قصة في الغابة المسحورة

قصة في الغابة المسحورة هي من قصص الأطفال الطويلة في أسلوب قصصي تربوي وتعليمي يحكي مغامرة الشاب نبيل في محاربة الساحر الشرير وإنقاذ حبيبته من اللعنة والغابة المسحورة.

حان وقت الزواج

كان العمدة وزوجته وابنهما نبيل يعيشون معا في بيت كبير يقع قرب الحقول في القرية. وقد كبرت سن العمدة وزوجته، وأرادا أن يتزوج ابنهما، كي يفرحا به. ونصحا له بأن يختار ابنة عمدة من أصدقاء الأسرة.

وقد عرف نبيل ابن العمدة بالشجاعة والإقدام والفروسية وإجادة ركوب الخيل، وأحبه سكان القرية؛ لعطفه عليهم، وحبه لهم. وكذلك مساعدتهم فيما يحتاجون إليه من الأعمال، ورجوا أن يتزوج، ويحل محل أبيه، ليطمئن عليه أبوه في حياته.

وذات يوم قال له أبوه: ابني العزيز، لقد أتى الوقت الذي ينبغي أن تتزوج فيه. وإني أرى أن تتزوج ابنة الشيخ مصطفى صديقي، وهو عمدة لإحدى القرى وأستحسن أن أرسل إلى أبيها لأخطب لك ابنته. لأني أعلم أنها كريمة الخلق، متعلمة، وقد ربيت تربية كاملة، ولا ينقصها شيء مطلقاً.

قال نبيل لأبيه، إني لا أعرف ابنة صديقك العمدة، ولم أرها. وأرجو أن تسمح لي يا أبي بأن أغير مظهري وملابسي، وأخفي شخصيتي، وأذهب إلى قريته. وأجتهد حتى أرى تلك الفتاة، من غير أن تعرف هي حقيقتي وشخصيتي.

ولكن العمدة خاف أن يذهب ابنه وحده. وعرض عليه أن يرسل معه أحداً من أقاربه أو أصدقائه، أو حارساً قوياً من حراس القرية.

كان نبيل قوى الجسم، معروفاً بالشجاعة، حسن الحيلة، فطمأن أباه، حتى سمح له بالذهاب وحده في رحلته. وقال له: اذهب يا بني، وسأؤجل التكلم في موضوع الخطبة حتى ترى خطيبتك بنفسك، وترجع من رحلتك. وأرجو ألا يطول غيابك. اذهب وسلم على والدتك، وودعها قبل ذهابك، واطلب منها أن تدعو لك بالتوفيق في حياتك. اذهب وأعد نفسك، والله معك. ولا تضع وقتاً.

وفى الصباح التالي استيقظ نبيل مبكراً في الفجر، واستعد استعداداً تاماً لرحلته، وقد لبس حلة (بدلة) قديمة ممزقة، رمادية اللون. وترك حصانه، ولم يأخذ معه شيئاً من النقود الذهبية. واكتفى بأخذ عصا غليظة يتوكأ (يستند) عليها في الطرق الصعبة، ولم يحمل معه في رحلته غير هذه العصا.

رحلة نبيل

رآه أبواه وهو لابس بدلته الممزقة، فضحكا، ونصحا له أن يلبس أحسن ملابسه. حتى يظهر في أحسن مظهر حينما يرى الفتاة التي يريد أن يخطبها، ويجعلها عروسا له.

فقال لهما: إن الفتاة التي أريد أن أتزوجها يجب أن تحبني وأنا لابس خرقاً قديمة. وإن الفتاة التي لا تحبني إلا إذا لبست أحسن الملابس وأغلاها لا أعد حبها لي حباً صادقاً. إني أريد أن تشاركني في فقرى، قبل أن تشاركني في غناي.

ودع نبيل أمه وأباه، ودعوا له بالنجاح والتوفيق، وقد كان الابن الوحيد لهما. وهذه هي المرة الأولى التي سمحا له فيها بالسفر وحده، من غير وجود رفيق أو خادم معه. وهذه هي المرة الأولى التي أحس فيها بالحرية في حياته.

وحينما ارتفعت الشمس في السماء كان نبيل بعيداً عن قريته. استمر يمشى في طريقه؛ حتى رأى راعياً كبير السن يرعى قطيعاً من الغنم. وهو جالس في الظل تحت شجرة كبيرة، ليتناول طعامه. فذهب إليه نبيل، وسلم عليه، فدعاه الراعي ليأكل معه، فشاركه نبيل في غذائه اليسير، شاكراً له دعوته.

لم يعرف الراعي نبيل من قبل، ولم يعرفه نبيل بنفسه. ولكنه أخبر الراعي بأنه في رحلة خاصة؛ ليبحث عن خطيبة تكون عروساً وزوجاً له في مستقبله. فحذره الراعي من ساحر خطر شرير يعيش في غابة مسحورة سوداء، قريبة من الجبل.

وقد لحظ نبيل أن الراعي حزين، والحزن ظاهر على وجهه، فسأله: لماذا أراك حزيناً؟ أرجو أن تذكر لي ما تعرفه عن ذلك الساحر، وألا يكون قد أصابك منه ضرر.

الغابة المسحورة

هز الراعي رأسه بحزن، وقال: كنت في يوم من الأيام شاباً مثلك، كثير الآمال. وأحببت من قريتي فتاة كاملة جميلة الصوت تسمى لطيفة. وفى اليوم المحدد لزواجنا اضطررت أن أذهب إلى الحقل لأحضر قطيع الغنم إلى حظيرتها (زريبتها) التي تفع خلف البيت في قريتنا. فلما رجعت في المساء وجدت أن عروسي لطيفة خطفت، وأخفيت في الغابة المسحورة. وقد خطفها ذلك الساحر المؤذي. وكل ما عرفته من الناس الذين شاهدوا الحادث، أن لطيفة كانت تغنى بصوتها العذب الجميل على سطح بيتها. فحدثت زوبعة شديدة وانقض الساحر وسط الزوبعة، وخطف عروسي، وطار بها في الجو، ثم اختبأ فوق أطراف الأشجار.

وقد سمع الناس صوت لطيفة، وهي تصرخ وتستغيث، وتطلب المساعدة. ولكن لم يستطع أحد أن يصل إليها أو يساعدها، أو يخلصها من يدي ذلك الساحر المجرم. وكانت سني في ذلك الوقت عشرين سنة، وقد زدت الآن على الستين. ومكثت أكثر من أربعين سنة أنتظرها، وأنتظر رجوعها. وأعتقد أنها لن ترجع. ولم أفكر في تلك المدة الطويلة أن أنزوج غيرها. وسأستمر مخلصاً لها طول حياتي. وإني متأكد مما أقول.

تألم نبيل لألم الراعي الكبير السن، وشاركه حزنه وشعوره، وأعجب بوفائه النادر. ولكنه لم يفهم السبب في عدم محاولته البحث عن عروسه التي خطفت، حتى يجدها. فسأله برفق: هل حاولت أن تنقذها من الغابة المسحورة؟

أجاب الراعي الهرم (الكبير السن): أيها الشاب العزيز، إن الغابة المسحورة هي الغابة السوداء، وهي في مكان خطر. ولا يستطيع أحد أن يدخل تلك الغابة. وإذا دخلها إنسان فلن يخرج منها سليماً، إلا إذا كان ساحرا ماهرا شجاعا. ولم تخطف عروسي وحدها، بل خطفت أيضا بعدها الآنسة أمينة بنت عمدة قريتنا بالطريقة نفسها. وقد خطفها ذلك الساحر الشرير، وحملها كما حمل عروسي إلى الغابة السوداء. ألم تسمع تلك الحادثة المحزنة؟

خطف بنت العمدة

لم ينتظر الراعي الإجابة عن سؤاله. واستمر في تكملة القصة قائلا: إن الآنسة أمينة كانت معروفة في قريتنا بالجمال، وكمال الخلق، والعطف على فقراء القرية والمحتاجين فيها. ولم ترد فقيرة تذهب إليها في بيتها من غير أن تساعدها وتعطيها ما تحتاج إليه. وفي ليلة قمرية من الليالي كان في بيت عمدتنا حفل عيد ميلاد لابنته الواحدة أمينة. فدخل الساحر بيت العمدة مختبئاً في مظهره مع المدعوين من الأقارب، ولم يحس به أحد.

وكان الجميع معجبين بالآنسة أمينة. وفجأة حدثت زوبعة شديدة داخل البيت، فاضطرب الحاضرون، وشغلوا بالزوبعة، وتغيرت صورة الساحر. واختبأت بنت العمدة، وحملها الساحر، وطار بها في السماء، وأخذها إلى غابته المسحورة. وحار الجميع في الأمر، وعجبوا كل العجب، ولم يروا أمامهم إلا سحبا كثيفة سوداء. ولم يعرفوا ماذا يفعلون. وقد حدثت ضجة في القرية.

وانتشر الخبر فيها سريعاً، وجرى العمدة وأقاربه ومن عنده من الحرس. وخرج كثيرون من القرية للبحث عن الفتاة المحبوبة التي خطفها الساحر، وخاطروا بحياتهم لإنقاذها، وإعادتها إلى أهلها. ووصلوا إلى مدخل الغابة، ومعهم أسلحتهم، ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا، ورجعوا جميعا مهزومين. ولم يمكنهم أن يتغلبوا على ذلك الساحر الشيطان، فقد قوبلوا عند وصولهم بزوبعة فظيعة، فتفرقوا، وتاه بعضهم. ورجعوا بدونها إلى القرية بعد أيام، ولم يتمكنوا من دخول الغابة السوداء. وعادوا أقل عددا مما ذهبوا.

تألم نبيل كل الألم، واغتاظ كل الغيظ، واحمرت عيناه، بعد أن سمع تلك القصة، ونسي كل شيء عن العروس التي فكر في أن يتزوجها، وأخذ عصاه الغليظة، وقام للبحث عن الفتاتين المخطوفين في الغابة المسحورة.

فصاح الراعي، وقال له: لا، لا أيها الشاب، لا تحاول أن تدخل تلك الغابة السوداء. وأمسك بنبيل من يديه، وحاول أن يمنعه من الذهاب إلى الغابة، ويرجعه عن قصده، ولكنه لم ينجح في إقناعه ومنعه. وسأله نبيل: كيف أعرف مدخل الغابة السوداء؟

دخول الغابة

أجابه الراعي: إن عند مدخل الغابة ثلاثة من الطيور الكبيرة البيضاء، تحرس الباب، وتطير حوله، وتراقب كل من يحوم حول الغابة، أو يقترب منها. فإذا رأت أحدا غريبا أخبرت الساحر في الحال، ويظن بعض الناس أن تلك الطيور هي التي تعمل الزوابع والعواصف بأجنحتها إذا أراد الساحر. فاتعظ يا بني، واستمع النصيحة، وابتعد عن ذلك المكان الخطر؛ فلن تسمح لك الطيور الثلاثة بالدخول.

تألم نبيل مما سمع، وإجابة عن هذه النصيحة، طلع فوق الشجرة، وقطع فرعا منها، وصنع منه بالسكين الذي في جيبه قوساً وسهماً، ليدافع بهما عن نفسه، وقال للراعي: لا تخف علي، وانتظر كل يوم رجوعي إليك. وتأكد أني سأحضر لك معي عروسك التي خطفت، أو أخباراً عنها على الأقل، إذا رجعت ثانية.

حزن الراعي لفراق نبيل، وخاف عليه، ودعا له بالنجاح في مغامرته، وودعه نبيل، وسار في طريقه إلى الغابة السوداء. واستمر في سيره حتى رآها عن بعد. ورأى الطيور الثلاثة الكبيرة البيضاء تطير فوق مدخل الغابة، وسمع حركة أجنحتها كأنها صوت رياح شديدة، أو مياه كثيرة متدفقة.

رأته الطيور الكبيرة البيضاء، وهي تراقب كل حركة عند مدخل الغابة، وأخذت تطير وتحلق فوق المدخل بشكل دائري. وقد مالت الشمس نحو الغرب، وقربت أن تغرب.

كان نبيل يعرف حيوانات الغابة وطيورها، وعرف أنها تتأثر بالموسيقي ونغماتها، فاستعد بقوسه وسهمه ليستعملهما عند الضرورة، وجلس في داخل فجوة (فتحة) في شجرة ضخمة كبيرة، وبدأ يصفر ويزمر بمزمار معه ويحدث نغمات موسيقية هادئة، ويرسل تلك الموسيقي العذبة الهادئة نحو الطيور البيضاء القريبة من المكان الذي اختبأ فيه.

تأثرت الطيور بنغمات الموسيقي، وتغيرت حركاتها، فبعد أن كانت تطير بشكل دائري لتهجم عليه، توقفت عن الطيران، وأمالت رؤوسها لتصغي وتتمتع بالموسيقي العذبة الهادئة، ونزلت ثم وقفت على صخرة كبيرة مسطحة بجانب مدخل الغابة.

استمر نبيل يصفر ويزمر، ويلعب الموسيقي، وغير النغمة، وجعلها نغمة منومة؛ حتى نامت الطيور البيضاء متأثرة بالموسيقي، ووضعت رؤوسها تحت أجنحتها، ونامت نوماً عميقاً.

البحث عن الساحر

اطمأن نبيل، ونجح في تنويم الطيور البيضاء، ومر بينها، ودخل الغابة المسحورة، التي لم يدخلها إنسان قبله دخلها بهدوء؛ خوفاً من أن يسمعه أحد، أو يراه حراس آخرون للساحر. دخل الغابة المخيفة وقد أظلم الليل، وأحس بالتعب، بعد رحلته الطويلة، ومشيه طول النهار، فجلس ليستريح، وانتظر حتى يطلع القمر. ولشدة تعبه نام نوماً عميقاً.

وحينما استيقظ من نومه لم يعرف مقدار المدة التي نامها، ووجد القمر مضيئاً، ورأى بجانبه قطة بيضاء، واقفة على رجليها الخلفيتين، تنظر إليه بعينيها الزرقاوين، نظرة كلها عجب واستغراب وحول رقبتها شريط من الحرير البرتقالي اللون، وتلبس فوق جسمها رداء (فستاناً) حريرياً، ذهبي اللون. وقد عجب نبيل حينما رآها، واعتقد أن هذا هو الساحر نفسه في صورة قطة، فأمسك القوس والسهم بيديه، واستعد لقتلها، وسألها: هل أنت صاحبة الغابة المسحورة؟

أجابت القطة البيضاء: لا تخف، فأنا مثلك، وقد كنت عروساً، فسحرني هذا الساحر الشرير، وجعلني تحت سيطرته ونفوذه، ثم سألته: من الذي أتى بك إلى هذا المكان الموحش، والسجن المنقطع عن العالم؟

قص عليها نبيل قصته، حتى وصل إلى الجزء الخاص بالطيور التي عند مدخل الغابة، فارتعدت القطة البيضاء خوفاً عليه، وقالت له: إني خائفة عليك؛ لأن من دخل هذه الغابة استعبده الساحر، وجعله خاضعاً له بطريقته السحرية.

قال نبيل: صفى لي هذا الساحر؛ فقد أتيت إلى هنا لأبحث عنه. وإني أريد أن أعرفه عندما أقابله.

فحذرته القطة، وقالت له: اخفض صوتك، ولا تتكلم بصوت مرتفع؛ فقد يأتي إلينا في أي لحظة. وإننا لم نره بصورته الحقيقية، فأحياناً نراه في صورة رجل، وأحياناً في صورة قزم من الأقزام، ومرة نراه بشكل زوبعة شديدة، أو سحابة كثيفة سوداء، فإذا أعجب بشيء خطفه، ثم سحره، وجعله عبدا له.

وفي تلك اللحظة سمع نبيل صوت رياح شديدة بين الأشجار، فصاحت القطة: أسرع، وادخل المغارة البعيدة، وازحف على الأرض؛ حتى لا يراك؛ لأن عينيه كعين الصقر.

كيف يتخلص من السحر؟

نفذ نبيل ما أمرت به القطة، وزحف مسرعاً؛ حتى وصل إلى المغارة، وانتظر أن تتبعه القطة، ولكنها لم تتبعه، فعجب من أمرها، وذهب إلى المغارة، واختار مكاناً يرى منه ما يحدث في الخارج، فرأى في ضوء القمر قطة بيضاء تلبس رداء (فستاناً) حريرياً ذهبي اللون وترقص رقصاً جميلاً منتظماً، إلى الأمام، ثم إلى الخلف، فأعجب نبيل برقصها، ونسى الخطر الذي يقرب منه، ويحيط به، وفكر في أن يصفق لها إعجاباً بها. ولكنه في تلك اللحظة سمع صوت استحسان يقول: حسن جداً، أيتها القطة الجميلة البيضاء. فخاف قليلاً، عندما سمع ذلك الصوت وهو نائم على الأرض.

انقطع الصوت، ورأى القطة هادئة ساكنة، فخرج من المغارة يجرى، واتجه نحوها، ففتحت عينيها، وقالت لنبيل: إنني بخير. وقد ذهب الساحر إلى حاله، وحينما يطالبني بالرقص أرقص، وقد أمكث مدة طويلة، ولا أستطيع أن أقف إلا إذا سمح لي.

قال نبيل: إنني أعلم أنه قد سحرك، ووضعك تحت سيطرته وأمره، ولكن مستعد لأن أنقذك من شر هذا الساحر إذا استطعت، فهل هناك وسيلة بها أستطيع مساعدتك؟

أجابت القطة: نعم هناك وسيلة للتخلص من السحر. ففي هذه الغابة حجرة سرية، بها صندوق معدني، يحتوي على مرآة سحرية. ولكنني لم أر تلك الحجرة منذ أخذني إليها. وإن نظرة إلى تلك المرأة غيرتني إلى صورة القطة التي تراها الآن. وإن الطريقة الوحيدة التي أستطيع بها الرجوع لصورتي الأولى هي الحصول على تلك المرآة، وأنظر فيها ثانية، وأقول الكلمة السحرية التي يرددها الساحر ثلاث مرات، فيزول السحر. وفي هذه الغابة طريق موصل إلى الحجارة البيضاء التي توصل إلى الحجرة السحرية. هذا كل ما أعرفه، وما أستطيع أن أخبرك به.

فسألها نبيل: أخبريني من أنت؟ وكيف كان شكلك عندما جئت إلى هنا؟

هزت القطة البيضاء رأسها، وقالت: أحضر المرآة السحرية أولاً، واعرف الكلمة السحرية التي بها يزول السحر، إذا كنت سعيد الحظ. وفي ذلك الوقت سترى صورتي على حقيقتها، وستعرف كل شيء عني.

البحث عن المرأة السحرية

وافقها نبيل على رأيها، ثم سار في الغابة؛ ليبحث عن الحجرة السحرية، والليلة مقمرة، والقمر طالع يضيء الطريق. مشى بشجاعة وسرعة في الغابة المسحورة، وبعد قليل رأى طريق الحجارة البيضاء بين الأشجار. اتجه نبيل إلى ذلك الطريق، ووجد أنه يوصل إلى مغارة، لها باب كبير من الحجارة المنقوشة. مس ذلك الباب، ففتح في الحال، فعجب كل العجب. وحينما دخل المغارة أصغى، ولكنه لم يسمع أي صوت فيها. وقد اعتادت عيناه الحياة في الظلام بالريف، فلم يخف، ونظر حوله، فرأى باب في آخر المغارة من بعيد، فاتجه إلى ذلك الباب، وفتحه، فوجد هناك رجلاً يلبس كما يلبس الأمراء، ويجلس ظهره إلى الباب، وهو ينظر في صندوق وضع أمامه على المنضدة (الطرابيزة).

لم يلحظ الرجل نبيل، ولم يره. وقد اعتقد نبيل أن هذا هو الساحر عينه، فوقف ساكناً لا يتحرك، وسمعه يردد الكلمات الآتية ثلاث مرات: “أت سرب، أت سرب، أت سرب”. ثم رأى الرجل نفسه بعد مدة قصيرة قد تحول إلى قزم كبير السن، نحيف الجسم. أقفل القزم الصندوق الذي على المنضدة، ثم وقف، فرأى نبيلاً، وقابل نبيل الساحر الشرير وجهاً لوجه بكل شجاعة. ذهب الساحر إلى الصندوق ليفتحه، ويخرج منه المرآة السحرية، فوجده مقفلاً. وكان مفتاح القفل معلقاً بخيط حول رقبته. وحينما فتح الصندوق بالمفتاح، وأخرج المرآة منه، تذكر نبيل ما قالته القطة البيضاء عن المرآة السحرية التي في الصندوق.

وقد فكر الساحر في أن يجعل نبيل ينظر في المرآة، ليحوله إلى صورة أخرى، ويتحكم فيه، ويسيطر عليه. عرف نبيل ذلك جيداً، ولم يخطف المرآة منه خوفاً من أن تكسر، وهو يريد أن يحصل عليها بكل وسيلة؛ ليحول القطة البيضاء إلى صورتها الأولى، وينجيها من الاستعباد، ويعيد إليها الحرية.

هزيمة الساحر

أخذ القزم القبيح المنظر المرأة السحرية في يده، وزحف ببطء جهة نبيل، وأراد أن ينظر إليها نبيل ليسحره، ويجعله عبداً من عبيده، وخادم من خدمه. وقد استعد نبيل للقبض على القزم، بذراعيه القويتين وأخذ المرآة السحرية منه. ولكن حينما اقترب القزم منه صدمت رجله في حجر، فوقع على الأرض، وسقطت المرآة السحرية من يده على الحشيش قبل أن يقبض عليه نبيل. أراد نبيل أن يلتقط المرأة من الأرض، ليطمئن على أنها لم تكسر، ولكنه سمع صوتاً عذباً يحذره، ويقول له: لكي تحافظ على نفسك لا تنظر إلى المرآة! لا تنظر إلى المرآة!

نظر نبيل فوق رأسه لترى صاحب الصوت، الذي ينصح له، فوجد على غصن الشجرة التي في المغارة طائراً جميلاً جسمه مغطى بالحرير الأبيض، وفوق رأسه نقاب (برقع) عروس.

زحف القزم نحو المرآة، وأراد أن ينتهز الفرصة ويأخذها ونبيل مشغول بالنظر إلى الطائر ولكن الطائر قال لنبيل: أسرع وخذ المرأة قبل أن يأخذها الساحر، واحذر أن تنظر إليها.

فخطف نبيل المرآة السحرية، والتقطها من الأرض قبل الساحر، ووضعها مقلوبة على المنضدة، ثم تفرغ للقزم وأمسك به من رقبته، وقال له: أخبرني عن الكلمة السحرية التي بها يزول السحر عن القطة البيضاء، وعن هذا الطائر، وأعطني المفتاح الذي حول رقبتك، وإلا قتلتك.

امتنع القزم في البدء، ولكنه خوفاً على نفسه عرفه الكلمات التي بها يزول السحر، وقطع نبيل الخيط الذي في رقبته، وأخذ المفتاح منه غصباً، فتحول القزم الشرير في الحال إلى ضفدعة قبيحة المنظر، وأخذت تزحف على أرض المغارة.

كتب نبيل الكلمات السحرية حتى يتذكرها، ولا ينساها، ووضع المرآة في الصندوق المعدني، ثم أغلق غطاءه، فسمع الطائر الذي فوق رأسه يغني غناء عذباً بصوت جميل.

وبعد أن انتهى الطائر من غنائه: نظر إليه نبيل، وسأله: من أنت أيها المخلوق العذب الصوت؟ أعتقد أنك من سيئي الحظ الذين أساء إليهم الساحر الشرير بسحره.

خطيبة الراعي

نزل الطائر المغنى من فوق الشجرة، ووقف على المنضدة التي وقف نبيل بجانبها، وأخذ يخبره حكايته ويقول: منذ سنوات طويلة كنت فتاة من الفتيات الجميلات. وأسمى لطيفة. وكنت أغنى كثيراً بصوت عذب جميل، وفي يوم من الأيام خطبني راع من رعاة الغنم. وكنت سعيدة في حياتي مع أسرتي.

وقبل أن أتزوج بيوم واحد لبست ملابس الفرح والعرس؛ لأجربها على نفسي، وأتأكد من أنها مناسبة لجسمي. وأخذت أغني غناء يدل على أني مسرورة سعيدة، فسمعني الساحر الشرير وهو مار في الطريق، يلبس كما يلبس الفلاحون الذين يزرعون الأرض، وأعجب بصوتي، فدخل من باب حجرتي كأنه زوبعة أو ريح شديدة، وأخذني وأنا بملابس الفرح، وحملني إلى هذه الغابة، وطار بي كالريح في الجو، وأخذت أصيح بأعلى صوتي، وأطلب من يساعدني ويخلصني من بين يديه، وخرج خطيبي وأهلي وأقاربي ورائي، وحاولوا إنقاذي، فلم يستطيعوا، ورجعوا كما أتوا. ومنذ ذلك الوقت أعيش طائراً في الغابة، وأغنى للساحر في أي وقت يريده، وأشتغل كأني مغنية خاصة به.

تألم نبيل لحالها، وفتح الصندوق، وأخرج منه المرآة السحرية، وأبعدها عن وجهه، وقال لها: انظري إلى المرآة، وكررى هذه العبارة السحرية: “أت سرب” ثلاث مرات، ليزول عنك السحر، وترجعي إلى صورتك الأولى.

نظر الطائر إلى المرآة، ونفذ ما أمر به، فتحول الطائر في الحال بقدرة الله إلى فتاة جميلة تلبس ملابس الفرح والعرس كأنها في ليلة الزفاف والزواج.

عجب نبيل كل العجب، وتأكد أن هذه خطيبة الراعي. ولحظ أنها صغيرة السن، في حين أن عريسها الذي انتظرها كل السنوات الطويلة الماضية صار هرماً (كبير السن)، أبيض الشعر، مجعد الوجه.

ابنة العمدة

أسرع نبيل، وذهب إلى المكان الذي ترك فيه القطة البيضاء، والقمر طالع. وتبعته العروس الجميلة، فوجد القطة تنتظر رجوعه، وقد استغربت حينما رأت معه هذه العروس. فقال لها: لقد أخذت المرآة السحرية من الساحر، وعرفت الكلمة السحرية التي يزول بها السحر، وقد رجعت إلى صورتها الأولى، وصارت الآن حرة، ولا سلطان لأحد عليها. وقد عاقب الله الساحر، وصار ضفدعة، وزالت عنه قوته السحرية، بعد أن أخذت منه الصندوق المعدني، ومفتاحه، والمرآة السحرية، ولم أقتل الضفدعة، وتركتها لحالها. ويكفي عقاباً للساحر أن تكون ضفدعة طول حياته.

فتح الصندوق، وأخرج منه المرآة، وناولها للقطة البيضاء، فنظرت إليها، وكررت العبارة السحرية ثلاث مرات، فزالت القطة، وتحولت إلى صورتها الجميلة الأولى، ووقفت مكانها ابنة العمدة التي خطفت ليلة عيد ميلادها أمام نبيل، وهي تلبس رداء (فستاناً) من الحرير الذهبي اللون، وحذاء أصفر، وعيناها زرقاوان جميلتان. رآها نبيل، فأحس أنه وجد أخيراً الفتاة الكاملة التي يريد أن يتزوجها. وتأكد أنها ابنة العمدة المخطوفة، ابنة الشيخ مصطفى.

وحينما طلعت الشمس ذهب نبيل وابنة العمدة وعروس الراعي إلى مدخل الغابة المسحورة، فوجدوا الطيور الثلاثة البيضاء لا تزال نائمة، كما تركها، فأخرج نبيل المرأة من صندوقها، وحركها أمام الطيور النائمة، وكرر الكلمة السحرية ثلاث مرات، فتحولت في الحال إلى ثلاثة أحصنة بيضاء، وأخذت تصهل؛ كأنها تريد أن تترك هذه الغابة السوداء.

ركبت ابنة العمدة حصان، وركبت عروس الراعي حصاناً آخر، وركب نبيل الحصان الثالث، ورجعوا جميعاً، وكان نبيل في المقدمة، لأنه عرف جيداً أن الراعي الأمين ما زال ينتظره تحت الشجرة في الحقل، وأمامه الغنم.

فكر نبيل وهو راكب: كيف يكون شعور الراعي الكبير السن حينما يرى عروسه لطيفة الجميلة ثانية، وكيف يكون شعورها حينما ترى عريسها بعد هذه السنوات الطويلة، وتحس أن حبه العميق لا يزال في قلبه كما كان عندما خطفت منه، وأنه انتظرها عشرات من السنين، ولم يفكر في غيرها، واستمر مخلصاً لها الإخلاص كله تلك السنوات الطويلة.

الخروج من الغابة والعودة للراعي

وحينما وصلوا إلى الراعي عرف عروسه، وناداها باسمها، وعرفته، ونزلت من فوق حصانها، ورمت نفسها بين ذراعي عريسها.

فتح نبيل الصندوق، وأخرج منه المرآة السحرية، وقال للعروس: هل تحبين يا لطيفة أن تكوني عجوزاً مثل عريسك، أو يكون هو شاباً مثلك؟

أجابت لطيفة: إن أريد أن يبقى كما هو بدون تغيير؛ لأنه كان وفياً مخلصاً لي عشرات من السنين، وأن أصير أنا امرأة عجوزاً؛ لأثبت له أني ما زلت أحبه كل الحب، وأخلص له كل الإخلاص وهو رجل هرم كبير السن.

قدم نبيل المرآة السحرية للطيفة، ونظرت إليها، وتمنت أن تكون عجوزاً لتناسب عريسها الذي انتظرها تلك السنوات الطويلة، فتحققت رغبتها في الحال، وتحول وجهها الجميل إلى وجه فيه تجعدات كثيرة، وذهب اللون الوردي، وصارت ترى مثل سيدة كبيرة السن.

فابتسم الراعي وقال: إن السن لا تهمني، ولا أفكر في السن. والمهم أن يكون القلب سليماً قويا، كقلوب الشباب.

شكر الراعي وعروسه لنبيل معروفه وفضله، وودعهما نبيل وابنة العمدة، وتمنيا لهما حياة سعيدة، وتركا الراعي وعروسه وحصانها الأبيض، وجلس العروسان تحت الشجرة في الحقل، يبتسم كل منهما للآخر ابتسامة عذبة حلوة، كلها حب ووفاء وإخلاص.

زواج نبيل من بنت العمدة

بعد هذا ركب نبيل حصانه، وركبت ابنة العمدة حصانها، ورجعا معاً إلى الغابة، وذهبا إلى منتصفها، وفتح نبيل الصندوق المعدني، وأخرج منه المرآة السحرية، ورفعهما فوق رأسه، ورماهما بعيدا على الحجارة، فكسر الصندوق والمرآة. وفى المكان الذي كسرت فيه المرآة السحرية، ظهرت بحيرة فضية بين أشجار الغابة. وهي بحيرة عجيبة، إذا نظر فيها الشاب في منتصف الليل والقمر طالع رأى بعينيه وجه الفتاة التي سيتزوجها. وإذا نظرت فيها الفتاة رأت بعينيها وجه الفتى الذي سيتزوجها.

ركب نبيل ابن العمدة، وأخذ معه أمينة بنت العمدة الشيخ مصطفى ليرجعها إلى والديها، ويدخل السرور عليهما، فهما في حزن منذ أن خطفت ليلة عيد ميلادها. وعرف أنها هي الفتاة التي أراد أبوه أن يخطبها لتكون عروساً وشريكة له في حياته. وأعجب كلاهما بالآخر، وتبادلا المحبة والإخلاص، واستقبلهما الشيخ مصطفى استقبالاً لا نظير له، وعم الفرح والسرور القرية كلها. وكان نبيل موضع الإعجاب والتقدير من الجميع؛ لأنه قام بما لم يقم به أحد، وأنقذ ابنة العمدة وهو لا يعرفها.

وأرسل الشيخ مصطفى الرسل لدعوة أبي نبيل ووالدته وأقاربه، فحضروا مسرورين، وعقد عقد الزواج، وصارت ابنة العمدة عروساً لابن العمدة، وأقيمت الأفراح، وعم الفرح والسرور الجميع، وأطعم الفقراء والمساكين فرحاً بسلامتهما وزواجهما. وعاش الزوجان عيشة سعيدة راضية، ووفقهما الله في حياتهما كل التوفيق، وأخلص كل منهما للآخر إخلاصا لا نهاية له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى