قصة اليتيم الأمين

قصة اليتيم الأمين هي حكاية وقصة تربوية وتعليمية تدور أحداثها حول الراعي أمين ليتعلم من خلالها الأطفال الأمانة وفعل الخيرات التي تعود علي صاحبها بالخير أكثر مما كان يرغب ويتمني.

الراعي اليتيم

كان هناك غلام يسمي أميناً سنه اثنتا عشرة سنة، يرعي لأبيه الغنم والمواشي في الحقل. وقد ماتت أمه وهو صغير، فلم يشعر بعطف الأمهات وحنانهن. وفكر أبوه في أن يتزوج، ولكنه لم يحسن اختيار زوجة تعطف على ابنه، وتعوضه ما فقده من العطف

تزوج الأب زوجة قاسية في معاملتها، لا تعرف الرحمة، والرحمة لا تعرفها. ولا تعرف معني الشفقة، والشقة لا تعرفها فكانت تقسو على ابن زوجها أمين، وتشتد في معاملته، وتضربه بغير سبب، وتعد حسناته سيئات وتكرهه أشد الكراهية، وتمقته كل المقت، وتبغضه كل البغض، وتتمني ألا تراه، وتحب من صميم قلبها كل بلوي له. وكثيراً ما كانت تخرجه صباحاً مع المواشي ليرعاها في الحقل، ويذهب بها إلى الحقل من غير إفطار، من غير أن تعطيه كسرة من الخبز ليأكلها في الصباح. وغالباً ما كانت تضربه حينما يرجع في المساء، وتحكم عليه بالذهاب إلى فراشه على السطح من غير عشاء. وكثيراً ما كانت تتلمس له أقل الغلطات لتزجره وتعنفه وتشتمه وتضربه. فكانت زوجة أبيه لا تخاف الله، ولم يكن لها ضمير يوبخها، حتى جعلت حياة ابن زوجها جحيماً أو تشبه الجحيم.

وفي يوم من الأيام خرج أمين اليتيم المسكين بغير إفطار، وأخذ معه الغنم والمواشي إلى الحقل. وجلس وراءها على جذع شجرة ليحرسها، ويتولى شئونها من الطعام والشراب والحراسة. وقد ظهر الحزن على وجهه لقسوة زوجة أبيه، وسوء معاملتها له، وإخراجه من المنزل بغير طعام في كثير من الأحيان. وبدأ يفكر فيما يستطيع أن يفعل. وماذا يستطيع أن يفعل وهو غلام يحب أباه، ولا يريد أن يكون سبباً في متاعبه؟ ويظن أبوه خطأ أن زوجته تحسن معاملة ابنه. فقد كانت تتظاهر أمام زوجها بالعطف على ابنه في الوقت الذي تبغضه فيه كل البغض، وتقسو عليه كل القسوة، وتتألم حينما تراه.

حذاء زجاجي

نظر أمين وهو خلف المواشي، فرأي فجأة شيئاً يلمع ويبرق فوق البرسيم الأخضر، فقام ليري هذا الشيء اللامع البراق، فوجده حذاء زجاجياً صغير الحجم، جميل الشكل، لم ير مثله من قبل، فأخذ الحذاء وهو مسرور به، معجب بمنظره، وأخذ يسأل نفسه: من صاحب هذا الحذاء؟ ومن الذي تركه في هذا المكان؟

استمر طول النهار في الحقل، وقد أرسلت إليه زوجة أبيه طعاماً لا يسمن ولا يغني من جوع عند الظهر. وحينما قربت الشمس من الغروب بدأ يستعد للرجوع إلى المنزل بغنمه ومواشيه. وفي هذه اللحظة حضر إليه قزم صغير وسأله: أيها الراعي الأمين، لقد تركت في هذا المكان في الليلة الماضية حذاء زجاجياً صغيراً جداً، ألم تره؟ ألم تجده؟

فأجاب الراعي الأمين: نعم وجدته صباحاً في هذا المكان، وها هو ذا. ورجاه أن يعيره هذا الحذاء ليلة واحدة لتراه زوجة أبيه، عسى أن ترضي عنه، وتبتسم له ابتسامة واحدة، ولا تضربه، ولا تقسو عليه، ولا تحكم عليه بالنوم بغير عشاء حينما يرجع إلى المنزل.

فقاله له القزم: إني أسف كل الأسف يا أخي، ولا يمكنني أن أعيره لك؛ لأني مضطر كل الاضطرار إليه، ولا يمكنني الاستغناء عنه الليلة، فأعطاه الراعي حذاءه وسلمه إليه.

فشكر له القزم أمانته، وقال له: أرجو أن يقدرني الله علي أن أرد إليك جميلك ومعروفك في يوم من الأيام، ولن أنسي أمانتك وحسن معروفك، ثم حيا الراعي الأمين وذهب إلى حاله.

وساق الراعي الأمين غنمه أمامه، ورجع بها إلى حظيرتها بالمنزل. فقابلته زوجة أبيه بالتوبيخ والتعنيف، وقست في معاملته. وبعد أن ربط المواشي في أمكنتها بالحظيرة نادته وصرخت في وجهه، وقالت له: خذ هذه الكسرة من الخبز عشاء لك، واذهب إلى فراشك.

فأخذ أمين كسرة الخبز، والدموع تتساقط من عينيه؛ لهذا الظلم الذي يعامل به، وهذه الحياة القاسية، ثم تسلل إلى حجرته الضيقة على سطح المنزل، وأكل كسرة الخبز، ثم نام. وقد مكث معظم الليل يحلم بالقزم الصغير، وحذائه الزجاجي الجميل.

قلنسوة حمراء

وفي الصباح التالي استيقظ في الفجر، ثم توضأ وصلي الصبح في المسجد القريب من المنزل، ثم رجع وأخذ غنمه ومواشيه، وذهب بها إلى الحقل لترعي هناك. وجلس وراءها للعناية بها. وحينما كان ينظر إلى المكان الذي وجد فيه الحذاء الزجاجي الصغير رأي قلنسوة صغيرة حمراء، مطرزة بأسلاك فضية وذهبية، فالتقطها الراعي، وأخذ ينظر إليها، ويفحص عنها معجباً بجمالها، ودقة صنعها، وحسن تطريزها. وبعد قليل حضر قزم صغير أخر إليه، ورجاه أن يرجع إليه من فضله قلنسوته الحمراء.

فقال له الراعي الأمين: لقد وجدت القلنسوة الحمراء وهي معي، وأرجو أن تسمح بتركها معي هذه الليلة؛ كي أريها زوجة أبي؛ حتى أدخل السرور علي نفسها، فلا تضربني ولا تقسو على كعادتها.

فقال القزم الصغير: كنت أحب أن أتركها معك الليلة، ولكني مضطر إليها مع الأسف، ولا يمكنني أن أبقيها معك. وأرجو أن تردها إلي، وسأحتفظ لك بهذا الجميل، فردها الراعي إليه، وشكر له القزم أمانته أجزل الشكر.

ناقوس فضي

وبعد ثلاثة أيام أخذ الراعي المواشي إلى الحقل في الصباح المبكر ليرعاها كعادته، فوجد بالحقل ناقوساً فضياً صغيراً جميلاً، فالتقطه، ونظر إليه، فأعجب به، وأخذ يجربه ويدقه، فأحدث صوتاً موسيقياً عذباً رقيقاً يرن كالفضة. فسمعت الغنم والبقر صوت الناقوس، فاتجهت كلها نحوه، وحضرت إليه في الحال. ففكر الراعي في أن يحتفظ به؛ ليستخدمه وينتفع به حينما تبتعد الغنم عنه وتشرد. ووضع الناقوس الفضي الصغير في جيبه، وأخذ يرعي المواشي ويحرسها حتى انقضي النهار. وحينما بدأ يستعد للرجوع إلى المنزل، حضر إليه قزم صغير الجسم، كبير السن، ذو لحية بيضاء، ووقف أمامه، ورجاه أن يرد إليه الناقوس الفضي الذي وجده في الحقل.

فقال له الراعي: منذ يومين حضر أحد الأقزام، فرددت إليه الحذاء الزجاجي الصغير حينما طلبه. وبالأمس حضر قزم آخر، وطلب القلنسوة الصغيرة الحمراء التي وجدتها فرددتها إليه، ولم أتأخر. واليوم وجدت هذا الناقوس الفضي. وقد دققته فحضرت الغنم البعيدة إلى هنا في الحال، ووجدته نافعاً ومفيداً. ولهذا أستأذنك في الاحتفاظ به لنفسي؛ كي أنتفع به في استدعاء المواشي البعيدة عني.

فعرفه القزم الكبير السن بنفسه، وأخبره بأنه ملك الأقزام، ووعده أن يحقق له ثلاث رغبات يتمناها إذا رد إليه الناقوس الفضي، لشدة حاجته إليه، وعدم استغنائه عنه.

فرد إليه الراعي الأمين الناقوس الفضي الصغير. وسأله ملك الأقزام عن الرغبات الثلاث التي يرغب فيها.

نصيحة من ملك الأقزام

فأجاب الراعي: إني أحب من صميم قلبي أن أكون غنياً، وأعيش في قصر جميل، وأتزوج أميرة جميلة كاملة. هذه هي رغباتي الثلاث التي أرجوها من الله، وأسأله تحقيقها.

فقال له ملك الأقزام: هذه رغبات راع أمين، حسن التفكير، وستتحقق بمعونة الله وفضله. وإني أعطيك هذا المزمار هدية لك، وأنصح لك بالسفر إلى عاصمة البلاد، والذهاب إلى القصر السلطاني. والبحث عن عمل به، وهناك ستتحقق رغباتك الثلاث إن شاء الله. وإذا حدثت لك مشكلة من المشكلات، أو وقعت في شدة، أو وجدت نفسك في ضيق فزمر بهذا المزمار مرة واحدة؛ لأرسل إليك في الحال جندياً من جنودي لمساعدتك، وإنقاذك من هذه المشكلة، وتخليصك من هذه الشدة، وإزالة الضيق الذي تشعر به. وإذا شعرت في يوم من الأيام بأنك في خطر شديد محقق فاكسر المزمار إلى نصفين؛ لأحضر بنفسي لمساعدتك، وإنقاذك من الخطر الشديد الذي يحيط بك. حينئذ ودع ملك الأقزام الراعي، وشكر له أمانته النادرة، وشكر له الراعي هديته، وذهب كبير الأقزام إلى حاله، واختفي عن الأنظار.

ووضع الراعي المزمار في جيبه، وأخذ الغنم والبقر ورجع بها إلى حظيرتها في الجهة الخلفية من المنزل، وكان يفكر طول الطريق فيما قاله ملك الأقزام، وفي الرغبات الثلاث، والمزمار العجيب.

وفي تلك الليلة اشتدت امرأة أبيه في قسوتها عليه. ولم تكتف بضربه ضرباً شديداً قاسياً. بل حكمت عليه بالذهاب إلى فراشه على السطح بدون عشاء، مع أنه كان في شدة الجوع؛ لأنه مكث النهار كله في الحقل، ولم يتناول طول النهار سوي كسرة من الخبز.

رسالة حزينة

استسلم الغلام لقضاء الله، وصبر على ما حل به، ولم يذكر لأبيه شيئاً عن سوء معاملة زوجته له؛ لأنه لم يرد أن يؤلمه، أو يكون سبباً في إيلامه ومضايقته في حياته الأسرية. وعزم في نفسه على أن يسافر في الصباح المبكر قبل طلوع الشمس، وقبل أن تستيقظ الأسرة. ولم ينس أن يكتب إلى أبيه رسالة رقيقة قال فيها:

أبي العزيز…، تحية كلها محبة وإخلاص، وبعد فكنت أحب ألا أفارقك، ولكن الحياة تضطرني إلى السفر إلى العاصمة؛ لأري حظي فيها. وأرجو ألا تشغل بالك، أو تقلق من جهتي؛ فأنا الآن شاب، ولست بصغير، وفي استطاعتي أن أعتمد على نفسي في حياتي، وأكسب عيشي بعرق جبيني؛ حتى لا أكون عالة على أحد. وستسمع عني في القريب العاجل كل ما يسرك إن شاء الله. وأرجو تبليغ حبي وتحيتي لإخوتي… ابنك البار أمين.

وبعد أن أتم رسالته وضعها على مخدته، ونام، ثم استيقظ بعد ثلاث ساعات من نومه، ولبس ملابسه، وخرج من المنزل بهدوء حتى لا يزعج أحداً، ولا يقلق إنسانا.

الذهاب للعاصمة

خرج ليبحث عن حظه في عاصمة البلاد. سافر الراعي، على الطريق الزراعي ماشيا، واستمر مسافرا ثلاثة أيام، وكان إذا أقبل المساء قضى ليلته في البلدة التي يصل إليها عند غروب الشمس. وحينما وصل إلى عاصمة البلاد سأل عن القصر السلطاني وذهب إليه، وأخبر الحارس بأنه حضر من الريف ليبحث عن عمل له في القصر السلطاني.

فسأله الحارس: ما العمل الذي تعرفه؟

فأجاب أمين: إني أعرف رعي الغنم والمواشي من أي نوع.

فقال الحارس: إن من حسن حظك يحتاج السلطان في الوقت الحاضر إلى راع أمين برعي الغنم والبقر، ويسوس له الخيل، وسأذهب إلى رئيس القصر لأتكلم معه بشأنك؛ لعله يأمر بتعيينك راعيا للمواشي عند السلطان.

ذهب الحارس وأخبر رئيس الموظفين بوجود شاب مستعد لرعي الماشية، فأمر بوضعه تحت الاختبار والتجربة، فإن برهن على مقدرة واحتراس ونشاط بقي في عمله، وإن ضاعت منه نعجة، أو نقصت منه بقرة، أو فقدت منه ماشية من المواشي غضب عليه السلطان، وأمر بطرده من الخدمة.

وقد وضع الراعي تحت التجربة والاختبار، فبرهن على النشاط والاحتراس، والأمانة واليقظة، والعناية بطعام الواشي وشرابها، ونظافتها، ولم يستطع ذئب أو لص أن يمسها بسوء، أو يقترب منها، فتم تعيينه مع الخدم والرعاة عند السلطان. ولإخلاصه في عمله، وأدبه في معاملة غيره، وأمانته أحبه كل من اتصل به أو عرفه، واطمأن إليه الجميع كل الاطمئنان، واحترمه كل من بالقصر.

وقد كان للسلطان ابنة يحبها كل الحب وهي الأميرة نور القلوب، وكانت أجمل فتاة في البلاد كلها. اعتادت الأميرة أن تحب الحيوانات والطيور وتربيتها، وتعطف عليها، وترأف بها. وقد أحبت الأميرة من بين الغنم خروفاً صغيرا، ذهبي اللون، فكانت تعتز به وتحبه، تراه في الصباح وهو خارج إلى الحقل مع الخرفان الأخرى، وتراه في المساء وهو راجع إلى الحظيرة، وتسأل عنه الراعي كل يوم، وتطالبه بالعناية بخروفها الصغير المحبوب.

خطف الأميرة

وفي يوم من الأيام حدث أمر محزن لم يكن في الحسبان، فقد اختفت الأميرة فجأة. اختفت الأميرة المحبوبة ولم يشعر بها أحد، ولم يحس باختفائها إنسان، ولم يعلم أحد كيف اختفت. وأين ذهبت؟ وأين مقرها؟ ومن كان سببا في اختفاءها؟ فقد خطفت من حجرة نومها ليلا، وأخرجت من القصر، ولم يشعر بها أحد في القصر.

وفي الصباح ذهبت الوصيفة إلى الأميرة العزيزة في حجرتها فلم تجدها، فبحثت عنها في كل مكان فلم تجدها، ولم تر لها أثرا. فصاحت، وسمع السلطان والسلطانة خبر خطف الأميرة، فانزعج القصر كله، واضطرب كل من فيه، ودهش الجميع، وحاروا في الأمر، ولم يستطيعوا معرفة سببه، وحزن الجميع لاختفاء الأميرة، وشاركوا السلطان والسلطانة في حزنهما، وانتشر الخبر في العاصمة، ثم في جميع أنحاء البلاد، وعم الحزن جميع المدن؛ لهذه الحادثة المحزنة المؤلمة، وحضر الأمراء والنبلاء والوزراء والفرسان والضباط ورجال المباحث، من قريب ومن بعيد، ليشتركوا في البحث عن الأميرة التي خطفت من القصر ليلا.

وانتشر الباحثون في جميع البلاد، وفي الممالك المجاورة؛ للبحث عن الأميرة المختفية، ومع طول البحث، وكثرة الباحثين، لم يؤد البحث إلى أي نتيجة، ولم يصل أحد إلى معرفة مقر الأميرة أو مكانها، ولم يعرف لها أثر، ولم يستطع إنسان أن يجد للأميرة أثراً يدل عليها، وقد مرت أسابيع وأشهر في البحث عنها بغير فائدة. ورجع جميع الباحثين كما ذهبوا، واشتد حزن السلطان والسلطانة، لأنها الابنة الواحدة لهما، ومن المحزن أن تخطف ليلا، ولم يشعر بها أحد في القصر، ولم يعرف لها أثر.

البحث عن الأميرة

وفي يوم من الأيام تجاسر الراعي الشاب، وذهب إلى السلطان ليستأذنه في أن يسمح له بترك المواشي ورعيها للاشتراك في البحث عن الأميرة المفقودة.

فاستخف السلطان بطلبه، وهزئ به، وقال لنفسه: إذا لم ينجح الأمراء والنبلاء والوزراء والفرسان والقادة والضباط في البحث عن الأميرة، فكيف ينجح شاب راع في معرفة مقرها؟ وسأله السلطان كيف ينتظر راع مثلك أن يقوم بما عجز عنه الأمراء والنبلاء والوزراء والقواد والفرسان؟ وكف يرجو أن يفعل ما لم يفعله هؤلاء الرجال جميعا؟ فأجاب الراعي الشاب: ليست الأمور بظواهرها يا مولاي، فكثيراً ما تجد قلب من الذهب يستره ثوب متواضع يلبسه فقير من الفقراء.

فسر السلطان سرورا كثيرا بهذه الإجابة المسكتة، وسمح له بالذهاب والاشتراك في البحث عن الأميرة المفقودة.

خرج الراعي أمين وحده، معتمدا على الله، ولم يشترك مع غيره من رجال المباحث. واتجه إلى جهة من الجهات التي لم يتجه إليها أحد من الباحثين عن الأميرة. وسار في طريق غير ممهد حتى وصل إلى بحيرة من البحيرات الكبيرة فوقف ونظر، فرأى حصناً كبيرا وسط البحيرة. ونظر نظرة إلى الحصن، فرأى فتاة تنظر من نافذة من النوافذ في الطبقة العليا، فعرفها حق المعرفة. وتحقق أنها هي الأميرة المفقودة نفسها، ففرح كل الفرح؛ لأنه قد عرف الآن مقرها، وعرف أين هي، وأين مكانها.

ولكن كيف السبيل إلى إنقاذها؟ وكيف يصل إلى القصر وسط البحيرة وكيف يصعد إليها؟ وكيف يصل إليها وينقذها من السجن في هذا الحصن؟ وهو وحده وليس معه أحد يساعده في إنقاذها. وهنا تذكر وصية ملك الأقزام له: ” إذا كنت في شدة أو مشكلة فزمر بالمزمار”. وهو المزمار الذي أهداه إليه ملك الأقزام لأمانته، ورد الجرس الفضي إليه.

مزمار الأقزام السحري

أخرج الراعي المزمار من جيبه، وزمر به. ففي الحال وجد أمامه القزم الأول صاحب الحذاء الزجاجي الصغير الذي وجده الراعي، ورده إليه. وسأله القزم: إنني طوع إرادتك يا سيدي. فبماذا تأمرني؟ وماذا أستطيع أن أفعل لك؟

فأجابه الراعي: إني أحب أن أجتاز هذه البحيرة حتى أصل إلى القصر الذي في وسطها. فحول القزم نفسه إلى صقر ضخم الجسم، وقال له: اركب فوق ظهري؛ حتى أعبر بك البحيرة، وأوصلك إلى القصر.

فركب الراعي فوق ظهر الصقر، وبعد لحظات كان الصقر والراعي تحت نافذة القصر التي تطل منها الأميرة وسط البحيرة. وشكر له الراعي معروفه، وودعه الصقر واختفى.

وقد رأت الأميرة الراعي الأمين. فعرفته وتحققت منه، وسرت برؤيته كل السرور، وأمرته أن يخفي نفسه بسرعة خلف الأعشاب. لكي لا يراه العملاق الطويل الضخم الجسم المتوحش صاحب الحصن، حينما يمر بهذا الموضع بعد قليل.

فأخفى الراعي نفسه خلف الأعشاب التي حول الحصن، ومر به العملاق، ولم يره. ونزل إلى قارب، وأخذ يجدف ويضرب بيديه متجها بقاربه إلى ناحية أخرى بعيدة خارج البحيرة. وقد وجدت الفرصة الآن أمام الراعي في أن يهرب بالأميرة، وينقذها من العملاق الذي خطفها. فنادى الأميرة بصوت منخفض: إنني هنا طوع إرادتك، وتحت تصرفك، فكيف أنقذك وأهرب بك من هذا المكان؟ فأجابته الأميرة بصوت منخفض: إنني لا أستطيع أن أتحرك من مكاني لأني مقيدة بسلاسل من الذهب. وطلبت منه أن يتسلق الحصن، ويصعد إلى النافذة.

وقد حاول الشاب أن يتسلق الحصن مرارا حتى يصعد إلى النافذة، فلم يتمكن، وزلفت رجلاه مرة بعد أخرى.

إنقاذ الأميرة

وأخيرا تذكر وصية ملك الأقزام له، وتذكر مزماره السحري العجيب، فأخرجه من جيبه وزمر به. ففي الحال وجد أمامه القزم الثاني صاحب القلنسوة الصغيرة الحمراء التي ردها الراعي إليه. وقال له: إنني هنا طوع إرادتك، مستعد لتنفيذ ما تريد.

فقال للقزم: إني أريد أن أصل إلى هذه النافدة التي تطل منها الأميرة في الطابق العلوي من القصر.

فحول القزم نفسه إلى نسر ضخم قوي أبيض، وركب الراعي فوق ظهر النسر. وطار به إلى النافذة العليا من القصر، ثم انتظر النسر حتى كسر الشاب السلاسل الذهبية. وفك قيود الأميرة، وأطلق سراحها من هذه القيود والسلاسل.

وقال النسر: اركب أنت والأميرة على ظهري، فركب الراعي والأميرة على جناحيه. وطار بهما حتى وصل بهما سالمين إلى شاطئ البحيرة، ثم أنزلهما، وودعهما واختفى عن الأنظار.

فكسر الراعي المزمار إلى نصفين، ليستعين بملك الأقزام نفسه، فحضر في الحال، وقال للراعي: ماذا تريد أيها الراعي الأمين؟ إنني تحت تصرفك، فأجابه الراعي: إننا نريد أن نعبر البحيرة، وننتقل إلى الشاطئ الآخر. فحول ملك الأقزام نفسه إلى سمكة ضخمه كبيرة، وقال لهما: اجلسا على ظهري، ولا تخافا؛ حتى أصل بكما إلى الشاطئ الآخر من البحيرة.

فجلسا على ظهره، وأخذ يعوم في البحيرة حتى وصل بهما إلى منتصف المسافة. فرآهما العملاق الضخم، وهو بقاربه في البحيرة، فاغتاظ أشد الغيظ، وأسرع بقاربه وراءهما.

فصاحت السمكة، وأمرت الأميرة أن تلقي حزامها في الماء. فأسرعت الأميرة، وحلت حزامها، وألقته في الماء، فاشتدت الأمواج، وارتفعت ارتفاعا عالياً. ولم يتمكن العملاق أن يتحرك بقاربه في هذه الأمواج المرتفعة الغريبة. ولم يستطع التغلب على الأمواج، فوقف بقاربه وسط البحيرة، لا يمكنه أن يتحرك إلى أي جهة. وفي تلك الأثناء وصلت السمكة بأمان إلى الشاطئ الثاني، وعلى ظهرها الراعي والأميرة. وعجز العملاق عن أن يلحقهما.

العودة لقصر السلطان

شكر الراعي لملك الأقزام مساعدته له والأميرة، وإنقاذه لهما، وشاركته الأميرة في الشكر. وقالت له: إننا لن ننسى جميلك ومعروفك يا سيدي، ثم ودعاه وسارا في طريقهما حتى وصلا إلى قصر السلطان.

وبهذه الوسيلة أنقذ راعى الغنم حياة الأميرة. وأطلق سراحها من السلاسل الذهبية، وحررها من السجن في الحصن، وسلمها إلى أبيها السلطان. وانتشر الخبر في العاصمة، وفي جميع أنحاء البلاد، فعم السرور والفرح في كل مكان لعودة الأميرة المفقودة.

وقد أعجب السلطان والسلطانة بالراعي كل الإعجاب، فقد قام بما عجز عنه الأمراء والنبلاء والوزراء والفرسان والقادة، وأنقذ الأميرة.

وبرهن على أنه يحمل قلبا ذهبيا بين جنبيه، ورفضت الأميرة أن تتزوج غيره. وفضلته على من تقدم إليها من الأمراء والنبلاء، مع فقره، ووافق السلطان على هذا الزواج، وأعطاه نصف سلطنه. فصار من أغنى الأغنياء، وأعطاه قصرا كبيرا من القصور السلطانية. وبهذا تحققت رغباته الثلاث التي تمناها. والله على كل شيء قدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى