لماذا يتعلم الطفل الكذب ونصائح لعلاج سلوك الكذب
عندما تجتمع الأمهات يكون أغلب حديثهن عن أطفالهن. وعن المعاناة التي يواجهنها في تربية الأبناء ولعل أبرزها الكذب عند الطفل الصغير. وربما تصاب بالدهشة عندما تسمع أم تتحدث عن الأساليب التي يختلقها الطفل ويصنعها، إلى درجة أن الأم باتت تصف هذا الوضع بأنه مرضى وأن طفلها بدأ يعيش في عالم صنعه هو بنفسه صفته الأساسية أنه لا يمت إلى الواقع بصلة. هذا الوضع دفع الأم لأن تستفتي كثيرين من المقربين وتبحث عن الحلول التي تخلص هذا الطفل من هذا المرض.
جدول المحتويات
تروي إحدى الأمهات قصة ولدها طارق البالغ من العمر خمس سنوات، حيث يصعب على الأسرة تصديق كلمة واحدة مما يرويه. ففي الأمس أخبر أباه بأنه رأى رجلا غريباً يركب السيارة ويسوقها بعيداً عن البيت، وخرج الأب مسرعاً ليجد السيارة في مكانها. وعندما سأله الأب عن سبب ذلك فقال فكرت أن أحداً قد أخذ السيارة. وقبل ذلك بساعات أخبر أمه بأن أخاه ضربه وهرب، بينما كان الأخ قد خرج قبل ذلك بساعة مع أبيه. وهناك كثير من القصص التي وقعت مع هذه الأسرة منها ما هو محزن ومنها ما هو مضحك وفي كل يوم للأسرة العديد من القصص والمواقف التي تسبب الإحراج.
تعريف الكذب
هو رواية أو وصف أحداث بشكل بالغ فيه أو رواية ووصف أحداث غير موجودة أصلاً، ويتأكد المحيطون بالطفل بشكل قاطع عدم صحة ما يرويه الطفل.
لماذا يكذب الطفل
إن خلق الأعذار لسلوك الكذب عند الطفل يؤدي إلى ازدياد حدوث هذا السلوك، فالمشكلة الأولى التي نقع فيها جميعاً هي أننا أوجدنا ما نسميه الكذبة البيضاء والسوداء. وحددنا تعريفا لكل نوع، إلا أن الكذب هو كذب سواء كان الهدف منه شريفاً أم غير شريف، و سواء كان على قريب أم بعيد. وكأننا بهذا التعليل أعطينا الطفل إذناً بالكذب بشرط أن تكون كذبته بيضاء تخدم الصالح العام وهذه بداية الطريق.
وقد يتعلم الطفل الكذب بطريق المصادفة، فالطفل يدرك تماماً بأن أهله يعلمون بأنه يكذب وعلى الرغم من ذلك لم يقل له أحد بأن هذا كذب وعليه أن يتوقف عن ذلك، بل على العكس يقابل هذا العمل بإطلاق الضحكات من الأم و الأب. بل وربما تكرر الأم سرد القصة الكاذبة أمام الآخرين وعلى مسمع من الطفل ويضحك الآخرون على ذلك الموقف. وهكذا يجد الطفل بالصدفة أن كذبه لاقى إعجاب الأسرة بل أصبح ذلك أمراً مسلياً لهم ولأصدقائهم فيقوم بتكراره كلما أحتاج إلى ذلك.
وأحياناً يقوم الطفل بالكذب من أجل أن يحظى بحب الشلة التي يلعب معها، أو لأنه يخاف لو قال الحقيقة أمام الأطفال بأن يقابل بالرفض منهم، فتجده يلجأ للكذب. أو قد يجد بأن الكذب يساعده على جلب انتباه من حوله وتعلقهم به، فيعمد إلى الكذب كوسيلة يتقرب بها إليهم.
وقد يعاقب الطفل من والديه أو مدرسيه عندما يروي الحقيقة. فهكذا نجد أن قول الحقيقة يقابل بالعقاب، وأن الكذب كثيراً ما ينجيه من العقاب. وهذا ما يحدث عندما يقول الطفل الحقيقة أمام والديه أو أمام مدرسيه أو أمام أصحابه.
إن التعلم يتم بصور كثيرة منها التقليد، وعندما نقوم بالتقليد فلابد وأن يكون هناك نموذج أو قدوة نحذو حذوها. وغالباً ما يكون القدوة شخصاً نحبه أو نعجب بشخصيته أو ذكائه أو قوته، أو أي صفة مميزة فيه. وكثيراً ما يقوم الطفل بتقليد والديه أو أخوته الذين هم أكبر منه، ولاسيما في بداية وعيه وإدراكه للمفاهيم. ثم يتسع عدد هؤلاء عندما يكبر قليلاً ليقلد المدرسين وأبطال التلفزيون.
ولنبدأ بالأسرة، فالأب الذي يطلب من ابنه أن يخبر الناس أنه غير موجود عندما يسألون عنه سواء بطرق باب بالهاتف، ويعتذر الأب لولده الذي يستغرب الأمر بأن للضرورة أحكاماً، وأن سبب ادعائه أو بالأحرى كذبه هو أنه مجهد، أو ليست لديه رغبة في مقابلة أو الحديث مع الناس وكأن الكذب حلال وغير محرم في مثل هذه الحالات. أو عندما يسمع الطفل والديه يذكران أحاديث غير صحيحة أمام الآخرين ويعرف الطفل عدم صحتها، أو عندما يكذب الوالدان وأيضاً على مسمع من الطفل وذلك حتى يتجنبوا العقاب أو المساءلة أو الملامة. وكذلك عندما يعد الآباء الأبناء بأنهم سيحضرون لهم شيئاً معيناً أو سيأخذونهم إلى مكان ما ولا يقومون بالوفاء بوعدهم. وهذا في نظر الأبناء يسمى كذب وكثيراً ما يحرج الأبناء آباءهم، عندما يلومونهم ويتهمونهم بالكذب لعدم الوفاء بوعودهم.
وأحيانا يطلب الوالدان من الطفل أن يقوم بالكذب أمام المدرسين أو المسؤولين وحتى يتجنب العقاب أو حتى يحصل على مؤازرتهم وحبهم. وقد يكون لأبطال الأفلام الذين يحبهم الطفل دور كبير في تعليمه أسلوب الكذب والخداع، وحيث أن هؤلاء الأبطال هم النموذج الذي يقوم الطفل بتقليده، كأبطال التلفزيون الذين يكذبون في الأفلام وذلك حتى يهربوا أو يتجنبوا الوقوع تحت العقاب.
إقرأ أيضا:
- اهمال الأطفال في التربية أسباب وأثار وحلول
- أهمية الصحة النفسية للمراهقين وكيف تحافظ عليها
- دور المعلم في علاج صعوبات التعلم في القراءة والكتابة
أضرار الكذب على الطفل
- يلجأ الطفل إلى تعميم هذا السلوك ليشمل أماكن كالمدرسة، والحارة.
- يقع الطفل في كثير من المآزق والمشاكل نتيجة الكذب.
- يعمد الرفاق إلى هجره والتخلي عنه.
- تجعل الطفل يعيش في عالم غير واقعي.
- يؤدي الكذب إلى العقاب، وقد تكون نتيجة العقاب سيئة بالنسبة للطفل
أضرار الكذب على الأسرة
- يسبب الكثير من الإحراجات للأسرة، ولا سيما مع من يحيطون بالطفل فقد يصدق بعضهم ما يرويه الطفل عن أسرته.
- .قد يدفع الوالدان إلى الانفعال وبالتالي إلى ضرب الطفل
- وفي بعض الأحيان يلجأ الأطفال الآخرون في الأسرة إلى تقليد الطفل الكذاب.
- ويسبب أحياناً سلوك الكذب عند الطفل إلى إهمال الأسرة المتعمد لهذا الطفل.
علاج الكذب عند الطفل الصغير
أولاً : إن سلوك الكذب شأنه شأن أي سلوك غير مقبول، يجب أن يقابل بالرفض والعقاب، وأن يوضح للطفل لماذا يرفض مثل هذا السلوك. ولكن قبل أن نطبق سياسة العقاب علينا أن نتأمل أنفسنا نحن الآباء. ونراقب أبناءنا ونعرف الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا السلوك فربما يكفينا التعامل مع الأسباب لإنهاء هذه المشكلة.
ثانياً : على الوالدين إثابة وتعزيز السلوك المقبول وعدم انتظار الطفل حتى يخطئ لكي يعاقبانه.
ثالثاً : علينا أن نعلم الأطفال معنى السلوك المقبول وغير المقبول، وأن نعرف لهم السلوك المرفوض والسلوك المحمود والمقبول. وعندما يخطئ الأطفال يجب أن نوضح لهم أن سلوكهم خطأ ونحدد لهم كيف يكون السلوك صحيحا.
رابعاً : علينا أن نوضح للأطفال بأن ذكر الحقيقة أمر محبب. وأن ذكر الحقيقة يساعد الإنسان على أن يكون محبوباً، ومحترماً أمام الناس وعلينا دائما أن نشكر الطفل لأنه يقول الحقيقة.
خامساً: علي الأسرة (الأب، والأم) أو أي نموذج آخر يسعي الطفل لتقليده. وأن يعرف بأن ما يكتسبه الطفل من قيم، وعادات صحيحة إنما يكتسبها ممن يرى فيهم القدوة التي يحبها. لذلك ينبغي تعليمهم القيم الجميلة والحميدة. وألا تعاقبوهم على شيء قام الوالدان بتعليمه لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فإذا أردنا لأطفالنا أن يتصرفوا بطريقة صحيحة. فعلينا أن نكون خير قدوة لهم نعلمهم، ونوضح لهم، ونرشدهم.
سادساً: أن نتعلم نحن الآباء كيف نفي بالوعود التي نقطعها لأطفالنا ونكون صادقين معهم. وتصبح هذه الوعود أكثر فاعلية في المستقبل عندما نحققها ونستوفيها. ويصدقها الأبناء عندما نقطعها على أنفسنا في الظروف المتشابهة، وهكذا نبدأ في بناء مسيرة الثقة والصدق بين الآباء والأبناء.
أبو حميدان، يوسف عبدالوهاب. (2001). العلاج السلوكي لمشاكل الأسرة والمجتمع. العين، دار الكتاب الجامعي.