قصة جوهرة عبدالله بن المقفع

تحكي قصة جوهرة عبدالله بن المقفع كيفية ظهور حكايات وكتاب كليلة ودمنة والتي تعتبر واحدة من أجمل القصص في الأدب العربي وتمثل جوهرة أدبية فريدة.

المقدمة

 اللغة العربية لها جمالها الساحر الذي لا يوجد له مثيل في أية لغة أخرى. ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم وجعله كتابًا عربيًا. وأضافت بلاغة القرآن جمالًا من لون جديد إلى اللغة العربية.

وكانت أحكام القرآن وما انطوت عليه من إنسانية رفيعة سببًا في اجتذاب عدد كبير من كتّاب وفلاسفة الفرس لكي يتعلموا اللغة العربية. فاعتنقوا الإسلام وألفوا باللغة العربية عددًا كبيرًا من الكتب التي يعتز بها التراث العربي، منهم مثلا الفيلسوف ابن سينا، ومنهم أيضا عبد الله ابن المقفع.

ولد ابن المقفع في فارس بقرية كان اسمها (جور) وتسمى حاليا (فيروز أباد).

وانتقل ابن المقفع إلى مدينة البصرة بالعراق، وكانت البصرة وقتها مركزاً هاماً للثقافة العربية.

ومن أعظم الآثار التي تركها ابن المقفع كتاب “كليلة ودمنة” الذي ترجم إلى اللغات الأوروبية.

ولكتاب كليلة ودمنة قصة مشوقة طريفة. إذ إن ابن المقفع لم يترجمه عن الهندية ترجمة حرفية. بل أضاف إليه الكثير من المبادئ السامية التي جاء بها الدين الإسلامي.

وقد أخلص ابن المقفع لمبادئ وتعاليم الدين الإسلامي. ودفعه ذلك إلى توجيه انتقادات مرة إلى الخليفة العباسي المنصور، انتهت بقتل ابن المقفع فذهب ضحية كتاباته ومبادئه.

ويجمع النقاد على أن كتاب كليلة ودمنة هو جوهرة عبد الله ابن المقفع. ولمولد هذا الكتاب كما ذكرنا قصة مشوقة طريفة.

بدايات كليلة ودمنة

أعدت والدة نبيل مائدة الطعام، ودعت أفراد العائلة.

وبعد الطعام كان نبيل وأمه في غاية الشوق لسماع قصة مولد كتاب: «كليلة ودمنة».

فقال الأب إلي ابنه نبيل:

– كل كتاب يا نبيل يبدأ كمجرد فكرة في رأس مؤلفه. ويحاول المؤلف أن يعالجها بقلمه، بألفاظ وعبارات سهلة مفهومة. وبمجرد أن ينتهي المؤلف من الكتابة يكون مولد الكتاب الجديد.

حكايات كليلة ودمنة - قصة جوهرة عبدالله بن المقفع

قال نبيل:

– لقد فهمت

وسألته زوجته:

– وما هي قصة مولد كتاب (كليلة ودمنة)؟ …

قال:

– لقد ذكر هذه القصة مؤلف هندي اسمه (بهنود بن سحوان) ويسميه البعض بعلي بن الشاه الفارسي. وذلك لأنه اعتنق الدين الإسلامي فيما بعد، فأطلق على نفسه اسم علي. ويقول (بهنود بن سحوان): إن الإسكندر الأكبر كان الحلقة الأولى في قصة مولد كتاب (كليلة ودمنة).

فبعد أن هزم جيوش الفرس، توجه بجيشه الظافر شرقًا إلى الهند. وكان على عرش الهند في ذلك الوقت ملك يدعى (فُور). وكان (فور) هذا ملكًا قويًا عنيدًا، فلما علم بقدوم الإسكندر الأكبر نحو الهند أصدر أوامره بحشد الجيوش للتصدي له. وحشد عددًا كبيرًا من الفيلة والسباع الضارية والجنود المزودين بأقوى الأسلحة.

والجواد بطبيعة الحال لا يقوى على لقاء الفيل وقد تتساءل يا نبيل من أين أتوا بالأفيال؟ فأقول لك من الهند، ومن غابات أفريقيا، يصطادونها صغيرة ويدربونها على أعمال كثيرة منها القتال.

– أما عن الأعمال الأخرى التي تؤديها الأفيال، فهي تستخدم في النقل. إذ في مقدور الفيل أن يحمل كمية كبيرة من الأخشاب وغيرها، كما يستخدمونها في اقتلاع بعض الأشجار.

وسأله نبيل:

– اقتلاع بعض الأشجار؟ … كيف ذلك؟

قال أبوه:

– يلف الفيل خرطومه حول الشجرة ثم يجذبها بقوة فيقتلعها…

وأطلق نبيل صفيراً من بين شفتيه ثم قال:

– أهو قوي إلى هذه الدرجة؟

– نعم..

قال نبيل:

– إذن لابد أن ينتصر الجيش الذي يستعمل هذه الأفيال.

جيش قوي يركب الأفيال الضخمة في الحرب

معركة عظيمة

قال والد نبيل:

– في موقعة حربية من أشهر المواقع الخالدة التي خاضها العرب لنصرة الدين الإسلامي، وتثبيت أركان الوحدة والقومية العربية، وهي موقعة القادسية. وكانت بين جيوش الفرس وجيش العرب، وكان جيش الفرس يبلغ مائة وعشرين ألفا من الجنود، بينما جيش العرب لا يكاد يبلغ نصف هذا العدد، هذا علاوة على أن الفارسيين كان لديهم أكثر من مائتي فيل! من الأفيال القوية المدربة تدريباً حسناً على القتال.

وصاح نبيل:

وماذا فعل الجنود العرب يا والدي إزاء هذه الأفيال القوية؟

– لقد انتصروا على الفرس بشجاعتهم النادرة وإيمانهم بحقهم وحبهم لوطنهم.

وقد كان العرب يعلمون أن الفرس سيستعينون بالأفيال لمحاربتهم. فأعدوا لذلك سيوفا متينة مشحوذة ليضربوا بها خراطيم الأفيال. فيصيبوها بجراح بالغة تجعل الفيل من شدة الألم ينفر ويلقي ما فوق ظهره من رجال أو أسلحة وينطلق هائجاً لا يلوي على شيء. والهجوم على الأفيال بالسيوف يحتاج بطبيعة الحال إلى شجاعة كبيرة. وقد كان إيمان العرب العميق بالله تعالى، ووثوقهم من أن الشهيد يدخل الجنة من أهم أسباب شجاعتهم واستبسالهم في القتال.

وسألته زوجته:

– أعتقد أن العرب لم يستعملوا الأفيال أبدا في حروبهم، لأنهم كانوا يعتمدون على الجياد والإبل، أليس كذلك؟

قال زوجها:

– نعم، هذا صحيح، ولكن قائدا عربيا استعمل الأفيال استعمالاً بارعاً، وسجل بذلك مجداً حربياً يعتبر الأول من نوعه في التاريخ العسكري. إنه القائد العظيم (هاني بعل) واشتهر باسم (هانيبال)، لقد كان أول قائد حربي يعبر جبال الألب بالفيلة ليفاجئ الجيش الروماني، وكان هدفه انقاذ دول أوروبا وشمالي أفريقيا من طغيان وجبروت الإمبراطورية الرومانية.

خيول وأفيال

وسألته زوجته:

– لقد استعمل الأحباش الأفيال حينما أراد (أبرهة) أن يهدم الكعبة، أليس كذلك؟

وصاح نبيل:

– يهدم الكعبة؟ … أعوذ بالله! … أليست هي بيت الله الحرام يا والدي؟ …

قال أبوه:

– نعم..

وقال نبيل:

– وكيف يتركه الله تعالى ليهدم الكعبة؟

الطير الأبابيل ترمي جيش أبرهة

قال أبوه:

– إن الله تعالى لم يتركه ليفعل ذلك العمل الإجرامي يا نبيل، لقد ذكر ذلك في القرآن الكريم وفي سورة (الفيل)، إذ قال الله سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)) صدق الله العظيم

وضع الإسكندر خيولاً من نحاس حشاها بالزفت وكان لها عجلات تسير عليها، وفي يوم المعركة أضرم فيها النار.

ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟

لقد اندفعت الخيول النحاسية الملتهبة نحو الأفيال الضخمة التي كانت تتصدر جيش الملك (فور)، فلما اقتربت من الأفيال، أقبلت الأفيال نحوها لتهاجمها بالطريقة التي اعتادت عليها، وهي أن يلف الفيل خرطومه حول وسط الحصان أو رقبته ثم يطعنه بنابيه ويقتله، فلما فعلت الأفيال ذلك، أحست بالحرارة الرهيبة تخرق خراطيمها، فهاجت وماجت وألقت كل ما كان على ظهرها وولت هاربة في اتجاه جيش الملك (فور)، فكانت لا تمر بأحد من جنوده إلا وطئته وداسته فهرسته بثقلها الضخم، ثم تبارز الملكان فانتصر الإسكندر وسيطر على الهند وحاول إصلاح أحوالها، لكن حربه مع الدين اضطرته إلى النزوح عنها، فاختار ملكا على الهند هو (دبشليم) الظالم المغرور بنفسه فظلم الشعب وطغى وبغى، وكان ما حدث في أثناء ملكيته، هو السبب في ظهور كتاب كليلة ودمنة.

وكان في الهند حكيم اسمه (بيدبا) يثق به الناس ثقة كبيرة، لذلك لجأ كثيرون منهم إليه وتحدث كل واحد منهم مع الفيلسوف في صراحة مطلقة عن الملك (دبشليم) ومظالمه التي كان يرتكبها في حق الشعب.

تحديات الفيلسوف (بيدبا)

وفكر (بيدبا) تفكيرًا متصلا عميقًا في هذا الأمر.

ماذا في وسعه أن يعمله؟ …

إن الملك كان يعتمد على جيشه القوي، لأنه كان يغدق الأموال على جنوده وضباطه ليحبوه ويدينوا له بالطاعة.

إن أفراد الحاشية التي كانت تحيط بالملك (دبشليم) إحاطة السوار بالمعصم، كان أفرادها يحبذون بل ويمجدون كل شيء يفعله الملك، حتى ولو كان هذا الشيء مما يتنافى مع أبسط قواعد الحق والعدالة ومبادئ الإنسانية…

ماذا يفعل (بيدبا) الفيلسوف إزاء هذا الملك الظالم المتغطرس؟ …

وكان من عادة الفلاسفة في ذلك الوقت، سواء في الهند أم في البلاد الأخرى، أن يجعل الفيلسوف من داره مدرسة، يختلف إليها طلاب العلم والحكمة ويعرفون باسم: ((تلاميذ الفيلسوف)).

الفيلسوف بيدبا يحاضر في حاشية الملك - قصة جوهرة عبدالله بن المقفع

وفكر (بيدبا) في أن يدعو نخبة من تلاميذه، لكي يطرح عليهم مشكلة الملك (دبشليم)، ويتناقشوا جميعًا في صراحة في الخطة الواجب اتباعها لتقويم ذلك الملك، حتى يكف عن المظالم التي كان يرتكبها بحق شعبه.

وفي صباح أحد الأيام أخذ تلاميذ (بيدبا) يتوافدون إلى داره واحدا بعد الآخر.

ولما اكتمل الجمع، نهض الفيلسوف (بيدبا) واقفاً، فساد الصمت، وأرهفوا آذانهم ليسمعوا ما سوف يقوله، وليعلموا منه السبب الذي دعاهم من أجله لعقد ذلك الاجتماع.

وتكلم (بيدبا) في صوت متزن هادئ عميق النبرات فقال لهم.

– إن مسؤولية الرجل العاقل المتعلم، أكبر وأثقل بكثير من مسؤولية الرجل الجاهل، إن الجاهل يُعذر دائمًا عن أخطائه التي يرتكبها، ولكن المتعلم الواعي لا عذر له إن هو اخطأ عن عمد.

وأطرق (بيديا) برأسه قليلا ثم قال:

– وعلاوة على المسؤولية، توجد واجبات كثيرة على المتعلم أن يؤديها، وواجبات المتعلم أيضًا أكبر وأثقل بكثير من الواجبات التي تفرض على الجاهل.

ولقد قلت لكم أكثر من مرة إن أرقى وأعذب ألوان السعادة البشرية هي السعادة التي يستمدها الإنسان من وراء محاولاته الجاهدة والمستمرة لإسعاد غيره من الناس، ومن يسع إلى إسعاد نفسه فقط على حساب غيره يكن أنانيًا، والأنانية من أخبث العيوب المقيتة التي تصيب بعض الناس.

مواجهة الملك (دبشليم)

والإنسان – أي إنسان – جاهلا كان أو متعلما، ومهما كانت ظروف حياته الشخصية طيبة، فإنه لا يمكنه أن يعيش في سعادة كاملة إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه يعاني من الشقاء والبوس، لأن الحيوانات فقط هي التي لا تشعر بشقاء أو عدم شقاء غيرها من المخلوقات، ومع ذلك فبعض الحيوانات -كالكلب مثلا – يشعر بحزن صاحبه.

ومهد الفيلسوف (بيدبا) بهذه المقدمة لكي يدخل بعدها في موضوع الملك (دبشليم) فقال:

– إن المجتمع الذي نعيش فيه هذه الأيام يعاني من البؤس والشقاء الشيء الكثير، وذلك كله بسبب المظالم العديدة التي يرتكبها الملك (دبشليم) وحاشية السوء التي من حوله، والتي تشجعه على المضي في مظالمه.

وتابع الفيلسوف (بيدبا) حديثه قائلاً:

– وقد جمعتكم هنا لأنكم بمثابة أسرتي، فأنتم موطن سري، وأنا لا أحب أن أنفرد برأيي لأن المنفرد برأيه ضائع لا ناصر له، وقد قال أحد الحكماء: إن من شاور الرجال شاركهم في عقولهم، ونحن نريد أن نتشاور فيما بيننا لعلنا نهتدي إلى الوسيلة التي يمكننا بوساطتها أن تقوم اعوجاج الملك دبشليم.

وغادر (بيدبا) قاعة الاجتماع، ليترك فرصة لهم للمداولة.

واستدعاه تلاميذه، وقال من كلفوه بالحديث:

– أيها الفيلسوف الفاضل والحكيم العادل، أنت أستاذنا وما عسى أن يكون مبلغ رأينا عند رأيك؟ وفهمنا عند فهمك! غير أننا نعلم أن السباحة في الماء مع التمساح تعرض السابع للهلاك، ومن يدخل على الأسد في غابته لا يأمن وثبته، وهذا الملك لم تؤدبه التجارب، ونحن لا نأمن عليك من غضبه وثورته، ومثله يحقد حقداً شديداً على من ينتقده أو ينصحه.

وانتهى الرجل من كلمته.

حكمة (بيديا)

ونهض الفيلسوف (بيدبا) وقال:

– إن رأيكم هذا طيب ومعقول، ولكنني أرى نفسي مسؤولا – أمام ضميري وأمام الناس – عن وجوب عمل أي شيء لإنقاذهم من مظالم الملك، ولقد صممت تصميماً قاطعاً لا عودة فيه، على أن أذهب بنفسي إلى قصر الملك دبشليم وأقابله، وستعلمون حديثي معه، وما سوف يحدث لأني سأتصل بكم فور خروجي من عنده لأخبركم بكل شيء.

الفيلسوف بيدبا يدخل علي الملك في قصره

فودعوه وخرجوا، داعين له بالتوفيق والعودة بالسلامة.

وقال الملك لبيدبا:

– يابيدبا تكلم كيفما شئت، وأنا سأصغي إليك، فأنا أعلم أنك أحكم رجل في الهند، وسأجازيك بما تستحقه.

وتشجع (بيدبا) فقال للملك:

– كانت بداية عهدك طيبة، فأحب الناس طيبة قلبك، وكرمك، وعدلك، ولكنك بعد ذلك طغيت وبغيت على الرعية، فأصبح الشعب كله يكرهك، ويتمنى زوال حكمك، وأنا لا أقول لك ذلك القول سعياً وراء جائزة أنالها، أو طمعاً في منصب كبير تسنده إليّ، لأنيي – كغيري من الحكماء – لا أكترث بالمال أو المناصب.

وصار (بيدبا) يعدد للملك أخطاءه التي ارتكبها بحق الشعب، ويذكر له بعض الحوادث التي تدل أوضح الدلالة على ظلمه، وإهماله شؤون الرعية، فامتلأ الملك غيظاً وأمر بحبس بيديا.

وعلم تلاميذه، فهربوا، خوفا من بطش الملك.

ورأى الملك في إحدى الليالي حلماً أفزعه، فاستدعى كاهناً لتفسير ذلك الحلم فقال الكاهن:

لقد ظلمت رجلا طيباً حكيماً، وهو لا يريد لك ولشعبك سوى الخير والحياة السعيدة، وكان الأجدر بك أن تقربه منك، فقد يكون واسطة الخير بينك وبين الرعية، ولا شك بأن أمرها يهمك، فضلاً عن كونها أمانة في عنقك.

فاقتنع الملك دبشليم، وأرسل في طلب بيدبا، وقال له:

– لقد كنت على حق في كل ما نطقت به، ولكن أعلم أن الغضب نصف الجنون، وما من حكمة صدرت عن إنسان، كائنًا من كان في حالة الغضب، إلا وكانت خاطئة، والآن، أنت وزيري والآمر الناهي بعدي في كل شيء…

ثم أرسل الملك فقرب تلاميذ بيدبا وطمأنهم وأسند إلى معظمهم عملاً يؤديه للصالح العام.

ظهور كليلة ودمنة إلي الحياة

وفي أحد الأيام قال الملك لوزيره بيدبا:

– يابيدبا، أعلم أنك تحب الخير للناس.

قال الفيلسوف:

– إن خير الناس هو من يحب الخير للناس.

الفيلسوف بيديا يتحدث إلي الملك في قصره - قصة جوهرة عبدالله بن المقفع

قال الملك:

– حسناً، وأنت تعلم أن العلم يعود بالخير والنفع على صاحبه

– العلم نور يا صاحب الجلالة.

قال الملك:

– إذن، لقد دعوتك اليوم لكي تؤلف كتاباً كبيراً تضع فيه كل ما تعلمته من حكمة في الحياة، وأريده أن يكون في أسلوب سهل حتى يقبل على قراءته وفهمه الخاص والعام.

وأطرق (بيدبا) برأسه مفكرا ثم قال للملك:

– أريد مهلة عام كامل، على أن تعفيني من كوني وزيرا لأتفرغ لهذا العمل الهام.

فقال الملك:

– لك ما تريد.

وسكت والد نبيل قليلاً ثم قال:

– هكذا جاءت فكرة كتاب (كليلة ودمنة)، وابتدأ الفيلسوف (بيدبا) في تأليفه، وقد قسمه إلى خمسة عشر باباً، كل باب منها لا علاقة له بالباب الآخر، وجعل الكلام في هذا الكتاب على ألسنة البهائم والسباع والطير، فهو في ظاهره كتاب قصصي يُسلي من يقرؤه، وفي باطنه حكمة وفلسفة تعجب المتعلمين.

ولما اطلع الملك على الكتاب أعجبه كثيرا ومنح الفيلسوف (بيدبا) منحة مالية كبيرة.

وهكذا ولد كتاب (كليلة ودمنة).

جيش يركب الأفيال - قصة جوهرة عبدالله بن المقفع

المصدر
قصة جوهرة عبدالله بن المقفع - حكايات وأساطير للأولاد - منشورات المكتب العالمي للطباعة والنشر - بيروت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى