرياح المدمرة.

تبكير وإعلان للنوايا

وفي الصباح الباكر نادى بعضهم بعضا، فالمستيقظ باكرا يوقظ من لا يزال نائما. ﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ﴾ ثم خرجوا من منزلهم وهم يحملون آلات القطع والحصاد. فقال بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ﴾ أي اذهبوا مبكرين إلى حديقتكم إن كنتم تريدون حصاد ثمرها وجمع خيراتها. ﴿ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ فذهبوا سرا وهم يظنون أن لا أحد يعلم بهم. ولكن الله سبحانه عليم بهم، وبما اتفقوا عليه سراً.

وفي طريقهم أخذ يكلم بعضهم بعضاً همساً حتى لا يسمع صوتهم أحد. فقالوا: ﴿ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ﴾ أي لا تتركوا أي مسكين يدخل إلى حديقتكم. لأن هؤلاء المساكين لا يملكون شيئاً، فنحن هم المالكون، وهذه حديقتنا، فكيف يقاسمنا المساكين ما هو حق لنا؟

وجاءوا إلى ﴿ وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾ أي جاءوا وهم في حالة غضب كبير وغيظ شديد وعلى انفراد عن المساكين، عازمين على فعل ما نووا، وهم قادرون على ذلك، وليس هناك ما يمنعهم من تحقيق قصدهم ليضيقوا على المساكين ويحرموهم حقهم الذي أعطاهم الله إياه، فتلك الصدقة فرضها الله تعالى وأوجبها على الأغنياء، وليست تفضلاً وتكرماً منهم.

دهشة وندم وتلاوم

ولما وصلوا إلى مكان جنتهم رأوا شيئاً مغايراً، غير الذي كانوا متعودين على رؤيته، فقد رأوا أرضاً مقفرة مسودة، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق، فقال بعضهم لبعض: ﴿ إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ أي إنا قد ضللنا الطريق فهذا المكان لا نعرفه، وما رأيناه من قبل، فتعالوا بنا نسلك طريقاً آخر.

ولكن أحد الإخوة لما دقق النظر في ذلك المكان وأمعن فيه جيداً، أدرك أنها أرضهم التي كانت تزخر بخيراتها وثمارها، لقد تأكدوا منها من خلال إشارات وعلامات مميزة.

ولما تحققوا من ذلك قالوا: لم نضل الطريق كما كنا نظن ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ حرمنا الله سبحانه هذه الخيرات، فدمرها، وجعلها خراباً بعد أن أردنا حرمان المساكين والفقراء من حقهم، فجزانا الله بخلاف نيتنا وحرمنا من الثمار. في تلك الأثناء قال لهم أخوهم الذي كان خيراً منهم وأعدل: ﴿ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ فذكرهم بالنصيحة التي نصحهم بها لما عزموا على أخذ كل الثمار، ولكن لا أحد استمع إليه وقتها؛ والآن علموا أنهم كانوا في ضلال مبين، وأخطأوا لما عزموا على منع حق الفقراء الذي فرضه الله على الأغنياء، فاعترفوا بذنبهم إذ ﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾. فهم لم يشكروا الله حق شكره، لأن حقيقة الشكر أن يعطى الفقراء حقهم.

وبعد ذلك الاعتراف بالذنب أحب كل واحد منهم أن يبرئ نفسه ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ وأخذ كل منهم يلوم الآخر على عدم سماع النصيحة وعلى غفلتهم عن التسبيح، ثم أيقنوا أن الشر الذي فعلوه لا ينفعهم فيه التلاوم الآن فكلهم كانوا مشتركين فيه، وقد غرهم إبليس ووسوس لهم، ودعتهم نفوسهم إلى البخل والشح فقالوا: ﴿ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ نحن الذين طغينا في أمرنا، وابتعدنا عن أوامر ربنا، فمنعنا حق الفقراء لطمعنا وجشعنا، فلو أننا سبحنا الله وفعلنا ما أمرنا به لصلح حالنا، ولبقيت حديقتنا نستفيد منها مع غيرنا كما كنا من قبل في عهد أبينا.

توبة وإنابة ورجاء

ولذلك قالوا في الأخير: ﴿ عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا ﴾ فهم يرجون الله سبحانه أن يعوضهم جنة خيراً من جنتهم التي افتقدوها بذنبهم لأنهم يعلمون أن الرزق والخير لا يستجلب إلا بطاعة الله، وأن الحرمان من الرزق لا يكون إلا بالمعصية، وبما أنهم قد اعترفوا بذنبهم وتابوا إلى الله سبحانه واستغفروه فهم يرجون الله أن يبدلهم جنة خيراً من جنتهم المفقودة، يعملون فيها كما كان يفعل أبوهم فيها من قبل، ويعطون حق الفقراء ويأخذون هم حقهم، ولذلك ختموا رجاءهم هذا بقولهم: ﴿ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ فهم يرغبون في تحقيق ما يرجون من الله وحده سبحانه، ولا أحد يستطيع أن يعوضهم جنتهم بجنة أخرى إلا الله. ولقد عوضهم سبحانه وتعالى جنة أخرى خيراً من جنتهم بعدما اعترفوا بذنبهم وتابوا إلى الله تعالى وسمع دعاءهم، وحقق رجاءهم وزادهم خيراً من ذلك في الدنيا والآخرة.

وهذه القصة فيها درس عظيم للأغنياء لكي لا يمنعوا الفقراء حقهم. ولذلك قال الله سبحانه: ﴿ كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ ﴾ أي هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حق المساكين والفقراء، وبدل نعمة الله كفراً فما شكرها ولا أداها إلى مستحقيها، هذا في الدنيا أما في الآخرة فالعذاب أشد وأعظم ولذلك قال سبحانه: ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ سورة القلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى