مرحلة المراهقة

لماذا يجد الآباء صعوبة بالغة في التعامل مع المراهق؟

من المؤكد أنه إذا تعامل الآباء بطريقة غير صحيحة وبدون إدراك للحقائق السلوكية في التعامل مع أبناء وفتيات هذه المرحلة. فإن النتائج قد تكون وخيمة العواقب، وربما تكون من العوامل المساهمة في تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وتواجههم صعوبة بالغة في التعامل مع المراهق مما يساهم في خلق مناخ مليء بالتوتر والضغوط التي قد تكون سبباً من أسباب التدهور النفسي لدى الآباء والأمهات أنفسهم.

إن الصعوبة التي يشكو منها الآباء والمربون في التعامل مع المراهقين لا تعود بكاملها لأخطاء في سلوك المراهق بقدر ما تعود إلى عوامل وظروف خارجية من أهمها:

  1. تغيرات النمو المفاجئة في الجسم والشخصية في سن المراهقة، وما يصاحب ذلك من صدمات للأب والأم.
  2. التغير المفاجئ في العلاقات الاجتماعية وتأثير مجموعة الرفاق والأصدقاء.
  3. تعدد أساليب المراهقين الشخصية للتعبير عن مشاعرهم وسلوكهم.
  4. بعض أخطاء الأباء بسبب عدم إدراكهم لطبيعة النمو المختلفة في مرحلة المراهقة.

وفيما يلي شرح توضيحي لكل من هذه الأسباب الرئيسية الأربعة:

1

التغيرات المفاجئة المصاحبة للمراهقة

بالنسبة للصعوبة الأولى فإن أهم ما يميز هذه المرحلة من النمو هي التغيرات الجسمية والفسيولوجية الواضحة التي تظهر على المراهق في هذه المرحلة. ولهذا نجد أن الكثير من الآباء لا يتأقلمون معها بسهولة. فطفل الأمس القريب أصبح فجأة مكتمل الرجولة ويضاهي أباه حجماً ومظهراً، وتظهر عليه تغيرات جسمية، يصحبها تغيرات نفسية واجتماعية وشخصية. إن الابن الذي لا يتعدى الثالثة عشر أو أقل من عمره يجد جسمه فجأة يمتد طولاً وتتغير نبرة صوته وينتشر شعره في أجزاء جديدة من جسمه. وطفلة الأمس أصبحت بالمثل مكتملة الأنوثة تثير انتباه من حولها.

2

الاهتمام بالخارج ومعايير الشلة وقيم الرفاق

ومن جهة أخرى، ترتبط الصعوبة الثانية في التعامل مع المراهق بسابقتها، وتتمثل في التطور الاجتماعي لدى المراهق بشكل قد يتعارض مع ما كان مألوفاً. قبل دخوله في مرحلة المراهقة. فلأول مرة يبدأ تأثير الأسرة ومعايير الأبوين، وقيـم الـوالـدين تتوارى أو على الأقل تقل ليحل محلها الاهتمام الشديد بالخارج كما يتمثل ذلك في تأثير جماعات الرفاق والزملاء. إنها بدون شك مشكلة التأثير الخارجي وما يصحب ذلك من تعارض أحياناً بين النوعين من القيم: قيم الرفاق وقيم الأسرة. ولهذا يجد الآباء أنفسهم في هذه المرحلة أقل قدرة من قبل على التأثير في سلوك طفلهم. بعبارة أخرى يجد الآباء أن تأثيرهم على أبنائهم ليس بذات الأهمية التي كان عليها في السابق وليس له التأثير المساوي لتأثير الأصدقاء والزملاء ورفاق اللعب.

ولا شك أننا إذا عدنا بذاكرتنا إلى الخلف قليلاً وتذكرنا أنفسنا في هذه المرحلة فسنجد أن ما يمر به ابننا المراهق الآن ربما لا يختلف كثيراً عما فعلناه عندما كنا في هذه المرحلة. فعندما كنا في مرحلة المراهقة هل كنا نلبس الملابس التي يتقبلها الآباء أم تلك التي كان يتقبلها الرفاق؟ وهل كنا نفضل الجلوس مع الوالدين وأصدقائهم أم كنا نفضل قضاء أوقات فراغنا مع أصدقائنا وزملائنا؟ هل كنا نتذوق مواضيع الأحاديث والنصائح التي تنطلق من أفواه الآباء أم كنا نفضل تلك الأوقات التي نلتقي فيها بأصدقائنا نتبادل معهم حواراتنا الخاصة؟ بعبارة أخرى، لا تصعب علينا إجابة هذه الأسئلة لأنها غالباً ما تكون في الاتجاه الذي يتلاءم مع تأثير الرفاق والزملاء الخارجين.

ولا نقصد من هذا ـ وربما لا يقصد المراهق نفسه أيضاً من هذا – أنه لا يحب والديه أو يمقتهما. بل قد يدل ذلك على حدوث نقلة اجتماعية وتطور آخر في حياة الطفل تجعله لا يشعر بالإثارة عند وجوده مع الوالدين كما يشعر بها أصدقائه. فمن الطبيعي أن يحاول، بسبب اتساع دائرة نشاطاته الاجتماعية وانتمائه إلى جماعات خارجية، أن يسعى إلى أن يكون مقبولاً ومعروفاً في دائرة رفقائه ومعارفه. ومن هؤلاء يأتي التأثير الأكبر والاهتمام بالتقبل الاجتماعي أو الجزع من رفض الزملاء. ولهذا يتطلب التوجيه السلوكي للأبوين أن يقللا من انزعاجهما عندما يبدي طفلهما المراهق مثلاً عزوفاً عن مشاركتهما كما كان يفعل في السابق.

ولا شك أن جزءاً كبيراً من علاج مشكلات المراهق يتوقف على الآباء أنفسهم ووصفهم لصورة معقولة للتغيرات التي تحدث في هذه المرحلة. إن رفض الطفل أو المراهق للذهاب أو الخروج مع الأسرة لزيارة أهل الأب أو الأم مفضلاً أن يقضي وقته مع أصدقائه مع في مكان مختلف. لا يعني أنه توقف عن حب والديه، كما قد يظن الآباء والأمهات الجزعون. إنه يعني في حقيقة الأمر أنه يمر بمرحلة نمو جديدة علينا أن نيسر له اجتيازها والخروج منها بأقل الأضرار وبأكثر المكاسب الممكنة.

3

الانتباه للنماذج وأنماط المراهقة

أما الصعوبة الثالثة التي قد تواجه الأبوين والمربين في التعامل مع المراهق. أنه لا توجد في حقيقة الأمر نوع واحد من المراهقة. بل أن هناك أساليب معينة وأنماط مختلفة للمراهقين، مما يزيد من الصعوبات ويخلق أمام الآباء والمعالجين تحديات تتطلب الانتباه والمعالجة.

فهناك أولاً النمط التقليدي الذي يتقبل وينصاع لما هو متفق ومتعارف عليه في أسرته وما يتطلبه من حوله من مجاراة لمجتمعه. وفي المقابل هناك نمط آخر للمراهقة يأخذ الشكل الثائر والمتمرد الذي يرفض كل ما هو مألوف. ويميل إلى السخط العام على المعايير المعمول بها في المجتمع. ولهذا نجد أفراد هذا النمط يتبنون معتقدات وأفكاراً جديدة ويرغبون في تنفيذها العملي. وإذا تم توجيههم بشكل يتناسب مع خصائصهم الشخصية. فقد تتطور لديهم كثير من الخصائص الإيجابية، ومن ثم فقد يصبح فيما بعد أكثر نضوجاً وإقبالاً على الأدوار القيادية المهنية. وربما تتوجه طاقاتهم إيجابياً فيميلون إلى الرغبة في التقدم والتطور بمجتمعاتهم.

كذلك نجد بين المراهقين النمط الباحث عن اللذة. وهؤلاء يجعلون هدفهم هو الحصول على اللذة أينما كانت ويبحثون عنها في الآن واللحظة دون حساب للعواقب. وقد يحتار الآباء في التعامل مع هذا النوع من المراهقين لما يظهرونه على السطح من علامات الرضا والسعادة والاستمتاع بالحياة. ولكنهم من أكثر أنماط المراهقين عرضة للاغتراب والبعد النفسي عن أنفسهم ومجتمعهم.

وأكثر أنماط المراهقة خطورة هو النمط الجانح أو السيكوباثي. فهذا النمط الذي لم يكتسب معايير أخلاقية ملائمة. لذا تغلب على أفراد هذا النمط عدم الإحساس بمشاعر الآخرين أو عدم الاكتراث في علاقاتهم بهم. وهم يفتقرون إلى الضبط الداخلي، ولهذا نجد تصرفاتهم تميل إلى التخريب أو التدمير لممتلكات الغير مثلاً. ولحسن الحظ فإن هذا النمط المدمر من المراهقين لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من المراهقين بشكل عام.

وبالرغم من تنوع الأساليب وأنماط الشخصية لدى المراهقين. وبالرغم من الصعوبات التي يثيرها هذا التنوع عند التعامل معهم. فإن إدراك وجود هذه الأنماط المتنوعة يساعد على تشكيل أساليبنا التربوية والعلاجية بشكل يتلاءم مع كل نمط فيها. وهذا يمكننا من توجيه الطاقة والسلوك في مسار سليم، يساعد على نضوج الشخصية. كما يقلل من الإحباطات وجوانب الصراع والتوتر التي قد تصيب البالغين عند التعامل معهم.

أما الصعوبة الرابعة فتتعلق بالآباء وأفراد الأسرة البالغين أنفسهم. فهم قد يرتكبون خطأ فادحاً في تعاملهم مع الأبناء في هذه المرحلة إذا لم يدركوا الطبيعة المميزة للنمو كما أشرنا إليها سابقاً.

4

الأخطاء التي يرتكبها الآباء

الدخول في موقف تنافس مع الجماعات الخارجية التي ينتمي أو يتصادق معها الابن. ونتيجة لهذا التنافس تتحول العلاقة معه إلى علاقة تذخر بالتشاحن والنقد والتهديد. فتفقد هذه العلاقة هدوءها أو سلاستها المطلوبة.

من الأخطاء أيضاً تصور أن اختلاف الابن مع أبويه ورغبته في الاستقلال عن الأسرة يعني أنه توقف عن حبهما!

وكذلك من الأخطاء الأخرى الأسلوب الذي يمارسه بعض الآباء مع الابن في هذه المرحلة لتأكيد سيطرتهم عليه، من أجل التأكيد على أنهم لا زالوا في موقع القوة. ونتيجة لهذا يميلون إلى التلويح بالقوة أو ممارستها عليه. مما يؤدي إلى رغبة المراهق في تجنب والديه كلية أو هروبه من المنزل عندما تتاح له أية فرصة لذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى