قصة البطات الثلاثة

تدور قصة البطات الثلاثة في إطار أسلوب قصصي تربوي وتعليمي يعلم الأطفال الصغار والأخوات أهمية المشاركة والإيثار وعدم الأنانية والتعاون بين الأخوة والأصدقاء.

البطات الثلاثة والذئب

كانت البطات الثلاث تخاف الذئب خوفا شديدا، تخاف أن يأتي ليلا فيأكلها؛ ولهذا فكرت البطة الكبيرة في وسيلة تحفظها من شر الذئب وقالت: هيا بنا كي نبني لنا بيتا صغيرا نعيش فيه، وننام به، حتى نأمن على أنفسنا وحياتنا. فوافقت أختاها على هذا الرأي الصائب والفكرة السليمة.

وخرجت البطات الثلاث في الصباح المبكر؛ للبحث عن المواد التي يبنى بها البيت، فقابلت رجلاً فلاحاً يحمل حزمة من الحطب، فقالت له الكبرى: أرجو أن تسمح لي يا سيدي بإعطائنا قليلا من الحطب.

فسألها الفلاح: وما ذا تفعلين بالحطب أيتها البطة؟

فأجابت البطة: إننا نريد أن نبني به منزلاً صغيراً يحمينا من شر الذئب، واعتدائه علينا، وقتله لنا ليلا.

فاستحسن الرجل الفكرة، وأعطاها قليلا من عيدان القطب.

فشكرت له البطات معروفه شكرا جزيلا، وأخذت الحطب، وذهبت إلى حديقة قريبة. فيها كثير من النبات، وبدأت تبنى لها مسكنا صغيرا؛ لتعيش فيه، ورتبت الحطب، وأعدته ووضعته في جميع الجوانب، وشدته هنا وهناك، وأقامت منه منزلاً صغيراً، لتسكنه وتنام فيه ليلاً.

وبعد أن انتهت البطات الثلاث من البناء، سارت البطة الكبيرة، ودخلت البيت وأغلقت الباب على نفسها، وتركت أختيها خارج البيت. وقالت لهما: لا تأتيا معي أيتها الأختان؛ لأن البيت ضيق لا يتسع لنا جميعا، ولا يصلح إلا لواحدة منا، وسأعيش فيه وحدي. ومكثت البطة الكبرى وحدها في المنزل، وتركت أختيها في الخارج ليلا، ولم تسمح لهما بدخول البيت، وتركتهما معرضتين للخطر بعد أن أغلقت الباب على نفسها. فتألمت الأختان كل الألم لهذه المعاملة السيئة، ولحب النفس الذي أظهرته أختهما الكبيرة. وأخذت الأختان تطرقان الباب طرقاً خفيفاً لتفتح لهما، وصاحت البطة الكبيرة بصوت مرتفع: اذهبا بعيداً؛ فقد قلت لكما إن المنزل ضيق، ولا يتسع لنا جميعا، ولا يصلح إلا لبطة واحدة. وسأكون أنا تلك البطة، لأني أنا الكبيرة، وسأنام فيه وحدي.

حيرة البطتان

وقد حارت البطتان في أمرهما. ولم تدريا ماذا تفعلان، وأقبل الليل، وقد يأتي الذئب فيأكلهما، وأخذت البطتان تجريان في الحديقة للبحث عن مكان تختبئان فيه تلك الليلة. وقد تألمتا من أخيهما كل الألم؛ لأنها أحبت نفسها، وأرادت أن تنفرد بالمسكن وحدها. وارتفع صوتهما ألماً واحتجاجاً، ولحسن حظهما لم يسمع الذئب صوتهما فيأتي ويأكلهما؛ لأنه لم يحضر تلك اللية.

وفي الصباح قالت البطة المتوسطة لأختها الصغيرة: هيا بنا لنرجع إلى الفلاح الذي أعطانا الحطب بالأمس كي نرجوه أن يعطينا منه قليلا اليوم. فوافقت البطة الصغيرة على فكرة أختها، وذهبت معها إلى الفلاح ورجته إحداهما أن يعطيها قليلا من الحطب لبناء مسكن لهما. فقال لهما الفلاح: لقد أعطيتكما بالأمس شيئا من الحطب، فماذا فعلتما به؟

فأخبرته البطتان بما حدث من أختيهما الكبيرة، وحبها لنفسها، وطردها لهما، وتركهما خارج البيت ليلا معرضتين لخطر الذئب، فتألم الرجل من أختهما، وتألم لحالهما، وأعطاهما جزءا كبيرا من الحطب لبناية مسكن آخر لهما. وأخذت البطتان الحطب، وذهبتا به إلى الحديقة، لتبنيا منه مسكنا آخر لهما أكبر من المسكن الأول.

وحينما انتهت البطتان من البناء فتحت البطة المتوسطة المنزل، وقالت للبطة الصغيرة: لا تأتي ورائي يا أختي ولا تتبعيني؛ لأني أريد أن أرى مقدار اتساع البيت، وهل هو كاف؟ ولا تظني أني سأفعل كما فعلت أختنا الكبيرة، وأغلقت الباب على نفسها، وتركت أختها الصغيرة منتظرة خارج البيت.

انتظرت البطة الصغيرة في الخارج. حتى ملت الانتظار، ثم دقت على الباب، ونادت أختها، وقالت لها: أرجو أن تسمحي لي بالدخول، لكن أختها المتوسطة لم تسمح لها بالدخول، وفعلت كما فعلت أختها الكبيرة، وأظهرت حب النفس، ولم تفكر في أختها الصغرى. وقالت لها: اذهبي إلى حالك؛ لأن البيت لا يتسع إلا لواحدة فقط، وهي أنا.

فتألمت الأخت الصغيرة لهذه الإجابة، وتألمت من قسوة أختها عليها وتركت بيت أختها وهي تبكي بصوت مرتفع، وأخذت تجري هنا وهناك؛ لتبحث لها عن مكان تقضى فيه ليلتها، ويحفظها من الذئب.

حزن البطة الصغيرة

لحسن حظها لم يأت الذئب في تلك الليلة، ولم يسمع بكاءها فيأتي ويأكلها. وقد رآها بستاني في الحديقة حزينة في الصباح، وأثر الحزن والبكاء ظاهر على وجهها. فسألها: لماذا أراك حزينة كأنك كنت تبكين طول الليل، فأخبرته بما فعلته أختها الكبيرة، وما فعلته أختها المتوسطة، وما أظهرتاه من القسوة والظلم وحب النفس، وتركها وحدها ليلاً معرضة لاعتداء الذئب عليها، وعدم السماح لها بالإقامة معهما.

فتألم البستاني لحالها وقال لها: لا تحزني ولا تتألمي، ولا تبكي أكثر مما بكيت، وسأبني لك مسكنا متيناً بالطوب والحجارة، مسكناً حقيقياً يصلح للشتاء والصيف، ويحتمل البرودة والحرارة، والأمطار والرياح، ولن يكون من الحطب كبيتي أختيك.

واعد البستاني مواد البناء من الحجارة والطوب والرمل، والخشب والباب والنوافذ، وأحضرها كلها، وبنى لها مسكنا صغيرا متينا صحيا، تتمنى أن تراه في جهة جميلة من الحديقة. وأقام سورا مرتفعا من الحديد حول المسكن؛ حتى لا يتمكن الذئب أو غيره من دخوله، وزرع لها حديقة صغيرة من النباتات أمام مسكنها الخاص.

فشكرت البطة الصغيرة للبستاني شعوره ومروءته ونبله، وما قام به نحوها من العطف والشفقة والرعاية، وفرحت كل الفرح بمسكنها الجديد، وصارت آمنة من شر الذئب، مطمئنة على حياتها كل الاطمئنان. وعاشت في بيتها الجديد، وأقامت به هادئة مستريحة، لا تفكر في الذئب ولا تخافه.

الذئب الجائع

وفي منتصف الليل أقبل الذئب جائعا، يبحث عن فريسة يفترسها، وطعام يأكله، وأخذ يشم بأنفه. فشم رائحة بطة بالقرب من هذا المكان. وقادته حاسة الشم القوية التي عنده إلى بيت البطة الكبيرة المحبة لنفسها، الظالمة لأختيها، وهو بيت صغير مكون من القش والحطب. فأزاح القش والحطب بأرجله، ولم يجد صعوبة في هدمه، وقبض على البطة الكبيرة المحبة لنفسها. ولشدة جوعه وشراهته ابتلع البطة في جوفه من غير أن يمضغها.

ولم يكتف الذئب بالبطة الكبيرة؛ لأنها لم تشبعه، ولم تزل جوعه. فأخذ يبحث عن بطة أخرى، واستمر يشم بأنفه، حتى شم رائحة بطة أخرى في مسكن آخر قريب من هذا المسكن، وهو مبني بالحطب، فاتجه نحوه ورمى الحطب بعيداً. وابتلع البطة المتوسطة المحبة لنفسها في لقمة واحدة، ولم ينتظر حتى يمضغها. ولكنه لم يشبع بعد، وأخذ يفكر في طعام آخر، فقادته حاسة الشم التي عنده إلى بيت البطة الصغيرة.

فوجده لسوء حظه بيتاً متيناً مبنياً بالطوب والحجارة، ونوافذه من الحديد، وبابه مغلق، وحوله سور مرتفع من الحديد. فلم يتمكن من دخوله، ولم يستطع الوصول إلى البطة الصغيرة. وقد لاحظ الذئب الفرق الكبير بين هذا المسكن والمسكنين السابقين.

وأخذ الذئب يدق الباب بشدة: رات.. تات.. رات.. تات، فسألت البطة الصغيرة: من بالباب؟

فأجاب الذئب: أنا.. أنا الذئب. أرجو أن تسمحي وتفتحي لي الباب.

فقالت البطة: محال أن أفتح لك، وبعيد أن أسمح لك بالدخول، واستمرت البطة في الداخل وهي مطمئنة.

فنظر الذئب من فتحة صغيرة بالباب، وناداها ورجاها ثانية أن تفتح وتسمح له بالدخول. واستمر يتوسل إليها ويقول لها: أيتها البطة العزيزة، أرجو أن تسمحي بصداقتي، ونتعشى معا عشاءً لذيذاً. وسأحضر لك الجبن والأرز. وعليك أنت طبخ الطعام لنا.

خطة ماكرة

فقالت البطة: ليس عندي ما يمنع أن أقوم بطبخ الطعام.

فقال الذئب: سأذهب في الحال لإحضار الجبن والأرز، ثم توجه إلى البقال. واشترى منه جبناً وأرزاً، ثم رجع يجرى إلى بيت البطة الصغيرة. وناداها: أيتها الصديقة العزيزة، لقد أحضرت لك الجبن والأرز، وأرجو أن تسمحي لي بالدخول. فلم تفتح له البطة العاقلة، وقالت له: من فضلك ضعهما على النافذة. فغضب الذئب منها لعدم ثقتها به، ومد يده فوق السور. وترك الطعام فوق النافذة، وقالت له: اذهب ثم احضر بعد ساعة من الزمن.

فذهب بعيدا، وانتظرت البطة حتى بعد عن النظر، ثم فتحت النافذة، وأخذت الطعام، وأغلقت النافذة ثانية بسرعة.

وابتدأت البطة الصغيرة تطبخ الأرز، وتعد عشاء جديداً. وبعد ساعة حضر الذئب، وجلس على الأرض خارج المنزل أمام الباب ينتظر العشاء اللذيذ.

وبعد قليل سأل البطة: هل أعددت العشاء أيتها الصديقة العزيزة؟

فأجابت البطة: إني لم انتهي من إعداده بعد، ولم ينضج تمام النضج، فانتظر قليلا حتى ينضج؛ لأنه على النار. ثم سألها الذئب ثانية بعد قليل عن العشاء. فأجابته البطة: إن العشاء قد أعد، ولكنه ساخن جدا، ولا يمكنك أن تأكله وهو ساخن أيها الذئب.

فسألها الذئب: هل تسمحين لي بالدخول لأنفخه حتى يبرد؟

فأجابته البطة: محال أن أسمح لك بالدخول، ولكن يمكنك أن تنفخ فيه من فتحة الباب إذا أردت.

فأخذ الذئب ينفخ في الطعام من ثقب المفتاح واستمر ينفخ بشدة، وينفخ بشدة حتى انفجر بطنه من شدة النفخ وطول المدة. فخرج من بطنه البطتان اللتان ابتلعهما من غير مضغ بشراهته؛ لأنه لم ينتظر حتى يمضغهما.

تجمع البطات الثلاثة

خرجت البطتان من بطنه تتمتعان بالحياة، ولم تموتا. وتخلصت البطات الثلاث من الذئب بحيلة البطة الصغيرة. وصفحت البطة الصغيرة الشقيقة المفكرة عن أختيها المحبتين لأنفسهما.

وعفت عنهما، وأخذتهما لتعيشا معها في مسكنها الصحي الجميل. وعاشت البطات الثلاث في سعادة تامة، واطمئنان وسرور. ولم تعاملهما البطة الصغيرة كما عاملتاها، بل أحسنت إليهما، وأشفقت عليهما، ورأفت بهما، ولم تسئ إليهما. وسمحت لهما بالإقامة معها في منزلها، وفكرت فيهما كما تفكر في نفسها، معتقدة أن حجر الذئب يسع ألف حبيب. ولم تكن محبة لنفسها كأختيها، بل أحسنت إليهما كل الإحسان ونسيت إساءتهما كل النسيان. وكانت مثلا عاليا لهما في أخلاقها ونبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى