الطفولة المبكرة (مرحلة اللعب)

تأثير غياب الأب على نفسية الطفل وأهمية الوجود النفسي للأب

غياب الوجود النفسي الأب له تأثير كبير علي نفسية الطفل. كان من الضرورى – فى مرحلة الطفولة – أن يمنح الطفل الإحساس بذلك الرباط الوثيق الذى يربط بينه وبين أمه. والأم بدورها لاتدخر وسعا فى أن تشعره بذلك كلما لبت له إشباع حاجاته البيولوجية من طعام وشراب ونظافة. أو تلبية حاجاته السيكولوجية، من حب وحنان وأمن وانتماء إلى آخره. على أنه كلما تقدم به العمر، يجب أن نعلم الطفل كيف يمنح حبه للآخرين. كما يمنحه لأمه المنوطة بإشباع حاجاته الضرورية. ولعل الأب هو أول من يدخل تلك الدائرة السحرية التى تربط الطفل بأمه، ليكون العضو الثالث فيها.

وقد كان فى السابق ينظر إلى الأب باعتباره العضو الذى يقوم بإنزال العقاب على الأطفال كلما أخطأوا، أو حادوا عن الطريق القويم المرسوم لهم. ولكن مع تقدم الأساليب التربوية الحديثة، والاهتمام بتطبيق نظريات علم النفس الأكثر تطورا وإلماماً بحاجات الأطفال وقواعد تنشئتهم ورعايتهم. نستطيع القول بأن وجود الأب فى حياة الطفل قد أخذ اهتماما أكبر وأعمق من كونه يقوم بعمليات العقاب. أو من كونه المتولى شؤون الإنفاق على الأسرة وبالأخص على أطفاله.

  1. مظاهر سلبية – العداء للوالد

يقرر عالم النفس الشهير افيليس هوسلر» بأنه قد قد يحدث بعض التأثير على نفسية الطفل نتيجة غياب الأب وتتمثل في المظاهر السلبية أوالعدائية تجاه أبيه. فالوليد الذى مازال يحمل على ذراعى أمه قد يبدى عجزاً ملحوظاً فى تقدير والده. وحينما يصل الطفل إلى مرحلة أعلى فى النمو قد يظهر عداءه لوالده. وحينما يصل الطفل إلى مرحلة أعلى فى النمو فقد يظهر عداءه لوالده باللفظ. حينما يقول له : «ابتعدا»، وقد يطلب من أمه أن تحمله، عندما يشعر بأن أباه يقترب من أمه!! حتي، أنه – في بعض الأحيان – يصر أن ينام فى فراشها.

وقد تتدخل الأم فى محاولة منها لمنع هذه العداوة المتزايدة، حينما تحاول إفهام الطفل بقولها : «لا يصح ذلك.. يجب أن تحب أبيك». أو تستطرد – وهى تحاول استرضاءه – بقولها : «هو الذى أحضر لك الحلوى التى تحبها !!و عموما.. فإن هذه المحاولات وغيرها قد تبؤ بالفشل، ولايكتب لها النجاح فى أغلب الأحيان. فلا قيمة لحب الأب وعطفه ورعايته للطفل مادام الأب قد يتسبب بشكل أو بآخر فى بعد أمه عنه.

السبب

إذا دققنا البحث عن العوامل المؤثرة وراء هذه المظاهر السلبية تجاه الأب نجد أن الأم قد تتحمل بعض التبعات. فعندما تتحدث الأم إلي طفلها قائلة : «كن هادئ وإلا والدك سيغضب عليك». أو حتى تهدده بقوله : «سوف أخبر أبيك بكل أفعالك حتي يعاقبك». كل هذه الجمل والعبارات تدخل في عقل الطفل الباطن أراء سلبية عن والده بوصفه شخص غاضب، غير مستقر، عصبى المزاج، يقوم بالعقاب البدني. وعلى هذا فقد يعامل الطفل والده بلطف، ولكن بداخله يشعر بفقد الثقة تجاه الأب!!

ونستطيع القول فى هذا الصدد بأن الفكرة التى يكونها الطفل عن والده ليس تصحيحها بالشئ السهل. لأن الوالد ليس معه غالبا – كما الأم – لكى يحدث عن نفسه، شارحا مميزاته وحسناته، عندها تكون الخسارة كبيرة بلا شك. فقد يحرم الطفل من التمتع ببهجة الأب وثقته فيما بعد، وخاصة إذا كان الطفل ذكراً. لأن تنمية صفات الرجولة فيه، تعتمد إلى حد كبير على انطباعاته الأولى، حيث يشكل نفسه على غرار والده بطريقة لاواعية.

العلاج

هناك مظاهر أخرى أصدق تصويرا للأبوة. فعندما يشارك الأب فى تربية طفله ويستمع إلي أفكاره وآراءه فى الأشياء الجديدة التى يشتريها للطفل، وعندما يساعد الطفل أمه فى إعداد القهوة لوالده، أو عندما تطلب منه الأم أن يقوم بإصلاح بعض الأشياء التالفة فى المنزل بمشاركة الطفل نفسه، فإن مداومة هذا السلوك فى مثل هذه الاتجاهات أو المسارات من شأنها أن تخفف من قلق الطفل نحو والده، وتجعله قريباً منه، متحمسا للبحث عنه أينما ذهب. إذاً لابد أن نسلم بمكانة الأب فى حياة الطفل، وبكافة حقوقه على هذا النحو، حتى نضمن نمو الطفل ننموا عاطفيا ونفسيا على نحو صحى وسوى.

إقرأ أيضا:

  1. الأب.. المثل الأعلى

وجود الأب بين أطفاله فى البيت شئ جوهرى، إذا كنا نبغي تربية سوية لأطفالنا، لأنه من خلال هذا التواجد يتعرف الصغار على صفاته ومميزاته وثقافاته وخبراته، لأن الأطفال بطبيعة الحال يأخذون عن والدهم الشئ الكثير الذى يعينهم فى مستقبل حياتهم على مواجهة الحياة بثبات وقوة وعزيمة.

وحينما يهم الأب بإبراز صفاته الإيجابية داخل المنزل، فإنه لايفرضها على أطفاله فرضا، لكنه يحاول إقناعهم بها، بل والعمل على خلق مناخ أسرى صحى وملائم، لأن هذا المناخ المثالى الذى يحاول الأب أن يهيئه لجميع أفراد أسرته يكون فى حقيقة الأمر خلقياً بتنشئة الأطفال تنشئة سوية وقوية.

والأبناء بالقطع ينظرون إلى والدهم على أنه المثل الأعلى والقدوة الصالحة، بل ويأخذ بعض الصغار كلام الأب على أنه كلاما مصدقا لا يقبل النقاش، وينفذونه كما لو كان قانونا.

والأبناء يكونون أيضا صورة مثالية عن الأب تفتح لهم آفاقا واسعة من الخيال يدعم شعورهم بالطمأنينة والثقة بالنفس. والأب الذى له وجود واضح وسليم فى الأسرة، يمكنه أن يجنب أطفاله كثيرا من معوقات النمو، لاسيما وهم يحترمون آراءه حد التقديس، لأنه كما قلنا : الأب هو المثل الأعلى والقدوة الصالحة.

أما عن غياب الأب عن الأسرة، فإن الأبناء فى هذه الحالة يكونون صورة خيالية وغير سليمة عنه، تلك الصورة التى لا تتوافق بطبيعة الحال مع واقع خبرات الحياة الفعلية، فإذا كبروا اصطدموا بما يواجهونه فعليا من نقائصه أو عيوبه مقارنه مع ما تمثلوه فى خيالهم بكماله وخلوه من العثرات أو السلبيات، فيؤدى هذا الاصطدام بين الخيال والواقع ربما إلى حالات من اليأس قد تصيب الأبناء، بعدها يقعون فريسة إما للاستسلام والخنوع أو إلى التمرد والعصيان. إن وجود الأب الحقيقى فى الأسرة هو الدعامة الأساسية لسوية الأطفال بلا شك، هذا التواجد الحيوى والفاعل.

  1. الأب.. ممثل السلطة

غياب ممثل السلطة يحدث تأثير كبير علي نفسية الطفل نتيجة غياب الأب. نستطيع القول بأن معاملة الأب لأطفاله معاملة يسودها الحب والعطف والحنان هى معاملة سوية لا غبار عليها. ولكن هناك بعض المواقف التى تستدعى من الأب أن يقف منها موقفاً حازماً قوياً. فيمكنه اللجوء إلى كلمة «لا» كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وليكن الأب على استعداد أن يشرح الأسباب وخلفيات المعارضة أو الامتناع أو النهى. يجب أن يعلم الطفل أن الأب جاد فيما يقول. وهذه السلطة يستحسن تدعيمها بالثواب والعقاب.

ويمكننا القول أيضا أن الطفل فى مراحل نموه المختلفة يخشى الأب ويهابه. والطفل على أيه حال يحتاج نفسياً ووجدانياً إلى هذه السلطة حتي يستطيع أن يتبين المواقف التى نحظى بتأييد الأب وتنال ثناءه. والأخرى التى ينهى عنها ويمنعها. كذلك فإن السلطة الأبوية تساعد الطفل على تشرب القيم الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية. وهى السلطة التى تجعله يكف عن انطلاقه وراء نزواته الطفولية، كما تساعده على اكتساب التنظيم الداخلى اللازم لعمليات التكيف الاجتماعى.

وعدم وجود هذه السلطة أو ممارستها زيادة أو نقصاً بطرق خاطئة من أهم العوامل التى تبعد الطفل عن الطمأنينة، وتبذر فى نفسه بذور الفزع والخوف.

ولعلنا نذكر فى هذا الصدد أن غياب الأب عن منزله وأطفاله لفترات زمنية طويلة، قيد يكون أحد الأسباب الرئيسية وراء انحرافات الأطفال السلوكية، أو فشلهم الدراسي، أو الميل إلي هروبهم من البيت، وغيرها من المشكلات الخطيرة.


د. وفيق صفوت مختار، الأسرة وأساليب تربية الطفل، دار العلم والثقافة، 2004

مقالات ذات صلة

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى