قصة أصحاب الأخدود

قصة أصحاب الأخدود هي قصة ذكرت في القرآن الكريم في سورة البروج وفي بعض الأحاديث النبوية. وهي تتحدث عن غلام مؤمن كان يتعلم السحر عند ساحر الملك ثم صادف راهباً مسلماً فأعجب بدينه وآمن بالله وحده. وبدأ يشفي الناس بإذن الله فسمع به الملك وأراد قتله فأظهر الغلام معجزات عديدة بإذن الله. وعندها أمن الكثير من الناس بالله وحده رب الغلام. فأراد الملك الظالم أن يُجبر رعيته على الرجوع إلى دينه. فلما رفضوا ذلك حفر لهم أخاديد في الأرض وأشعل فيها ناراً وألقى فيها كل من آمن بالله.

وأما القيم التربوية التي يمكن استخلاصها من هذه القصة للأطفال، فربما تكون منها:

  1. التثبيت على التوحيد والإخلاص لله والبراءة من كل ما يشرك به.
  2. التحذير من شرور السحر والسحرة والظالمين والطغاة.
  3. التشجيع على الصبر والثبات على الدين في وجه المحن والابتلاءات.
  4. التذكير بأن الله هو المولى والنصير للمؤمنين وأن عواقب المتقين خير من عواقب المجرمين.

تعاون الملك والساحر

في مدينة من المدن الكبيرة، كان يسكنها أناس مشركون كفار؛ لا يعبدون الله سبحانه ولا يوحدونه. كانوا يعيشون في ضلال مبين، يحكمهم ملك جبار متكبر، إذا أمرهم أطاعوه، وإذا نهاهم انتهوا. فازداد بذلك طغياناً وكفراً، وازداد الناس بسببه ضلالاً وتيهاً، لأنهم اعتقدوا في ملكهم أكثر مما ينبغي أن يعتقد فيه. إذ هم يظنون أن ملكهم هو الذي يرزقهم؛ إذا أراد أن يقطع الرزق قطعه، وأنه هو المميت؛ إذا أراد أن يقتل أحداً فليس هناك ما يمنعه. اعتقدوا فيه الربوبية التي لا تكون إلا للرب الحق الذي هو الله سبحانه.

وكان هذا الملك يستعين في إثبات ملكه برجل ساحر مخادع ماكر، يتعامل مع الشيطان الذي يخبره بالخبر يلتقطه من السماء. فيزيد الساحر على هذا الإخبار مائة كذبة يخبر بها الملك. فيرى الملك بعد ذلك ما أخبره به الساحر قد تحقق، ويظن أن الساحر يعلم الغيب، لذا كان يستعين به في توحيد مملكته. وازداد الناس بذلك رهبة من الملك، ومن الساحر الذي ازداد تلاعباً بعقول الناس بما كان يتقنه من الخداع والجبل التي انطلت على ضعاف العقول والسذج من الناس (انطلت عليهم الحيل: انخدعوا بها). وكان أيضاً يسحر أعين الناس، فولعوا (تعلقوا) بسحره، ولهجوا بذكره. وأصبح معظماً مبجلاً عند الملك يستشيره في أموره كلها، وإذا تكلم استمع إليه باهتمام بالغ.

وذات يوم قال الساحر للملك: أيها الملك إني كما ترى أصبحت شيخاً عاجزاً. وأخشى إن أنا مت أن أتركك دون أن يكون لك من تعتمد عليه ليساعدك في تثبيت مملكتك. وأشير عليك بما فيه خير وصلاح لك ليبقى ملكك ثابتاً لا يتزعزع. ونصيحتي أن تبحث لي عن غلام صغير، فطن ذكي، سريع الفهم لأعلمه فنون السحر وألاعيب الحيل، فيبقى الناس لك طائعين ومنك خائفين.

تردد الغلام بين الساحر والراهب

بعث الملك من يبحث عن غلام بالأوصاف التي حددها الساحر، وطال البحث حتى وجدوا غلاماً صغيراً ذكياً فطناً سريع الفهم. أدخل على الساحر، ولما رآه اختبره، فنجح في الامتحان، وقربه إليه وأخذ يعتني به؛ يعلمه أصناف المكر والخديعة والحيل والشعوذة، وغير ذلك من أساليب السحر. وكان الغلام يأتي إلى الساحر صباحاً، ويعود مساء إلى أهله.

وفي الطريق الذي يسلكه هذا الغلام يوجد رجل راهب يؤمن بالله وحده، يقيم في مخبأ مهجور لا يكاد يأتيه أحد. يعبد الله في صومعته وينهل من العلم الموروث الذي أخذه عن الرهبان والعلماء قبله.

أراد الغلام يوما أن يقترب من هذه الصومعة المهجورة ليرى هذا الشيخ بهي الطلعة ويستمع لكلامه. ولما دنا منه ونظر إليه علم أن هذا الرجل لا يمكنه أن يكون رجلاً مخادعاً ماكراً كالساحر. لأن أنوار العبادة والعلم والإخلاص ظاهرة على محياه. فالمؤمن المخلص، المحب للخير يجعل الله على وجهه نوراً وبهاء، فتجمل صورته ويرغب الناس في مجالسته والتحدث إليه. على عكس من كان شرير النفس، قاسي القلب، يجعل الله السواد على محياه فترى في وجهه عبوساً، وإن كان جميل الخلقة، ينفر الناس من مجالسته، وما يجالسونه إلا مخافة منه أو لمصلحة خاصة. فالله سبحانه وتعالى ينظر إلى ما انطوت عليه القلوب، وما في الصدور هو الذي ينعكس على الوجوه.

اقتناع الغلام بكلام الراهب

ولما استمع الغلام لكلام الراهب علم أنه الكلام الحق، الذي يدخل إلى القلوب بسهولة خلافاً للكلام الباطل فإنه ثقيل. وأخذ الغلام يتردد على الشيخ الراهب كلما ذهب إلى الساحر. حيث يمكث عنده مدة ليستفيد من العلم الذي جاء به الأنبياء كعبادة الله وحده لا شريك له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخضوع له، والاستعانة به، فلا رجاء ولا خوف إلا منه. فاستفاد الغلام من هذا العلم المنير كثيراً.

وفي ذهابه يطيل المكوث عند الراهب مما يجعله يتأخر عن الذهاب إلى الساحر، كما كان يتأخر عن أهله أثناء عودته. مما عرضه للضرب في كل مرة من أهله ومن الساحر.

اشتكى المسكين إلى الراهب ما يلاقيه على يد الساحر وأهله من الضرب، لعله يجد عنده ما يبرر به تأخره. فقال له الشيخ الراهب: إذا أنت جئت إلى الساحر وسألك عن سبب تأخرك فأخبره أنك كنت عند أهلك، وهكذا لا يضربك الساحر. وإذا أنت عدت إلى أهلك وسألوك: أين كنت؟ فأخبرهم أن الساحر هو الذي حبسك، وهكذا لا يضربك أهلك، فعمل بنصيحة الشيخ.

إكرام الله للغلام بكرامات

وذات يوم حدث شيء أفرع الناس؛ إذ اعترضت طريقهم دابة ضحمة موحشة، فخاف الناس أن يقتربوا منها ولم يمكنهم اجتياز الطريق. ومر الغلام من ذلك الطريق فرأى الناس ماكثين أماكنهم لا يتحركون، وهم في هول شديد وفزع عظيم. فقال في نفسه: اليوم سأعلم أأمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟ فأخذ حجراً وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى لك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة ليجتاز الناس. وإن كان أمر الساحر أحب إليك فأسألك أن لا تقتل الدابة.

ورمى بالحجر على الدابة فسقطت ميتة، فتيقن الغلام أن أمر الراهب أحب إلى الله من أمر الساحر. وإن لم يكن يشك في ذلك من قبل ولكنه فعل ذلك ليطمئن قلبه أكثر. رجع الغلام إلى الراهب وأخبره بالأمر، فقال الراهب: يا بني أنت الآن أفضل مني. وإن الله سبحانه يبتلي عباده المؤمنين، وكلما كان أحدهم أشد إيماناً كان أشد ابتلاء (اختباراً بالأذى والمصائب). ثم أوصاه بوصية قال فيها: إن ابتليت فلا تدل أحداً على مكاني.

الدعوة إلي الله

أخذ الغلام يدعو الناس إلى اعتناق الدين الحق، ويحذرهم من الشرك بالله سبحانه. ويخبرهم أن الملك لا يجلب لنفسه أو لغيره نفعاً ولا ضراً. وأن الساحر إنما يخدعهم بحيله وألاعيبه ليخيفهم وليضلهم عن الحق. أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. وقد أعطى الله سبحانه هذا الغلام عطاء آخر، حيث كان يداوي المرضى والمعتوهين. فازداد الناس به إعجاباً، وازدادوا بدعوته تمسكاً.

وكان من بين جلساء الملك رجل أعمى، ولما سمع بالغلام ذهب إليه حاملاً هدايا كثيرة، وقال له: إن رددت إلي بصري وشفيتني أعطيتك هذه الهدايا. فقال الغلام: أنا لا أشفي أحداً إنما الله هو الذي يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت فهو يشفيني، فإن تؤمن به وحده لا شريك معه أدعه ليشفيك.

آمن الرجل فشفاه الله، ثم ذهب إلى مجلس الملك كما كان يفعل من قبل، ولما رآه الملك قال له: من رد عليك بصرك؟ فقال الرجل: ربي. قال الملك: أنا ربك. قال: لا، ربي وربك الله، وأنت عبد من عبيده. فقال الملك: وهل لك رب غيري؟ قال: نعم. فغضب الملك من ذلك غضباً شديداً وقال: لأعذبنك عذاباً شديداً كي تقر بمن علمك الدين الجديد.

محاولات الملك قتل الغلام وفشله

استمر في تعذيبه حتى أخبر عن الذي علمه، وجيء بالغلام الصغير، فقال له الملك: إنه قد بلغ من سحرك أنك تبرئ الأكمة (الأعمى مطلقا، أو المولود أعمى) والأبرص (المصاب بمرض يحدث قشراً أبيض في الجسم كله ويسبب حكاً مؤلماً)، فقال الغلام: ما أشفي أنا أحداً، إنما يشفي الله، قال الملك: أنا الملك الذي ينبغي أن يطاع، فقال الغلام: لا، إن الملك الحق هو الله سبحانه. قال الملك: ألك إله غيري؟ قال: نعم، الله ربي وربك. فأخذه الملك وعذبه حتى أخبر عن الراهب. وجيء بالراهب، فقال له الملك: ارجع عن دينك أو لأقطعن جسدك بالمنشار، أبى الراهب، فوضع المنشار على رأسه وشرعوا يقطعونه حتى وقع نصفاه على الأرض، ثم فعلوا بجليس الملك – الذي كان أعمى – كما فعلوا بالراهب.

إيمان الغلام

أما الغلام فإن الملك أراد أن يقتله بكيفية أخرى؛ إذ بعث به مع جنوده إلى أعلى الجبل وأمرهم، إن هم وصلوا إلى القمة، أن يقذفوا بالغلام فيتدهده منه إلى الأسفل ليموت.

ولما وصلوا به إلى أعلى الجبل دعا الله سبحانه قائلاً: اللهم اكفنيهم بما شئت. أي اكفني شرهم؛ تحرك بهم الجبل فسقط الجنود كلهم وبقي الغلام حياً، ورجع إلى قصر الملك، فلما رآه تعجب من أمره وتحير لنجاته، وقال له: ماذا فعلت بالجنود؟ قال له: هلكوا جميعاً لأني دعوت الله عليهم.

اغتاظ الملك وأمر الجنود مرة أخرى قائلاً لهم: اركبوا به زورقاً، وإذا وصلتم وسط البحر، وأبى أن يرجع عن دينه، ارموه في البحر. فأخذه الجنود في زورق، ولما وصلوا به وسط البحر دعا الله عليهم قائلاً: اللهم اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعين، وخرج الغلام سالماً وذهب إلى قصر الملك، ولما رآه اشتط غضباً (أفرط وبالغ في غضبه) واحتار فيما يفعله معه.

اقتراح الغلام على الملك طريقة لقتله

قال له الغلام: إنك لن تستطيع قتلي إلا أن تفعل ما آمرك به. ففرح الملك فرحاً شديداً، وقال له: وما الذي أفعله؟ قال الغلام: أن تدعو الناس للاجتماع في يوم واحد، ثم تربطني في جذع شجرة ليراني الناس، عندئذ تأخذ سهماً من كنانتي – أي الوعاء الذي تحمل فيه السهام – ثم ضع السهم في قوسك لترميني به وقل بأعلى صوتك: باسم الله رب الغلام، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، ظن الملك أنه إن فعل ذلك سينتهي من الغلام إلى الأبد، وسينسي الناس دعوته.

حضر جمهور غفير من فئات الشعب، وربط الغلام، ثم جاء الملك وأخذ السهم وقال بأعلى صوته: باسم الله رب الغلام، ورمى بالسهم من القوس وأصاب به الغلام فمات. ولما رأى الناس ذلك قالوا: ما استطاع الملك أن يصل إلى الغلام إلا بعد أن استعان على قتله برب الغلام، ورب الغلام هو الله، فلولاه سبحانه ما استطاع قتله، والملك لا يملك شيئاً، إنما الملك الحق هو الله سبحانه. فقالوا: اللهم إنا آمنا برب الغلام.

إحراق الملك للمؤمنين بعد موت الغلام

مات الغلام إحياء للأمة كلها، لأنها كانت بكفرها كالميتة، والكافر ميت وإن كان يأكل ويشرب. ثم رجع الملك إلى القصر، وهو يظن أن الأمر قد انتهى، ولكن وزراءه جاءوا إليه وقالوا له: أيها الملك أرأيت ما كنت تخشاه من إيمان الناس بدعوة الغلام، ها هم قد آمنوا كلهم بدعوته. فغضب غضباً شديداً وقال لجنوده: احفروا لهم الأخاديد – والأخدود هو الحفرة العميقة -، ثم أضرموا فيها النار وادعوا الناس واحداً بعد الآخر، فمن رجع إلى دينه القديم فاتركوه، ومن بقي على دين الغلام فارموا به في النار.

وجاء الجنود بالناس وعرضوا عليهم الرجوع عن دينهم، ولكنهم أبوا إلا أن يتمسكوا بالدين الصحيح، فرماهم الجنود في النار في مشهد مهول عظيم، وجيء بامرأة تحمل رضيعاً لها، وخيروها بين الكفر أو الرمي بها في النار، فقال لها ابنها الرضيع: يا أماه اصبري إنك على الحق. فثبتت ورمت بنفسها مع رضيعها في النار.

تلك هي القصة العظيمة التي تعد من أروع القصص التي تبين ثبات الناس باختلاف فئاتهم الاجتماعية على دينهم حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى