قصة أصحاب الفيل

قصة أصحاب الفيل هي قصة قرآنية مذكورة في القرآن الكريم في سورة الفيل. وتحكي عن محاولة أبرهة الحبشي وجنوده هدم الكعبة المشرفة بواسطة فيل كبير يقال له محمود. وكيف أهلكهم الله بطيور أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، وذلك في عام ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

من القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للأطفال:

  1. تعظيم شعائر الله وحرماته، وأن الله يحفظ بيته من كل ظالم وعدو.
  2. تثبيت إيمان الأطفال بقدرة الله وعزته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
  3. تعليم الأطفال أن الله ينصر عباده المؤمنين بأسباب لا يتوقعونها، وأن المعجزات تحدث بإذن الله.
  4. تشجيع الأطفال على قراءة سورة الفيل وفهم معانيها، والتدبر في آيات الله.

محيط مكة دينياً واقتصادياً

كان العرب في جاهليتهم وشركهم متمسكين بموروثهم من الدين الصحيح عن آبائهم وأجدادهم. وأعظم ما يبرز هذا الموروث من الدين الصحيح تعظيمهم للكعبة بيت الله الحرام، الذي بناه إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل عليهما السلام. وإن كانوا في أدائهم لمناسك الحج يرتكبون كثيراً من الانحرافات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. بل تغيرت مناسك الحج من عهد إبراهيم عليه السلام الذي أبان للناس كيفية أداء مناسكهم. وبقي الناس بعده يحجون هذا البيت، ويعظمونه. وكلما مضى زمن إلا وتغير شيء صحيح وعوضوه بشيء آخر لم يعهده آباؤهم وأجدادهم. وكان مما أحدثوه أنهم كانوا يطوفون حول البيت وهم عراة ويصفرون ويصفقون. واتخذوا حول هذا البيت الطاهر أصناماً يظلون لها عاكفين، ولها خاضعين، ومنها خائفين وراجين. وأخلصوا العبادة لها بدلاً من أن يخلصوها لله سبحانه.

وكان لأهل مكة خاصة مزية تميزهم عن باقي العرب فمكة بلدهم، والكعبة مزار الناس. وكانت التجارة فيها مزدهرة لأن الحجاج يشترون من هذه المدينة المقدسة السلع التي لا توجد في بلدهم. والحجاج القاصدون لها يأتون بأشياء يبيعونها في مكة، ولذلك تعددت الخيرات على اختلافها وتنوعها في بلد الله الحرام.

تصارع ذي نواس والنجاشي

هذه هي حالة الجزيرة العربية، أما جيرانهم من اليمن فقد دخل عليهم ذو نواس اليهودي. وأراد أن يحمل أهل نجران على التهود ولكنهم أبوا ترك دينهم فخد لهم الأخاديد، وحفر لهم الحفر، وأجج فيها النار. فمن ترك دينه تُرك حياً، ومن أبى رُمي في النار، فقتل منهم عدداً كبيراً. ولما سمع النجاشي ملك الأحباش بذلك أدركته الغيرة على نصارى نجران. وأراد الانتقام لهم من ذي نواس فبعث قائدين كبيرين بجيش عرمرم، وزحفوا إلى اليمن، وتقاتلوا مع جيش ذي نواس، فكانت الغلبة للأحباش.

غدر أبرهة وغضب النجاشي

ولما استتب الأمر أراد كل قائد من الإثنين أن يستقل بحكم اليمن. وكان لكل قائد جيش يتبعه، اصطف الجيشان: جيش أرياط وجيش أبرهة للقتال. ونادى أبرهة أرياط: أن اخرج لي، وأينا قتل صاحبه استقل بالحكم. فتبارز الرجلان، وضرب أرياط بالسيف رأس أبرهة فشج رأسه وشاربه وأنفه. ولما أحس أبرهة أنه سيغلب أومأ إلى عبد من عبيده، جاء خفية وطعن أرياط فمات غدراً. ومن ذلك اليوم سُمي أبرهة بالأشرم لأن رأسه وأنفه وشاربه مشرومة.

غضب النجاشي الملك على ما فعله أبرهة، وتوعده بأنه سيطأ مدينته ويجر رأسه. ولكن أبرهة، لدهائه وسياسته، أرسل إلى النجاشي يترضاه، وبعث له بقربة ملأها تُراباً وبشعر ناصية (مُقدم الرأس وراء الجبهة) رأسه. وقال: إني أحببت أن أبر قسمك كي لا تحنث، فهذا تراب اليمن طأ (دس) عليه وهذه ناصية رأسي بين يديك.

عفو على أبرهة وبناؤه كنيسة

أعجب النجاشي بهذه الحيلة، فأقره على الحكم ورضي عنه. وأراد أبرهة أن يرضي النجاشي أكثر فبنى باليمن كنيسة كبيرة شاهقة سميت القليس، لسقوط قلنسوة من يرفع رأسه لرؤية أعلاها. وأراد أبرهة أن يصرف العرب عن كعبتهم التي يحجون إليها، فتصبح القليس هي مقصد الحجيج وقبلتهم، فتزدهر بذلك اليمن في تجارتها. وصرف في بناء هذه الكنيسة أموالاً طائلة؛ كانت جميلة، أحضر لبنائها البنائين المُتقنين والمهندسين المُتمكنين والنجارين المتضلعين.

ولما بناها نادى في البلاد على عزمه، وأخرج مكنون صدره، أن بناءه للقليس ليوجه لها الأنظار، ويحول حج العرب إليها، لتشد إليها الرحال، كما يحج إلى الكعبة. وهذا لنصرة دين النصارى على دين العرب الموروث عن إبراهيم الخليل مع ما فيه من وثنية.

لما سمع العرب بعزم أبرهة كرهوا ذلك كراهة شديدة. فكيف يجعل كنيسة لتعوض عن بيت الله الحرام الذي جعله الله حرما آمنا؟!. ذهب بعض القرشيين إلى اليمن وتسلل ليلاً داخل الكنيسة على حين غفلة من السدنة (خدم الكنيسة)، فأحدث (تغوط) فيها ثم كر راجعا إلى مكة.

جيش أبرهة

ولما دخل السدنة صباحاً إلى كنيستهم ورأوا الحادثة أخبروا ملكهم أبرهة بذلك؛ أرعد لذلك وأزبد، وأقسم ليسيرن إلى الكعبة بمكة، وليهدمنها حجراً حجراً انتقاماً لكنيسته التي بناها. فجهز أبرهة لذلك جيشاً عرمرماً حتى لا يعترض طريقه أحد، وأخذ معه اثني عشر فيلاً. من بينها فيل ضخم عظيم يقال له: محمود بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لهذا الغرض.

لما سمع العرب بعزم أبرهة أرادوا أن يعترضوا طريقه حماية للبيت، وتعظيماً له كي لا يلمسه أحد بسوء. وخرج ذو نفر أحد ملوك اليمن وأشرافهم مع نفر من أصحابه معترضاً طريق أبرهة ومعه من أجابه من سائر العرب الذين دعاهم. ولكن أبرهة هزمهم لقوة جيشه وكثرته، وأسر ذا نفر، واصطحبه معه.

أما قبيلة ثقيف فقد صانعوه (جاملوه) خيفة على إلههم الذي يسمونه اللات. فرضي عنهم وتركهم وأكرمهم، فبعثوا معه رجلا ليدله على الطريق يسمى بأبي رُغال. ولما وصلوا إلى المخمس، وهو مكان قريب من مكة، نزل به، وأغار جيشه على ما وجدوه قريباً منهم من الأغنام والإبل. وكان مما أخذوه مائتا بعير لعبد المطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام. وبعث أبرهة إلى مكة حناطة الحميري ليخبر أهل مكة أن أبرهة لم يأت لقتال أحد إلا إذا صددتموه وواجهُتُموه بالقوة.

كلم الناس عبد المطلب سيد مكة وعظيمها في ذلك، وهو الذي يشير على أهلها بالرأي السديد لرجاحة عقله، وقوة فهمه. قال عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم. فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يتخل عن بيته فوالله ما عندنا دفع عنه، قال حناطة: فأتِ معي لتكلم أبرهة.

عبد المطلب والأعيان أمام أبرهة

ذهب عبد المطلب معه ووراءه أشراف قريش، ورأى أبرهة عبد المطلب فأعجبه منظره . وقد كان رجلاً جسيماً (كامل الجسم) حسن المنظر، فقربه إليه ونزل عن سريره، وجلس معه على البساط. وقال أبرهة للترجمان: قل له ما حاجتك؟

قال عبد المطلب: مائتا بعير سلبها مني جندك. قال أبرهة: إني أعظمتك لما رأيتك، فلما كلمتني زهدت فيك، أتكلمني عن الإبل، ولا تكلمني عن بيتك وبيت أجدادك الذي جئت لهدمه؟

أجاب عبد المطلب بكلمة العاقل: إني أنا رب الإبل وسيدها، وإن للبيت رباً سيحميه ويمنعه منك.

قال أبرهة: ما كان ليمتنع مني، وأنا أقود هذه القوة الهائلة.

فأجابه عبد المطلب: أنت وذاك إذن.

قال أبرهة: أُخبرت أن هذا البيت لا يدخله أحد إلا كان آمناً، فجئت لأخيف أهله، ثم رد أبرهة الإبل لعبد المطلب.

أما أشراف العرب الذين جاءوا مع عبد المطلب، فقد عرضوا على أبرهة أموالاً طائلة ليرجع عما أزمع عليه من هدم الكعبة لكنه رفض، وأمرهم بالخروج من مكة مع أهاليهم حتى لا يصيبهم الجيش بأذى.

رجع عبد المطلب ومن معه، وأخرجوا النساء والأطفال والشيوخ إلى الجبل ليروا ما سيفعل أبرهة وجيشه بالبيت العتيق. أما عبد المطلب فإنه، قبيل خروجه، استغاث بربه ودعاه قائلاً: اللهم إن المرء يمنع رحله (المنزل والمأوى) فامنع رحلك، لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك.

إبادة الطير الأبابيل لجيش أبرهة

ولما أصبح أبرهة أمر الجيش بالدخول إلى مكة، وعبأه تعبئة عظيمة. وأصدر أمره لسائس (قائد) الفيل الضخم محمود أن يكون مقدمة الجيش تتبعه بقية الفيلة، ليربطوا جدران الكعبة بها لتجرها فتسقط متهدمة. ولكن محموداً ربض (برك) مكانه وأبى أن يسير، وكذلك فعلت بقية الفيلة. وأخذ سائس الفيل يحثها على المسير ولكنها بقيت رابضة في مكانها، فضربها السائس على رأسها ولكنها بقيت رابضة. وأراد أن يحتال عليها ووجهها وجهة أخرى فاستجابت لأوامره. ولكنه لما وجهها إلى الكعبة ربضت ثانية، احتار السائس واحتار أبرهة واضطرب الجيش.

وبينما هم على هذه الحال، إذا بأسراب من الطيور بدأت تظهر في الأفق مقبلة نحوهم. وأهل مكة كلهم يرون هذا المشهد أمامهم، وهم أيضاً في حيرة من هذا الأمر. ولم يروا من قبل هذا العدد الهائل من الطيور التي لم يدروا من أين جاءت؟ وما هو مقصدها؟ ولم جاءت في هذا الوقت العصيب بالذات؟

وأمام ذهول هؤلاء وحيرة أولئك، إذا بالأمر يتجلى عند وصولها أمام الجيش. فقد أرسلت لإبادة الكفرة الطغاة، والظلمة العتاة الذين اغتروا بقوتهم وعددهم. وظنوا أن لا غالب لهم، وأنهم هم المنصورون ، ولكن ظنهم كان غروراً، وعاقبتهم كانت خسراً، وحاق بهم ما كانوا به يكذبون. فقد أرادوا أن يجعلوا بيت الله الذي جعله للناس آمناً بدعوة إبراهيم الخليل موحشاً مخيفاً غير آمن.

عصف مأكول

كانت هذه الطيور الصغيرة التي أرسلها الله، يحمل كل طائر منها ثلاثة أحجار صغيرة بحجم حبة حمص، حجراً صغيراً في منقرها واثنين في الرجلين؛ حلقت حول الجيش، وأخذت تقذف عليهم هذه الأحجار، ومن قدرة الله العظيمة، أن الأحجار حين تتساقط على الجيش تمزقه إربا إرباً، لشدة حرارتها، تسقط على رأس الرجل فتخرج أسفله، وتسقط على كتفه فتخرج من الإبط، دبت الفوضى العارمة في صفوف الجيش وتعالت الصيحات، وكثرت من المجروحين الآهات، وأخذُوا يجرون هنا وهناك، لعلهم يجدون ملجأ يلتجئون إليه، أو مخبأ يختبئون فيه، ولكن هيهات، فمكة أرض بطحاء، قاحلة جرداء، بل حتى الفيلة التي اصطحبوها بما فيها فيل الملك محمود قد تناثرت لحومها كتناثر الورق من الشجر في الخريف، ولكن بعضاً من الجيش استطاع أن يخرج من تلك الدوامة التي كانوا فيها، ولكنهم ما فرحوا بتلك النجاة المؤقتة، وحملوا معهم أبرهة الأشرم المثخن بالجراح، وكادوا يموتون في الطريق الواحد تلو الآخر، متأثرين بما أصيبوا به في مكة.

خيبة أبرهة وعقاب الله له

وأما أبرهة فقد أجهده المسير، وأنهكت قواه، ومات ببلاد خثعم من بلاد اليمن التي خرج منها، بعد أن أخبر الناس بما لاقوه من أمر الطيور التي بعثها الله عليهم، ومن هول ما لاقوه من الحجارة المحماة. فهذا الذي عوقب به هو جزاء على نيته الفاسدة، وقد ابتلاه الله وعامله بخلاف ما أراده؛ أراد هذا اللعين أن يبطل الحج الذي شرعه الله للناس من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وأراد أن يحول وجوه العرب إلى كنيسته التي بناها، وأن يحيي التجارة في بلده بدلاً من مكة، وفي الأخير أراد أن يخيف أهل مكة فأخافه الله هو وجنوده بل وأهلكهم، ولم تغن عنه الفيلة التي جاء بها من بلاد الهند، ولا الجيش العرمرم شيئاً، وبقيت الكعبة مرتفعة شامخة في ارتفاعها، قد صانها الله ببركة دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام.

ولكثرة الموتى من الأحباش نتنت تلك البقعة المباركة، وتلوث الحي، وصعب على الناس التنفس، وفشت فيهم بعض الأمراض التي لم يكونوا يعرفونها من قبل، كمرض الحصبة والجدري، ونبت في بعض ربوعها بعض النبات الذي لم يكن معروفاً من قبل كمرائر الشجر الحرمل والحنظل، وقد أخذ أهل قريش من الجيش الهالك أموالاً طائلة من الذهب والفضة والسلاح، وخرج أهل مكة بحفظ الله لبيته العتيق سالمين، منتصرين من غير جهد على أبرهة الأشرم الحبشي، فارتفعت مكانتهم عند العرب، وأصبحوا سادة.

تبشير بمولد محمد عليه الصلاة والسلام

وكل هذه الأحداث التي جرت لم تكن صدفة، وإنما هي عبارة عن تمهيد وإرهاص لحدث عظيم هو مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد ولد في ذلك العام الذي أسماه العرب بعام الفيل، ولكن قريشاً لم يشكروا الله سبحانه على هذا النصر المؤزر الذي أحرزوه على عدوهم، بل أشركوا مع الله آلهة أخري.

ولما أوحى الله إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكرهم بما أنعم به عليهم، فأنزل الله على رسوله سورة كريمة ليذكرهم بما جرى لهم في تلك الحقبة من الزمن فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)﴾ أي سعيهم لتخريب الكعبة في تضييع وإبطال وخسار ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) ﴾ أي جماعات متفرقة متتابعة ﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) ﴾ أي طين متحجر مُحرق ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) ﴾ أي فجعلهم كالتبن الملقى في الأرض، وهذه السورة تسمى بسورة الفيل.

وعاتب الله سبحانه قريشاً على شركهم وعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذكرهم بنعمة أخرى في سورة قريش” قائلاً: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ قريش، 3-4. وهكذا تكون نهاية كل باغ جبار طاغ، وهكذا ينقذ الله عباده المستضعفين وأماكن عبادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى