قصة أصحاب السبت

قصة أصحاب السبت هي قصة قرآنية تحكي عن فرقة من بني إسرائيل كانوا يعيشون على شاطئ البحر ويعملون في صيد الأسماك. وكان الله قد حرم عليهم الصيد يوم السبت وجعله يوم راحة وعبادة لهم. ولكنهم تحايلوا على أمر الله بوضع شباك ومصائد للأسماك يوم الجمعة وإخراجها يوم الأحد، مستغلين كثرة خروج الأسماك يوم السبت. فعاقبهم الله بالمسخ والتحول إلى قردة خاسئين.

من القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للأطفال هي:

  1. طاعة أوامر الله والتقيد بحدوده وشرعه، وعدم التحايل أو التلاعب بالدين.
  2. احترام يوم الجمعة وتعظيمه، والإكثار من الذكر والصلاة والصدقة فيه، والابتعاد عن المعاصي واللهو.
  3. تقدير نعمة الإسلام والشكر عليها، والفخر بانتسابنا لأفضل أمة أخرجت للناس.
  4. محاربة الغرور والكبر والانحراف، والتواضع والاتزان والاستقامة.
  5. التعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لإخواننا المسلمين.

مكر اليهود وحيلهم

كان اليهود قديماً قوماً مختارين مفضلين عند الله على بقية الشعوب الأخرى. إذ خصهم ببعث الأنبياء والمرسلين فيهم، وإنزال الكتب عليهم. ولكن رغم هذا التفضيل وهذا التكريم الذي كرمهم به، فإن قلوبهم قاسية، وعقولهم متحجرة. فلا هم استمعوا للنصح ولا اتعظوا بموعظة. وفوق هذا فهم أصحاب مكر وخداع وحيل وابتداع؛ لا يطبقون الأوامر إلا قليلاً منهم. وإذا جاء النهي عن شيء تعارض مع شهواتهم سعوا بكل ما لديهم من حيل وخداع إلى فعله تلبية لنزواتهم الشخصية، يظنون أنها لا تحسب عليهم معصية، ولكن أيدرون على من يتحايلون؟!

وقد ذكر الله سبحانه في كتابه حيلة من حيل اليهود، وكيف أرادوا التحايل عما نهاهم عن فعله. وجاء ذكر هذه القصة في أربعة مواضع من كتابه الكريم. وتسمى قصة أصحاب السبت، وهي موجودة في سورة البقرة (الآيتان 65-66) وفي سورة النساء (الآية 47) وفي سورة الأعراف (من الآية 163 إلى 166) وفي سورة النحل (الآية 124).

سبب التسمية بأصحاب السبت

وسبب تسمية هذه القصة بقصة أصحاب السبت هو أن بني إسرائيل، وهم اليهود، كان يوم عيدهم هو يوم السبت. بينما النصارى يوم عيدهم هو الأحد. أما المسلمون الذين هداهم الله إلى الحق فقد اختار لهم يوم الجمعة عيداً أسبوعياً، وهو أحب أيام الأسبوع إلى الله سبحانه.

لقد كان أولئك اليهود يعظمون يوم السبت، ومع هذا يرتكبون فيه المعاصي والآثام كما يرتكبونها في غيره. كانوا يأكلون الحرام، ويقطعون الأرحام ويرتكبون الفواحش العظام، وكان القوي فيهم يأكل الضعيف. ورغم ذلك لم يذكرهم الله بهذه المعاصي المرتكبة مثلما ذكرهم في هذه القصة. ويعود سبب إيراد هذه القصة مفردة، مع تعظيم شأنها، إلى أنهم أقدموا على فعل الحرام بالحيل والتلاعب بدين الله، يخادعون الله كأنهم يخادعون صبياً لا يعقل. ولذلك مسخهم الله قردة لنيتهم الخبيثة وطويتهم الفاسدة، وقلوبهم القاسية كما سنرى.

مكان وقوع القصة

في قرية من القرى المجاورة للبحر كان يسكن بها قوم منهم، مهنتهم الصيد. كانوا يخرجون بسفنهم وزوارقهم المختلفة الأشكال والأحجام، ليصطادوا السمك، ثم يعودون به إلى بيوتهم، يقتاتون منه، والباقي يبيعونه.

لقد كانت حياتهم بسيطة لقلة ما يصطادونه من سمك لندرة وجوده في البحر. فكلما خرجوا إلى الصيد يعودون بكمية قليلة لا ترضيهم ولا تمكنهم من تحسين معيشتهم. وتمنوا لو يكثر السمك ليكثر بذلك مالهم وتتطور حياتهم إلى حياة رغدة فيعيشون في رفاهية وبذخ.

ومن حكمته عز وجل أن يسلط على عباده البلاء ليمتحنهم ويختبرهم، فيميز بذلك الصادق منهم من الكاذب، والصابر من الجزوع. امتحن الله تعالى هؤلاء القوم بأن جعل الأسماك تأتي إليهم يوم السبت بأعداد هائلة، تملأ سواحلهم حتى تكاد تطفو فوق الماء لتزاحمها. أما في بقية الأيام فإن السمك ينقص كثيراً عما كان عليه، مما يدعو إلى الحيرة والتفكير.

تحايل في صيد السبت

وكان الناس يرون الرزق يأتي إليهم ولا يستطيعون حياله أن يفعلوا شيئاً. فالصيد في يوم السبت محرم على اليهود لأنه يوم عيد وعبادة لله سبحانه. وقد ذكر الله سبحانه ذلك في كتابه فقال: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ الأعراف، 163. وعاشوا على تلك الحال فترة من الزمن، لا يدرون أيواصلون صبرهم أم ينقلبون على أنفسهم وعلى الله.

وبقوا في تردد إلى أن اهتدوا إلى فكرة شيطانية فيها تحايل وخداع. ولعلمهم أن الصيد في يوم السبت حرام عليهم قالوا: سننصب شباكنا يوم الجمعة ليلاً لتعلق بها الأسماك المختلفة يوم السبت، ثم نرفعها يوم الأحد، وهكذا نتجنب الصيد في اليوم الذي حرمه الله علينا.

وعملياً قد يبدو لك هذا التصرف مشروعاً، ولكن ما دامت الشباك شباكهم، والنية مبيته على الصيد يوم السبت فهذا لا يجوز شرعاً. لأن الأعمال بالنيات، والظاهر أنهم لم يصطادوا يوم السبت ولكن الحيلة والخدعة جعلتا الفعل نافذاً فيه.

رؤى مختلفة إلى المتحايلين

ولما فعلوا ذلك انقسم الناس إلى ثلاث فرق؛ ضمت الأولى الذين استحلوا هذا الفعل. وأباحوا لأنفسهم الصيد بهذه الطريقة التي أوحاها الشيطان إليهم. والفرقة الثانية انضم إليها الذين استنكروا ما فعله هؤلاء الصيادون. لأنهم مقتنعون بأن طريقة صيدهم ليست إلا تحايلاً لاستحلال وإبطال حكم شرعي نهاهم الله عنه. ألا وهو الصيد يوم السبت، فنصحوهم بالتي هي أحسن، وبينوا لهم أن تحريم الصيد عليهم في هذا اليوم هو مجرد اختبار من الله لعباده ليكشف نية الكاذبين المخادعين. وحاولوا إقناعهم بأن الله، إن فعل هذا، فهو لا يريد من ورائه إلا الخير لهم، ولحكمة يعلمها هو، وما عليهم إلا الصبر والثبات حتى تنقضي فترة الاختبار.

فمن ثبت نجح وزاده الله رزقاً، وأعلى شأنه وزاده في الدنيا والآخرة فوق الذي امتنع عنه، أما الذي أبى أن يجتنب ما نهى الله عنه، فإن عاقبته تكون سيئة، وفرحته بما حصله من خير ظرفية مؤقتة على عكس ما كان يظُن تماماً، والجزاء من الله يكون من جنس العمل الذي عمله العاصي.

الفرقة الثانية

والفرقة الثانية هذه أدت ما عليها من واجب النصح والبيان، والتذكير والوعظ. لكن هؤلاء الصيادين أبوا أن يسمعوا لكلامهم، وفرحُوا بما حصلوه من صيد بتلك الحيلة التي اعتمدوها، وازدادوا بها غنى. ومن ازداد غناه اغتر بكثرة ماله، فصعر خده (أماله عن النظر إلى الناس تهاوناً وتكبراً) للناصحين العارفين الذين يتوقعون أنه عقب ارتكاب أي معصية يحدث أمر عظيم. وللأسف فإن هؤلاء الصيادين لا يفكرون فيما قد ينجم من عقوبة عند ارتكابهم لمعصية كاستحلالهم الصيد يوم السبت. ولكن العارفين الصالحين يعلمون أن الله سبحانه حليم يمهل عباده لعلهم يرجعون، ويرسل إليهم من يذكرهم بمغبة ارتكاب المعصية، وأن الأمر بمآله وخاتمته.

الفرقة الثالثة

أما الفرقة الثالثة فهي التي علمت أن ما تفعله الفرقة الأولى معصية وإثم كما علمته الفرقة الثانية إلا أنها لم ترد أن تشغل نفسها بالنصح والتذكير، فلم تأمرها بالمعروف ولم تنهها عن المنكر، وتركتها تفعل ما تشاء، بل إنها كانت تلوم وتعيب الفرقة الثانية التي نهت عن المنكر، فقالت: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ ﴾ الأعراف، 164.

لم تشارك جماعة الفرقة الثالثة في الوعظ لعلمهم أن العاصي سوف يتعرض إلى سخط الله وغضبه في الدنيا والآخرة، ولذلك أحجموا عن النصح، وتعجبوا من الفرقة الناصحة كيف يعظون هؤلاء العصاة وهم يعلمون أن الله سيهلكهم في الدنيا، ويعذبهم عذاباً أليماً في الآخرة، لذلك فنصحهم لهم لا يجدي نفعاً.

وعملاً بمبدأ التناصح والتذكير أخلصت الطائفة الثانية في نصحها، وردوا على سؤالهم بقولهم: ﴿ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الأعراف، 164. وليس هذا هو السبب الوحيد الذي جعلهم ينصحون العصاة، إنما الله سبحانه أمرهم بالتناصح فيما بينهم وأن ينهوا عن المنكر، وهكذا فإن سألهم الله يوم القيامة عن هذا الواجب وجدوا لسؤاله رداً بأنهم قاموا بما أوجبه سبحانه عليهم، ولا يجد العصاة يوم القيامة عذراً لما اقترفوه من معصية، ولا يمكنهم التحجج بأنهم لم يتلقوا نصحاً وتذكيراً، وكانوا يجهلون ولا يعلمون أن ما قاموا به حرام. إذن فالشاهد على نصحهم وإرشادهم هم رجال الطائفة الثانية.

عاقبة العصاة والتقاة

واستمر الوضع على حاله؛ فالعاصي بقي عاصياً، والناصح واصل نصحه، والساكت عن الحق لم ينبس بكلمة حق، وعبرت الآية عن ذلك بما يلي: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ الأعراف، 165. أي أبى الصيادون المعتدون أن يسمعوا لكلام المنكرين ﴿ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ الأعراف، 165.

ذلكم هو مآل العاصين والناصحين؛ فالناصحون المنكرون نجوا من عذاب الله وعقابه. وكانت عاقبتهم حسنة، ولم يبطل الله سعيهم ونصحهم، فكان جزاؤهم الشكر. أما الطائفة الثالثة الساكتة عن النصح، فإن الله سبحانه لم يذكر لنا عن خبرهم شيئاً لأنهم لم يفعلوا ما يستحقون الثناء عليه. كما أنهم لم يتركبوا ذنباً عظيماً ليعاقبوا عليه كحال الصيادين، إلا أن أغلب الظن كانوا هم أيضا من الناجين. لأن قلوبهم ونفوسهم لم تكن مطمئنة لما قام به الصيادون من معصية في يوم السبت.

بينما الطائفة الأولى، وهم الصيادون المعتدون على شرع الله. فإنه سبحانه وتعالى عذبهم عذاباً أليماً لم يسلط على قوم آخرين من خلقه. وقد ذكرهم الله سبحانه في كتابه فقال: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ الأعراف، 166.

قردة خاسئين

لقد حول الله سبحانه أجسامهم إلى قردة، لسوء فعلهم، وخبث نياتهم، وقسوة قلوبهم. فلا لنصح الناصحين سمعوا، ولا لإنكار المنكرين أنصتوا. ولذلك عاقبهم الله بجزاء يوافق ويكافئ عصيانهم، وما ظلمهم الله. ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فقد أمهلهم ليتوبوا ولكنهم ما تابوا.

وبعد أن مسحهم الله قردة خاسئين (أذلاء مبعدين)، جاءهم الناصحون في اليوم الموالي. وهم لا يعلمون ما حدث لهم، وكيف مسخهم الله. فلما دخلوا عليهم لم يجدوا الناس الذين تعودوا على رؤيتهم من قبل. بل رأوا القردة مكانهم، فاحتاروا في الأمر، وتساءلوا: أين هم أولئك الصيادون الذين كانوا هنا وأين هم أهلوهم؟.

اقتربت منهم القردة وأخذت تمسكهم من ثيابهم، وتتمسح بهم، فهم يعرفونهم، بل بينهم علاقة نسب. ثم تبين لهؤلاء الناس أن ما يرونه إنما هي صور أولئك الصيادين. لقد حول الله أجسامهم قردة، وأخذوا يكلمونهم ويقولون لهم: ألم ننهكم عن الصيد؟ ألم نأمركم ألا تفعلوا هذا؟ ألم نحذركم من عقاب الله وعذابه؟

وكانت تلك القردة ترد عليهم بالإشارة فتقول برأسها أي نعم.. أي نعم.. وتلك هي عاقبة الظالمين المخادعين المعتدين على أوامر الله في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
@media print{ #the-post .post-meta .meta-item.last-updated{display:none;} }