قصة رد الجميل

تدور أحداث قصة رد الجميل حول الطفل الشجاع فاضل وإنقاذه للكلب بوبي ومحاربتهم للص معاً في أسلوب قصصي تربوي يعلم الصغار أهمية الشجاعة وفعل الخير ومساعدة الأخرين لوجه الله فالخير يعود لصاحبه دائماً مهما طال الزمن.

كلب مجروح

كان فاضل يسكن مع أسرته في ضيعة (عزبة) بالريف، وعمره إحدى عشرة سنة، وهو في السنة الأولى من المدارس الإعدادية.

وكانت الأسرة تشترى ما تحتاج إليه من (البضاعة) من بقال في قرية من القرى القريبة من الضيعة. وفي ظهر يوم من الأيام أرسلته أمه إلى القرية ليشتري لها صابونا وسكرا من البقال، وأعطته النقود، وأوصته بوضعها في جيبه، والمحافظة عليها من الضياع.

وضع فاضل النقود في جيبه، كما أمرته أمه، وخرج ومعه سلة (سبت) صغيرة، وسار في طريق ذراعي يوصل إلى القرية، لشراء ما طلبته أمه.

سار فرحا مسرورا، يصفر ويغنى، وظن أن البقال سيعطيه قطعة من اللبان أو الحلوى؛ ليشجعه على الشراء منه.

وحينما كان ماشيا في الطريق الزراعي، سمع صوتا غريبا عن بعد.، فوقف فاضل وأخذ يصغي؛ ليعرف من أين أتى هذا الصوت، وقال: أعتقد أن هذا صوت حيوان مريض، يتوجع، ويشكو الألم. وبعد لحظة سمع الصوت مرة ثانية، وتأكد أنه صوت كلب، فذهب إلى الجهة التي أتى منها الصوت؛ ليعرف سبب توجعه وألمه.

استمر الكلب يئن ويتوجع، فزعق فاضل: إني آتي إليك فلا تخف. وسأساعدك بقدر ما أستطيع.

اتجه فاضل إلى الجهة التي صدر منها الصوت من الحقل، وأخذ يبحث في الحقل عن الكلب، واستمر ينتقل من جهة إلى أخرى؛ حتى رأى كلبا صغيرا، أسود اللون، بجانب كومة من الأعشاب الخضراء، فجرى نحوه، وأخذ يسأله: ماذا حدث لك أيها الكلب الصغير؟ ومن أي شيء تشكو؟

فتأوه الكلب، ونظر إليه نظرة متألم، وأحس أنه أتي ليخلصه، وأن نظرته نظرة حنان وشفقة ورحمة، فاقترب من فاضل، وربت فاضل عليه بيده، ونظر إلى رجله، فوجدها مجروحة، جرحا كبيرا، ولم يعرف سببا لهذا الجرج.

فقال فاضل: مسكين أيها الكلب الصغير، ونزلت الدموع من عينيه: فهو رقيق القلب، نبيل الإحساس، لا يحتمل رؤية شيء معذب، سواء أكان إنسانا أم حيوانا.

مساعدة الكلب

أخذ فاضل الكلب ورجع به إلى البيت، وأخر ما طلبته منه أمه، وهو شراء شيء من الصابون والسكر من البقال، وأخبر أباه بالأمر، وكان يعلم كثيرا عن علاج الحيوان، فنظف رجل الكلب، ودهنها بدهان خاص بالجروح، وربطها (بشاش) نظيف. ثم نظر الأب إلى رقبته، فوجد فيها طوقا من الجلد، كتب عليه اسم الكلب (بوبي)، واسم صاحبه السيد موسى نسيم، من بلدة العزيزية.

قال الأب لابنه: إني أستحسن يا فاضل أن أركب وأذهب إلى بلدة العزيزية؛ لأسلم الكلب لصاحبه: لأن رجله مجروحة، وتحتاج إلى عناية كبيرة. وسأنصح له بعرضه على طبيب بيطري؛ ليرى ما أصاب رجله. ويمكنك أن تأتي معي إذا أحببت.

قال فاضل: نعم سآتي معك يا أبي، وأخذ الاثنان الكلب معهما، وذهبا إلى صاحبه بالعزيزية، وسلماه له، فسر كثيرا لرده إليه، وشكر لهما ما قاما به من تعب في سبيله، وقال: إنه سيأخذه إلى طبيب بيطري في الحال، ليعالج رجله، كي لا يحدث له ضرر.

وقدم لفاضل عشرة قروش ليشتري بها حلوى، فرفض فاضل بأدب أن يأخذها، وقال له: إنني لم أنقذه لأحصل على نقود أو جائزة، ولكنني أنقدته لأنه كان متألما، ووجدت من الواجب على أن أساعده، وأزيل ما كان يحس به من ألم.

ودع فاضل وأبوه صاحب الكلب وذهبا إلى البقال لشراء ما تحتاج إليه الأسرة من الصابون والسكر، ورجعا ثانية إلى بيتهما في الضيعة (العزبة)، وقال له أبوه وهما راجعان في الطريق: لقد أحسنت فيما قلت لصاحب الكلب يا بنى. وقد أعجبني جوابك. وحقا إن من الواجب أن يعمل الإنسان الخير حبا لفعل الخير في ذاته من غير أن ينتظر عليه أي ثواب أو جائزة. وإن أنصح لك ألا تأخذ أجرا في يوم من الأيام على عمل أي خير. وتأكد أن الله سيكافئك على فعل الخير في مستقبلك. وقد قال تعالى: ((من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)).

فاضل واللص

ذهب فاضل إلى بيته، ومكث أكثر من سنة وهو لا يعرف ماذا تم في جرح الكلب، وماذا حدث له بعد تركه. وبمضي الوقت نسي كل ما يتصل بالكلب، ولم يفكر فيه. ومن النادر أن يمر أبوه بالعزيزية، فلم يتمكن من سؤال صاحبه عنه.

وفي يوم من الأيام أرسلت الأم ابنها إلى حديقة من حدائق الفاكهة تبعد عن الضيعة قليلا؛ ليشتري منها شيئا من البرتقال واليوسفي، وأعطته خمسة وعشرين قرشا في جيبه، منها قطعة بعشرين قرشا، وخمس قطع من ذات القرش الواحد. فمشى وحده في الطريق الزراعي الموصل إلى الحديقة، وأخذ يصفر ويغنى وهو ماش كعادته، ويلعب بيده في النقود التي في جيبه؛ حتى سمع صوتها وهو يلعب بها، وليس هذا من المستحسن. وحينما كان سائرا وحده في الطريق، خرج له من بين الزراعة فجأة، لص من اللصوص، ووقف أمامه، ومنعه من السير، وقال له بصوت مخيف كله تهديد: أعطني قرشا! ومد له يده.

نظر فاضل إلى اللص، فوجده عابس الوجه، قبيح المنظر. فخاف منه، ورأى أنه يحسن أن يعطيه قرشاً، ثم يجري ويهرب منه بسرعة. وقد وضع يده في جيبه، ليخرج قرشاً، ولكن لسوء الحق أخرج ريالا – وهو قطعة من الفضة قيمتها عشرون قرشا – بدلا من أن يخرج قرشا. فوضع فاضل (الريال) في جيبه، وأرجعه فيه بسرعة، ولكن اللص قد رأى (الريال)، وتأكد أن معه نقودا أكثر منه، وفهم أنه ذاهب لشراء بضاعة من مكان ما.

قال اللص لفاضل بصوت كله خشونة وغلظة وقسوة: هات كل ما معك من النقود! هات، وأسرع، وإلا ضربتك بهذه العصا، وربطتك، ورميتك في الحقل، وأخذت كل ما معك من النقود غصباً. هات بالذوق والحسنى، وأخرج ما في جيوبك، وإلا قتلتك، وأخذتها منك.

ركض فاضل وقفز إلى الشمال وأراد أن يبتعد عن اللص ويهرب منه، ولكن اللص كان أسرع منه. فأمسك به من ذراعه، وشده جهته بقسوة، وضربه بقبضة يده على أذنه. فزعق فاضل، وصاح بأعلى صوته: ألحقوني، ألحقوني! النجدة، النجدة!

نجدة من لا مكان

فهزئ به اللص، وسخر منه، وقال له: ازعق كما تريد، فهذا مكان منقطع، وليس فيه أحد. ولن يسمعك إنسان هنا. أعطني كل ما معك من النقود! هات حالا! وإلا ضربتك ضربة أخرى أشد من الأولى.

لم يستسلم فاضل، وتشجع، واستمر يصرخ: ألحقوني، ألحقوني، ألحقوني! ولم يسكت عن الصراخ والصياح. وبذل كل ما في قوته، ليتخلص من اللص، ولكنه لم يتركه، ولم يفرج عنه. واستمر قابضا عليه بإحدى يديه قبضة شديدة. مهددا له بيده الأخرى، بالعصا التي معه.

وأحس الصبي أن يده مضغوطة بعصي من الحديد، واستمر في الصراخ ولم يخضع له، ولم يبال تهديده، ولم يعطه ما معه من النقود، ولم يتأثر لشدة قبضه.

وفجأة أقبل في الطريق كلب قوي، أسود اللون، كبير الحجم، مخيف المنظر؛ فقد سمع صوت الاستغاثة، وهو ماش بين المزارع والحقول، فجاء يجرى جهة اللص، وأخذ يشم فاضلا من يده.

صاح فاضل: الحقني أيها الكلب القوي. خلصني أيها الكلب الشجاع من يد هذا اللص القاسي.

شم الكلب يد فاضل، فعرفه، ونبح نباح السرور بلقائه، وألقى بنفسه فوق اللص، وأمسك بحلته وسرواله، ومزقهما تمزيقا. فخاف اللص، وأخذ يصيح، وترك ذراع فاضل، وبدأ يهدد الكلب، بالعصا التي في يده. فلم يهتم الكلب، ولم يسمح للص بالحركة، واستمر يمزق ملابسه، ويقطع سرواله، وعض رجله وذراعه.

جرى فاضل مسرورا، وفرح بما عوقب به اللص، ونادى الكلب فلم يصغ إليه. وقال له: هذا يكفي. هذا يكفي. ولكن الكلب لم يعتقد أن في هذا الكفاية. واستمر يعضه، ويمزق ملابسه. وأخيرا جرى اللص في الطريق الزراعي، وهرب.

وبعد قليل جرى الكلب الوفي الشجاع وراء فاضل، يهز ذيله، ولسانه خارج من فمه، وعيناه تبرقان فرحا وسرورا. ورفع رجله بكل احترام ليسلم على فاضل.

فعجب كل العجب، واستغرب كل الاستغراب، فمد فاضل يده إليه، وسلم عليه. وتصافح الاثنان، كأنهما صديقان متحابان مخلصان، تقابلا بعد الفراق الطويل، واشتاق كل منهما للآخر، والنظر إليه، والسلام عليه.

صديق من الماضي

وحينما وضع الكلب رجله فوق الأرض، لاحظ فاضل أنها ليست سليمة، وأن بها علامات جرح قديم. فتذكر أنه منذ أكثر من سنة، أنقذ كلبا مجروحاً في الحقل، وأمسك برقبته. ونظر إلى الطوق الذي حولها، ليعرف اسمه وشخصيته، وعنوانه وصاحبه، فوجده قد كتب عليه: “بوبي، وصاحبه السيد موسى نسيم بالعزيزية”.

فعجب فاضل كل العجب، وقال: بوبي، بوبي، هذا أمر غريب؛ لقد كنت في السنة الماضية صغيرا، وصرت الآن كبيرا. وكنت مجروحاً في الحقل، فأنقذتك، وحملتك، وقام أبي بعمل الإسعافات الضرورية لك. وسلمناك لصاحبك. وقد تحسنت رجلك، وشفيت، ولكن أثر الجرج مازال باقيا. إني مسرور كل السرور لرؤيتك اليوم، بعد هذا الغياب الطويل. هل عرفتني يا بوبي؟ وهل عرفت أني الغلام الذي أنقذك وأنت مجروح؟ وهل علمت أنني في حاجة شديدة إلى من ينقدني اليوم من هذا اللص القاسي، فأتيت تجري لإنقاذي؟ إنني لم أقبل أن أخذ جائزة حينما خلصتك. ولكنك في هذا الصباح كافأتني أحسن مكافأة، وجزيتني أحسن الجزاء، وأزلت عنى الشدة التي كنت فيها.

وخلصتني من لص مجرم، قاسى القلب، لا يعطف على أحد ولا يعرف الرحمة، والرحمة لا تعرفه، ولا يفكر في الأمانة، ولا يخجل من ضرب غلام صغير؛ ليأخذ كل ما معه من النقود. وقد هددني، وأراد أن يقتلني من أجل خمسة وعشرين قرشا معي.

فوافق (بولي) فاضلا على رأيه، ونبح مسرورا: (وف، وف، وف)، وأخذ يركض ويقفز حوله، وهو في غاية الفرح والسرور. وقد أحس (بوبي) أن هذا الغلام أنقذه منذ مدة طويلة، وعطف عليه كل العطف، وقام بواجبه نحوه، وأخذه، مع أبيه إلى صاحبه. لقد عرف الكلب هذا كله، ولم ينس بذاكرته القوية شيئا منه، وقد رد الجميل، لفاضل النبيل.

عقاب اللص

أخذ فاضل الكلب معه، ورجع إلى البيت من غير أن يشتري شيئا، لتضمد له أمه جرحا في يده. وتعالج ما أصابه من رضوض وكدمات في ذراعه، في الموضع الذي ضغط عليه اللص ضغطاً شديداً.

وصل فاضل إلى البيت، وقد ذكر لأمه وأبيه القصة كلها. فتألماً لما حدث له كل الألم، وحمدا الله حمدا كثيرا؛ لإنقاذ هذا الكلب له من يد اللص. وقد ضمدت الأم له ذراعه، وربطته برباط نظيف من (الشاش)، ووقف الكلب بجانبه، لينظر إليه، ويطمئن عليه. واتصل الأب بمركز الشرطة بالتليفون، وأخبر الضابط بالحادثة، فأرسل بعض الخفراء للبحث عن اللص بين المزارع والحقول. فوجدوه مختبئاً فيها، فقبض عليه، وسلم للقضاء، وعوقب العقاب الذي يستحقه.

وبعد أن انتهت الأم من تطهير ذراع ابنها، وتضميده وربطه، رجاها ابنها أن تسمح له بأخذ الكلب، والذهاب معه لتسليمه لصاحبه بنفسه، وإخباره بالقصة كلها؛ ليعرف ما قام به كلبه القوي الذاكرة، الوفي الشجاع.

فسمحت له أمه، وأخذه، وذهب به إلى صاحبه، وأخبره بحكايته، وما قام به نحوه، وكيف دافع عنه وخلصه من اللص.

صداقة تدوم

عجب صاحب فاضل حينما سمع القصة، وقال له: إنه كلب ذكي، شديد الإحساس، وحاسة الشم عنده قوية جدا. فقد تذكرك، مع أنه لم يرك منذ السنة الماضية. وهو كلب وفيمن الكلاب الغالية النادرة، التي يمكن استخدامها والانتفاع بها في معرفة اللصوص والمجرمين. وقد تأثرت رجله بما حدث لها وهو صغير، وأثر الجرح ظاهر إلى الآن، ولكنه يسير عليها بسهولة. ولولا إنقاذك له، وإسعافه في الحال، لمات في الحقل من غير أن يراه أحد.

فضحك فاضل، وقال: ولولاه اليوم لأخذ اللص كل ما كان معي من النقود. وقتلني بغير رحمة، من أجل خمسة وعشرين قرشاً، أراد أن يأخذها منى بالقوة. فله الفضل في إنقاذي اليوم من اللص حقاً، ومعاقبته بعضه، وتقطيع ملابسه وتمزيقها، حتى تركني، وخبأ نفسه في الحقل. فقد كنت وحدي في طريق زراعي منقطع، ليس فيه أحد من الناس. وخرج لي الرجل فجأة من بين الحقول، وانقض على، وأخذ يهددني لأعطيه كل ما معي من النقود. وضربني بقبضة يده على وجهي، وضغط على ذراعي بشدة وقوة؛ حتى أحسست أن ذراعي قد ربط بأسلاك حديدية ربطا محكما. وهددني بالعصا التي في يده الأخرى. فأنا قد أنقذته وهو صغير، فرد الجميل اليوم، وأنقذني وهو كبير. فليس لي دين عليه. وليس عليه دين لي، فكل منا قام بدفع ما عليه من الدين.

وقد اعتاد فاضل بعد هذه الحادثة أن يذهب لزيارة (بوبي) عند صاحبه، والتسليم عليه. فيسلم عليه بيده، ويخرجان للرياضة معا، ثم يودع كل منهما الآخر، ويقول: إلى اللقاء، إلى القاء، في القريب العاجل إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى