قصة معروف بمعروف

قصة معروف بمعروف تعلم الأطفال أهمية فعل الخيرات والصالحات وكيف تعود بالنفع على الإنسان في مستقبله فالخير لا ينسي من خلال أسلوب قصة وحكاية تربوية نافعة وجذابة.

شوكة مؤذية

(لكي) كلب لونه بني، وأذناه كبيرتان متدليتان، يعيش مع صاحبه في بيت قريب من الغابة، يحب الخروج في الصباح لصيد الأرانب الجبلية، والقطط البرية. وفى اليوم الذي لا يصيد فيه شيئا يحب أن يقف بجانب جحر الأرانب، ويحفر الأرض برجليه الأماميتين، ويخرج التراب من الحفرة، حتى يكون كومة من التراب، ويقف ويفخر بما فعل.

وذات يوم خرج الكلب وحده، وذهب إلى الغابة، ووقف عند جحر للأرانب الجبلية، تحت شجرة من الأشجار، وأخذ يحفر الأرض برجليه الأماميتين، فدخلت في رجله الأمامية شوكة كبيرة من الأشواك التي تحت الشجرة، فأحس بألم شديد لا يحس به من قبل. وخاف كثيرا مما أصابه؛ لأن هذا لم يحدث له، ولم يجربه قبل ذلك، ولم يستطع أن يعرف له سبلا.

نبح الكلب نباحا شديدا. وف، وف، وف. ورفع رجله المصابة، وأخذ يسأل نفسه: ماذا حدث لرجلي؟ لحس رجله، ظاناً أن لحسها قد يزيل ما بها من ألم، ولكن الألم قد استمر، ولم ينقطع. فكر الكلب في أن يرجع إلى البيت ليرى رجله لصاحبه، كي يراها، ويعالج ما بها. ولكنه حينما حاول الجري، وجد أنه لا يستطيع أن يضع رجله على الأرض، وآلمته ألماً شديداً. حاول الكلب أن يجرى على ثلاث أرجل، فلم يستطع. وكان أحيانا ينسى ويضع رجله الرابعة على الأرض، ويحاول المشي عليها، فيشتد به الألم. لذلك جلس على الحشيش، وأخذ ينبح، ويسأل نفسه: لماذا تؤلمه رجله هذا الألم الشديد؟ استمر يلحسها بلسانه، ولكن الألم لم ينقطع. وكلما وضع رجله على الأرض، وحاول أن يدوس عليها، زاد الألم، واشتد إلى درجة لا تطاق. استمر ينبح: هوو – وو – وو – هوو – وو – وو.

وبعد قليل سمع (لكي) صوتا ضعيفاً بالقرب منه يكلمه ويقول له: ماذا حدث؟ وماذا أصابك؟ لقد أيقظتني من نومي بنباحك المستمر؟ لماذا تنبح؟ ولماذا تحدث هذه الضوضاء؟

مساعدة وخير

نظر الكلب، فعجب كل العجب، فقد وجد طفلة صغيرة من بنات الأقزام تنام في سرير معلق يهتز كالأرجوحة تحت شجرة من أشجار الغابة، وتلبس رداء (فستانا) فضيا، وتضع على رأسها قبعة من جلد الأرانب كالجرس.

سأل الكلب: من أنت؟

أجابت الطفلة الصغيرة: أنا بنت صغيرة، من بنات الأقزام، أعيش على التلال، وفي كل صباح أنظف الأرانب الصغيرة بالفرشة وأمشط لها شعرها بالمشط بدلا من أمهاتها. ولكن ماذا حدث لك؟ ولماذا تنبح هذا النباح المستمر؟

أجاب الكلب: إنني أسف لأني أزعجتك وأيقظتك من نومك، وإنني أنبح لأني أحس بألم شديد في رجلي الأمامية، ولا يمكنني أن أمشي أو أجرى عليها، وكلما وضعتها على الأرض، وحاولت أن أدوس بها اشتد الألم.

