قصة جزيرة الكنز

استمتع بقراءة قصة جزيرة الكنز التي تدور أحداثها حول مغامرة الشاب الشجاع جيم ورحلته البحرية المثيرة في البحث عن الكنز الضائع وصراعه مع القراصنة.

زائر غريب

ذات مساء تشريني متلبد بالغيوم الداكنة، دخل بحار النزل الذي تديره السيدة هكنز بمساعدة ابنها جيم. كان مظهر البحار غريبا، يثير الريبة والحذر. وبالطبع، كانت السيدة هكنز وابنها قد تعودا رؤية أشخاص غريبي المظهر والطباع، لكثرة رواد نزلهما؛ إلا أن هذا البحار فاق الآخرين غرابة، بسبب أنفه الأفطس، ونظراته القلقة، والندبة الكبيرة على خده الأيسر…

كان البحار يملك صندوقا، يحرص عليه كل الحرص، ولا يدعه يغيب عن نظره. مع ذلك، أختفي البحار ذات يوم، تاركاً صندوقه في غرفته، ولم يعد أبداً! قالت السيدة هكنز لابنها: “لنفتح الصندوق! فربما وجدنا فيه مالاً، يعوض علينا بعض ما يدين لنا به ذلك البحار من أجرة ومصاريف!” وبالفعل، وجدت داخل الصندوق كيساً صغيراً، يحوي قطعا ذهبية. أما جيم، فقد اكتشف مغلفاً غامضاً مختوماً، فأسرع به إلى الحاكم، السيد تريلوني…

وصدف أن الحاكم كان بصحبة صديقه الطبيب. لما فض المغلف، أخرج منه ورقة مطوية وفتحها. وللحال انفتحت أعين الرجلين كبيرة من الدهشة، وصاحا معا: “كنز القبطان فلنت!”

الكنز الضائع

كان فلنت قرصاناً شرساً، يخشاه الجميع. لكنه اختفى ذات يوم، ولم يعد يعرف عنه شيء، سوى أنه ترك كنزاً لا يقدر بثمن، مخبأ في مكان ما… ولكن أين؟ «هنا!» قال الحاكم، مشيراً بإصبعه إلى علامة حمراء على الخريطة.

كانت الورقة داخل المغلف خريطة عليها رسم جزيرة. وكانت تحمل إشارات ملاحية، يستطيع أي بحار متمرس فك رموزها، والاستعانة بها للوصول إلى الجزيرة. قرر الحاكم والطبيب خوض المغامرة، والإبحار بحثاً عن الكنز؛ فاستأجرا سفينة، واتصلا بالقبطان “سملت”، المشهور بخبرته الطويلة في قيادة السفن، وكلفاه إعداد السفينة وتجهيزها بكل ما يلزم للإبحار! أما فتي السفينة، فقد استقر الرأي على أن يكون جيم!

بعد مضي أسبوعين، كان طاقم السفينة – وأسمها “إسبنيولا” – ينهي استعداداته لمغادرة المرفأ. وقف القبطان سملت على ظهر السفينة يراقب حركة البحارة، قائلا في نفسه: “يا لها من سفينة جميلة! إلا أن الطاقم لا يوحي لي بالثقة. أما رئيسهم… فحذار منه!” وكان رئيس البحارة، وأسمه لونغ جون سيلفر، بحاراً متمرساً، وقع اختيار الحاكم عليه ليشكل طاقم السفينة.

انطلاق الرحلة

أخيرا، أبحرت السفينة على بحر هادئ. راح سيلفر يتنقل على ظهر السفينة، يصدر أوامره الصارمة إلى البحارة. وكان مما يزيد من رهبته في نفوس البحارة، أن إحدى رجليه خشبية، لأنه فقدها في معركة بحرية!

ذات مساء سمعه جيم، خفية، يقول للبحارة: “اتفقنا إذا؟ في حال أعلنا الثورة على القبطان، فكلكم معي، تقفون إلى جانبي! مفهوم؟ وهناك، حتماً، مكافأة كبيرة في نهاية الرحلة…”

أسرع جيم يخبر رفاقه الأمر. وقرر الجميع إكمال الرحلة، مع الانتباه الشديد إلى أي تحرك مريب يقوم به البحارة. طالت الرحلة، وصادفت السفينة في طريقها أكثر من عاصفة. لكن الأمور بقيت هادئة على ظهرها، مثل الجمر تحت الرماد. وفي أحد الأيام، بينما كانت الأمور تسير كعادتها، برتابتها المملة، إذا بصوت الكشاف، من أعلى الصارية، يمزق الهدوء: “الجزيرة! الجزيرة!” فتجمد الحركة لحظة، ثم يركض الجميع نحو مقدم السفينة، ينظرون بأمل إلى الخط المرتسم أمامهم، في الأفق البعيد…

صراع في الجزيرة

اقتربت السفينة من الشاطئ، فأعطى القبطان الأمر بإلقاء المرساة. وما هي لحظات، حتى أنزل سيلفر ورجاله زورقين إلى الماء، وأبحروا بهما يستكشفون الجزيرة. أما جيم، فقد لحق بهم، وحيداً، من بعيد على متن زورق آخر. وتبعهم خفية على الجزيرة، حيث سمعهم يتآمرون: “لنعد فوراً إلى السفينة، ولنقتلهم كلهم، فنصبح أغنياء!” لكن سيلفر صرخ فيهم: “إنكم، ولا شك نسيتم أنهم وحدهم يعرفون موضع الكنز. لننتظر حتى يجدوه، ثم نرى ما يكون…”

لم يضيع جيم لحظة، وقفل عائداً إلى زورقه، ليخبر رفاقه ما سمع. ولكنه، فجأة، تسمر مكانه من شدة المفاجأة: فقد وجد نفسه أمام مخلوق، بدا له وكأنه من أشخاص العصر الحجري! كان يلبس ثياباً مصنوعة من جلود الحيوانات، ولحيته تكاد تصل إلى ركبتيه! “لا تخف!” قال المخلوق الغريب لجيم: “أنا بن غن، أحد أفراد مجموعة القبطان فلنت. وأنا الوحيد الذي نجا عندما غرقت السفينة! ها قد مضت ثلاث سنوات، وأنا أنتظر أن يخرجني أحد من الجزيرة أرجوك، خذني إلى سفينتك! أرجوك!”

ما إن أنهى بن كلامه، حتى دوت أصوات عيارات نارية، تردد صداها في كل أنحاء الجزيرة. ذعر بن غن وفر هارباً، دون أن يحاول فهم ما يجري. أما جيم، فقد تتبع مصدر أصوات الطلقات، فتبين له أن معركة تدور، حول الحصن الصغير الذي كان القبطان فلنت قد بناه على الجزيرة. وزحف جيم نحو الحصن، يحاول أن يستطلع، عن قرب، ما يجري…

يا للمفاجأة! رأى جيم الطبيب والحاكم والقبطان وراء أسوار الحصن! لقد نزل الثلاثة إلى البر، قبل أن يستطيع تحذيرهم. وأعلن البحارة العصيان المسلح عليهم. إنهم ثلاثة ضد خمسة عشر رجلا! صاح سيلفر بالرجال المحاصرين: “إذا أردتم أن تبقوا على قيد الحياة، قولوا لنا أين نجد الكنز! سلمونا الخريطة فوراً” ولكن لم يأته جواب سوى بعض الطلقات النارية …

معركة شرسة

قضت خطة الرجال الثلاثة بالاحتماء في الحصن، مع خريطة الكنز، والدفاع عن أنفسهم حتى الرمق الأخير. وقد عرفوا أن نهايتهم ستكون الموت من الجوع، لأن البحارة قرروا عدم رفع حصارهم، قبل الحصول على ما يريدون. انتظر جيم هبوط الليل، وراح يحاول التسلل نحو الحصن لمساعدة رفاقه. ولكن البحارة قبضوا عليه، بينما كان يحاول تجريدهم، خلسة، من أسلحتهم: “ها! ها! أصبح لدينا الآن رهينة! بدأت الأمور تميل إلى مصلحتنا!”

فور بزوغ الفجر، صاح أحد البحارة بالرجال المحاصرين: “لقد قبضنا على جيم، وهو بين أيدينا. أخرجوا فوراً رافعين أيديكم، وإلا قتلنا الصبي أمام أعينكم!” لكن جيم صاح بكل شجاعة: “إياكم أن تخرجوا! سوف يقتلونكم أنتم أيضا!” كان الوضع حرجا جدا: فمصير جيم متعلق بلحظات بدأت تنقضي. فجأة، أرتد سيلفر على رجاله، وأشتبك معهم، واستطاع أن يقتلهم، واحداً بعد الآخر. والسبب في ذلك، أنه عرف أن قتل الصبي جريمة عقابها الإعدام؛ ففضل خسارة رجاله على أن يخسر نفسه!

تسارعت الأحداث بعد ذلك، إذ بدأ الرجال الثلاثة، بصحبة جيم وسيلفر، البحث عن موقع الكنز. ولما وصلوا إلى الموقع المعين على الخريطة، حفروا الأرض. ظلوا يحفرون ويحفرون، حتى وصلوا إلى صندوق خشبي كبير مهترئ … وعندما فتحوه وجدوه فارغاً، ولا أثر لأي قطعة ذهبية فيه!

وسط دهشة وخيبة الجميع، صاح جيم: “إنه بن غن! لا شك في ذلك! إنه أحد أعضاء فرقة القبطان فلنت. وهو الوحيد الذي نجا عندما تحطمت سفينته! لقد قابلته البارحة!” فقال القبطان سملت: “يجب العثور عليه، مهما كلف الأمر. لا شك في أنه يعرف عن الكنز أموراً نجهلها نحن. ما رأيك أيها الحاكم؟” فرد عليه قائلاً: “حتما.. حتما…! لا مجال لإضاعة الوقت على الإطلاق.” وهكذا، بدأت عملية البحث عن بن عن عبر الجزيرة.

العثور على الكنز

بعد جهود كثيرة، أسفر البحث عن اكتشاف المغارة التي يختبئ فيها بن غن. ولما دخل الرجال المغارة، وجدوا بن غن جالساً في إحدى زواياها، تحيط به أكياس وصناديق، ظهر داخلها الذهب ببريقه الأخاذ! قال جيم إلي بن: “ما بالك؟ ألا تريد العودة معنا؟” فرد عليه قائلاً: “بلى.. ولكن…” فقال الطبيب: “ولكن كنت تفضل الاحتفاظ بالكنز لنفسك. أليس كذلك؟”

اتفق الجميع على أن يتقاسموا الكنز، فور عودتهم إلى البلاد. وقد قام بن بقص شعره ولحيته الطويلة؛ كما أعاره الرجال ثياباً جديدة، فبدا أفضل شكلاً. ثم تعاونوا على نقل الكنز إلى السفينة. لما انتهوا من ذلك، صعدوا جميعا إلى السفينة. لكن القبطان منع سيلفر من الصعود، وقال له: “يكفيك حظاً أننا أبقينا عليك حيا، بعد كل ما سببته لنا من متاعب. ولكن لا تتكل علينا لنعيدك معنا، على ظهر سفينتنا!”

“كما تشاؤون” أجابه سيلفر، “سأبقى هنا وحدي، مع رفيقي الببغاء…” وأردف في سره يقول: “… ومع حصتي التي سرقتها منكم!” وكان سيلفر قد خبأ، دون أن يلاحظه أحد، كيسا مملوءا ذهباً! لكن يبقى عليه أن ينتظر سفينة تقله، يوما، من تلك الجزيرة النائية!

أخيرا، وصل الجميع سالمين إلى وطنهم. وتقاسموا الكنز، كما اتفقوا، فيما بينهم: فأخذ الطبيب حصة، مكنته من بناء أحدث مستشفى في البلاد؛ وأخذ الحاكم حصة، أنفقها على ترميم قصره؛ كما أخذ بن غن حصته، فبددها في خلال خمسة عشر يوما!! أما جيم، فقد أدخر نصف حصته في المصرف؛ وأعطى النصف الآخر لوالدته؛ فحولت النزل الصغير الذي تملكه إلى فندق فخم، يقصده أرقى الناس في البلاد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى