قصة عادل والكعكات المسحورة

قصة عادل والكعكات المسحورة هي حكاية وقصة عن أهمية حسن الخلق والأدب في أسلوب قصصي تربوي وتعليمي جذاب عن الطفل عادل الذي يمر بمغامرة مثيرة يتعلم من خلالها أهمية الشكر والاعتذار والأخلاق المؤدبة مع الأم والأهل والأقارب والأصدقاء.

عادل يتجاهل أمه

كان عادل توبخه أمه دائما؛ لأنه كان ينسى أن يقول: “من فضلك” إذا طلب شيئاً، و “أشكرك” إذا أعطاه أحد شيئا، و “أنا أسف” إذا حدث منه خطأ يوجب الأسف والاعتذار. وقد أتعب أمه وأباه في محاولتهما تعويده آداب التكلم.

وفى يوم من الأيام قالت الأم لزوجها: لقد كبر عادل، وأخاف أن يعتاد قلة الذوق، وسوء الأدب في الكلام مع غيره. وقد تحيرت معه، ولا أعرف ماذا أفعل؛ لأني حاولت معه كل وسيلة من الوسائل، وكل طريقة من الطرق لتعويده أدب الحديث، بدون فائدة. فهو ينسي دائما أن يقول هذه العبارة الجميلة: “من فضلك، أشكرك، آسف، في الأوقات التي يجب أن تقال فيها. وأحيانا أكون في منتهى الخجل منه”.

وكانت أسرة عادل تسكن في بيت جميل، أمامه حديقة واسعة للأزهار الجميلة المختلفة، ووراءه حديقة كبيرة للخضر والفواكه.

وفى يوم من الأيام خرج من البيت ليركب دراجته، وركبها حتى وصل إلى حقل من الحقول المزروعة، البعيدة عن البيوت، فسمع أصواتا غريبة، قريبة منه، فالتفت ليرى ماذا هناك، وماذا حدث. فوجد أربعة من الأقزام، الصغار الأجسام، يجلسون في دائرة، ويأكلون كعكاً لذيذاً، طيب الرائحة.

الأقزام الأربعة

رأى عادل الأقزام الأربعة، وهم يأكلون الكعك اللذيذ، وقد أحس بالجوع الشديد؛ لأنه تناول طعام الإفطار في الصباح المبكر، ولعب بدراجته في الهواء الطلق مدة طويلة، فأشار إليه أحد الأقزام بيده، ودعاه ليأكل معهم.

فذهب إليهم عادل، وجلس معهم، ولم يسلم عليهم، ولم يقل لهم: “صباح الخير”، أو “السلام عليكم”. وهي تحية ضرورية، كان يجب أن يقولها؛ لأنه دعي لتناول الطعام معهم. وقدم إليه أحد الأقزام الإناء الذي وضع فيه الكعك، وقال له: تفضل، فأخذ عادل كعكة منه، ونسي طبعا أن يقول له أشكرك.

أكل عادل الكعكة، ووجد طعمها لذيذا جدا، ثم نظر باشتياق إلى طبق الكعك؛ لأنه يريد كعكة أخرى من هذا الكعك اللذيذ.

فسأله أحد الأقزام بكل أدب: هل تحب يا بني أن تأخذ كعكة أخرى؟

فأجاب عادل: نعم أحب أن آخذ كعكة أخرى. ولم يتذكر أن يقول له: “من فضلك” كما تقول أنت، وكما أقول أنا، وكما يقول كل ولد مؤدب حينما يطلب من غيره شيئا من الأشياء. وقد أخذ الكعكة الثانية، وأكلها في الحال، ونسي أن يقول لمن قدمها له: “أشكرك”. وفي كل مرة قدم له الأقزام الكعك، أخذ كعكة، ونسى أن يشكر من أعطاه الكعكة.

استمر الأقزام الأربعة يقدمون له بعض ما عندهم من الكعك، واستمر عادك يأخذ كعكة. ويأكلها في الحال كلما قدم له طبق الكعك. وفي كل مرة كان ينسى أن يقول: “من فضلك” لمن دعاه لأخذ كعكة، و”أشكرك” لمن أعطاه الكعكة واستمر يأكل حتى أكل عشر كعكات. وبعد أن انتهى من أكلها أحس بشيء غريب؛ فقد رأى الأقزام الصغار الأجسام، أكبر جسما مما كانوا. ورأى نفسه أصغر جسما مما كان.

الكعكات المسحورة

نظر عادل حوله فعجب كل العجب، ورأى أن شيئا عجيبا قد حدث. فالأقزام الصغار صاروا في نظره كبار الأجسام، وقد صغر جسمه حتى صار أصغر مما كان. وارتفعت النباتات الصغيرة حتى وصلت إلى كتفيه، وطارت نحلة بالقرب منه، فخاف منها خوفا شديدا. وظن أنها طائرة نازلة فوقه من السماء، وظهرت النحلة في عينيه كبيرة مثل الحصان الكبير. فسأل عادل الأقزام، وهو في عجب كثير، وغم شديد: ماذا حدث لكل شيء في الدنيا؟ فأجاب أحد الأقزام الأربعة: لقد حدث ما حدث بسببك، فقد صرنا في نظرك كبار الأجسام، وصرت أنت أصغر جسما مما كنت

فخاف عادل خوفا شديدا، وسألهم: لماذا حدث كل هذا؟

فضحك الأقزام في أنفسهم، وأرادوا حقا أن يؤدبوه في حديثه وكلامه، وفى سؤاله وجوابه، وفي معاملته للناس. وقالوا له: لقد أكلت كعكا لذيذا، وهو كعك مسحور وله اسم جميل.

فسأل عادل: وما اسم هذا الكعك؟ فأجابه كبير الأقزام: اسمه كعك “من فضلك” و “أشكرك” و”أنا آسف” فهل تعرف هذا الكعك العجيب؟

فأجاب عادل: إني لا أعرف شيئا عنه.

فسأله الأقزام: هل تحب أن تعرف شيئا عنه؟ فأجاب: نعم، وقد زاد شوقه لمعرفة كل شيء عن هذا النوع الغريب من الكعك.

فقال كبير الأقزام: إنه كعك غريب، قد صنع خاصة لتأديب الأطفال الذين لا يعرفون آداب الكلام؛ لتعليمهم كيف يكونون مؤدبين في حديثهم، وفى أسئلتهم وأجوبتهم، ولتعويدهم أن يقولوا: “من فضلك” إذا طلبوا شيئا من أحد، و”نشكرك” إذا أعطاهم أحد شيئا، سواء أكان قريبا أم غربيا. و “نحن آسفون” إذا حدث منهم شيء يوجب الاعتذار والألم والأسف. فإذا أكلت كعكة من الكعكات المسحورة ولم تقل العبارة المناسبة جعلتك أصغر مما كنت؛ عقابا لك، لقلة ذوقك، وسوء أدبك.

وأنت قد أكلت عشر كعكات من الكعكات المسحورة، ولم تكن مؤدبا في أي مرة من المرات العشر. ولهذا كنت تصغر في كل مرة مقدارا قليلا عما كنت حينما رأيناك، فلا تعجب إذا صرت الآن صغيرا جدا، يا عادل.

الحورية النبيلة

سمع عادل ما سمع، فخاف على نفسه خوفا شديدا، وندم ندما كثيرا، وقال للأقزام: أنا آسف جدا. أنا آسف كل الأسف، وسألهم هذا السؤال: – هل يمكن أن أعود إلى حجمي السابق، وأصير كما كنت؟

وفي تلك اللحظة اختبأ الأقزام، وهربوا من قدامه. فارتبك، وزاد خوفه وحزنه، وندم على قلة ذوقه، وسوء أدبه، وعزم في نفسه أن يتوب، ويكون مؤدباً في كل ما يقوله وما يعمله، مؤدبا في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، وأخذ يبكي بكاء مرا.

رأت حورية من الحوريات كل ما حدث من عادل، وسمعت كل ما قيل من الأقزام الأربعة، وسمعت سؤاله لهم، وشاهدتهم وهم يهربون، وظهرت فجأة بجناحيها الجميلين، ووجهها الضاحك الجميل، وقالت له: ماذا حدث لك؟ ولماذا تبكي هذا البكاء الشديد؟ إني لا أستطيع أن أحتمل رؤية أحد يبكي، فماذا يمكنني أن أفعل لمساعدتك، وإنقاذك من مشكلتك؟

نظر عادل وهو يبكي، فرأى حورية صغيرة جميلة أمامه، وسر برؤيتها واستعدادها لمساعدته. وأخبرها بكل ما حدث له، وانتبهت إليه انتباها تاما وهو يقول حكايته من أولها إلى آخرها. وذكر لها أنه لا يمكنه أن يذهب إلى منزله وهو بهذه الصورة، ولا يعرف ماذا يفعل حتى يعود إلى حالته الأولى. وقد عرفت الحورية منه أنه كان غير مؤدب، واعتاد أن يطلب من أمه أو أبيه ما يحب، ولا يقول: “من فضلك”. وإذا أعطاه أحد شيئا أخذه ونسي أن يقول: “شكراً” وإذا سأله أحد شيئا، رفض وقال: لا، ولم يقل: “لا، وأنا متشكر”.

وقد فهمت الحورية النبيلة منه أن أمه متضايقة من سوء أدبه، وأباه متألم وفي حيرة منه. وأنه أخذ من الأقزام الأربعة عشر كعكات، ولم يقل لهم كلمة واحدة يشكر لهم بها على ما قدموه إليه من الطعام والعطف والنصيحة وحسن المعاملة.

نصيحة الحورية لعادل

فقالت الحورية: لقد كنت يا عادل قبيحا في فعلك، غير مؤدب في كلامك. وضايقت أمك وأباك بسبب سوء أدبك، وجعلتهما يخجلان كثيرا من سوء تصرفك. وأنا مسرورة لأنك أحسست بغلطك، وأسفت على ما وقع منك، وتبت وند مت على ما فعلت، وعزمت على ألا تعود.

ونصيحتي لك أن تكون مؤدبا في حديثك وكلامك، وتحسن سؤالك وجوابك. وتأكد أنك ستملك من تتحدث معه إذا قلت له: “من فضلك” أو “لا، وأشكرك”. وسيعجب بك إذا أجبته بقولك: “أشكرك” وسيعفو عن خطئك إذا قلت له: “أنا أسف”. وستكسب كثيرا، ولن تخسر شيئا إذا كنت مؤدبا في حديثك ومعاملتك.

ويمكنك الآن أن تترك البكاء، وتمسح عينيك بمنديلك، وتعمل بنصيحة الأقزام، وتكون مؤدبا حتى تكفر عن غلطاتك. وقد أخذت منهم عشر كعكات من نوع عجيب اسمه: كعك “من فضلك”، و”أشكرك، و”أنا أسف”.

وقد أخطأت معهم عشر مرات، لم تقل لهم فيها كلمة واحدة تدل على الأدب. فلأجل أن ترجع إلى حالتك الأولى، وتصير كما كنت يجب أن تعدني وعدا صادقا بأنك ستعمل بنصيحتي، وستكون مؤدبا طول حياتك. وستجتهد في إرضاء أمك وأبيك، حتى يفتخرا بك، ولا يخجلا منك بعد اليوم.

ترك عادل البكاء، ومسح عينيه بمنديله، وشكر لها عطفها ووعدها وعداً صادقا بالعمل بنصيحتها. والتزام الأدب مع أبويه، ومع الصغير والكبير، والغنى والفقير، في أقواله وأفعاله.

فقالت له الحورية، إن مسرورة لسماع هذا كله منك، واعتقد أنك ستكون صادقا في وعدك، وفيا بعهدك. والآن سوف أسألك عشرة أسئلة بقدر المرات التي أخطأت فيها مع الأقزام. فاجتهد أن تجيبني بكل أدب إذا أردت أن أساعدك حتى تعود إلى حالتك الأولى، وتصير كما كنت في حجمك الأول.

فأجاب عادل: سمعا وطاعة يا سيدتي. وفي الحال بدأ يكبر قليلا.

عادل يتعلم الدرس

فقالت له الحورية: هذه أول مرة كنت فيها مؤدب، ثم سألته، هل تحب أن تعود إلى حالتك الأولى؟ فأجاب عادل: نعم، من فضلك يا سيدتي. فكبر جسمه قليلا. وقد استمرت الحورية تسأله، حتى انتهت إلى السؤال العاشر وفي كل مرة كان يجيب بكل أدب: “نعم، من فضلك”، و “لا، أنا متشكر” و”شكرا” و”أنا أسف” على حسب ما يتطلبه السؤال.

وبهذه الأجوبة العشرة كان مؤدبا عشر مرات بقدر المرات التي كان فيها غير مؤدب. وفي اللحظة التي أصلح فيها عادل الغلطات التي وقعت منه، رجع إلى حجمه الطبيعي. وصار كما كان.

فسرت الحورية كثيرا، وقالت له: إنك الآن قد رجعت إلى صورتك الأولى، وأصبحت عاديا. ولكن لا تنس أبدا أن تكون مؤدبا؛ لأن الكعكات التي أكلتها كعكات مسحورة، وستجد أثرها بعد عشرات السنين.

فاجتهد من الآن أن تكون مثالا للأدب العالي، والخلق الحسن.

فقال عادل: سمعا وطاعة يا سيدتي، وشكر لها مساعدتها، ثم ودعها وداعا رقيقا. وجرى إلى البيت وهو فرح مسرور، ولم تعلم أمه شيئا عن الدرس المفيد الذي انتفع به. ولم تعرف أنه قد تغير تغيراً ظاهراً ملموسا، وصار مثالا للأدب والذوق والكمال. ومحال أن ينسي قول: “من فضلك” إذا سأل، و”متشكر” إذا أخذ، و”آسف” إذا حدث منه ما يوجب الاعتذار.

وصار عادل يضرب به المثل في حسن الذوق، وأدب الحديث. بعد أن كان يضرب به المثل في قلة الذوق، وسوء الأدب. فقد اتعظ بما حدث له، وسمع نصيحة الحورية النبيلة، وعمل بها. وقد ضحك أبواه عند استماع قصته منه وفرحا به كثيرا، وصار محبوبا عندها، وأعجب به كل من حادثه أو تكلم معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى