قصة الأصدقاء الأربعة

قصة الأصدقاء الأربعة هي قصة للأطفال تحكي عن أهمية الاجتهاد والذكاء والجمال والأهم من ذلك الإيمان بقضاء الله وقدره في أسلوب قصصي جميل بين ابن الفلاح والتاجر والشريف والأمير.

الأصدقاء الأربعة

يحكى أن أربعة أصدقاء ساروا في طريق واحدة للقيام برحلة من الرحلات. وكان أحدهم أميرا من الأمراء، والثاني ابن تاجر من التجار، والثالث جميلاً وابن شريف من الأشراف، والرابع ابن فلاح، من الفلاحين. وكانوا جميعا فقراء محتاجين، وقد أصابهم ضرر كبير، وتعب شديد، حتى صاروا لا يملكون إلا الثياب التي يلبسونها فوق أجسامهم.

فبينما هم يمشون في الطريق إذ فكروا في أمرهم. وأخذ كل منهم يقول رأيه الذي يعتقده، ويعتقد أن الخير يأتيه منه.

قال الأمير: إن الأمور في هذه الدنيا بيد الله. والذي قدر على الإنسان يأتيه على كل حال. وأفضل شيء في هذه الحياة الصبر على ما يأتي به الله. وقال ابن التاجر: إن العقل أفضل من كل شيء في الدنيا. وقال ابن الشريف إن الجمال أفضل مما ذكرتما. أما ابن الفلاح قال: ليس في الدنيا أفضل من الاجتهاد في العمل.

ابن الفلاح

استمروا في طريقهم حتى قربوا من مدينة من المدن، فجلسوا في ناحية منها يتشاورون، ويتبادلون الرأي. فقالوا لابن الفلاح: اذهب فاكتسب لنا بعملك واجتهادك طعاماً يكفي يومنا هذا. فذهب ابن الفلاح، وسأل عن عمل إذا عمله الإنسان يكتسب فيه طعام أربعة أشخاص، فعرفوه أنه ليس في تلك المدينة شي أعز من الحطب.

وكان الحطب يبعد مسافة طويلة عن المدينة، فذهب ابن الفلاح وجمع حزمة كبيرة من الحطب، وأتى المدينة بها، فباعها بثلاثة قروش، واشترى بها طعاما، وكتب على باب المدينة: عمل يوم واحد إذا أتعب فيه الرجل جسمه قيمته ثلاثة قروش. ثم ذهب إلى أصحابه بالطعام فأكلوا.

ابن الشريف

وفي صباح اليوم التالي قالوا: هذه نوبة من قال إنه ليس شيء أعز من الجمال. فذهب الجميل ابن الشريف إلى المدينة، وفكر في نفسه وقال: إن لا أحسن عملا من الأعمال، فما الذي يدخلني المدينة؟ ثم استحيا أن يرجع إلى أصحابه بغير طعام، وأراد أن يفارقهم. فذهب حتى أسند ظهره إلى شجرة عظيمة، فغلبه النوم فنام. فمر به رجل من عظماء المدينة، فأعجب بجماله، وتوسم فيه شرف الأصل، فتألم لحاله، وعطف عليه، وأعطاه ورقة مالية بخمسة جنيهات.

فكتب على باب المدينة: جمال يوم واحد يساوى خمسة جنيهات. وأخذ النقود، وذهب بها إلى أصحابه.

ابن التاجر

فلما أصبحوا في اليوم الثالث، قالوا لابن التاجر: اذهب أنت فابحث لنا بعقلك وتجارتك عن شيء من الطعام ليومنا هذا. فذهب ابن التاجر، وسار في الطريق حتى رأى سفينة من السفن البحرية، بها كثير من البضائع، قد أتت إلى ساحل البحر.

فجاء إليها جماعة من التجار يريدون أن يشتروا ما فيها من البضاعة، فجلسوا يتشاورون في ناحية من المركب. وقال بعضهم لبعض: يجب أن نرجع اليوم، ولا نشترى منهم شيئا حتى تكسد البضاعة على أصحابها. فيجعلوا ثمنها رخيصا، مع أننا محتاجون إلى تلك البضاعة.

فذهب ابن التاجر من طريق آخر، وقابل أصحاب المركب. فاشترى منهم ما في السفينة باثني عشر ألف جنيه إلى أجل قريب. وأظهر لهم أنه يريد أن تنقل البضاعة إلى مدينة أخرى.

فلما سمع التجار ذلك خافوا أن تذهب تلك البضاعة من أيديهم. فأعطوه ربحا على ما اشتراه قدره ألف جنيه، فأخذ الربح منهم وأحال أصحاب البضاعة على التجار ليأخذوا الباقي منهم. وأخذ ما ربحه من المال وذهب إلى أصحابه، وكتب على باب المدينة عقل يوم واحد ثمنه ألف جنيه.

ابن الأمير

فلما جاء اليوم الرابع قالوا للأمير: لقد أتى دورك، فاذهب أنت، واكتسب لنا ما تستطيع بإيمانك بالله. فخرج الأمير، وسار حتى أتى إلى باب المدينة، فجلس تحت شجرة عند باب المدينة.

وقد وجد بالمصادفة أن ملك تلك الناحية مات، ولم يترك ولدا من الأولاد، ولم يكن له قريب من الأقارب. فمروا عليه بجنازة الملك، فلم يتحرك الأمير الغريب، ولم يحزن، ولم يشترك مع الناس في حزنهم، فأنكروا حاله، وشتمه البواب، وقال له: من أنت؟ ولماذا تجلس على باب المدينة، ولا تحزن لموت الملك؟ وطرده البواب من مكانه.

سار الأهالي بالجنازة حتى بعدوا عن الأنظار، فرجع الأمير الشاب وجلس مكانه عند باب المدينة. فلما دفن الملك ورجعوا رآه البواب، فغضب، وقال له: ألم أنهك عن الجلوس في هذا الموضع؟ وأخذه فحبسه.

فلما جاء الغد اجتمع أهل تلك المدينة يتشاورون فيمن يجعلونه رئيساً لهم، وتطاول كل منهم على صاحبه، واشتد الخلاف بينهم. فقال لهم البواب: إني رأيت أمس غلاماً جالساً عند باب المدينة. ولم أره حزينا لحزننا، فوبخته فلم يجبني، فطردته من مكانه. فلما رجعت رأيته جالسا، فأدخلته السجن، خوفا من أن يكون جاسوسا.

فأرسل أشراف أهل المدينة إلى الغلام، فجاءوا به، وسألوه عن حاله، وعن السبب في مجيئه إلى مدينتهم.

فقال: أنا ابن حاكم من الحكام، وانه لما مات والدي غلبني أخي، وأخذ مني الملك. فهربت من يده خوفا على نفسي، حتى وصلت إلى هذه الغابة.

فلما ذكر الغلام ما ذكر من قصته عرفه من كان يزور أرض أبيه منهم، وأثنيا على أبيه خيرا، ومدحوه كثيرا.

ملك جديد

فاتفق أشراف المدينة وأهلها على أن يختاروا الغلام رئيسا لهم. وكان من عادة الناس في تلك المدينة إذا انتخبوا رئيساً لهم حملوه على فيل أبيض، وطافوا به حول المدينة.

فلما فعلوا معه ذلك مر بباب المدينة، ورأى ما كتب على الباب. فأمر أن يكتب عليه: “إن الاجتهاد والجمال والعقل، وما أصاب الإنسان في الدنيا من خيرا وشر إنما هو بإرادة الله عز وجل. وقد ازددت في ذلك عظة بما ساق الله إلي من الخير.”

وبعد أن انتهى الأمير من الطواف حول المدينة جلس على كرسي الحكم، وأرسل إلى أصحابه الذين كان معهم فأحضرهم. فأشرك الذكي صاحب العقل والذكاء مع الوزراء، وجعله وزيراً، وجعل الفلاح المجتهد مع أصحاب الزرع، وأمر للجميل بمال كثير يعيش منه، ثم نفاه كي لا يفتن أحد بجماله.

ثم جمع الرئيس الجديد علماء بلاده، وأدباءها. وقال لهم: إن أصحابي قد تيقنوا الآن أن ما يجده الإنسان من الخير إنما هو بإرادة الله، وأنى أحب أن تعلموا ذلك وتؤمنوا به. فإن ما أعطاني الله وسهله لي إنما كان مقدراً لي، ولم يكن بجمال ولا ذكاء ولا اجتهاد. وحينما طردني أخي لم أكن أنتظر أن أجد القوت الضروري للمعيشة والحياة. وما كنت أؤمل أن أصل إلى هذا المركز، وهذه المنزلة؛ لأني قد رأيت في هذه البلاد من هو أفضل مني حسنا وجمالا، وأشد اجتهادا، وأصوب رأيا، وأكثر ذكاء. فساقني القضاء إلى الرضا بما يقضى به الله، والاعتزاز بقدر من الله.

اجتماع أهل المدينة

وكان في ذلك الاجتماع شيخ كبير السن، كثير التجربة، فائق الذكاء، فقام وقال: إنك قد تكلمت بكلام رجل كامل العقل والحكمة. وإن الذي بلغ بك ذلك المركز ذكاؤك النادر، وتفكيرك الصائب، وظنك الحسن، وعلمك الكثير. وقد حققت ظننا فيك، ورجاءنا لك، وقد عرفنا ما ذكرت، وصدقناك فيما وصفت. وإنك أهل لما ساقه الله إليك من الخير والكرامة. فقد أعطاك الله العقل والذكاء، وصواب الرأي، وكمال الخلق. وإن أسعد الناس في الدنيا والآخرة من رزقه الله هذه الصفات الحسنة. وقد أحسن الله إلينا لأنه أرسلك إلينا في الوقت المناسب الذي نختار فيه رئيسا لنا.

عاهد الأمير الشاب الحاضرين بأن يعمل لصالحهم، ولا يعمل لنفسه أو أسرته، ويعدل بينهم. ويعطي كل ذي حق حقه، ويفكر في النهوض بهم، وينشر التعليم فيهم. ويسوى بين الغني والفقير منهم، ويشجع حرية الرأي، وحرية الكتابة والخطابة. ويعمل لرفع مستوى الشعب صحيا وخلقيا واجتماعيا، ويتخلص من مشكلات الجهل والفقر والمرض وسوء الخلق.

وقد وفي بعهده، وارتقت البلاد في عصره، ونهضت نهضة سريعة؛ لإخلاصه، ووفائه، وحسن سيرته، وتفكيره في رعيته، وزهده وصلاحه وتقواه، وأمانته ونزاهته، وشجاعته، وحبه لبلاده. ولمثل هذا فليعمل العاملون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى