قصة الأرنوب الرمادي

تحكي قصة الأرنوب الرمادي عن أهمية استماع الأطفال الصغار لنصائح الأهل والكبار من خلال مغامرة الأرنوب الرمادي والمشكلة التي وقع فيها بعد رفضه الاستماع لنصائح أمه.

الأرنوبة لبلوبة

الأرنوبة لبلوبة أم لعدة خرانق، ترعاهم وتغذيهم بلبنها، وأثناء خروجها تسد باب الحفرة حتى لا يتفطن إليها أي غريب. فهي تخاف عليهم كثيراً، كشأن كل أم.

صورة الأرنوبة لبلوبة وأبنائها الخرانق من قصة الأرنوب الرمادي

وبعد مرور الأيام كبرت الخرانق، ففتحت عينيها. واكتسى جلدها بفروة ناعمة، فأطلقت عليهم أمهم أسماء حسب لون فرائهم. فذو الفروة السوداء تناديه بالأرنوب الأسود، وذو الفروة الرمادية بالأرنوب الرمادي، والمبرقع، بالأرنوب المبرقع.

ولما صارت الخرانق قادرة على الحركة، قالت لهم: “يا أحبائي لقد غذيتكم من لبني، رعيتكم وحميتكم من الأعداء حتى صرتم أرانب. اليوم أفتح لكم باب الحفرة، لتخرجوا وتبحثوا عن الغذاء بأنفسكم. فستجدون في ساحة المزرعة غذاء متنوعاً وماء عذباً. وسكانها كلهم أصدقاء لنا، تربطنا بهم أواصر العشرة والألفة. ثم أردفت تقول بلهجة الواعظ، تارة تحذر وتارة تهدد: يا أحبائي، حذار من المغامرة! فالمزرعة يحيط بها سياج يحمينا من دخول الأعداء.. طوفوا وتفسحوا في أرجائها، ولكن لا تتعدوا حدودها، ثم عودوا إلي ليطمئن قلبي عليكم يا أحبائي. ومن خالف نصيحتي وتعدى حدود المزرعة فسيصبح فريسة سهلة للعدو ويندم، لكن لا ينفعه الندم”.

هز الصغار رؤوسهم بإشارة نعم. ووعدوا أمهم باحترام نصيحتها، وعدم مخالفة أوامرها.

الأرنب الصغير يحاول قفز السياج من قصة الأرنوب الرمادي

فتحت الأم باب الحفرة وخرجت الأرانب واحداً تلو الآخر، تقفز وتركض إلى العالم الخارجي، بعد أن مكثت أسابيع في السرداب.

انبهرت الأرانب الصغيرة من كل شيء: من سعة المكان، والنور الساطع، وأشعة الشمس الدافقة، ومن الأشكال، والأحجام والأصوات المختلفة للحيوانات، ومن الطيور السابحة والمحلقة.

استمرت الأرانب على هذه الحال يوماً بعد يوم، تخرج لتقتات وتتفسح ثم تعود بسرعة إلى ملجئها. إلا الأرنوب الرمادي فكان يعود متأخراً، وطالما نصحته أمه، ووبخته وهددته، لكن من غير فائدة.

فضول الأرنوب الرمادي

ذات مرة اشتد فضوله، فأراد أن يعرف ما وراء السياج انتصب واقفاً على قدميه واشرأب بعنقه. وحينها رأى أرضاً شاسعة، على مد البصر مكسوة بالخضرة، وحدائق غناءة وجداول رقراقة. حدثته نفسه بالخروج فبحث عن منفذ حتى وجد خرقاً في السياج فعبر منه. وراح يركض ويركض ويقفز وسط الحقول ويتمرغ على الحشيش بصدر منشرح وقلب يفيض سروراً وسعادة وغبطة. وهو يردد: يا لها من جنة ساحرة! ما أجمل الحياة! وما أحلاها من غير سياج! ….

استرعى انتباهه حقل خس، دخله أكل … وأكل حتى شبع، ثم عاد إلى مرحه ولهوه، ينط ويتسلق جذوع الشجر ويقرض لحاءها بنهم.

بينما هو كذلك رأى حقل كرنب، فهاله منظره، وشكله الملفوف، وحجمه المستدير وأوراقه الشديدة الخضرة. دخل وأكل منه حتى أصيب بالتخمة، فتمدد تحت ورقة القرع، ثم غفا ونام نوماً عميقاً.

الأرنب الصغير بعيداً عن المنزل من قصة الأرنوب الرمادي

لما استفاق من نومه وجد الشمس مالت إلى المغيب. أراد العودة إلى حيث أمه وإخوته فلم يستطع. لقد نسي الطريق الذي جاء منه، حاول أن يتذكر لكن الذاكرة خانته.

لقد ضل المسكين طريقه، ولما يئس من العودة، استسلم، وبدأ يبحث عن مكان آمن يلجأ إليه ليقضي ليلته فيه، لكن المسكين داهمه الليل، فإذا بالظلام ينتشر بسرعة، فتحولت المناظر الطبيعية الجميلة التي استهوته وأخذت بعقله من قبل إلى مكان مظلم موحش، ومخيف ورهيب، هب الريح فتحركت الأشجار يميناً وشمالاً فخالها أشباحاً تتمايل، وأغصانها المتدلية تخيلها يدا عملاق جبار تمتدان إليه لتقبضا عليه، وحفيف أوراقها بعث في جلده قشعريرة حتى انتصبت لها فروته، ومما زاد المكان خوفاً ورهبة، فحيح الزواحف، ودبيب الحشرات التي كانت تحدث خشخشة بين الأعشاب فتصل إلى مسمعه، وتلقي في قلبه الخوف.

الأرنب المسكين خائف في الغابة

حزن وندم

اشتد ندمه وملأت الحسرة قلبه وهو يردد بصوت خافت: “يا إلهي… كيف أقضي ليلتي وحيداً في الخلاء.. لا غطاء ولا فراش ولا صدر أمي أنام عليه قرير العين، ولا دفء إخوتي؟! من يحميني إن داهمني الخطر؟! آه من سوء تدبيري وآه من حماقتي… هذا جزاء الفضولي والمغامر المتهور، لو عملت بنصيحة أمي ما وقعت فيما أنا فيه الآن”!

ما أن تذكر أمه، حتى رن صوتها الحنون العذب في أذنيه: “لا تخرجوا يا أحبائي … لا تبتعدوا.. لا..” فذرفت عيناه دموعاً غزيرة وقال في نفسه: “كيف حال أمي المسكينة؟ لا شك أنها بحثت عني كثيراً؟ وإنها تتعذب بسببي”.

وبينما هو غارق في هذا التفكير ظهرت له فجأة أشباح في طرف الغابة. فلما دنت، تذكر الأعداء التي كانت أمه تحذره منها فعرفها. إنها ثعلبة برفقة أولادها، خرجوا للقنص، فكانت تحثهم على الشجاعة والجرأة وعدم الرجوع إلى الوراء، وبلهجة جد صارمة تلح عليهم: “يا أعزائي لا تتركوا العواطف تتسرب إلى قلوبكم، كونوا أقوياء، أشداء، إذا تحصل أحدكم على فريسة لا بد عليه أن ينقض عليها وأن يغرس أظافره الحادة، ويمزق لحمها وينهشها حتى ينال منها، ولا يتركها تنفلت من مخالبه وخاصة الأرانب فهي أحلى وألذ طعما”.

كل ما قالته الأم – الثعلبة – وصل إلى مسمع الأرنوب، فتملكه هلع شديد، انكمش على نفسه، حتى صار صغيراً جداً، أسنانه تصطك وجسمه يرتجف من الخوف وقلبه يعتصر ألماً ومرارة من شدة الندم.

بكاء وعتاب

بكى الأرنوب الصغير في صمت وهو يعاتب نفسه ويلومها ويندب حظه التعس الذي قاده إلى هذه المحنة، ثم ناح: “يا ويلي من سوء تدبيري، يا ويحي مما فعلت، لم خرجت … لم اجتزت السياج … لم ابتعدت عن إخوتي وأمي لم خالفت نصيحة أمي؟! … يا ويلي مما ينتظرني، يا ويحي من سوء خاتمتي، سيمزقونني بأظافرهم، سينهشونني بأنيابهم، وأصبح لقمة سائغة في بطونهم، إلى أين أهرب؟ إن تحركت من مكاني أصير في رمشةِ عين بين المخالب وإن بقيت هنا فلن أنجو منهم، رباه خلصني من هذه المحنة، لقد جنيت على نفسي، ما العمل؟ يا إلهي نجني من هؤلاء. لو أنجو وأرجع إلى أمي وإخوتي سالماً، لأطيعن أمي ولأمتثلن لأوامرها، ولا أعصينها أبداً، يا إلهي ليتني أسلم من شرهم… وأعود إلى أمي. أعيش مع عائلتي.

بكاء الأرنب الصغير الخائف ليلاً

نعم يا أرنوب لقد خالفت نصيحة أمك واتبعت هواك وها أنت تتعذب وحدك في الخلاء وتقاسي عذاباً أليماً ولا تعلم كيف تكون نهاية مغامرتك، أتعبت نفسك كثيراً كما أتعبت أمك فهي لم تهدأ منذ غيابك، لقد فتشت عنك، وسألت كل سكان المزرعة من طيور، وأغنام، وأبقار، وفي المساء أوت كل البهائم إلى مرابضها، إلا أمك لم يهدأ لها بال، رغم رطوبة الجو وبرودته بقيت تروح وتجيء في فناء المزرعة، لم تترك شبراً منها إلا وفتشته، وهي تبحث عنك لعلها تعثر عليك، فلما لاحظ الكلب توتو – الحارس الأمين للمزرعة – قلقها تقدم نحوها وسألها عن سبب سهرها وقلقها، فأخبرته والحسرة تملأ قلبها والغصة في حلقها والدمع يجري على خديها. رث لحالها، وقال لها: “امسحي دموعك وهدئي من روعك يا جارتي، سأذهب حالاً للبحث عن صغيرك ولن أعود بدونه”.

رحلة بحث

طأطأ الكلب توتو رأسه وغرس خياشمه في الأرض وراح يقتفي آثار الأرنوب، معتمداً على حاسة شمه القوية التي يمتاز بها، ثم انطلق كالسهم يجري وسط الحقول والمروج وبفضل أرجله المكيفة للجري استطاع أن يقطع مسافة كبيرة في ظرف وجيز.

فإذا بالثعلبة وأولادها يحومون حول مخبإ الأرنوب وهم في حالة تأهب قصوى، كشر الكلب توتو عن أنيابه ثم زمجر وعوى عواء دوى له المكان فدارت معركة حامية، بين الثعلبة والكلب توتو، انتصر توتو وهربت الثعلبة مع أولادها في اتجاه الجبل.

وقف الكلب توتو وقفة البطل الشجاع يرمق الثعلبة بنظرات من زهو وانتصار، دون أن يتوقف عن النباح معبراً به عن انتصاره وقهره للأعداء وكان الصدى يردد نباحه من كل جهة.

ما أن سمع الأرنوب الرمادي الكلب توتو حتى برز من مخبئه وهو في أسوء حال، عيناه تفيض دموعاً غزيرة حتى بللت فروته الرمادية. وجسمه يرتعش كورقة في مهب الريح من شدة الخوف والرطوبة، مسح دموعه وأسرع نحو الكلب توتو… ثم اعتلى ظهره.

الأرنب الصغير فوق الكلب توتو

وراح الكلب توتو يعدو به بين المروج في ظلمة الليل، إلى أن وصلا إلى المزرعة.

عودة ولقاء

وجد الأرنوب الرمادي أمه في الانتظار، شكرت الأرنوبة لبلوبة الكلب توتو على صنيعه وسهره وشدة حرصه على هناء وسلامة المزرعة، ودعت له بطول العمر والسعد. طوقت الأم صغيرها وضمته إلى صدرها فقبلته، ثم عاتبته على مخالفته لنصيحتها وطيشه الذي كاد يُودي به إلى الهلاك.

أخذت الأرنوبة لبلوبة طفلها الأرنوب الرمادي إلى حيث إخوته، فرحوا بعودته، ثم أنبوه على سلوكه المشين، وما سببه لهم ولأمهم من قلق وحزن، اعتذر لهم جميعاً دون أن يرفع رأسه من شدة الخجل، ثم التفت إلى أمه محتشماً وبصوت حزين كرر لها اعتذاره؛ ثم قص عليهم ما جرى له، وما كان يشعر به وهو بعيد عنهم، وما سمعه من الثعلبة لأولادها، وكيف أفلت من موت أكيد، بمجيء الكلب توتو في الوقت المناسب.

عودة الأرنوب الرمادي إلي أمه وعائلته

بكت الأرانب، متألمة، بما وقع لأخيهم، فقالوا له جميعا: “حمداً لله على سلامتك، فلتكن هذه التجربة عبرة لك ولنا. فكل من لم يُفده النصحُ يدفع ثمناً غالياً ويصبح عرضة للهلاك، فنحن الصغار ينبغي دائماً أن نسمع نُصح الأقارب وأهل التجارب، لا سيما نُصح أمنا لأنها ذات عقل وافٍ ورأي في الوعظ صائب”.

درس لا ينسي

سامحت الأم لبلوبة صغيرها ثم تمددت على الفراش والتفت حولها صغارها فدرت لهم حليباً دافئاً فرضعوا وناموا نوماً هنيئاً.

هكذا يا أطفال يكون جزاء كل من يخالف نصائح مربيه، فالأولياء يودون لأبنائهم الخير والنجاح والهناء لما يمنعون صغارهم من فعل شيء ما، ولا بد أن المضرة في فعله وأن الخير والسلامة في تركه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى