قصة النجمة البيضاء

تعد قصة النجمة البيضاء من أشهر القصص والمغامرات العالمية التي تدور أحداثها حول الحصان الشجاع الملقب بالنجمة البيضاء وبطولاته الكبيرة حتي لم شمله مع العائلة مرة أخري.

مولد النجمة البيضاء

أنا حصان أصيل، ولدت حوالي سنة ۱۹۰۰ في عائلة عريقة. وعلى الرغم من بياض أمي الناصع، فقد جئت أسود اللون، شديد السواد، ما عدا علامة بيضاء تعلو جبيني، هي كل ما حملته من لون أمي. وقد أطلقوا علي أسم “النجمة البيضاء”! مرت طفولتي رائعة، كالحلم، إذا استطعت أن أجري طليقاً، إلى جانب أمي، ولأني كبرت على يد أفضل مزارع في العالم، هو السيد غراي!

قام السيد غراي بتدريبي أحسن تدريب؛ فعلمني أن أتحمل اللجام، وأجر عربة، وكذلك أن أحمل شخصاً على ظهري. ولا أخفيكم أنني لم أحب كل ذلك في بادئ الأمر ولكن، مع الوقت، اعتدت الوضع؛ لا بل رحت أجد فيه لذة، إلى أن جاء يوم، قال لي فيه السيد غراي: “من الخسارة أن يبقى حصان مثلك في المزرعة؛ لذا ستذهب لتعيش مع عائلة السيد غوردن….”

المنزل الجديد

حزنت كثيراً لابتعادي عن أمي، وعن الحقل الذي ربيت فيه. ولكن رؤية منزلي الجديد سرعان ما أنستني حزني. فقد كانت عائلة غوردن تعيش في منزل ريفي رائع، كما استقبلني أفرادها بلطافة لا مثيل لها، وبخاصة السيدة غوردن: “يا لك من حصان جميل!” قالت لي. ثم أردفت بلهجة حزينة: “من المؤسف ألا أستطيع الركوب، بسبب مرضي الشديد!” وتبين لي، فيما بعد، أنني سأكون تحت رعاية السائس، السيد جون مانلي.

كان جون رجلاً ودوداً يعشق الأحصنة. اصطحبني إلى الإسطبل حيث عرفني بجنجر – وهي فرس من أصل وحشي – التي رمتني بنظرات متعالية. لكن ما لبثنا أن أصبحنا، بعد بضعة أيام، صديقين متحابين، لا يفرق بيننا شيء. ورحنا نجري، جنبا إلى جنب، نجر عربات السيد غوردن.

عمل بطولي

أه، كم تمنيت أن تكون جنجر معي في ذلك المساء، حيث اصطحبني سيدي لأوصله إلى المدينة! كنت وحدي أجر العربة. فجأة، أنهار الجسر الخشبي تحت حوافري، بسبب قوة السيل المتدفق في النهر. فمالت العربة، وسقط المسكين جون في النهر! وفي الحال، تعلق السيد غوردن بالرسن، وقفز إلى الماء ممسكاً بجون قبل أن يجرفه السيل!

كانت حياة الرجلين معلقة بي… وصدقوني، ليس بالأمر الهين أن أجر رجلين إلى الشاطئ، وحوافري تغرق في الوحل! أخيراً، استجمعت كل قوتي، ورحت أشد، حتى وصل الرجلان إلى حافة النهر. وهناك، استلقيا منهوكي القوى. “أشكرك، يا سيدي” قال جون. فأجابه السيد غوردن: “لا تشكرني أنا، بل أشكر «النجمة البيضاء» الذي خلصنا معا من الغرق!”

كنت فخورا بعملي البطولي. ولكن، ما إن طلع الصبح حتى خارت قواي، ولم أعد أقوى على الوقوف. لم يكن ذلك بسبب التعب فحسب: بل إنني أصبت بالحمى من جراء البرد الشديد. والحصان المريض – كما تعلمون – معرض لخطر الموت! لم يوفر السيد جون جهدا ليخلصني من الحمى التي أصبت بها، مستعيناً بخبرته الطويلة في العناية بالأحصنة، وكذلك بأبن أخيه، جو غرين، للسهر بجانبي.

بطولات لا تنتهي

إنه لشعور بهيج ذلك الذي انتابني يوم استطعت، أخيراً، النهوض على قدمي، والتنزه بحرية في الحقول. وعمت الفرحة الجميع: رفيقتي جنجر، والسيدين غوردن وغرين. كذلك فرح الأطفال الذين لم يكونوا يهتمون إلا بمهرهم الأبيض الصغير. قال السيد غوردن: “علينا الآن أن نشكر جون، لأنه أنقذ حياة حصاننا العزيز.” فأجاب جون: “والشكر كذلك لابن أخي، جو، الذي ساعدني كثيرا. أنا أكيد من أنه سيصبح، ذات يوم، سائساً ماهراً، لا مثيل له.”

وسرعان ما سنحت الفرصة مرة ثانية لجو، أن يثبت مهارته: فقد شب حريق هائل في الإسطبل، ذات مساء، بسبب إهمال أحد العمال! فور اندلاع الحريق، وقبل أن يمتد، أستطاع رفيقاي، جنجر والمهر الأبيض، الخروج من الإسطبل. أما أنا، فقد حاصرتني النيران، ولم أجرؤ على التحرك. في تلك اللحظة، لمعت فكرة مدهشة في رأس جو: حل منديله عن رقبته، وعصب به عيني، فلم أعد أرى ألسنة النار لأخاف منها؛ وهكذا، قادني بهدوء خارج الإسطبل!

منذ تلك الليلة، لم نعد أنا وجو نفترق لحظة. إلا أنه، ذات يوم، وبعد أن عاين الطبيب السيدة غوردن، قال لها: “إن المناخ في هذه المنطقة لا يناسبك على الإطلاق. إذا أردت الشفاء نهائياً، عليك أن تنتقلي إلى منطقة أخرى، مناحها أقل رطوبة.” وهكذا اضطرت عائلة غوردن إلى مغادرة المنطقة، بعد أن باعت كل شيء… بما في ذلك الأحصنة! يا له من وداع مؤثر، يحزنني أن أتذكره، وبخاصة دموع الصغير جو التي انهمرت، طوال ذلك النهار، حتى أحمرت عيناه من كثرة البكاء.

تعثر وكارثة

كان نصيبنا، أنا وجنجر، أن يشترينا رجل فاحش الثراء، يملك قصراً كبيراً، وسرعان ما افتقدنا هناءة العيش التي عرفناها عند عائلة غوردن: فصاحب القصر كان يأنف من الأحصنة، والسائس مدع ومتعجرف. أما الحوذي، فكان رجلا رهيباً، مخيفاً، وبخاصة عندما يسكر… أي كل مساء!

وذات مساء، بينما كنت عائداً من المدينة، سقط النعل من أحد حوافري، دون أن يلاحظ الحوذي ذلك. اضطررت إلى أن أتباطا من الألم، فأخذ يضربني بالسوط دون رحمة: “هيا! تقدم! أسرع! سوف نتأخر! هيا! أسرع!” استجمعت كل قواي، وحملت ألمي، ورحت أحاول الإسراع قدر الإمكان. ولكن، عند أول منحدر، تعثرت، ووقعت على ركبتي!

بيع في المعرض

يا للكارثة! إن ركبتي الحصان سريعتا العطب؛ وقد أصيبت ركبتاي، وتضررتا بشكل لا ينفع معه أي علاج. وصلنا بعد جهد كبير. ورآني صاحب القصر، فصاح غاضباً: “اذهب وبعه فوراً! لا أريد حصاناً أعرج في إسطبلي! خذه من هنا!” وهكذا افترقنا أنا وجنجر. وساقني الحوذي، منذ الصباح الباكر، إلى معرض الأحصنة. يا لها من تجربة قاسية ومهينة! الرجال يفحصونني بخشونة، دون احترام أو لطف، وكأنني آلة صماء، لا شعور لها!

كم أفزعتني فكرة أن يشتريني أحد هؤلاء الرجال الغلاظ، الذين لا شفقة في قلوبهم! ولكن، لحسن الحظ أنهم وجدوا ثمني مرتفعاً. فجأة، اقترب مني رجل يختلف عن الآخرين، فمسح وجهي بنعومة، وهمس في أذني: “أتظن أنه يمكننا أن نتفاهم، أنا وأنت؟” أجبته بصهيل لطيف فهم مغزاه، فاشتراني في الحال.

عمل جديد

لم يكن جيري بايكر – مالكي الجديد – غنياً، لكنه كان يكسب عيشه كحوذي، ينقل الركاب في عربة يجرها جواد. وبما أن حصانه قد مات، فقد كان مضطرا أن يشتري حصاناً جديدا يجر العربة. سرعان ما اعتدت عملي الجديد بين الناس، وأصوات المدينة! وكان السيد بايكر لطيفا جدا، فأهتم بي اهتماماً بالغاً، كما أعتني بي كذلك، كل مساء، أفراد عائلته جميعاً.

جاء فضل الشتاء بزمهريره وثلوجه. ومع ذلك، لم يتوقف السيد بايكر، يوما واحداً، عن اصطحابي إلى العمل. وكنت أعمل بكل نشاط، على الرغم من الطفس القاسي. لكن الأمر الأقسى كان انتظاري الزبائن تحت الثلج، مع أن السيد جيري لم يكن ينسى، مرة، أن يغطيني برداء يمنع عني البرد. إلا أنه كان يجلس على العربة، ملتحفاً بمعطف رث، بال، وهو يرتجف من شدة البرد. ذات صباح أستيقظ السيد جيري، والسعال يقطع صدره. ولما جاء الطبيب وعاينه، نصحه قائلا: “عليك أن توقف عملك هذا، وإلا سوف تموت من شدة البرد!”

هكذا، وجدت نفسي، للمرة الثانية، في معرض الأحصنة. وكان العمل قد أنهكني، وجعلني هزيلا، فلم يهتم أحد بي. الزبائن يمرون أمامي، دون أن يتوقفوا لحظة واحدة ليلقوا نظرة على! فجأة، مر أمامي شاب، رأيت من نظراته أنه يعشق الأحصنة، وأنه في المعرض لمجرد متعة المشاهدة، لا للشراء. وما هي لحظات، حتى توضحت قسمات وجهه أمامي، وعرفت فيه جو غرين!

لم الشمل

عندئذ، أطلقت صهيلا بكل ما أوتيت من قوة، فالتفت جو إلى الوراء. وما إن رأى العلامة البيضاء على جبيني، حتى أسرع إلي، ووضع رأسه إلى رأسي، وصاح فرحاً: “النجمة البيضاء! أنت هنا؟! أكاد لا أصدق عيني! تعال معي يا صديقي، وهذه المرة لن نفترق أبدا! إني أعمل عند سيدتين عجوزين، في الريف، وأنا متأكد من أنهما ستسعدان بك، عندما تجر عربتهما …

وهكذا، لم أستعد أفضل صديق لي فحسب، بل استعدت كذلك الحياة الهانئة التي عرفتها في صباي. وعرفت من جديد لذة التنزه بين الحقول ومشاهدة الطبيعة، والحياة الهادئة في الريف…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
@media print{ #the-post .post-meta .meta-item.last-updated{display:none;} }