الطفولة المتوسطة (سن المدرسة)

العدوانية والانطواء – سلوكيات طبيعية لأطفالنا يجب الانتباه إليها!

قد يلجأ الطفل الى العدوانية أو الانطواء، ويبدو قلقاً مضطرباً غير أننا كآباء قد لا نعطي أهمية لهذه الظاهرة. وأحياناً نرجعها الى انها نوع من الدلال أو محاولة لجذب الاهتمام. وقد نكون مدركين أن هناك تحولاً خطيراً في حياة الصغير. لكننا لا نجرؤ على الاعتراف بذلك حتى لأنفسنا، لأنه في هذه الحالة سيكون علينا التعرف على الأسباب. وهو ما يتطلب منا صبراً كبيراً لمعرفة العوامل النفسية التي تتظافر بداخله، لذلك نلجأ إلى تجاهلها.

والحقيقة أن إهمال هذه العلاقات يؤدي الى نتائج خطيرة. لذلك يؤكد علماء النفس أن سرعة مواجهة الانطواء والعدوانية في الطفل. وعلاجها مبكراً، أسرع طريق للسيطرة عليها، قبل أن تتحول الى حالة اكتئاب مستديمة يصعب علاجها.

حول هذه الظاهرة كانت الدراسة التي قام بها د. هيم حينوت استاذ علم نفس الأطفال بجامعة نيويورك الأميركية، والتي أعدها في كتابه الشهير (بين الآباء والأبناء). وتؤكد فصول الكتاب على أهمية العلاج النفسي لمن يحتاجه سواء من الآباء أو الأبناء. ويسرد لنا قائمة من الأعراض التي قد تبدو طبيعية لكثير منا، ولكنها في الحقيقة تحتاج الى علاج نفسي.

أعراض يجب الانتباه إليها في شخصية أطفالنا

هناك بعض الأفعال للطفل كالانطواء والعدوانية التي يجب علي الأهل الانتباه إليها وملاحظتها في البداية لمحاولة علاجها قبل أن يزداد الأمر تفاقما ويصبح من الصعب التخلص منها، ومن بين تلك الأعراض ما يلي:

الأطفال الذين يشعرون بالبغض والغيرة تجاه إخوتهم

هؤلاء هم الأطفال الذين يحملون مشاعر وأحاسيس غير طبيعية تجاه اخوتهم. حيث تتسبب هذه المشاعر في خلل شخصياتهم، وتغيير مسار حياتهم. فهم يسيئون معاملة اخوتهم دون سبب، أسلوب حياتهم هو المنافسة. لذلك فهم يريدون التفوق في كل شيء على حساب أي شيء. وهم أطفال غير قادرين على المشاركة في أي نوع من أنواع الحب والمودة مع الكبار. لذلك فهم في حاجة الى علاج سريع للقضاء على هذه الغيرة التي إن أهملت قد تؤدي إلى اضطراب في سلوكهم مدى الحياة.

الأطفال ذوي العدوانية الشديدة

الطفل الشديد العدوانية يحتاج الى مساعدة متخصصة. ولكن معنى العدوانية مفهوم ومحسوب ومقدر، غير أنه يجب التعرف على الأسباب التي تؤدي الى هذه الحالة. وقد تكون العدوانية لدى البعض غير واضحة ولكنها تظهر في شكل تدمير الأشياء مثلاً، وتكون كامنة داخل عقل الطفل، لكنها تظهر في شكل الميل الى الانتقام أو العنف. هؤلاء الأطفال يفتقدون القدرة على العطف، ويظهرون عدم المبالاة تجاه مصالح الآخرين. كما أن النقد والتوجيه لا يؤثرا فيهم لأنهم لا يهتمون برأي الغير.

كما أن هناك نوعاً آخر من الأطفال الذين يمارسون العنف في البيت أو المدرسة. وغالباً ما يكون رد فعل الآخرين تجاههم يتسم بسوء المعاملة وعدم المحبة. هؤلاء الأطفال يفقدون الثقة بالكبار، ويشكون دائماً في نواياهم الطيبة. لذلك فإن تكوين علاقة ودية مع هذه النوعية من الأطفال تكون صعبة غير عملية.

إن هذه الفئة من الأطفال تستفيد كثيراً من الأطفال عندما يحاول الطبيب المختص أن يكسب ثقتهم، ويكون معهم علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.

أيضاً يجب أن لا ننسى أن الأطفال الطبيعيين يمارسون أسلوب العدوانية في بعض الأحيان، ويكون ذلك نتيجة الفضول والكبت والطاقة الزائدة.

داء السرقة عند الأطفال

الأطفال ذوو التاريخ الطويل مع السرقة يحتاجون الى علاج ومساعدة سريعة، فالسرقة المتعمدة. والمتكررة من الأعراض الخطيرة التي تعكس حب الطفل الشديد للسيطرة والتسلط والامتلاك. هؤلاء الأطفال يظهرون عدم المبالاة لممتلكات الغير. فهم يسرقون من البيت والمدرسة ومن المجال أيضاً ومن الجيران، والأصدقاء، وعلاج هذه الحالة طويل وشاق.

والأطفال الذين يقتصر مجال سرقتهم على المنزل فقط لا ينتمون إلى النوعية السابقة. فالسرقة من محفظة الأم تدل على شعور الطفل بالحرمان من عطف وحنان الأبوين، أو قد تكون نوعاً من الانتقام من معاملة غير منصفة أو عادلة. هناك أطفال طبيعيون أيضاً يسرقون خارج المنزل كأن يأخذوا برتقالة من عند البائع أو قطعة حلوى، أو يفشلوا في إرجاع شيء استعاروه من أحد الأصدقاء. وقد تتكرر هذه السرقات البسيطة، لكن هذا النوع من السلوك يكون مؤقتاً. ويمكن التغلب عليه عندما يكبر الطفل ويدرك معنى ملكية الآخرين.

الأطفال الذين تعرضوا لبعض الكوارث

قد يتعرض الطفل لكارثة مثل: حريق أو حادث سيارة أو وفاة شخص قريب.. الخ. والطفل في هذه الحالة يضطرب بشكل خطير، حتى في حالة كتمان هذا الخوف والاضطراب في نفسه. فإنه يكون في حاجة إلى علاج متخصص للتخلص من المخاوف والمشاعر المكبوتة، حتى لا تختزن وتظهر في صور أخرى غير مفهومة مستقبلاً.

الأطفال غير الناضجين

هؤلاء هم الأطفال الذين يتصرفون دون نضج، آراؤهم غير مستقرة، واحتياجاتهم غير مفهومة، ويرجع ذلك إلى التدليل الزائد من والديهما، مما أدى إلى إبعادهم عن الواقع الموجود خارج المحيط الأسري، لذلك فهم لا يقدرون مشاعر واحتياجات الآخرين، مطالبهم يجب أن تجاب، لا يعتمدون على أنفسهم حتى في اختيار ملابسهم، هدفهم جذب الانتباه بشتى الطرق. فالطفل المنطوي: يشعر بالغربة في كل مكان، لا يحاول الاختلاط بالآخرين، لا يهتم بتكوين صداقات ولا يبالي ببعد الأصدقاء عنه، لا تظهر الابتسامة على وجهه إلا نادراً يبدو حزيناً دائماً. لا يبالي بالعالم من حوله، يجلس ساعات في مكان واحد دون أن يمل.

محطات يجب الانتباه فيها علي أطفالنا ومراعاة سلوكهم

وقد خصص الكتاب جزء من الدراسة عن الأباء الذين يحتاجون للعلاج النفسي:

حيث قد يتأثر الطفل أيضا بسلوك بعض الأباء أو الأمهات أو ما ينشئ بينهم من مشاكل قد تؤدي إلي الطلاق. ولهذا يجب الانتباه إلي بعض المواقف والسلوكيات التي قد تؤثر علي النمو السليم والصحي لأطفالنا، ومن أمثلتها:

الآباء القلقون بدرجة كبيرة على أطفالهم

هؤلاء الآباء يشعرون بالقلق والتوتر والخوف منذ اللحظة الأولى من ولادة الطفل، ويحيطونه بالرعاية الزائدة، هؤلاء الأبناء يلغون شخصية الطفل، لأنهم يفعلون له كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كان قادراً على هذا العمل بنفسه. وبالتالي فالنتائج تكون غير مرضية، إذ أن الطفل يكبر دون أن ينضج، ويبقى الطفل معتمداً على أمه طوال حياته. فهو لا يعرف أن يعبر عن مشاعره وأمانيه، ويفتقد بعض المهارات البدائية كما أنه يوجد صعوبة كبيرة في التفكير واتخاذ القرارات، لأن والدته هي التي تقرر له كل شيء..

الآباء الذين يطلق عليهم الآباء الأطفال

كثيراً من الآباء والأمهات يفشلون، أو يجدون صعوبة في تكوين علاقة ثابتة ودائمة مع أطفالهم بالرغم من أنهم قد يمرحون ويضحكون معهم كثيراً، ولكنهم قد لا يستطيعون تحمل أعباء الأبوة والأمومة لفترة طويلة. هم أنفسهم في حاجة لمن يرعاهم. وهنا يسيطر القلق والانطواء والاضطراب على الطفل والآباء..

تأثير الطلاق على تصرفات الآباء تجاه الأطفال

الطلاق يؤدي الى هزة عنيفة في حياة الكبار والصغار على حد سواء، فالطلاق بالنسبة للكبار يعني نهاية الأحلام وأماني كثيرة، وبالنسبة للصغار يعني نهاية العالم، وسط هذه الصراعات الصعبة، لذلك يجب على الآباء اختيار أقل الأساليب تحطيماً لنفسية الصغار، وأسوأ الأمور أن يستغل الكبار الأطفال كسلاح للانتقام من الشريك الآخر، مما يؤثر مستقبلاً على نفسية الطفل.

لذلك فإن دور الطبيب النفسي يكون ضرورياً حيث أنه يساعد الآباء على التحكم في مشاعرهم تجاه هذه المشكلة لصالح الأبناء وهذا يستلزم جهداً وحكمة وإرشاداً.

المصدر
د. محمد رفعت ومجموعة مؤلفين، تربية الطفل صحيا ونفسيا من الولادة حتى العاشرة، دار البحار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى