قصة الفرسان الثلاثة

قصة الفرسان الثلاثة هي من أشهر قصص المغامرات والفروسية تحكي عن قصة الشاب الفارس شارل ومغامراته المثيرة حتى الالتحاق بحراس الملك والفرسان الثلاثة.

شاب شجاع

ذات صباح ربيعي، دخل فارس شاب مدينة باريس، راكبا جواده، كان أنيق المظهر بقبعته ذات الريشة الطويلة، وشاربيه الدقيقين. على الرغم من ذلك، كان الناس يسخرون من حصانه العجوز الأصفر: “لا بد أن حصانك مصاب بالمرض! ها! ها!” لكن الشاب تابع طريقه بكل فخر، دون أن يتلفت إلى الناس على طريقه.

قصد الشاب فوراً رئيس فرسان الملك، وقدم نفسه قائلاً: «أنا أسمي شارل درتنيان. وقد أتيت متطوعاً لخدمة جلالة الملك!” فأجابه رئيس الفرسان: “لقد عرفت والدك فيما مضى، أيها الشاب، وأظن أنك لست أقل شجاعة منه… لكن، قبل أن تصبح فارساً ملكياً، عليك أن تثبت قدراتك وجدارتك باللقب!”

سرعان ما سنحت الفرصة لشارل أن يظهر شجاعته وخبرته؛ إذ بينما كان متوجها لمقابلة أبرع وأخلص ثلاثة فرسان للملك، وجدهم في عراك مع مجموعة من الجنود! وللحال، سحب سيفه واشترك إلى جانبهم في القتال. لم يكن فرسان الملك يريدون سوى تلقين المعتدين درسا قاسياً، لأنهم كانوا من حراس وزير الملك!

كان لدى الوزير فرقة من الحراس خاصة به. وكان أفرادها يكرهون فرسان الملك، لأنهم يحسبون أنفسهم أكثر براعة منهم. إنما هذه المرة، سيطر الفرسان عليهم في وقت قياسي: “هذا بفضلك، أيها الشاب الكريم!” قال الفرسان الثلاثة؛ “شرفنا بتقديم نفسك، إذا سمحت!” قدم الشاب نفسه، ثم قدم الفرسان أنفسهم: آتوس، بورتوس وأراميس.

أخبر رئيس الفرسان الملك عن الدرس الذي لقنه الفرسان لحراس وزيره. سر الملك لأنه كان يكره الوزير، وطلب مقابلة الفرسان لتهنئتهم ولما حضروا، صاح الملك من الدهشة: “إنهم أربعة! ألم تقل لي إنهم ثلاثة؟!” فأجاب رئيس الفرسان: “إن السيد شارل وصل البارحة، وقد أثبت حتى الآن براعته في المبارزة. لكن ذلك لا يكفي ليصبح من فرسانك، يا مولاي!”

الوزير الشرير

راح شارل يتردد إلى قصر الملك للتدرب مع الفرسان. وذات يوم، تعرف بالآنسة كونستانس، وصيفة الملكة، ووقع في حبها، كما أحبته هي أيضاً. وفي لقاءاتهما، كانت تخبره عن أمور الملكة: “إن الوزير يكره الملكة، ويدبر لها المكائد دوماً، ليوقع بينها وبين الملك، فيضطر الملك إلى طردها …»

في هذا الوقت، كان وزير الملك يستقبل جاسوسه الخاص، الذي قال له: “إن صداقة قوية تربط الملكة بالأمير بكنغهام.. وقد أعطته، عربوناً لصداقتهما، عقد القلوب الماسية الذي أهداها إياه الملك!” فصاح الوزير من الفرح: “عظيم! هذه المرة وقعت في قبضتي! استدع حالاً ميلدي…”

وميلدي هذه امرأة رائعة الجمال؛ إلا أن الجميع كانوا يخشونها ويحذرونها لدهائها. كان جاسوس وزير الملك يعرف أين يجدها، فقصدها سراً، تحت جناح الظلام، وقال لها: “إليك أوامر الوزير: تنطلقين فورا، إلى لندن، وهناك …” ثم قفل الجاسوس عائداً، وطمأن الوزير إلى نجاح الخطة.

في الصباح الباكر، أسرعت كونستانس تبحث عن شارل. ولما وجدته قالت له، والارتباك باد على حركاتها وصوتها: “هذه المرة سيضرب الوزير ضربته! لقد أقنع الملك بإقامة حفلة بعد عشرة أيام، يدعو إليها كل شخصيات المملكة. وتبديداً للشائعات، تمنى على الملك أن يظهر بصحبة الملكة، وهي تضع عقد القلوب الماسية تأكيداً لحبها وإخلاصها له. إلا أن الملكة أخبرتني أن العقد موجود الآن عند الأمير بكنغهام في لندن! أرجوك، شارل، افعل شيئا أنت وأصدقاؤك!”

على الرغم من أن شارل لم يصبح فارسا ملكيا بعد، إلا أنه أهتم بالأمر؛ فجمع رفاقه الثلاثة، وقال لهم: «تقضي خطتي بأن ننطلق فورا إلى لندن، فيسلك كل منا طريقا يختلف عن الآخرين. هكذا نزيد من فرص نجاحنا، في حال نصب لنا حراس وزير الملك كمينا لعرقلتنا وهم، حتما، سيكمنون لنا!”

إنقاذ الملكة

وصل شارل قبل رفاقه إلى لندن، وتوجه فوراً إلى الأمير بكنغهام. لكن، مع الأسف، كانت ميلدي قد سبقته إليه! ولما فتح الأمير علبة القلوب الماسية صعق من المفاجأة، إذ رأى أن قلبين ماسيين قد اختفيا! قال شارل: “ميلدي جاسوسة خطرة، تعمل لحساب وزير الملك! هل استقبلتها عندك؟” فأجاب الأمير: “نعم ولكنها، كما يبدو، سرقتني! الحل الوحيد هو أن نصنع قلبين آخرين!”

وصل الفرسان الثلاثة لندن قبيل انتهاء صائغ الأمير من عمله الدقيق. وقد فرحوا برؤية شارل، لأن كلا منهم كان قد وقع في كمين. ولولا شارل لكانوا حتما فشلوا! امتطى شارل حصانه، وقال لرفاقه: “الدرب طويلة بعد! الحفلة مساء الأربعاء؛ لم يبق لدينا سوى ثلاثة أيام للعودة إلى باريس!” وانطلق الرجال الأربعة مسرعين، يسابقون الريح…

كانت الملكة مضطربة جدا، يأكلها القلق! لقد حان وقت الحفلة، ولم يصل الفرسان بعد! يا للكارثة! أرسل الملك عدة مرات يطلب منها الحضور… وكانت، في كل مرة، تجيب أنها آتية، أو أنها ما زالت تحضر نفسها … وفجأة، دخلت كونستانس على الملكة، تحمل علبة القلوب الماسية، وصاحت: “نجحنا يا مولاتي!”. قالت الملكة: “الحمد لله، وشكرا لك! لقد خلصتني!”. فأجابتها الوصيفة: “أنا لم أفعل شيئاً. إنه شارل يا مولاتي!”

لم تمض لحظات حتى خرجت الملكة برفقة الملك، وأطلت على المدعوين تحييهم. كانت في أبهى حلتها، يزيد من جمالها البريق الأخاذ الذي ينبعث من عقد القلوب الماسية، وقد زينت به عنقها! طار صواب وزير الملك، فأرسل يستفسر الأمر عند جواسيسه، الذين أخبروه دور كونستانس في هذه القضية. وبما أنه لم يكن يستطيع الانتقام من فرسان الملك، قرر الانتقام من الوصيفة!

وداع حزين

توقعت كونستانس أن يحاول الوزير الانتقام منها، فهربت متخفية، واختبأت في فندق يملكه أحد أقربائها. لكن ميلدي عرفت مكانها. فنزلت هي أيضاً في الفندق، وراحت تتقرب من كونستانس التي لم تكن رأتها من قبل. وذات مرة، استطاعت ميلدي أن تدس – خفية – سم في كوب عصير تشربه كونستانس؛ ثم انسلت خارج الفندق، حيث كانت عربة في انتظارها، وتوارت عن الأنظار.

لم يستطع الفرسان، هذه المرة، أن يصلوا قبل فوات الأوان، بعد أن علموا بنوايا وزير الملك. لما دخلوا غرفة كونستانس، كانت مرتمية على الأرض، تلفظ آخر أنفاسها! حملها شارل بين يديه ووضعها على السرير. نظرت إليه، وهي تكاد لا تقوى على فتح عينيها؛ فابتسمت لرؤية وجهه قربها، ثم أغمضت عينيها ورقدت بسلام…

فروسية وشهامة

أقسم شارل أنه لن يهدأ له بال قبل أن يثأر لموت كونستانس. وقال له رفاقه: “نحن كذلك معك!” وانطلقوا يبحثون طوال الليل، حتى اهتدوا إلى مخبأ ميلدي. فاقتحموا غرفتها وأمسكوا بها، على الرغم من احتجاجها الشديد. وحملوها معهم، مقيدة، إلى قصر الملك، حيث أخبروا رئيس الفرسان الجريمة التي نفذتها ميلدي…

لم يفاجأ رئيس الفرسان بالأمر، لأنه كان يعرف الجاسوسة: فهي سجينة سابقة لديه، وتحمل على كتفها علامة المساجين الموسومة بالحديد الحامي! صعق الخبر شارل ورفاقه، وظلوا طوال الوقت مدهوشين، صامتين، إلى أن وصل جلاد القصر لينفذ حكم الإعدام بالمجرمة القاتلة…

بعد مضي بضعة أيام، أستلم شارل شهادة بخط الملك، تفيد أنه أصبح فارسا ملكيا! وعلى الرغم من حزنه الشديد لفقدان كونستانس… فقد أحس بالفخر، لاستحقاقه اللقب بشهامة وجدارة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
@media print{ #the-post .post-meta .meta-item.last-updated{display:none;} }