العلاقات الزوجية إما تبعث علي الوئام والسلام والهدوء النفسي، هذا إذا كان الحب بين الزوجين هو السائد، أو تبعث علي الخصام والتنافر وكل من شأنه أن ينغص علي العلاقات الزوجية صفوها وهدوءها، إذا كانت البغضاء والكراهية هي السائدة. والخلافات الزوجية لها تأثير سلبي على تربية الأطفال ويصبيهم بالتوتر والهشاشة النفسية.
جدول المحتويات
الخلافات الزوجية.. الاختلاف سنة الحياة
ونؤكد أن من الخطأ فهم صورة الزواج المثالية علي أنها الحياة الخالية من المشكلات، ولكن الحقيقة هي أن المشكلات لابد أن توجد. كما لابد أن توجد – في نفس الوقت – القدرة علي إيجاد حلول لها عند الزوجين، لأن الحياة الزوجية تحتاج إلي مزيد من التفاهم المتبادل، الدائم والمستمر.
كما ينبغي عدم السماح لهذه المشكلات بأن تتضخم وتكبر، وهذا يتطلب خبرة ومعرفة يفتقدها – في الغالب – كثيرون، وربما يكون الزواج المبكر عاملاً سلبياً يسبب النقص في الخبرة، والمرونة، وزيادة التفكير الخيالي, وعدم النضج فيما يتعلق بالطرف الآخر (الزوج أو الزوجة)، بل وفي الحياة نفسها.
إن استمرار الزواج وسط كم من المشكلات يدفع ثمنه الأبناء، ولذلك فإن كل طفل يجئ إلي الحياة يأتي معه حقه في كل الحب والاهتمام، لكن شعور الأبناء الدائم بالتهديد انهيار الأسرة من قبل أبويه يطحن عظامه، ويقلل من ثقته في ذاته، وإذا استمر الزوجان وسط هذا الجو المشحون بالخلافات، فيجب أن تكون لديهما القدرة الكافية علي التحمل دون أن نحمل الأبناء ذنب التضحية.
ونحاول الآن استعراض تأثير الخلافات الزوجية على الأطفال والتي نحاول بلورتها في التالي:
التشاجر.. حدثاً مزعجاً
فى دراسة مثيرة طلب الباحث «ياما موتو» ورفاقه إلى مجموعات من الأطفال – تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشرة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وكندا والفلبين واليابان واستراليا – تقدير ردود أفعالهم لعشرين حدثاً حياتياً. وتبين من هذه الدراسة أن الحدث الأكثر صعوبة – من وجهة نظر الأطفال – هو فقدان أحد الوالدين. كذلك اتفق الأطفال – ومن جميع الخلفيات الثقافية – على أن التشاجر بين الوالدين يشكل حدثاً مزعجاً جدا بالنسبة لهم.
أجنحة صغيرة تتكسر
هناك حالة لطفلة تم عرضها لاختصاصى العلاج النفسى الدكتور علاء غنام: عندما رآها فى حجرة الكشف، وهى تقفز منشرحة أحس بأنها حمامة صغيرة تكاد تطير بجناحين صغيرين غير مرئيين، لكنها لسبب ما تبدو وعلى وشك التكسر، ربما لفرط رقتها أو هشاشتها.
طفلة «نحيلة» فى السابعة من عمرها، تفاقمت مشكلاتها مع دخولها المدرسة. فقد أخبرت الإخصائية الاجتماعية – قوية الملاحظة – الأب الذى يبدو هادئاً، أن طفلته لا تكاد تستقر فى مكانها، ولا تظهر تركيزاً. سواء فى اللعب مع أترابها أو فى الدروس، وهى كثيرة الحركة والتنقل مما يزعج زملاءها، وأحياناً تضحك دون داع.
قالت الأم التى أحضرت طفلتها للعيادة : طفلتنا تأخرت فى الكلام ، وكانت ولادتها صعبة ومتعسرة. وكاد أن يقود ذلك إلى تشخيص خاطئ، ولكن بمزيد من البحث والتقصي اعترفت الأم : لقد شهدت -للأسف الخلافات الزوجية المستمرة والشديدة بيني وبين أبوها – وكانت تبكى دائماً بعد كل مشاجرة، ثم أصبحت تتحرك كثيراً، وتأتيها نوبات من العناد غير المفهوم، كما أنها مازالت تتبول ليلاً فى فراشها حتي الأن.
لم تشير الاختبارات النفسية لأي تخلف ما، وكان مستوى ذكائها عادياً. أما الفحوص العضوية فلم تشير لأى عوامل جسدية للسلس البولى الليلى.
وقالت الطفلة عندما سألها الدكتور علاء غنام سؤالاً محايداً عن علاقتها بأبويها. ماما كانت تضربني بعنف لأننى أحب بابا.. قالت ذلك همساً في أذنه وهى تقبله كأنها تعرفه منذ زمن طويل لمجرد أنه ابتسم لها !!
انخفاض مستوى التكيف
وجد الباحثان «جويد » و«بالدى» أن الخلافات بين الأباء ترتبط بتراجع مستوى التكيف لدى الأطفال الذكور خاصة. وأن علاقة الارتباط هذه تصبح أقوى مع تقدم الأبناء في العمر. وقد فسر الباحثان هذه الظاهرة بأن الخلاف بين الأباء قد يدخل الأبناء فى صراع إحجام وإقدام ثنائي يصبح فيه الاقتراب من أحد الأباء مسبب لخطر المواجهة بالرفض من الطرف الآخر.
وقد أكد «بيترسون» و«زيل» أن الابن الذى يحرم من القدرة علي الاختيار بين أبويه هو طفل معرض للاضطراب.
الشعور بالتوتر
وجد أن للخلافات بين الأباء تأثيرات متفاوتة على نمو الأبناء، وأحد الدراسات أكدت أن الأبناء الذين يعيشون مع أباء يتشاجرون، والعلاقة الزوجية بينهم غير سوية، يكونوا أكثر عرضة بالتوتر وأقل قدرة على التعامل مع مشاعرهم.
إقرأ أيضا:
- دور الأب في تربية الأبناء دليل شامل
- دور الأم في تربية الطفل وأهمية العلاقة بينهما
- تأثير غياب الأب على نفسية الطفل وأهمية الوجود النفسي للأب
انطواء وتأخر دراسى
يؤكد الدكتور عز الدين الأشول أن تزايد الخلافات الأسرية يولد لدينا أبناء مضطربين سلوكياً لافتقادهم المثل الأعلى. ففى ظل الخلافات يفتقد الأبناء القدوة مما يؤثر على صحتهم النفسية. وقد يصاب الأبناء بالانطواء الذاتى، والاكتئاب. كما أن هذه الخلافات تؤثر فى المستوى الدراسى والتحصيلى للأبناء، وينتج عن ذلك أبناء متأخرون دراسيا.
تهور وضيق نفسى
الجو الأسرى السلبى يقود الى مشكلات سلوكية لدى الأبناء. فهم يصبحون أكثر تهوراً وعصياناً ، ويشعرون بمستويات عالية من الضيق النفسى. كما تبين من نتائج الدراسات أن الخلافات الزوجية فى مرحلة ما قبل المدرسة تترك تأثيرات طويلة المدى تستمر إلى مرحلة المراهقة. حيث يكون الأبناء أقل قدرة من غيرهم على بناء علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين وأقل قدرة على ممارسة الضبط الذاتى.
افتقاد الأباء للعقلانية
هناك أدلة علمية وافرة تؤكد أن الخلافات الزوجية غالباً ما تقود إلى استخدام الوالدين العقاب البدنى. وعدم استخدام الأساليب العقلانية مما يؤثر سلبا على الأطفال.
وتشير نتائج الدراسات العلمية أيضاً إلى أن اتفاق الأب والأم على أساليب تنشئة الأبناء ينبثق عنه بيت أكثر تجانساً، وأبناء أكثر كفاية من النواحى العقلية والاجتماعنة.
تطرف ورفض وفانتازيا
المناخ العدائى بين الزوجين، أو فقدان الانسجام الأسرى والخلافات الزوجية، له تأثير سلبي علي تربية الأطفال وينشط الجوانب السلبية فى الطفل. فيري الطفل العالم من زاوية عدائية أو على الأقل مريبة. كما يؤثر الجو الانفعالى الذى يعيش فيه على سوية عواطفه التى يعرب عنها بتطرف. إما فى اتجاه الإحجام والكتمان أو فى اتجاه الاندفاع غير المتوقع، وهى عادة ذات محتوى متناقض. ووجود الطفل فى مناخ التربص المعبر عنه بالنقد المتبادل بين الأبوين يعلمه كيف يدين الآخرين بلا سبب واضح. ولايرضى عن شئ يقدم له إذا يكون متأهباً دائما للنقد والرفض. وعندما يفقد طفلك الإحساس بالأمن نتيجة اهتزاز السياج الحامى المتمثل فى وحدة الأبوين، يفقد الثقة فى نفسه ويلجأ للتعويض بأشكال مختلفة. أقلها الغرق فى الفانتازيا (أي الخيال غير المنتج)، ومداها السلوكيات المعادية للمجتمع بألوانها القاتمة المختلفة، وجوهرها الاكتئابى المستتر أو الظاهر.
عدوان ونرجسية وجنوح
لقد ثبت أن الشخصيات العدوانية نشأت فى بيئات متشاحنة لاتجد فيها العطف والحب، ولاضابطاً لسلوكهم. ودائما ما يشعرون بأنهم كانوا غير مرغوب فيهم من بيئتهم الأسرية، وبالتالى لم يعرفوا معنى التضحية والسمو بالأخلاق. مما جعلهم ينحدرون إلى مثل هذا المستوى المتدنى الذى نراه فى سلوكهم من ميول عدوانية، وضعف الضمير، والشعور بالنرجسية (والتي تعنى العشق المفرط للذات، وقد سميت هذه النزعة نسبة إلى شخصية «نرجس» أو «نرسيس» فى الأسطورة الإغريقية القديمة)، كذلك فقدان القردة على التكيف الناجح، واتخاذ المواقف العدوانية، والميل إلى استغلال الآخرين وإلحاق الضرر بهم، لأنهم قد حدث تعطل فى نموهم الانفعالى، وبالتالى الفشل فى إقامة علاقات اجتماعية سوية.
وتؤيد الأبحاث الفكرية القائلة بأن الآباء العدوانيين لهم أبناء عدوانيون، وأن الأطفال الجانحين فى القسوة غالبا ما يأتون من عائلات تميل إلى القسوة.
خاتمة
وبهذا وعلى الضوء نتائج البحوث العلمية المتصلة بالعلاقات الزوجية يتضح أن أساليب العنف المتبادلة بين الزوجين والتى تتخللها المشاجرات والصراعات تقوض صرح الأسرة وتهدد كيانها البنائى، فتصيبها بالتفكك والانفصام.
د. وفيق صفوت مختار، الأسرة وأساليب تربية الطفل، دار العلم والثقافة، 2004