تألمت البنت الصغيرة لحاله، وقالت له: اسمح لي أن أرى رجلك، ثم قفرت من سريرها المتحرك الذي يهتز كالأرجوحة. وجرت إلى الكلب المسكين، وأخذت رجله الأمامية، ونظرت إليها فوجدت فيها شوكة كبيرة، وقالت: إنك مسكين أيها الكلب الصغير. إن في رجلك شوكة كبيرة. ولا عجب إذا آلمتك حينما تمشى عليها، أو تدوس بها على الأرض. سأخرجها لك من رجلك.

قال الكلب: أرجو أن تخرجيها برفق من فضلك.

قالت الطفلة: إني سأخرجها برفق وعناية. ولن تحس بألم. فاهدأ قليلا، واصبر، ولا تتحرك، ثم أخرجت شوكة طويلة مدببة من رجله، وقالت له: هذه هي الشوكة التي كانت في رجلك. انظر إليها، إنها مثل الإبرة الطويلة. نظر الكلب، فرأى شوكة طويلة أخرجتها بنت الأقزام من رجله الأمامية، ثم أخرجت من جيبها منديلا نظيفا أبيض، وربطت رجله به، وقالت له: الآن لن تحس بألم إذا مشيت أو جريت. فقد خرجت الشوكة من رجلك، وربطتها لك بالمنديل.

شكر ووداع

قال الكلب، أشكرك أيتها الطفلة شكرا جزيلا، أشكر لك ما قمت به من مساعدة. وأعتقد أنك في منتهى الشفقة والرحمة. وأرجو أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أرد إليك جميلك ومعروفك. وأسأل الله أن يقدرني على مكافأتك.

قالت بنت الأقزام: إن لم أقم إلا بما يجب على. ولا أنتظر شكرا على أي معروف. وأخاف أن تنساني، وتنسى كل شيء عنى بعد أيام قليلة، ثم رجعت إلى سريرها.

ولكن الكلب لم ينس مطلقا ما قامت به الطفلة الصغيرة الشفيقة نحوه من عطف. وكثيرا ما فكر في بنت الأقزام، وفى شفقتها ورحمتها. وقد احتفظ في مسكنه بالمنديل الصغير الذي ربطته حول رجله؛ ليذكره بمن أنقذته من الآلام، وعالجت رجله مع صغر سنها. وكلما شم المنديل تذكرها، وفكر فيها، وسأل الله أن يمكنه من رد معروفها في يوم من الأيام، ويحسن إليها كما أحسنت إليه، ويساعدها كما ساعدته.

مرت الأيام والشهور، وانتهى الصيف، وأتي فصل الخريف، وأخذت أوراق الأشجار تسقط. وقد حاول (لكي) أن يزور بنت الأقزام، ويراها، فذهب في يوم من الأيام إلى المكان الذي وجدها فيه من قبل، ليبحث عنها، ويطمئن عليها، ولكنه لم يجدها، ولم يستطيع أن يراها على التل في أي مكان. ثم أقبل الشتاء بعد أن انتهى فصل الخريف، وكان شتاء قاسيا، شديد البرودة. وأخذ الثلج يسقط ليلا ونهارا، وتحولت الأشجار إلى أشجار بيضاء مكسوة بالثلج، وأصبح الجبل أبيض اللون من أعلى نقطة فيه إلى أسفل نقطة منه. وقد كانت بنت الأقزام تسكن في أسفل الجبل تحت شجرة كبيرة من الأشجار.

وكان للكلب مسكن صغير خاص به في حديقة البيت، أعدته صاحبته له، وملأت فراشه بالقش الدافئ المريح، وأبعدت ذلك المسكن عن الجهة التي تهب منها الريح، حتى يكون دافئا على الدوام، ويحس فيه (لكي) بالدفء الشديد في الليالي الشديدة البرودة، ولا يشعر بالبرد وهو نائم. وكان الكلب يحب فراشه كثيرا؛ لأنه دافئ ومريح.

شتاء بارد

وفي ليلة من الليالي سمع الكلب صوتا ضعيفا قريبا من حديقة البيت، فرفع أذنيه، فسمع صوت بكاء وأنين، صوت فتاة تتأوه وتبكي وتقول: ما أقسي هذا البرد. وما أشده في هذه السنة! إني لا أجد مكانا دافئاً أحس فيه بالدفء لأذهب وألجأ إليه. وإني متأكدة أني سأموت من البرد، ولا شك في ذلك.

سمع (لكي) هذا الصوت الضعيف، فعرفه؛ فقد سمعه من قبل، فترك فراشه بسرعة، وجرى جهة الباب، فوجد بنت الأقزام واقعة ترتعد عند باب الحديقة من شدة البرد، وسقوط الثلج، ومن شدة جريه قرب أن يصدمها ويوقعها على الأرض.

فقالت له: احترس، فقد كنت ستوقعني على الثلج. والله يعلم أني أحس ببرد شديد. ولا أحتاج إلى الوقوع على الثلج.

قال الكلب: أهلا وسهلا، هل تذكرينني أيتها الطفلة الصغيرة؟ أنا الكلب الذي أخرجت الشوكة الكبيرة من رجله في الصيف الماضي، وأزلت ما كان يحس به من الألم الشديد، هل أتيت الليلة لرؤيتي؟

قالت بنت الأقزام وهي ترتعد من شدة البرد: إنني أتذكرك جيدا. ولم أنسك ولم آت الليلة لرؤيتك؛ لأني لا أعرف أنك تعيش وتسكن هنا. وقد اضطررت الليلة أن أترك مسكني، لأن الجو شديد البرودة، ودرجة الحرارة تحت الصفر وقد غطى كل شيء بطبقة من الثلج. ولم أجد لي مأوى أذهب إليه، وإني متأكدة أني سأتجمد من الثلج. وسأموت من البرد الشديد.

تألم (لكي) لحالها، وقال لها: تعالى وعيشي معي هنا. وإن سيدتي وسيدي سيرحبان بك كل الترحيب.

قالت بنت الأقزام: ولكنك تعيش في صندوق داخل البيت، أليس كذلك؟

أجاب (لكي): إن لي بيتا صغيرا جميلا خاصا بي. أعده لي سيدي وسيدتي. وقد فرش بالقش النظيف المريح. ووضع بعيدا عن الرياح في حديقة البيت. وستجدين فيه الدفء والراحة. ولن تحسي فيه بالبرد مطلقا. تعالى معي، وعيشي معنا في البيت.

الخير لا يضيع

شکرت له بنت الأقزام إحساسه وعطفه، وذهبت معه إلى مسكنه، ونامت على القش، فوجدته مريحا، وبعد وقت قصير أحست بالدفء من رأسها إلى قدميها، وزالت البرودة عنها. وقالت: إن هذا فراش مريح حقا. وهو دافئ جدا وقد مكثت عدة أسابيع لا أعيش فيها بالدفء، ولا أجد الراحة. وأتمنى أن أبقى معك هنا يا (لكي)؛ حتى ينتهي فصل الشتاء.

قال (لكي): يمكنك أن تعيشي معي في هذا البيت. وسيكون سيدي وسيدي مسرورين إذا عرفا حالك وعرفا ما قمت به نحوي. وإنك تذكرين أيها الطفلة العزيزة، أنى قلت لك: إني أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرد فيه الجميل والمعروف لك. فقد أخرجت الشوكة المؤلمة من رجلي، وأزلت ما كنت أحس به من آلام. وأنى الآن سعيد كل السعادة فقد قدرني الله على رد الجميل، ومقابلة المعروف بالمعروف. وستكونين الصديقة المخلصة الوفية لي، وحينما يأتي الصيف يمكنك البقاء معي إذا أحببت، أو الرجوع إلى مسكنك إذا أردت.

وف الصباح رأى صاحب البيت وصاحبته بنت الأقزام مع كلبهما، فأعجبا بها، وتألما لها حينما أخربتهما بحالها، وأكرماها كل الإكرام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى