قصة همام والكنز المسحور

تحكي قصة همام والكنز المسحور عن أهمية الشجاعة والجرأة في تحدي الصعاب من خلال البطل الصغير همام المحب للمغامرات والكشافة منذ صغره ورحلته في أواسط إفريقيا والبحث عن الكنز المحروس من ملك الجن.

همام صغيراً

حينما كان همام تلميذا صغيرا بالمدارس الابتدائية كان يحب الرياضة البدنية؛ فإذا تعلم تمرينا منها في المدرسة، وذهب إلى بيته – أعاده وكرره مرات حتى يتعوده، ويؤديه أحسن أداء. وقد عرف في صغره بالمهارة في الرياضة، وفاز في كثير من المسابقات الرياضية.

ولما تقدم إلى التعليم الإعدادي والثانوي أعجبه نظام الكشافة، فانضم إلى فرقة، وصار كشافا ماهرا. وكان يذهب مع رفقائه في أماكن سياحية بعيدة، ويعسكر معهم في الخلاء أياما. وكان من أحب الأشياء إليه حياة الخيام في معسكر الكشافة؛ لأنه يجد فيها حياة القوة والشجاعة والإقدام، والاستعداد لكل طارئ.

وذات يوم عسكر مع فرقة في الصحراء، ونصبوا خيامهم، ورتبوا أمتعتهم. ولما جاء الليل ناموا فيها، وقسموا بينهم حراسة المعسكر طول الليل، كما هي عادة الكشافة. وجاءت نوبة همام وزميله إسماعيل في الحراسة، فكانا يسيران حول المعسكر، وكانت الليلة مضيئة بنور القمر. ولما كان همام يتمشى في المعسكر، رأى ثعبانا كبيرا يزحف إلى جهة الخيام، فتقدم نحوه ولم يفكر في قتله، وإنما أعد عصاه وربط في رأسها الحبل، لتكون مصيدة للثعبان، كما تعلم من قبل في طرق صيد الحيوان ومقاومته.

ومد العصا وفي طرفها الحبل إلى رأس الثعبان، فلما صار رأسه في الحبل شده همام، فربط الثعبان الكبير من رأسه، وربط الحبل في وتد، وترك الثعبان يتلوى، ويحاول أن يتخلص من المصيدة في غير فائدة.

عند الصباح رأى المعسكرون فريسة همام وأخذوا الثعبان أسيراً، وحفظوه بالطريقة التي تعلموها، وحملوه في صندوق معهم حتى يجعلوه في متحف المدرسة عند رجوعهم.

ولما أتم همام دراسته كان قد عرف كثيرا من الصحاري والجبال، فتعود الإقامة فيها، ومقاومة أنواع الحيوان وصيدها، وكان قوي الجسم شجاعا، كثير الإقدام؛ فأراد أن يقوم برحلة بعيدة في بلاد مجهولة ليكون بحق كشافا.

رحلة في إفريقيا

كان همام قد قرأ كثيرا عن غابات أفريقيا، وأراضيها الواسعة، ووحوشه المفترسة، وأشجاره الضخمة، وغاباته العظيمة، فرسم طريق رحلته في أواسط إفريقيا، وأعد أمتعته، وركب القطار، ثم ركب سفينة في النيل، حتى كان في وسط إفريقيا، فخرج إلى البر يصطاد، واصطحب خمسة من سكان البلاد ليخدموه ويساعدوه.

وفي يوم من الأيام نصبوا الخيام فوق تل قريب من الماء، وذهب واحد من الخمسة بقريته ليملأها، وبقي الأربعة مع همام يرتبون الأمتعة، ويعدون الطعام. والتفت همام، فرأى الأربعة الذين معه فروا فجأة، ورموا ما بأيديهم إلى الأرض، وأسرعوا يتسابقون في الهرب.

تعجب همام من هذا الفرار السريع الفجائي الذي لا يعرف سببه. وحينما كان يتلفت حوله رأى تمساحا كبيرا فاتحا فمه، فأسرع إلى بندقيته وصوبها إلى التمساح، ورماه في فمه، فرجع التمساح إلى الماء يتخبط، ثم عام على وجه الماء، فعلم همام أنه قد مات، وأخذ بندقيته في يده وتقدم إلى الماء ليبحث عن الرجل الأسود الذي ذهب إلى الماء بقربته، فوجده مختبأ في أعشاب عالية هناك، لا يستطيع أن يتحرك، لشدة خوفه من التمساح، فأخذه بيده، وأعاده إلى الخيمة، وهدأه وقواه. ولما اطمأن سأل عن زملائه الأربعة، فقال له همام: – إنهم جروا كالريح لما رأوا التمساح.

فقال الرجل: أما أنا فإني لن أتركك أبدا. وسأبقى خادما لك لأنك خلصت حياتي ونجيتني من الموت.

اكتفى همام بصاحبه الجديد، وسارا معا في الغابات العظيمة. هل تعلم كيف كانا يبيتان في هذه الغابة بين الحيوانات المختلفة من حشرات وسباع؟ كانا يربطان الحبال في شجرة عالية، ويمدانها إلى شجرة أخرى، وفي وسط الحبال يربطان فرشهما، فيكون كسجادة مفروشة في الهواء معلقة من جهاتها الأربع، وهذا هو سريرهما.

وكان من الضروري أن ينام واحد فقط، ويبقى الآخر يقظان للحراسة. وكان همام مسرورا بهذه المعيشة؛ لأنها حياة جهاد وشجاعة كما يحب؛ ولأنه كان يرى كل يوم منظرا جديدا، وأنواعا جميلة بديعة من الحيوان والشجر.

الوقوع في الأسر

كان مرة فوق شجرة يربط حبله ليعد فراشه، فلما ربطه وأراد النزول وجد حية كبيرة تتسلق ساق الشجرة حتى كان رأسها قريبا منه. لم ينزعج همام، ولكنه نظر إلى الأرض حوله، ثم وثب إليها، وكان يحسن الوثب، وتمرن عليه كثيرا من قبل، وعاد بعصاه وحبله يرقب الحية، وما زال يحتال حتى صادها، وأخذها أسيرة كما أسر الثعبان من قبل وهو صغير.

وكان همام قد سمع من أهل هذه الجهة عن كنز مخبوء في مغارة بالجبل، وأن هذا الكنز عليه حراس من الجن، ولا يستطيع أحد من الناس أن يصل إليه، فرغب همام في أن يسير إلى هذا الكنز، ويكشف حقيقته. وتقدم مع صديقه إلى الجبل الذي وصفوه حتى كان قريبا منه.

وفى ليلة كانا على سريرهما المعلق، وصديقه نائم، وهمام يحرسه. فلما انتهت نوبة حراسته أيقظ صديقه ونام، ولكن لم ينم إلا قليلا حتى استيقظ فرأى رجلا بجواره يحمله، ونظر فإذا عمود من الرجال، كل رجلين متقابلان، وعلى كتفيهما رجلان، وكان أعلى رجل هو الذي حمله من سريره، وصار كل رجل يسلمه إلى من تحته حتى وضعه أسفل رجل على الأرض، ونظر همام فوجد صديقه مقيدا.

قيد الرجال همام كما قيدوا صديقه، ثم أحضروا جذعين طويلين من الشجر، وربطوا همام في جذع، وصديقه في جذع، وحمل كل جذع من طرفيه جماعة من الرجال، وساروا بهمام وصديقه مقيدين مربوطين محمولين حتى وضعوهما بحضرة السلطان أسيرين.

كان السلطان رجلا كبير السن، أبيض الرأس والذقن، يحيط شعره الأبيض بوجهه الأسود من كل جهة. وقد علق بشعره ودعات إذا تحرك وجه السلطان تحركت وتضاربت، وأسمعت صوتاً ينبه الناس ويخيفهم من السلطان. وكان في عنقه عقود من الودع أيضا، أما لباسه فهو جلد أسد يحيط بوسطه، وقد ربط بحزام من الجلد، وعلق فيه ودع كثير.

موعد مع الملك

جلس هذا السلطان على صخرة عالية تحت شجرة كبيرة، وأوقد أمامه نارا عظيمة، فيها كثير من البخور يصعد دخانه إلى السماء. ووقف أمامه صفان من جنوده، بيد كل جندي حربة في طرفها سلاح من الصلب لامع مصقول، مركب على عود من الخشب طويل مرن. وثياب كل جندي جلد حيوان ملفوف حول وسطه. وكان للملك جلد الأسد، وللوزير جلد النمر، وللباقين جلود حيوانات مختلفة. أما الأوسمة والتاج فمن عقود من الودع والخرز منظمة في أشكال مختلفة.

والتفت السلطان إلى أكبر جنوده وسأله عن الأسيرين، فتقدم كبير الجنود إليه، وهز رمحه بين يديه، ثم قص عليه قصتهما. وهنا التفت السلطان ونظر بغضب، وقال: – لماذا يزور هذا العربي بلادنا؟ خذوه غدا إلى السوق، وبيعوه لمن يريد أن يستخدمه. أما صاحبه الأسود فاذبحوه لخيانته لنا، وإخباره العربي بأسرار بلادنا.

كان همام قد تعلم من قبل لغتهم، ففهم كلام السلطان، وتقدم إليه قائلا: – أيها السلطان العظيم! لا تبعني واجعلني خادما لك؛ فإني أنفعك. وإني قادر على كشف الكنز المخبوء في غار الجبل عندكم، فدعني أذهب في طريقي. فإن كشفت الكنز فهو للسلطان، ولا آخذ منه إلا ما يسمح لي به.

فقال السلطان: – أيها الشاب المغرور إن هذا الكنز، مسحور، والجن تحرسه، ولن يستطيع أحد أن يصل إليه. فقال همام: – دعني وصديقي نذهب إليه، فإن لم نكشفه فاقتلنا، ودمنا حلال لك.

سمع السلطان هذا الكلام فلم يصدق همام تماماً، ولكنه طمع في الكنز. وأراد أن يجرب قول همام، فقال: – خذوا الأسيرين واحفظوهما الليلة، وسننظر غدا في أمرهما.

فرح الرجل الأسود بهذا الكلام جدا، وقال لهمام: – هذه هي المرة الثانية التي تخلصني فيها من الموت، فأنا لا أفارقك أبدا. ولا أترك خدمتك مدة حياتي.

وأخذوهما إلى كوخ من الخشب، وفكوا قيودهما، وسلموا إليهما أمتعتهما، وبقي على باب الكوخ جنديان بحرابهما يحرسانهما خوفا من أن يفرا ويهربا.

شجاعة منقطعة النظير

قال الرجل الأسود وهو فرحان: – أما هذه الليلة يا سيدي فإننا لا نحتاج إلى حراسة أنفسنا، فدعني أنم الليل كله، وعلى الجنديين حراستنا.

فأجابه همام: – لا يا رفيقي! بل يجب أن نحرس أنفسنا كما تعودنا، فنم الآن أنت وسأوقظك عند نصف الليل. وفى لحظة نام الرجل الأسود نوما عميقا، وهمام متيقظ، فإذا الحارسان قد فرا وهربا في سكوت، وتسلقا شجرة قريبة. وأراد همام أن يعرف سبب هربهما، فنظر حول الكوخ فوجد أسدا يسير إليه، يمشى متأنيا. وقد رماه أحد الحارسين برمحه، فوقع في الأرض خلفه قريبا من ذنبه. ولم يلتفت الأسد إليه، بل سار في طريقه إلى الكوخ، ولما صار قريبا منه كان همام قد أعد مسدسه، ورمى الأسد في وسط رأسه. فزأر الأسد زئيرا مزعجا، ثم ارتمى على الأرض.

تيقظ الرجل الأسود من نومه، ونزل الحارسان من أعلى الشجرة. وتعجب الجميع من شجاعة همام، فإن الأسد في هذه البلاد هو أقوى عدو، وأشد حيوان.

وعند الصباح علم السلطان بالقصة، وفرح بقتل الأسد، وعلم شجاعة همام، وطمع في أن يكشف له الكنز، فدعاه ورفيقه. وقال له: – علمت شجاعتك أيها العربي، وسأرسلك لتكشف الكنز، وأرسل معك جيشا من جندي يساعدك ويرشدك إلى الطريق.

سار الأسيران حرين، وصار همام قائد جيش من جنود السلطان. وتقدموا جميعا حتى وصلوا إلى جبل عال، فيه مغارة واسعة هي مغارة الكنز. وعند أول الجبل قال الجنود لهمام: – تقدم أنت ورفيقك، أما نحن فسنبقى هنا.

وحذروه أن يتقدم قائلين: – إن كل من تقدم وحاول كشف الكنز هلك، ومات. وللكنز حراس من الجن، وعنده أسد أبيض أقوى أسود هذه البلاد، فتقدم وحدك إذا شئت.

تقدم في الجبل همام مع رفيقه الأسود، وسارا في الطريق الذي وصفوه. وبعد مسافة نظرا فرأيا باب غار واسع، وعنده صفان من الجنود في أيديهم الأسلحة. وهنا خاف الرفيق الأسود وارتعب، وقال: – يا سيدي همام! هذا جيش الجان مستعد لمقابلتنا.

الكنز المسحور

أما همام فلم يصدق، وتقدم وكان معه منظار مكبر. فأخرجه ونظر به، فوجد أن هذين الصفين هياكل جنود، فدعا صديقه وجعله ينظر بالمنظار المكبر، ويرى هذه الهياكل. ولما رآها لم تزده رؤيتها إلا خوفا ورعبا. وجمد في مكانه كأنه هيكل.

ظن همام أن هذه الهياكل هي هياكل الجيش الذي أحضر الكنز وخبأه. وأن الملك صاحب الكنز أراد ألا يرجع منهم أحد يخبر الناس بمكان الكنز، فقتلهم بالسم. وأبقاهم هكذا يخيفون الناس، فيحرسون الكنز وهم أموات.

فتقدم همام وحده إلى الغار، فتبين له أن ظنه كان صادقا. ونظر فرأى أسدا كبيرا أبيض الشعر، رابضا في الغار. فلم يجد همام من حيلة إلا أن وقف بجانب هيكل من الهياكل القائمة وامتنع من الحركة، حتى صار كأنه واحد من الهياكل. وبعد مدة طويلة تحرك الأسد وسار خارجا من الغار حتى كان عند الباب بجوار همام. وهو يمشى مطمئنا متمهلا كعادة الأسود.

ولما صار جسم الأسد بجوار همام وثب همام وثبة واحدة سريعة، وركب عنق الأسد، وقبض على شعره وعنقه بكل قوة.

أما الأسد فإنه لما أحس ذلك جرى وأسرع وهمام على عنقه. وظهر الأسد وهمام لجيش السلطان، فقالوا: – هلك همام، وعادوا بخبره إلى سلطانهم.

أما همام فقد قبض بيد على شعر الأسد، وسحب بالأخرى مسدسه الصغيرة من جيبه، ورمى الأسد في رأسه فوقع ميتا. ثم نزل همام، وتقدم في الجبل حتى رأى رفيقه الأسود مختبئا تحت صخرة. وهو يرتجف من الخوف، فقال له: – اطمئن، فقد قتلت الأسد، وكشفت الكنز.

العودة للوطن

وعاد همام ورفيقه إلى السلطان، فلما رآه دهش لأن الجند أخبروه أن الأسد أكله. ولما قص عليه الحكاية تعجب كل العجب من شجاعته وجراءته، وقوة قلبه، وعظمه وأحبه كثيرا.

حينئذ قال همام للسلطان: – وعدتك أن أكشف الكنز، وأن أضعه بين يديك، ولا آخذ منه إلا ما تسمح لي به. وها هو ذا الكنز تحت أمرك.

فقال السلطان: – بل تأخذ أنت ما تشاء، وتحمل ما تستطيع من الكنز. ونرسل معك جيشا من جنودنا يحرسك حتى تصل إلى طريقك المأمون.

كان عيدا عظيما عند السلطان ورعيته ذلك اليوم الذي كشف فيه الكنز. أما العيد الأكبر عند همام فإنه كان يوم رجع إلى وطنه. ومعه الذخائر الكثيرة يعرضها في متحف الوطن، وعنده أخبار هذه الرحلة العظيمة. وأنباؤها الغريبة يكتبها في الصحف، ويؤلف فيها الكتب، ويخطب بها في المجتمعات، ليعلم قومه فوائد الارتحال. ويصور لهم العظمة التي يكتسبها الإنسان إذا عاش جريئا شجاعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى