العلوم التربوية

نظريات ومبررات استخدام الحاسوب في التعليم وتطوره عبر التاريخ

شهد عالمنا اليوم تطوراً كبيراً وتقـدماً سريعاً في مجال العلم والتكنولوجيا. وهـذا التطور جاء نتيجة للثورة العلمية الناجمة عن الانفجار المعرفي. حيث يعتبر أن من أكثر المشاكل التي يعاني منها العالم اليوم هي الانفجار السكاني. الذي يؤدي إلى زيادة أعداد الطلاب الذين يقبلون على التعليم سواء في المدارس أو الجامعات. دون مقابلـة لاحتياجاتهم بإمكانيات بشرية مختلفة من أعضاء هيئة التدريس والإمكانات المادية. وازدادت أعداد الطلاب في الفصل الواحد، وصحب ذلك زيادة في الفروق الفردية بين الطلاب. وهنا تبرز المشكلة في إعداد معلمين قادرين على تفهـم هـذه المشكلة برمتهـا. مما دعت الكثير من المبررات والحاجة لاستخدام الحاسوب في التعليم ليحمل الحل المناسب لجميع هذه المشاكل.

تاريخ استخدام الحاسوب في التعليم

يعود تاريخ استخدام الحاسوب في التعليم إلى عـام (١٩٢٤) عنـدمـا قـام بريسي (PRESSEY) بتصميم آلة بسيطة لمساعدته في تصحيح اختباراته. حيث كانت آلته تتكون من أربعة مفاتيح بالإضافة إلى نافذة مستطيلة يظهر منها السؤال مع إجاباته الاختيارية الأربع. وبعـدهـا طـور (بريسي) آلته من خلال وضع الأطر التعليمية بحيث لا تنقل الآلة المتعلم إلى السؤال الثاني إلا إذا استطاع الطالب أن يجيب عن السؤال الأول. وقد توقع (بريسي) مستقبلاً مشرقاً لآلته.

وفي عام (١٩٥٤) نادى (سكنر) باستبدال التعزيز بالعقاب أو المكافأة للسلوك الصحيح. وقد دفعه إلى ذلك ما كان يراه في عـصـره مـن اعتمـاد التربيـة بشكل كبير على العقاب كوسيلة للتعلم. وقال (سكنر) حتى يستمر التعزيز لا بد من أن تكون المادة التعليمية على شكل سلسلة من الوحدات الصغيرة المتتابعة (أطر تعليمية FRAMES). حيث يطلب من المتعلم إصدار إجابة بعد كل إطار، فإذا كانت صحيحة فإنه يعطي شيئاً من التعزيز، وأما إذا كانت خاطئة فإنها لا تعزز. ولذلك يجب تحاشي الخطأ ما أمكن، وإعطاء الطالـب بـعـض المساعدات والتلميحات والتوجيهات التي تساعده على إصدار الحكم.

بداية ظهور الآلات التعليمية

وهذا النوع من التدريس يحتاج إلى سرعة ودقة في اختبار التعزيزات المناسبة. ومـن هنا ظهرت الآلات التعليمية والكتب المبرمجة لحل هذه المشكلة، وقد سمى هـذا النـوع مـن التعليم بالتعليم المبرمج. كما سمي ما نادى به سكنر بالتعليم المبرمج الخطـي حيـث إن كـل طالب يستخدم البرنامج عليه أن يسير بالاتجاه نفسه، وأن يمر بكـل الأطر بطريقـة منتظمة. وهذا النوع من البرنامج لا يراعي الفروق الفردية بين الطلبة واحتمالية وقوع الطالب في الخطأ قليلة نسبياً.

وبعدها ظهرت برامج أطلق عليها التعليم المبرمج التفرعي، وقد جاء هـذا النـوع لتلافي الأخطاء التي كانت في برامج التعليم المبرمج الخطي. وأصبح التعليم المبرمج الخطي يراعـي الفـروق الفردية، بحيث يستطيع الطالب أن ينتقل من إطار تعليمي إلى إطار آخر حسب قدراته. وإذا وقع خطأ من الطالب (المتعلم) يرسل إلى إطار معين حيث يجد المساعدة اللازمة.

إلا أن التعليم المبرمج يحمل بعض المساوئ والتي من أهمها أنه يتحكم بدرجة كبيرة في سلوك الطلاب وبطريقة ميكانيكية رتيبة.

وبعد ذلك بدأ البحث عن آلة تشرك المتعلم في عملية تعلمه. بحيث تكون قادرة على التفاعل والحوار مع الطلبة، ولن يكون ذلك إلا إذا وجدت آلـة قـادرة على التكيـف مـع مستوى وقدرات كل طالب على حدة. فكان الحاسب في الانتظار حيث تزامن ظهـوره مـع بداية انحسار موجة التعليم المبرمج.

أول برنامج تعليمي

وفي الستينيات تم تصميم أول برنامج تعليمي في أمريكا، وأخذت بعد ذلك تتطـور البرامج بشكل سريع وكان ذلك من اختصاص مراكز البحث والجامعات والمعاهد الكبيرة فقط. ويعود السبب في ذلك إلى التكلفة العالية التي تحتاج إليها هذه البرامج. حيث لا تعمل هذه البرامج إلا على حاسبات كبيرة غالية الثمن لا تطبقها مدارس التعليم العام.

وفي منتصف السبعينيات بدأت الحاسبات الصغيرة بالانتشار نظراً لتكلفتها وسهولة استخدامها.

أثر استخدام الحاسوب في التعليم

لقد استفادت تقريباً جميع قطاعات المجتمع من إمكانات الحاسب وقدراته، ومن بينها قطاع التعليم فمعظم دول العالم تأثرت مناهجها بالحاسوب. فأصبح مـن اليـسر لمصممي المناهج إضافة بعض المواضيع التي أصبحت عديمة الفائدة أو اثبت فشلها. وقدم الحاسوب الكثير من التسهيلات في مجال طباعة الكتب المدرسية، وتقديم الوسائل والطرق التعليمية لمساعدة الطالب والمعلم في العملية التعليمية. كما أدى وجوده إلى ظهور مادة تعليمية جديدة تدرس في المدارس، حيث إن انتشار الحاسوب في جميع الأوجـه يجعـل الإلمام بتقنياتـه أمـراً ضرورياً.

بناء برامج الحاسوب التعليمية

تهدف البرامج التعليمية بشكل عام إلى تمرين الطلبة على المفاهيم التي درسوها في الصف أو إلى تقديم مادة علمية جديدة أو تنمية مهارات التفكير المختلفة. فعند بناء برنامج تعليمي لا بد من مراعاة الهدف الذي وضع لأجله، وأن يكون منسجماً مع الهدف التربوي للمنهاج المدرسي. بالإضافة إلى مراعـاة نوعية ومستوى الطلاب الذين ستعاملون مع البرنامج. ولا بد من التنسيق مع إدارة المناهج بهدف تحديد المواضيع التعليمية التي تحتاج إلى استخدام الحاسوب كوسيلة تعليمية. وأن لا يكون البرنامج نسخة عن الكتاب المدرسي. فليس الهدف استبدال الكتاب بالحاسوب، ولكن الهدف استغلال قابل للتطوير والتعديل في أي وقت.

مبررات استخدام الحاسوب في التعليم بالمدارس

هناك الكثير من المبررات والأسباب التي دعت الحاجة إلي استخدام الحاسوب في التعليم ولعل من أهم هذه المبررات هي:

1

المبرر الاجتماعي The Social Rationale

يعد المبرر الاجتماعي أحد أهم مبررات استخدام الحاسوب في التعليم. حيث أن الحاسوب أصبح منتشراً في ميادين الحياة المختلفة وفي جميع بلدان العالم تقريباً. أصبح لزاماً على الحكومة ممثلة بمؤسساتها التربوية وخاصة وزارات التربية والتعليم أن تعد مواطنيها ليتكيفوا مع المتغيرات الجديدة. فكما أن الطالـب هـو بحاجة إلى معرفة القراءة والكتابة فهو بحاجة إلى أن يعرف شيئاً عن الحاسوب أيضاً. فيجب أن يدرس جميع الطلبة في المرحلتين الأساسية والثانوية مساقات في التوعية الحاسوبية Computer Awareness. فهذا هو المبرر الاجتماعي لاستخدام الحاسوب في التعليم بالمدارس؛ لأنه يتعلق بجميع الطلبة في المجتمع حيـث يعـرفـهـم علـى اسـتخدامات ومحددات الحاسوب على مستوى مبسط.

2

المبرر المهني The Vocational Rationale

لهذا المبرر هدف يتعلق بالمهن المستقبلية حيث الحاسوب يساعد في إعداد الطلبـة للحصول على فرص عمل في المستقبل. وهذا المبرر يتطلب مـن الطـالـب أن يقضي فترة أطول من الوقت في استخدام الحاسوب من المبرر الأول (الاجتماعي). وهـذا المبرر مدار للجدل من حيث ماهية ما يجب أن يدرس للطلبة: هل هو محو الأميـة الحاسوبية Computer Literacy؟ أو يتعدى ذلك على ترجيح الجانب الأول حيـث يتعلم الطلبـة الاستخدام الصحيح للبرمجيات التطبيقية Application programs مثل برامج معالجة النصوص والبيانات المجدولة وقواعد البيانات.

3

المبرر البيداغوجي (التعليمي) The pedagogical Rationale

المبرر البيداغوجي أحد مبررات استخدام الحاسوب في التعليم التي تنص علي أن أهمية مساهمة الحاسوب في تحسين العملية التعليمية التعلمية Teaching Learning Process. وأن الحاسوب يعتبر وسيلة تعليمية تتميـز عـن كثير من الوسائل التقليدية الأخرى مثل اللوحات المختلفة والفيديو وأجهزة العرض المختلفة. يسهم الحاسوب هنا في إثراء وتحسين وتطوير وتوفير طرق جديدة في تقديم المعلومات للطلبة، وهذا ما يوفره استخدام هذه الوسيلة الجديدة (أي الحاسوب) في المساعدة على التعلم (Computer Assisted Instruction (CAL أو التعلم (Computer Assisted Learning (CAL وهـذا يتمثـل في تعليم وتعلـم موضوعات دراسية مختلفة بوساطة الحاسوب، إمـا بشكل مكمـل أو أن يحـل محـل المدرس مؤقتاً.

4

المبرر الحاث (الحافز) على التغيير The Catalytic Rationale

يؤمن الكثير من التربويين أنه بإمكاننا تغيير المدارس وتطويرها إلي الأفضل من خلال استخدام الحاسب في التعليم بداخلها. فبوجود الحواسيب في المدارس قد تتحسن فعالية التدريس وتتطور الإجراءات الإدارية والتنظيمية وتخرج عن الروتين المألوف. وينص هذا المبرر على أن استخدام الحاسوب في التعليم يفيد في تغيير أسلوب تعلم الطلبة، حيث ينقلهم من مجرد الاستذكار والحفظ للمعلومات بالاعتماد على المعلم والكتاب المدرسي في التعلم بالدرجة الأولى، إلى أسلوب آخر يعطي الطالب فيه الفرصة لمعالجة المعلومات وحل المشكلات والوصول إلي الحل بنفسه تحت إرشاد وإشراف المعلم. علاوة على أن الحواسيب قد تشجع الطلبـة علـى الـتعلم مـن خـلال المشاركة والتعـاون Cooperative Learning وليس من خلال المنافسة والفردية. (علماً بأن بعـض البرمجيات تتيح للطالب أن يتحكم بالحاسوب وليس العكس. كمـا قـال بيبرت S.Papert دع الطالب يتحكم (يبرمج) بالحاسوب ولا تدع الحاسوب يتحكم (ببرمجة) الطالب (let the child program the computer not the computer program the child).

ما ينبغي قوله هنا أنه من الخطأ أن تعتمد وزارة التربية والتعليم في بلد ما على مبرر واحد من هذه المبررات الأربعة دون المبررات الأخرى. إذ غالبا ما يتم اعتماد اثنين أو ثلاثة من هذه المبررات في نفس الوقت لتبرير إدخال الحواسيب إلى المدارس.

مبررات ثانوية أخري لاستخدام الحاسوب في التعليم

وبطبيعة الحال، ليست هذه المبررات الوحيدة لاستخدام الحاسوب في التعليم داخل المدارس. فهناك على الأقل ثلاثة مبررات أخرى أقل شيوعاً مـن المبررات الأربعة (الاجتماعي والمهني والبيداغوجي والحاث على التغيير) الأنفة الذكر وهي:

  1. مبرر صناعة تكنولوجيا المعلومات Technology Information Rationale ويتمثل هذا المبرر باختصار في رغبة بعض الدول في بناء أو إنشاء صناعة في مجال تكنولوجيا المعلومات من خلال تصنيع أو تجميع حاجات الحاسوب المادية Hardware ويتمثل كذلك في إعداد قوى بشرية عاملة في مجال البرامج التعليمية Software وتطويرها.
  2. مبرر فعالية التكاليف Cost- effectiveness Rationale ينص هذا المبرر على ان استخدام الحاسوب في بعض المواقف قد يكون أقل كلفة من تعيين مدرس أو قد يحل محله (ولكن لا يوجد تأييد واسع لهذا المبرر).
  3. مبرر الحاجات الخاصة Special Needs Rationale يؤكد هذا المبرر على أن استخدام الطلبة ذوي الحاجات أو الإعاقات الخاصة (سواء أكانت إعاقات بسيطة أو صعبة أو إعاقات فسيولوجية) للحاسوب يفيد في تعلمهم، حيث يجمع الكثير مـن التربويين أن استخدام الحاسوب في هذه الحالات يزيـد مـن دافعيـة بطيئـي الـتعلم ويعوض عن إعاقاتهم (رغم كثرة تكاليف هذا الاستخدام للحاسوب).

النظريات الذي تستند إليها استراتيجيات استخدام الحاسوب في التعليم:

تنقسم النظريات التي تركز علي استخدام الحاسوب في التعليم إلي ثلاثة نظريات هما السلوكية، والمعرفية، والتكاملية. وفيما يلي شيء من التفصيل لكل نظرية:

1

أولاً: النظرية السلوكية

وتستند هذه الاستراتيجيات على نظـريـة عـلـم نـفـس الـسـلوك (Psychology Behavioral) وتؤكد على أهمية البيئة المرتبطة بعملية السلوك ويمكن تلخيصها بما يأتي:

من أجل تعلم أي شيء، فإنه من الأهمية بمكان، أن تجعل سلوك الطالب يتغير عـن طريق تغيير الأحداث في البيئة (Environment) .والأحداث المتضمنة في البرنامج التعليمي (courseware) هي: عرض المواد مع توجيهات حول كيفية الاستجابة (Respond)، والأحداث المعززة التي تطلع الطالب على صحة الإجابة، وأخيراً الاستعداد للعرض القادم للمادة.

نتائج التعليم الجديد نتيجة تكرار الإجابة بسبب الأحداث التعليمية في البيئة يجب أن يكون لها دور لتؤديه من أجل حدوث التعليم.

التعليم يتقدم من المستوى الأدنى، الذي عادة ما يكون بطيئاً، إلى مستوى الطلاقة التي تكون أسرع وأدق.

المعززات الإيجابية (Positive Reinforcers) تشجع الإجابة المستمرة. وهنـاك نوعـان مـن المعـززات الإيجابيـة: مستنبطة (رسائل شـفـوية بالضبط) وطبيعيـة (Natural) مثل إظهار نتائج الطلاب بالعمل الكامل.

رسالة الخطأ الضعيفة (Poor Error Message) قد تكون مدمرة لنفسية المتعلم والعكس صحيح. أما رسالة الخطأ الجيدة فقد تقوي معنويات المتعلم.

رسالة محبطة (مدمرة)لا، هذا خطأ: هذا الخطأ الثاني لـك لنفس المسألة
رسالة ضعيفةغير صحيح،
رسالة جيدةإجابة غير موفقة، الرجاء المحاولة مرة أخرى
حاول مرة أخرى، أو اطلب مساعدة  
2

ثانيا: النظرية المعرفية

حيث الاهتمام بما يفكر به المتعلم فهي تحاول استكشاف العمليات العقلية الداخلية كالذاكرة وزيادة عمليات المعرفة العميقة. فهي تعطي اهتماماً خاصاً للمعرفة، وكيف يمكـن اكتسابها والاحتفاظ بها. وكذلك كيف يتم فقدانها أو نسيانها، وتمتاز الاستراتيجيات المستندة إلى هذه النظرية بالخصائص الآتية:

إنها تزيد من فاعلية الذاكرة (Memory) عنـدمـا يكـون الطالب منتبهـاً حيـث إن شرح فوائد الدرس للطلبة ستساعدهم في زيادة درجة الانتباه.

استهلاك النص بالأسئلة عـن الموضـوع التـالي، أو تقدم معلومات تحفز حـب الاستطلاع عند الطالب.

تربط المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمـة عـن طـريـق استخدام الترتيـب الـزمني وذلك من أجل زيادة فاعلية الذاكرة.

لا تدخل الضجر (Boredom) إلى قلوب الطلاب. حيث إن المعلومات تتدفق بسرعة، لأن الضجر ينشأ عن طريق كثرة استخدام عبارات أو كلمات معلومة لدى الطالب. فالأسماء العامة مثل كلمة سيارة تزيد الضجر، أما كلمة مرسيدس، تكـون كلمة بديلة أفضل. واستخدام الحاسوب ذا السرعة العالية؛ لأن الحاسوب البطيء يزيد من ضجر الطلاب.

3

ثالثاً: الإطار التكاملي: أي الجمع بين السلوكية والمعرفية

الاعتماد على طريقة واحدة عند تصميم عملية التدريس باستخدام الحاسوب قد لا يقدم الفائدة الكبيرة. أما إذا استخدمنا المنظورين معاً، فإن الفائـدة ستكون أكبر وأشمـل والجدول التالي يوضح لنا بعض مزايا كلا المنظورين:

المنظور المعرفيالمنظور السلوكي
تركز على نشاط العقلتركز على الأحداث البيئية
الأحـداث التعليميـة يجب أن تزيد قوة الذاكرة وتثير العمليات المعرفيةالأحداث التعليميـة يجب ان تقدم معلومات وتطلب الإجابات وتقدم نتائج ذات معنى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى