قصة الدب الشقي

قصة الدب الشقي هي أحد القصص التربوية التعليمية التي تساهم في غرس الأمانة والصدق وعدم السرقة في نفوس الأطفال الصغار.

الدب الشقي

كان لنيرة حجرة خاصة تضع فيها لعبها الكثيرة، وهي عروس كبيرة، وطفل أبيض، وطفل أسود، وقطة بيضاء، وأرنب بني، ودب أصفر، وقطار له سكة حديدية، ومزرعة جميلة، ومطبخ به كل أدواته، ودولاب صغير به زجاجات كبيرة مملوءة بالحلوى اللذيذة المتنوعة.

وكان الدب يحب صوان الحلوى كثيرا؛ لأنه يحب الحلوى أكثر من أي شيء آخر. وقد اعتاد الدب أن يذهب وحده إلى دولاب الحلوى، ويأخذ زجاجة من الزجاجات الكبيرة، ويفتح غطاءها، ويمد يده ويخرج منها ما يحب من الحلوى، ويأكل ما يأخذ، وليس معه أحد. ولم يستأذن سيدته نيرة قبل أن يأخذ الحلوى، مع أنه يعرف تماما أن هذه الحلوى ملك لها.

وما كان يصح من الدب أن يفعل هذا، وكان يجب أن يستأذن سيدته قبل أن يمد يده إلى الحلوى. ولم يعرف أن هذه سرقة، وأنه سارق، وآخذ ما ليس له. ولكنه كان يحب الحلوى كثيرا، فلم يستطع أن يفارقها، وأحد يجيء إليها من وقت لآخر، ويأخذ منها ما يحب، حتى أكل نصفها تقريبا.

وفي صباح يوم من الأيام ذهبت نيرة إلى حجرة لعبها، ومعها أوراق لتملأها، وتجعل منها أكياسا من الحلوى، بعد أن تزنها في الميزان. ولكنها حينما وقفت ونظرت إلى زجاجات الحلوى الموضوعة في الدولاب، وجدتها ناقصة مع الأسف، وقد أخذ نصفها وضاع، وبقي منها النصف، ورأت أن الزجاجة التي بها الكمثرى فارغة، وليس بها شيء من الحلوى؛ لأن الدب كان يحب هذا النوع من الحلوى أكثر من الأنواع الأخرى، ولهذا أكل كل ما كان في زجاجة الكمثرى من قطع الحلوى، ولم يترك منها شيئاً.

عجبت نيرة كل العجب، واستغربت كثيرا، حينما رأت ما حدث، وأخذت تسأل وتقول: أين الحلوى؟ وأين ذهبت؟ ومن الذي أكلها؟ لقد سرقها أحد اللصوص من غير شك. وأخبرت أمها بما حدث، فقالت لها أمها: إن هذا كلام غير معقول، ولا معنى له؛ فليس هنا أحد غيرك. فأنت التي أكلت الحلوى يا نيرة، ولم يأكلها أحد غيرك.

أين ذهبت الحلوى؟

قالت نيرة: لا يا أمي، إنني لم أخذ شيئا من هذه الحلوى التي في حجرة اللعب؛ فقد كان عندي الحلوى التي أهداها إلى أخي نبيل، وكنت أكل منها، ولم أكل شيئا من الحلوى التي في الدولاب الصغير.

جلست نيرة، وأخذت تفكر قليلا فيمن أكل الحلوى، ثم قامت وأخرجت كل لعبها من الدولاب الخاص بها، ووضعتها أمامها بنظام تام، وأجلستها قدامها، وهي: العروس الكبيرة، والطفل الأبيض، والطفل الأسود، والقطة البيضاء، والأرنب البنى. والدب الأصفر، ثم قالت لها: أيتها اللعب المحبوبة إنني حزينة كل الحزن، ومتألمة كل الألم؛ لأن واحدا منكم قد أخذ معظم ما عندي من الحلوى بغير إذن، وقد أخطأ فيما فعل، ولو طلب مني لأعطيته ما طلب، وما أخرت عنه شيئا.

إني متألمة لأني أحبكم جميعا، وأكرمكم كل الإكرام، ولا أتأخر في تنفيذ رغباتكم، ومع هذا كله قد أخذتم ما أخذتم من غير أن تستأذنوني. ومن غير أن تخبروني. ويجب ألا تفعلوا ذلك مرة أخرى، ولا تأخذوا شيئا بغير إذن مني بعد اليوم. وإذا أردتم شيئا يجب أن تستأذنوا. وأنتم تعلمون أني أحبكم كل الحب. ولكنكم جعلتموني في حزن شديد بأخذ الحلوى بغير استئذان، وبدون علم مني.

تأثرت العروس، وتأثر الطفل الأبيض، والطفل الأسود، والقطة البيضاء، والأرنب البنى، والدب الأصفر تأثرا شديدا، وأخذ كل منهم ينظر إلى الآخر، ويسأل نفسه هذه الأسئلة: من الذي ارتكب هذه الغلطة؟ ومن الذي أخذ الحلوى بغير استئذان؟ ومن الذي أكلها؟

وبعد مدة قصيرة تركت نيرة حجرة اللعب، ونزلت وذهبت إلى حجرة الطعام لتتناول غذاءها مع أمها وأبيها.

من أكل الحلوى؟

وبعد أن ذهبت نيرة، قام الطفل الأسود ووقف، وأخذ يقول لأصحابه: من المستحيل أن يقدم أحد منا على ارتكاب هذه السرقة. من المستحيل أن يأخذ أحد منا ما ليس له، وسأل أصدقاءه: هل فعلت هذا أيتها العروس الجميلة؟ هل فعلت هذا أيها الطفل الأبيض؟-هل فعلت هذا أيتها القطة البيضاء؟-هل فعلت هذا أيها الأرنب البني؟-هل فعلت هذا أيها الدب الأصفر؟

فأجابت العروس الجميلة: لا، إني لم أفعل هذا؛ لأنه سرقة، وحرام على أن أسرق.

وأجاب الطفل الأبيض: لا، إني لم أخطئ هذا الخطأ؛ لأني أعتقد أن من يأخذ مال غيره لص، ولا أحب أن أكون لصا.

وأجابت القطة البيضاء: لا، إني لم أذنب هذا الذنب. ومن المستحيل أن أسرق.

وأجاب الأرنب البنى: لا، إن هذا عيب كبير، ولا أحب أن أخذ ما ليس لي.

وأجاب الدب الأصفر بصوت ضعيف، ووجهه في الأرض: إني لم أفعل. وقد قال هذا لأنه ظن في نفسه أنه لم يره أحد وهو يأخذ الحلوى.

واستمر الكلام بينهم، وقد صدقوا في أقوالهم إلا واحدا منهم، وهو الدب الخائن؛ فإنه لم يصدق في كلامه، ولم يذكر الحقيقة، وادعى أنه لم يأخذ شيئا من الحلوى، وأنكر الحقيقة، ولكنه خجل من نفسه: واحمر وجهه من الحجل؛ لأنه أخذ حلوى سيدته نيرة من غير أن يستأذنها، وأكل كثيرا منها وحده، وكذب في كلامه، ولم يصدق في قوله. ولم يعترف بالحقيقة.

وقد حدث في المساء أن خرجت اللعب من الحجرة، وتركت الدب وحده، ففكر في الحلوى، واشتاق إليها، وذهب خلسة إلى زجاجات الحلوى، وقالت له نفسه الخبيثة: إن قطعة واحدة ليست بشيء. ولن يظهر لها أثر. فذهب ليأخذ قطعة من الحلوى من الزجاجات التي على الرف. وحاول أن يخرج غطاء الزجاجة، فوجد صعوبة كبيرة في إخراجه؛ لأن نيرة أدخلت الغطاء جيدا في الزجاجة. فحاول الدب مرة أخرى، واستمر يشد الغطاء حتى أخرجه، فحدث صوت مرتفع حينما خرجت السدادة (الفلة) ووقع الدب على ظهره من الشد.

الدب السارق

سمع زملاء الدب هذا الصوت الذي حدث، وكانوا خارج الحجرة يتكلمون معا، ويلعبون معا. سمعوا فجأة صوتا عاليا لشيء قد وقع، فعجبوا جميعا، وأخذوا يتساءلون: ما هذا الصوت؟ وماذا حدث؟ وذهبوا كلهم ليعرفوا ما حدث، وليروا ما وقع. فماذا تظن؟ وماذا تخمن؟

جروا جميعا إلى دولاب الحلوى، فرأوا في الحال ما قد حدث، فنظروا إلى الدب الخائن نظرة كلها احتقار، وتألموا منه كل الألم، وغضبوا عليه أشد الغضب. وصاح الطفل الأسود: الآن قد عرفنا السارق، ورأينا اللص. وتأكدنا أنك أنت الذي سرقت الحلوى فيما مضى، وأخذت كل ما أخذ منها. إنك دب خائن لا تعرف الجميل، وسارق لا تعرف الأمانة. أترك هذا الملعب. وابتعد عن هذه الحجرة. ولا تمكث فيها ثانية. وابعد عنا؛ لأنك سارق، ولا نحب من يسرق، وخائن، ولا نحب الخائن. ونكره من يخون صاحبه.

وقد كذبت فيما قلت، وإننا لا نحب من يكذب في كلامه، ونحتقر من لا يصدق في قوله. ولا يمكننا أن نسمح لك بالبقاء معنا بعد ما حدث منك؛ فإنك قد حنت سيدتك نيرة، وسرقت حلواها، ولم تصدق في كلامك، ولا تستحق أن تكون صديقا، أو تعيش معنا، اذهب بعيدا، ولا ترنا وجهك بعد اليوم.

تألم الدب ألما شديدا من هذه العقوبة الشديدة، وأخذ يبكي بكاء مراً، وأحس بذنبه، وندم على ما فعل، واعتذر عن خطئه، وأخذ يرجو أصحابه ويقول: إني أعترف بأني أخطأت، وأرجو أن تصفحوا عنى، وتسمحوا لي بالبقاء معكم؛ لأني أحبكم، ولا يمكنني أن أفارقكم، وأحب سيدتي نيرة، وهي تحبني، وإني أشكر لها جميلها. وأعدكم ألا أخذ حلوى ثانية بغير استئذان، ولا أمد يدي إلى مال غيري. ورجائي كله إلا تطردوني من هنا.

فقال الطفل الأسود: إن من الممكن أن تبقى معنا إذا أرجعت كل الحلوى التي سرقتها.

فبكى الدب المسكين، وقال: كيف يمكنني أن أرجع الحلوى؟ وقد أكلتها كلها.

إصلاح الخطأ

فقال الطفل الأسود: اسمع أيها الدب! إن من الممكن أن تذهب إلى الحورية التي تعيش تحت شجرة الليلك في الحديقة، وتشتغل عندها كل ليلة، وبالنقود التي تأخذها في نظير عملك يمكنك أن تشترى بعض الحلوى من دكان الساحرة التي تسكن في القرية. فعندها كثير من الحلوى للبيع، وبهذه الطريقة يمكنك أن تملأ زجاجات الحلوى ثانية بالحلوى التي تشتريها. وإننا مستعدون لأن نسامحك، ونعفو عن غلطتك

قال الدب: إني لا أحب العمل عند الحورية. وأخاف أن أذهب إلى دكان الساحرة لشراء حلوى منها؛ لأن الساحرة عجوز مثل العنكبوت، وأخاف أن تصطادني.

قال الطفل الأسود: إني أخيرك بين أمرين: أن تفعل ما قلت لك، أو تبتعد عنا، ولا تعيش معنا. ولك أن تختار منهما ما تحب. وإذا كنت حقا آسفاً على ما فعلت، نادما على ما أذنبت، يجب عليك أن تفعل كل ما يمكنك لتكفر عن ذنبك، وسوء فعلك.

فبكى الدب وقال: إني في الحقيقة آسف كل الأسف، متألم كل الألم، وسأفعل ما أمرتني به. ولكن كنت أتمنى ألا أقف هذا الموقف المؤلم.

مسكين أيها الدب: فقد اعتاد أن يخرج كل ليلة، ويذهب إلى بيت الحورية، ويعمل عملا صعبا، وينظف بيتها، ويطبخ لها الطعام، ويعد لها المائدة، ويغسل لها الأواني والملابس. ولكثرة الأعمال التي كان يقوم بها، ضعف جسمه، وصار نحيفا هزيلا بائساً، يظهر عليه البؤس والتعب. وقد اضطر لأن يعمل هذا العمل كله؛ ليكفر عن ذنبه، ويسمح له أصحابه بالمعيشة معهم؛ لأنهم يكرهون الخيانة، ولا يحبون من يخون صاحبه.

وقد اعتادت الحورية أن تعطيه أجره على عمله كل ليلة. وأخذ الدب يجمع ما يحصل عليه من النقود؛ حتى تجمع عنده مقدار كاف من المال يستطيع أن يشترى به ما يحب من أنواع الحلوى، ويستطيع أن يملأ زجاجات الحلوى ثانية، ويجعلها كما كانت قبل أن يأخذها ويأكلها وحده.

إعادة شراء الحلوى

وفي ليلة قمرية ذهب الدب إلى دكان الحلوى، وهو خائف من الساحرة بائعة الحلوى؛ لأنها كانت مثل العنكبوت. وقد كان يكرهها ولا يحبها مع أنها كانت تبيع الحلوى لمن يريد، ولا تؤذى أحدا.

وقد اشترى الدب بما معه من النقود كيسا من حلوى الكمثرى، وكيسا من حلوى التفاح، وثالثا من حلوى النعناع، ورابعا من حلوى يمكن أن تؤكل من غير حاجة إلى أن تمتصها. وأخذ ما اشتراه من أنواع الحلوى، ورجع إلى أصحابه في حجرة اللعب، وأفرغها في زجاجات الحلوى، حتى ملئت كلها، وجعلها كما كانت.

فشكر له أصحابه ما فعل، وقالوا له: لقد ملأت الزجاجات بالحلوى، وجعلت كل شيء كما كان، وأصلحت غلطتك. فأنت الآن صديق أمين. ونرجو أن تكون أميناً على الدوام، ولا تفعل ما فعلت ثانية. ولا تمد يدك إلى ما يملكه غيرك. ولا تأخذ شيئا بغير استئذان صاحبه. واحذر أن تأخذ ما ليس لك. وقد صفحنا جميعا عنك. وسنعاملك كما كنا نعاملك من قبل.

فقال الدب من المستحيل أن أفعل ثانية ما فعلت. ولن أمد يدي إلى مال غيري، ولن أخذ شيئا بغير استئذان بعد اليوم. وإني فرح كل الفرح الآن لرضائكم عنى، وحبكم لي. وأعدكم وعدا صادقاً الا أرتكب خطأ مرة ثانية.

وفي الصباح حضرت نيرة إلى حجرة لعبها، ونظرت إلى زجاجات الحلوى، فعجبت كل العجب؛ لأنها وجدت زجاجات الحلوى مملوءة ثانية كما كانت. وأخذت قطعة من الحلوى من كل زجاجة، وأكلتها، فوجدتها لذيذة الطعم، جميلة الرائحة. فسرت كل السرور، ثم نظرت إلى الدب وجدته نحيف الجسم، ضعيف القوة فتألمت له، وأخذت تربت (تطبطب) عليه. وعاهدت نفسها أن تعنى بطعامه وشرابه كل العناية؛ حتى ترجع إليه صحته، ويقوى جسمه.

واعتنت نيرة بالدب الأصفر وبطعامه. وفي كل يوم كانت تعطيه ثلاث قطع من الحلوى التي يحبها بإذن من صاحبتها، وهذا ما كان يجب أن يفعله من قبل. وقد قويت صحته، وعاش مع أصحابه عيشة كلها سعادة وسرور، وأمانة وصفاء، وصدق وإخلاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى