قصة الحق قوة

قصة الحق قوة من أجمل القصص التعليمية والتربوية التي تغرس في نفوس الأطفال الصغار أهمية التعاون والاتحاد واستخدام الذكاء للتغلب على القوة الجسدية وضرورة الابتعاد عن الأنانية ومراعاة التفكير في الغير.

تمساح مغتصب

كان العصفور جالساً على فرع شجرة، في غابة جميلة، كثيرة الأشجار يتكلم مع العصفورة. وهي راقدة على بيضها في عشها، في صباح جميل، والشمس طالعة، والجو جميل، لا حرارة فيه ولا برودة. والقردة تكثر الكلام، والنسناس يركض ويقفز من جهة إلى أخرى، والطيور تغنى وتغرد.

ترك العصفور عشه، وذهب ليستحم صباحاً في مكان خاص، في نهر قريب من عشه. وقد اتخذت العصافير هذا المكان حماما لها، تستحم فيه، لقلة مياهه، وقربه من شاطي النهر، وقربه من بيوتها.

فوجد العصفور في الحمام – الذي تستحم فيه العصافير عادة – تمساحاً كبير الجسم، واسع الفم، نصفه في الماء. لكي يستمتع بالاستحمام، وينظف نفسه، ونصفه الآخر خارج الماء؛ ليتمتع بحمام الشمس. وقد ملأ جسمه الكبير الحمام الذي تستحم فيه العصافير، واحتل المكان كله، ولم يترك للعصافير مكاناً تستحم فيه. فغضب العصفور، وتألم، وتضايق من اعتداء التمساح، واغتصابه حمام العصافير، فوبخه العصفور. وقال له: أيها التمساح، إن النهر واسع، والأمكنة كثيرة، وإن جسمك الضخم يسمح لك بالاستحمام في أي مكان بالنهر. فلماذا تضايقنا، وتعتدى علينا، وتحتل حمامنا، وتأخذه منا، وتمنعنا من الاستحمام فيه؟

فاغتر التمساح بقوته، وكبر جسمه، وفتح فمه الواسع، واحتقر العصفور، وضحك منه، وهزئ به. وقال له: سأبقى هنا كما أحب، وسأستحم بقدر ما أحب. وافعل ما تريد، أيها العصفور الصغير.

فتألم العصفور ألماً شديداً من ضحكه منه، واحتقاره له، واحتلاله لحمام العصافير. وذهب إلى زوجته وهو عابس غضبان فسألته: ماذا حدث لك؟ ولماذا أنت عابس؟

فأخبرها بما حدث من التمساح، وما فعله معه، وما قاله. فتألمت العصفورة كل الألم؛ لحزن زوجها، وقالت له: يجب أن نفكر في الأمر. ونخبر الرئيس ليجمع العصافير؛ لنكون قوة بها نستطيع أن نؤدب هذا المغتصب، ونطرده من حمامنا الذي احتله. ونعطيه درسا قاسيا؛ كي لا يحتقرنا، ولا يظن أننا طيور صغيرة، ومخلوقات ضعيفة، لا يمكنها أن تدافع عن نفسها. وسنعلمه كيف يحترمنا، ويعترف بحقوقنا. فليست القوة كل شيء، وسيرى نتيجة غروره واعتدائه.

فيل معتدي

وحينما كان العصفور يتكلم مع العصفورة، حدث شيء آخر غريب؛ فقد اهتزت الشجرة التي فيها عشهما اهتزازاً شديداً فجأة. وتمايل فرع الشجرة الذي وضع فوقه العش، حتى قرب العصفور أن يقع من فوق الشجرة. ولو لم تكن العصفورة راقدة فوق بيضها، محتضنة إياه، محافظة عليه، لتحرك من العش، ووقع على الأرض، وكسر.

فتألم العصفور ألماً على ألم، وزاد عبوسه، وسأل زوجته: ما هذا؟ وما الذي هز هذه الشجرة؟ ولم ينتظر الجواب، بل طار بسرعة من الشجرة، وترك العصفورة في العش؛ لتحافظ على البيض. ونظر بعينيه الصغيرتين ليرى كيف اهتزت الشجرة، وما الذي صدمها وهزها هذه الهزة. فوجد بالقرب منها فيلاً ضخماً كبير الجسم، رمادي اللون، له ذيل صغير مخبوء بين الأشجار. فقال له العصفور وهو متألم مما حدث: لماذا تحركت هذه الحركة أيها الفيل؟ ولماذا هززت الشجرة؟ ولماذا لم تجر بعيدا عنها؟ لقد تحرك العش الذي فيه زوجتي، وكادت تقع على الأرض بالبيض الذي فيه العش. حرام عليك أن تفعل هذا، ويجب أن تفكر في غيرك، وتفكر قبل أن تقدم على الشيء، وتجرى كما تحب بشرط ألا تضر أحداً.

فأجاب الفيل باحتقار للعصفور: إني لا أبالي ما حدث، ولا يهمني ما وقع، ولا أفكر إلا في نفسي.

وطبعا ليس في هذا الجواب شيء من الأدب. وكان ينبغي أن يقول على الأقل إنه آسف لما حدث، ولم يقصد إيذاء العصفورة؛ لأنها جارة. ويجب أن تراعى حقوق الجيران.

وقد عجبت العصفورة من إجابة الفيل؛ لأنها تدل على قلة الذوق. وتألم العصفور، وقال له: أنت لا تبالي ما حدث، ولا يهمك ما وقع، ولا تفكر في غيرك، كما تفكر في نفسك. ولكنك سترى نتيجة اعتدائك وظلمك. وإني أنذرك بأنك إذا هززت عشى ثانية فإني سأربطك بالحبل عقابا لك؛ كي لا تستطيع أن تتحرك بهذه الطريقة، وتضر غيرك.

ضحك الفيل، وقال: اربطني كما تحب، واعمل ما تقدر عليه. وتأكد أن ليس باستطاعتك أن تربطني، ولو اجتمع معك ألف عصفور.

السخرية من العصفور

فقال له العصفور: انتظر وسترى النتيجة. انتظر وستعلم ما يستطيع الضعيف أن يفعله حينما يتحد مع أبناء جنسه، وسترى كيف يمكنه أن يدافع عن نفسه، وينتصر على القوى الظالم، المغتر بقوته، المحب لنفسه، الذي لا يفكر في غيره.

فضحك الفيل بملء فمه، ولم يبال قول العصفور، وأخذ يجرى هنا وهناك، ويصدم الأشجار، ويهزها هزا شديدا، ليظهر قوته، ويفتخر بها. فودع العصفور زوجته، ثم طار إلى النهر ليرى ماذا تم في حمام العصافير. فوجد التمساح لا يزال نائماً في الماء نوماً عميقاً، وقد ملأ مكان الاستحمام بجسمه. فاغتاظ العصفور منه، وتألم من احتلاله لحمام غيره. ففتح التمساح عيناً من عينيه، وقال: إني محتاج لهذا الحمام، محب لهذا المكان. ولا يمكنني الاستغناء عنه، ولن أتركه للعصافير؛ لأنها ضعيفة، ولا يمكنها الدفاع عنه. ولن تجد فرصة للاستحمام فيه ثانية.

فقال العصفور: قد تحتاج لهذا الحمام، وقد تحبه، وقد يكون ضرورياً لك كما تدعي، ولكنه ملك لنا، فبأي حق تحتله؟ وبأي حق تغتصبه منا، وتعتدي علينا؟ يجب أن تفكر في غيرك كما تفكر في نفسك. ولا تغتر بقوتك. وسندافع عنه بحياتنا وأرواحنا حتى نطردك منه. وإني أنذرك بأن إذا وجدتك هنا غداً فإني سأربطك بالجبل؛ كي لا تستطيع أن تحتل مكان غيرك، وتدعيه لنفسك.

فأقفل التمساح عينه، وقال: اربطني كما تحب. اربطني بقدر ما تستطيع. واعمل ما تقدر عليه. وتأكد أن ربطك لي بالحبل لن يبقى طويلاً، حتى ولو اشترك معك في الربط آلاف العصافير. وماذا يستطيع عصفور ضعيف مثلك أن يفعل لتمساح كبير مثلي؟ ثم نام التمساح ثانية، واستغرق في نومه، ولم يهتم بالعصفور وتهديده.

فقال العصفور: انتظر قليلاً، وسترى ما يستطيع الضعيف أن يفعله حينما يتحد مع أبناء جنسه، وسترى كيف يهزم القوي المعتدى، المغتر بقوته.

طار العصفور، وذهب إلى زوجته الحكيمة، واستشارها في الأمر، وأخبرها بما قاله الفيل والتمساح، واغترارهما بقوتهما، وعدم اهتمامهما بالعصافير لضعفها.

اجتماع العصافير

فقالت العصفورة: اذهب إلى الرئيس، وأخبره بما حدث؛ ليجمع كل عصافير الغابة حتى تتحد وتكون يداً واحدة، فإن الاتحاد قوة، دونها كل قوة. وبالاتحاد تستطيع العصافير أن تعاقب الظالم، وتطرد المغتصب من أرضها.

فطار العصفور، وقال للرئيس: سيدي الرئيس، لقد حدثت اليوم حادثتان: الأولى: قد احتل التمساح مكاننا، واغتصبه بغير حق، وأخذ حمامنا لنفسه، مغتراً بقوته، ظاناً أننا ضعاف. والثانية: قد هز الفيل شجرتنا هزاً شديداً، ولم يفكر فينا، وقرب العش أن يقع من فوق الشجرة بما فيه من البيض. ولم يفكر في حقوق الجار، ولم يهتم بنا، متظاهراً بقوته، محتقراً ضعفنا وصغر أجسامنا، ويجب أن نفكر في الأمر، وندافع عن أنفسنا؛ كي لا يظلمنا أحد، ولا يعتدى علينا مخلوق.

فقال رئيس العصافير، وكان عنده أكثر من ثلاثة آلاف عصفور: أيتها العصافير، يجب أن نستيقظ غداً في الفجر، ونكون هنا جميعاً، لنعمل كأننا فرد واحد، ونجعل الاتحاد مبدأنا، ونعمل بجد وإيمان، وندافع عن حريتنا، ونبذل كل ما في قدرتنا، إلى آخر لحظة من حياتنا، حتى تنتصر على المعتدى علينا، ونعاقب الظالم على ظلمه؛ حتى لا يعتدى علينا أحد بعد اليوم، ولا يظلم القوي الضعيف، ولا يغتر القوى بقوته. وبالاتحاد، والصبر، وحسن الحيلة يمكننا أن ننتصر على القوة الظالمة مهما تكن قوتها.

فقالت العصافير: سمعاً وطاعة، وذهب كل عصفور إلى عشه.

وفي فجر اليوم التالي حضرت العصافير كلها، وهي مملوءة شجاعة، وعزيمة، وإيماناً. ولم يتأخر منها عصفور واحد.

فقال رئيس العصافير: إن في الغابة نوعاً متيناً طويلاً ملتفاً من النبات، وهو أشد متانة من الحبال المصنوعة من التيل. ويجب أن نأتي بهذا النوع من الحبال النباتية، ونذهب إلى الفيل في مكانه، ونربطه ربطاً متيناً، ثم نذهب إلى التمساح المغتصب ونربطه كذلك من حيث لا يعلم شيئا عن الفيل، ثم نعلن الحرب، وهي حرب العصافير، بشد الحبل بين الفيل والتمساح، وبهذه الحيلة سنتفرج عليهما طول الوقت، ونرى النتيجة في نهاية الحرب. وأعتقد أن النصر سيكون لنا.

خطة ذكية

فاستحسنت العصافير الخطة، ووعدت بتنفيذها بكل أمانة وإخلاص. وبعد قليل حضر الفيل، وأخذ يجرى في الغابة حتى صدم الشجرة التي فيها عش العصفور، وهزها هزة شديدة، وكانت العصفورة تنتظر ذلك منه، فاحترست واحتضنت بيضها، حتى لا يقع من اهتزاز الشجرة. وقال الفيل للعصفور: لقد حضرت، وإني مستعد لأن تربطني كما تحب.

فقال العصفور: سنربطك ربطاً محكماً؛ كي لا يمكنك أن تتحرك. وقد أحضرت العصافير الحبل النباتي المتين، ولفته حوله عدة مرات، وربطته به ربطاً جيداً، ثم قال العصفور: أيها الفيل، لقد ربطناك، ويمكنك أن تنتظر، حتى تسمع: “شد الحبل” فتشد، وهنا تبدأ حرب العصافير.

ضحك الفيل بملء فمه، وقال سأشد الحبل، حينما أسمع البدء في الحرب.

تركت العصافير الفيل، وطارت إلى التمساح على شاطئ النهر، فوجدته محتلاً مكانها الذي تستحم فيه عادة. فلما رآها التمساح ضحك، وقال لرئيس العصافير: هل أتيت أيها العصفور، أنت وأصدقاؤك لتربطني بالحبل كما قلت بالأمس؟

فأجاب العصفور: نعم قد أتيت لأربطك بالحبل، لنرى قوتك التي تفتخر بها، ونعرف الفائز في شد الحبل.

قال التمساح: اربط كما تحب. فشدت العصافير الحبل النباتي، وربطت التمساح به، ولفته حول جسمه الطويل عدة مرات. وقال العصفور للتمساح: الآن يمكنك أن تنتظر، حتى تسمع إعلان الحرب، حرب العصافير، حرب الحرية والاستقلال. فإذا سمعتني أقول: “شد الحبل” فاعلم أن الحرب قد بدأت ويمكنك أن تشد وتسحب، كما تريد، وأن تظهر لنا قوتك التي تتظاهر بها. وسنرى الفائز في النهاية. هل ينتصر القوى المغتر بقوته، أو الضعيف المعتمد على الله وعلى إيمانه، وعزيمته، وصبره واتحاده؟

ولشده كسل التمساح، واحتقاره للعصفور، لم يجبه. وضحك في سره؛ حتى أحدث الماء موجة خفيفة من حوله.

ترك العصفور التمساح، وطار ووقف في الوسط بين التمساح والفيل، ومعه جيش العصافير، بين فروع الأشجار، بحيث لا يستطيع الفيل أن يرى هذا الجيش، ولا يستطيع التمساح أن يراه. ولم يعرف الفيل شيئا عن التمساح. ولم يستطع أحد منهما أن يرى الآخر.

حرب العصافير

وهنا صاح العصفور بأعلى صوته: “لقد أعلنت حرب العصافير. شد الحبل”. فشد الفيل الحبل بكل قوته، وأحس التمساح بقوة الشد، فقال: ما أقوى هذا العصفور!

وشد التمساح الحبل، فأحس الفيل بقوة الشد. وقال: ما أقوى هذا العصفور! وأخذ التمساح يشد من جهة، والفيل يشد من جهة أخرى، وظن كل منهما أن العصفور هو الذي يشد الحبل ضده. واستمر التمساح والفيل يشدان بأقوى ما يستطيعان، ولا يرى أحدهم الآخر. استمر الفيل ليشد الحبل من جهة، والتمساح يشده من جهة أخرى. وكانت قوة الفيل مثل قوة التمساح، فلم يستطع أحدهما أن يحرك الآخر، أو يغلبه. وكانت الحرب عجيبة حقاً. واستمر الاثنان يشدان الحبل طول النهار من الصباح حتى قربت الشمس أن تغرب من الغرب.

ولكثرة الشد، واستمرار الحركة، أحس الفيل والتمساح بالحرارة، وشدة العطش، وأخذ كل منهما يلهث من شدة التعب، ويندم على ما فعل، ويخجل من اغتراره بكبر جسمه وقوته، وقال لنفسه: يا ليتني ما ضحكت من العصفور، وما هزئت به، وما سخرت منه، وما استصغرت قوته.

وقفت العصافير في الوسط تنظر إلى الفيل مرة، وإلى التمساح مرة أخرى، وهي تضحك من حركتهما العجيبة، وقد تصبب عرقهما، وظهر تعبهما، من شد الحبل من الصباح إلى المساء.

اعتذار وندم

وأخيرا رأى الفيل أن الشمس بدأت تغيب، وأنه لا فائدة من استمرار الحرب، فتقدم إلى رئيسها، وقال له بصوت ضعيف متعب: إني آسف لما حدث، وقد أخذت درساً قاسياً، ولن أتظاهر بالقوة مرة أخرى، وسأحترم حقوق جيراني، ولن أتخبط في الأشجار بعد اليوم، وأرجو أن تحل هذا الحبل الملفوف حولي، وتطلق سراحي، وإني أعاهدك أن أفكر في غيري كما أفكر في نفسي.

وفي الوقت نفسه أحس التمساح بما أحس به الفيل، وندم على احتلاله حمام غيره. وقال: إن جميع حيوانات الغابة ستأتي لتشرب قبل غروب الشمس. وستضحك منى، وتهزأ بي، حينما تراني مربوطا بهذا الحبل، ثم نادى رئيس العصافير، وعرض عليه الصلح. وقال له: إني اعتذر عما حدث منى، وأرجو أن تأمر بوقف الحرب، وإطلاق سراحي، وإني أعدك ألا أقرب من مكان العصافير. وكل رجائي أن تعفو عنى، وتصفح عن ذنبي؛ فقد كنت حسن النية. وقد أخطأت في حب نفسي، وعدم التفكير في غيري.

فقبل رئيس العصافير الصلح، وعفا عن الفيل والتمساح، وأطلق سراحهما، وذهبا مهزومين في الحرب التي اعتمدا فيها على القوة الظالمة، وأعلن الرئيس انتصار العصافير على المعتدين الظالمين، بحكمتها واتحادها وصبرها. وفرحت العصافير فرحا كثيراً بالانتصار في الحرب، وأقامت حفلاً كله سرور بالنصر في حرب القوى مع الضعيف.

ذهب الفيل إلى حاله، ورأسه في الأرض، من شدة التعب، وشدة الخجل من الهزيمة في الحرب، ولم يستطع أن يرفع رأسه ثانية؛ لأنه قد هزم، وهو كبير، ضخم الجسم. ولكن انتصر العصفور عليه، وهو طائر صغير ضعيف.

وزحف التمساح بين عيدان البوص على شاطئ النهر، وأخفى نفسه من خجل الهزيمة؛ لأنه هزم، ولم يحس بأي راحة طول النهار. وقد وفى بوعده، ولم يستطع بعد هزيمته أن يعتدى على حمام العصافير. ولم يعلم الفيل والتمساح أن كلا منهما كان يشد الآخر، حتى ضعفت قوتهما أمام حيلة العصافير. وقد أثبتت العصافير أن القوة ليست حقاً، وأن الضعفاء يستطيعون مقاومة الأقوياء، والانتصار عليهم، بالذكاء، وحسن الحيلة، والاتحاد.

الاتحاد قوة

وبعد هذه الحرب كان الفيل يمشي في الغابة هادئاً، لا يتظاهر بقوته، ولا يعتدى على العصافير أو غيرها. وتاب التمساح، ولم يستطع أن يذهب إلى حمام العصافير، ولم يغتر بكبر جسمه، ولم يحتل مكان أحد آخر.

واستمرت العصافير تذهب كل يوم صباحاً للاستحمام وهي هادئة، لا يعتدى على حمامها تمساح من التماسيح، ولا يزعجها في عشها فيل من الأفيال.

وقد وضعت العصافير رؤوسها الصغيرة، تحت أجنحتها، ونامت نوماً مريحاً هادئاً، وحلمت أحلاماً سعيدة سارة، بعد أن انتصرت في الحرب. وهي ضعيفة الأجسام، على عدوين قويين، اعتمد كل منهما على قوته الجسمية والمادية، ولم تنفعه قوته الغاشمة بشيء. وانهزم العدوان، وانتصر الحق على الباطل، وهزم الضعيف القوى. فقد اعتمد الضعيف على الاتحاد والصبر، وحسن التفكير، والتنظيم والترتيب، وقوة الإيمان بالنصر. واعتمد القوى على قوته الجسمية والمادية، المصحوبة بالظلم والاعتداء، وعدم التفكير في حقوق الغير وشعوره وإحساسه. فهزم شر هزيمة، وكانت عاقبته الذل والخجل، والخضوع للحق، والاستسلام في النهاية. ذهبت العصافير لتنام، وهي مقتنعة راضية، فرحة مسرورة، وعاشت سعيدة مطمئنة على نفسها، وعلى طيورها الصغيرة، طول الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى