قصة الأخوة السعداء

تحكي قصة الأخوة السعداء حكاية ثلاث أشقاء يستغلون ما لديهم من شيء قليل ويبذلون أقصي جهدهم مع التوكل علي الله حتى يجدوا رزقهم الواسع في أسلوب قصصي تربوي يحث على أهمية التوكل والاجتهاد ولو بأبسط الأشياء حتى تحقيق الغاية والنجاح.

توزيع الثروة

يحكى أن رجلاً كبرت سنه، وأحس بقرب موته، فجمع أبناءه الثلاثة، وهم: فريد، وسعيد، وحاتم. وقال لهم: إنني الآن كبير السن، وأحس بأن نهايتي قد قربت، وحياتي ستنتهي قريبا. وأحب أن أعطيكم كل ما أملك في الحياة؛ حتى لا تختلفوا بعد موتي. وأعطى فريد – وهو الأكبر – ديكاً، وأعطى سعيد – وهو المتوسط – منجلاً يحصد به القمح، وأعطى حاتم – وهو الأصغر – قطة. وهذا كل ما يملك في هذه الحياة الدنيا.

وقال الأب لهم: كنت أحب أن أعطيكم أشياء أكثر قيمة مما أعطيتكم، ولكنها كل ما أعطاني الله، في الحياة، فقسمتها بينكم قبل أن أموت. وليس عندي مطلقاً نقود أو أموال أخرى أقدمها لكم. وقد تظنون لأول مرة أن هذه الأشياء – وهي الديك والمنجل والقطة – قليلة القيمة، أو عديمة الفائدة، أو لا قيمة لها مطلقاً. ولكن اعلموا حق العلم، أن قيمتها تتوقف عليكم وحدكم. ففي استطاعتكم أنتم أن تجعلوها كبيرة القيمة، وتحولوها إلى أشياء ثمينة، لا تقدر يمال. وتأكدوا أن الغنى والفقر بيد الله، فإذا أراد الله لكم الغنى جعلكم أغنياء من أقل الأسباب. ولا أطلب منكم إلا شيئا واحداً، هو أن يبحث كل منكم في العالم عن الجهة التي تجهل الشيء الذي عنده، وتحتاج إليه أشد الحاجة، وتحس عملياً بفائدته وقيمته؛ حتى يجد كل منكم حظه السعيد.

فشكر كل منهم لأبيه عطيته ووصيته، ووعدوه أن يعملوا بهذه الوصية، وأن يبذل كل منهم جهده، حتى يجدوا حظهم في الحياة.

وبعد أيام مات الأب، وقام الأبناء الثلاثة بدفنه، وحزنوا لموت أبيهم وفراقه، وحرمانهم عطفه وشفقته وحبه، وصبروا على قضاء الله وحكمه.

مغامرة بالديك

بعد أيام استأذن فريد من أخويه، وخرج مسافراً في رحلة، ومعه ديكه، إلى بلاد الله، ليرى حظه في الحياة، فدعوا له بالنجاح والتوفيق في سفره ورحلته. وأخذ ينتقل من قرية إلى قرية، ومن بلدة إلى بلدة، فإذا سمع الديكة تصيح فوق البيوت، أو رآها عند بائعي الدجاج تأكد أن طائره معروف، وليس بجديد في تلك القرية أو البلدة، وأنه عند كل أسرة، ولا فرصة أمامه في أن يجد حظه في البلاد التي يكثر فيها الدجاج والديكة.

واستمر فريد ينتقل من بلد إلى آخر؛ ليبحث عن بلدة لا وجود للديكة فيها، ولا تعرف شيئاً عنها. حتى وصل في النهاية إلى جزيرة من الجزائر البعيدة التي يجهل سكانها كل شيء عن الديكة. ولم يسمعوا في حياتهم ديكاً يصيح، ولم يعرفوا من الأوقات إلا الصباح والمساء. فالصباح يعرفونه بطلوع الشمس، والمساء يعرفونه بغروبها. ولكنهم إذا استيقظوا في أثناء الليل لا يجدون وسائل يميزون بها الأوقات بعضها من بعض.

فاتصل فريد بحاكم الجزيرة، وتعرف على أهلها وسكانها، وبين لهم أن عنده طائراً جميل الصورة، مرفوع الرأس، كأنه فارس من الفرسان، له عرف أحمر فوق رأسه، به يستطيعون معرفة الوقت ليلاً، فهو يصيح بانتظام ثلاث مرات كل ليلة، في أوقات محددة. وأحياناً يصيح نهارا؛ ليأخذ المستمعون حذرهم بأن الجو سيتغير. فأعجب الحاكم وسكان الجزيرة بالديك إعجاباً كبيراً، ولا عجب، فإنهم لم يروه، ولم يعرفوا عنه شيئاً من قبل. وقد سهر الحاكم والسكان ليلة كاملة؛ ليسمعوه وهو يصيح، كأنه دقات الساعة. فصاح في تمام الساعة الثانية صباحاً، وفي تمام الساعة الرابعة صباحاً، وفي تمام الساعة السادسة صباحاً. ففرح به حاكم الجزيرة والأهالي فرحاً كثيراً. وعجبوا كل العجب كيف يصيح بانتظام كل ساعتين بعد منتصف الليل.

فسأله حاكم الجزيرة: هل من الممكن أن يبيعه؟ وما الثمن الذي يطلبه؟ فأجابه فريد: نعم، إن من الممكن أن أبيعه، وإن الثمن الذي أطلبه هو مقدار ما يحمله حمار من الذهب.

حمل الحمار من الذهب

فتشاور الحاكم في الأمر، مع الكبار من أهل الجزيرة، وقرروا جميعا أن هذا الثمن مناسب لهذا الطائر العجيب، الذي يبين لهم الزمن والوقت بنظام، وأن الجزيرة في شدة الحاجة إليه. وقالوا بصوت واحد: إننا موافقون على إعطائه الثمن الذي طلبه. وجمعوا له من الذهب حمل حمار، وأعطوه إياه مع الحمار، فأعطاهم الديك، وأخذ الحمار وما فوقه من الذهب. وودع حاكم الجزيرة وكبارها، ورجع إلى بلده ناجحاً مسروراً، موفقاً، وقد تحقق حظه السعيد.

ولما رجع فريد إلى بلده، قص على أخويه قصته، وهنآه بنجاحه وتوفيقه، وفرحا بالثروة التي رزقه الله بها. وقد عجبا كل العجب، واستغربا كثيراً كيف استطاع أن يبيع ديكاً بهذه الثروة الكبيرة من الذهب. فقال لهما: لقد تحققت وصية أبي، وأغناني الله من أبسط الأسباب.

فقال سعيد: لقد أتى الآن دوري، في أن أخذ منجلي الذي يحصد به القمح وأجرب حظي في الحياة، وأعمل منه حكاية يعجب لها الجميع، ويجدون لذة وغرابة عند استماعها. وقد استعد للرحلة، وأحضر منجله، وودع أخويه، وودعاه، ودعوا له بالنجاح والتوفيق.

من يشتري المنجل؟

ترك سعيد بلده وسافر ومعه منجله؛ ليبحث عن بلدة لا تعرف شيئا عن المناجل التي يحصد بها القمح؛ حتى يحصل على أكبر ثمن مقابل منجله. وأخذ يتنقل من قرية إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد؛ ليبحث عن حظه في الحياة. فكان في البدء إذا ذهب إلى جهة، وجد الفلاحين فيها يعرفون كل شيء عن حصد القمح بالمناجل. ورأى عندهم في الحقول منها الكثير، ووجد الفلاحين يضعون مناجلهم في أيديهم وهم ذاهبون بها إلى الحقول لحصد القمح. ولاحظ أن مناجلهم ومحاصدهم لا تقل عن منجله أو محصده، بل هي أحسن مما عنده كثيراً.

وقد استمر سعيد يتنقل من بلده إلى أخرى، ويبحث عن جهة لا تعرف شيئاً عن المناجل والمحاصد. حتى وصل في النهاية – لحسن حظه – إلى جزيرة من الجزر البعيدة، التي لا يعرف أهلها شيئا عن المنجل. ولم يسمعوا مطلقاً عنه أو عن حصد القمح به. وكان الفلاحون في الجزيرة إذا نضجت حقول القمح أو الشعير أو الفول عندهم، تجمعوا وذهبوا إليها في الفجر. وأخذوا يحصدونها بأيديهم بطريقة بطيئة، متعبة لهم ولأيديهم، إلى تمام الساعة العاشرة. فيتركون العمل، لشدة الحرارة، وللخوف من تلف المحصول، وقد حصدوا مع كثرة عددهم جزءاً صغيراً من القمح أو الشعير.

وفي اليوم التالي ذهب سعيد في الفجر مع الفلاحين، إلى حقل القمح، ومعه منجله، ليشترك معهم في الحصاد؛ وليريهم ما يستطيع أن يحصده بمنجله. وقد ترك الفلاحين يحصدون في جهة من الحقل، وأخذ يحصد بمنجله في جهة أخرى. فحصد من القمح مقداراً كبيراً في وقت قليل. فوقف الفلاحون عن الحصد، ونظروا إليه نظرة عجب واستغراب، وفتحوا أفواههم معجبين مستغربين. وأخذ كل منهم يسأل الآخر: كيف يستطيع فرة واحد أن يحصد من القمح أكثر مما يحصده عدد كبير منهم، من غير أن يحس بألم في يده كما يحسون.

حصان ملئ بالذهب

فعرض عليه أهل الجزيرة أن يشتروا منه هذا الشيء العجيب، الذي يحصد به القمح والشعير والفول والبرسيم بسرعة، من غير إيلام لليد. فرضي أن يبيعه لهم، وعرفهم أن اسمه المنجل أو المحصد. وسألوه عن الثمن الذي يطلبه. فأجابهم: إن الثمن أن تعطوني حصاناً، وتضعوا فوقه ما يستطيع أن يحمله من الذهب.

فوافقوا على هذا البدل، وأحضروا له حصاناً من الجياد الأصيلة، ووضعوا فوقه حملاً كبيرا من الذهب. وقدموا إليه الحصان وما يحمل، وقدم إليهم المنجل العجيب، وودعهم شاكراً، وودعوه شاكرين. ورجع إلى بلدته، وذهب إلى أخويه، وقص عليهما قصته، وأخبرهما بما لقيه في رحلته. وما صادفه من حسن الحظ في النهاية، فهنآه بنجاحه وتوفيقه، وحظه السعيد.

وقد اشتاق الأخ الثالث – وهو حاتم – أن يأخذ دوره، ويسافر ومعه قطته؛ ليجرب حظه، ويعمل منها قصة يعجب الناس عند استماعها. فاستأذن أخويه في السفر، فسمحا له، ودعوا له بالنجاح والتوفيق. وودع أخويه، وودعاه، وسافر من بلدته، وكله أمل في الله، وثقة بالنجاح والنصر.

قطة للبيع

وجد صعوبة في البدء كما وجد أخواه من قبل. فكلما ذهب إلى مدينة وجد فيها عدداً كبيراً من القطط، فيتركها ويسافر إلى مدينة أخرى. ويحاول البحث عن جهة لم تر قطة من القطط، ولم تسمع عنها شيئاً. ولم يجد النجاح سهلاً في الأول، ففي كل بلدة نزل بها كثير من القطط، وفي كل قرية ذهب إليها جيش كبير منها.

واستمر حاتم يتنقل من جهة إلى أخرى حتى وصل في النهاية إلى جزيرة من الجزائر التي لا تعرف شيئا عن القطط، ولم ترها، ولم تسمع عنها من قبل. وكان ذلك من حسن حظه. وقد كثرت الفئران في تلك الجزيرة إلى درجة كبيرة وأزعجت السكان، غنيهم وفقيرهم، وأتلفت طعامهم وشرابهم، وقرضت ملابسهم، وضايقتهم وهي تجرى على المائدة في أثناء تناول الطعام، وتقفر من كرسي لآخر في جوانب الحجرة. وقد شكا السكان مر الشكوى ما لحقهم من الضرر والمتاعب بسبب تلك الفئران المؤذية الضارة.

ولم يعرف حاكم الجزيرة نفسه كيف يتخلص من متاعب الفئران في بيته. ففي كل ركن من أركان البيت، وفي كل حجرة من الحجر تجرى الفئران هنا وهناك. وتقرض كل ما تصل إليه أسنانها، حتى تضايقت منها الأسرة، وسئمت رؤيتها، وكرهت منظرها، وتمنت التخلص منها.

وقد سر حاتم سروراً كثيراً؛ لأنه وجد المكان الذي يحتاج إلى قطته حقاً. فتقدم إلى حاكم الجزيرة، وأخبره أن في استطاعته أن ينقذه وينقذ أهل الجزيرة، من هذا العدو المزعج، والحيوان المقلق، وهو الفأر.

فسأله الحاكم: وكيف يمكنك أن تخلصنا من الفئران؟

فأجابه حاتم: سأريك يا سيدي كيف أخلصك وأريحك من مضايقتها في لحظة. ثم ترك قطته في حجرة الجلوس، وكانت مملوءة فئراناً تتنقل من جهة لأخرى في الحجرة. ففي الحال أخذت تطارد الفئران وتصطادها وتقتلها، وفي غمضة عين نظفت هذه الحجرة من هذا العدو المزعج.

بغل يحمل الذهب

فعجب الحاكم وأسرته عجباً كثيراً، وسروا سروراً جماً للتخلص من متاعب الفئران. ورجوا حاتم أن ينتقل إلى حجرة المائدة بحيوانه الماهر. فانتقل بقطته إليها، وأخذت تموء في الحجرة وتجرى وراء الفئران، وتقتلها فهربت في الحال عند رؤيتها. وقد سمع السكان بما حدث، فحضروا ليروا بأنفسهم كيف يمكن التخلص من الفئران التي أقلقت سكان الجزيرة. وأزعجتهم في معيشتهم، وأتعبتهم في بيوتهم، واستغربوا كثيراً حينما رأوا هذا الحيوان العجيب، وهو يقضي على الفئران، أينما حل، مهما تكن كثيرة. ورجا الحاكم حاتم أن يبيعه هذا الحيوان المنقذ للجزيرة وأهلها من عدوها المزعج، بأي ثمن يطلبه.

فرضى حاتم أن يبيعه قطته المنقذة من الفئران. مقابل أن يعطيه الحاكم بغل – وهو بين الحمار والحصان – وعليه حمل من الذهب الخالص، والجواهر الثمينة. فأعطاه حاكم الجزيرة ما طلب؛ لينقذ نفسه وأهل جزيرته من الفئران. وودعه الحاكم والسكان وهو مسافر إلى بلده، وشكر لهم كرمهم وحفاوتهم به. ورجع إلى بيته وأخويه ناجحاً في رحلته، سعيداً في حظه، وعنده ثروة كبيرة من الذهب والجواهر. وتحققت وصية أبيه، وقد أغناه الله، وأغنى أخويه من قبل لأقل الأسباب. فقد سعوا وراء أرزاقهم، ومن سعى وبحث عن رزقه أعطاه الله. والله يعطي من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب. وهو الغنى الحميد.

وقد اجتمع الأخوة الثلاثة – وصاروا الآن أغنياء – واتفقوا فيما بينهم على أن يشتركوا في التجارة. وأخذوا يتاجرون، ويبيعون ويشترون، في كثير من البلدان؛ حتى تضاعفت ثروتهم، وصاروا من كبار التجار. فأنشئوا مدرسة ببلدتهم لتعليم الأطفال، ومستشفى لمعالجة المرضى، ومطعماً للفقراء، وجزاهم الله أحسن الجزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى