قصة توم الإصبع

قصة توم الإصبع هي إحدي القصص والحكايات العالمية المقتبسة عن التراث العالمي تعلم الصغار أهمية العمل الجاد وإن صغر الجسد، وضرورة الابتعاد عن التطفل والفضول في ما ليس من شأن الإنسان.

توم الإصبع

يحكى أنه كان في بلاد بعيدة رجل وامرأته، يعيشان في الريف البعيد عن المدن، عيش الفلاحين البسطاء، القانعين بالقليل.

وكانت لهما مزرعة صغيرة يزرعان أرضها حبوبا وبقولا، وإلى جانبها حظيرة فيها ثور وبقرتان. وكان يكفيهما ما تغل الأرض، وما تدر البقرتان حليبا، وما يفيض عن حاجتهما يبيعانه في سوق القرية.

وكانا قد طعنا في السن، لا أولاد ولا إخوة ولا أقرباء..

وذات يوم، فيما كانت العجوز تشكل من العجين رقائق لتصنع منها فطائر طعاما لزوجها ولها، نظرت فرأت العجين ينشق عن صبي صغير، في حجم الإبهام من أصابع اليد، يصيح طالبا النجدة. وخيل إليها، للوهلة الأولى، أنها تبصر في نومها، لكنها حين مدت يدها، وأمسكت بالصبي، وغسلته من العجين اللزج، رأت صبيا مثل الصبيان، لا يفرقه عنهم سوى أنه في حجم الإصبع، وعجبت منه حين سمعته يقول لها بصوت فيه عتاب:

– كيف تدعوني أمك، ولم أعرفك من قبل؟

– وهل ترفضين أن تكوني أمي، يا أمي؟

وقفر من المعجن، وأسرع إلى مكنسة، أمسك بها، فبدا معها وكأنه حبة بلوط تحمل شجرة بلوط. وراح يكنس المطبخ ذهابا وإيابا، فضحكت المرأة مما ترى، وأمسكت به، ورفعته إلى صدرها، وقالت له:

– ما اسمك يا ولدي؟

– لا أعرف لي اسماً.

وسمته توم، على اسم جده لأبيه، ولقبته بالإصبع، فصار يعرف بتوم الإصبع.

وكان أن العجوز لما صنعت الفطائر الشهية من رقائق العجين، وحشتها جبنا وزبدة وسكرا، ملأت منها سلة صغيرة، وانحنت على توم، وقالت له:

أتستطيع أن تحمل هذه السلة يا توم؟

– أما رأيت كيف حملت المكنسة؟

ورفع السلة بيديه، من دون عناء. وازدادت دهشة العجوز، ودلته على طريق المزرعة وقالت له:

– تسلك هذه الطريق، فإذا رأيت رجلا شيخا يسوق ثورا، والثور يجر محراثا، والمحراث يفلح الأرض يشقها أثلاما، فهو زوجي.

واحتج توم قائلا:

وهو أبي أيضا.

وضحكت المرأة قائلة:

– وهو أبوك طبعا. تعطيه هذه السلة وفيها طعام غدائه. وإني أحذرك منه إذا كنت من الكسالى.

في الحقل

وخرج توم من البيت، فمن التفت ناحيته رأى سلة صغيرة تدرج وحدها على الأرض، وكأنها بطة عجيبة.

وكم كانت دهشة الرجل الشيخ عظيمة حين رأى السلة تفوح منها رائحة الفطائر الشهية، وهي تصل وحدها إليه، وحين سمع صوتا يقول له:

– نهارك سعيد يا أبي. حملت إليك الغداء من البيت، فكل هنيئا.

وراح الرجل يتلفت حول السلة، وما صدق عينيه حين أبصر توم الإصبع، وكاد يغمى عليه من الدهشة، فما كان من توم إلا أن أمسك بالمحراث، وهمز الثور، فراح يجر المحراث، ويفلح الأرض، وكأنه يشقها أثلاما وحده من دون فلاح.

وصدف أن مر بالحقل رجل غني، يملك مزارع واسعة وحقولا شاسعة، ويبحث عن فلاحين أشداء مهرة يعملون في فلاحة أرضه. فما إن رأى الثور يسعى بالمحراث خفيفا، طليقا، ولا رجل يسوقه، حتي أصابه الذهول، واقترب من الشيخ فحياه، وقال له:

– أرى أنك تملك ثورا غريبا عجيبا، فهل تبيعه؟

وقهقه الشيخ، وأشار إلى توم الإصبع قائلا:

– ألا ترى توم الإصبع؟ هو الغريب العجيب، لا الثور.

واقترب المزارع الغني ينظر عن قرب، فرأى توم يسوق الثور، ولما زالت دهشته، قال:

– هل تسمح لتوم الإصبع أن يعمل في فلاحة أرضي، ولك مني ما تشاء؟

ورفض الشيخ، قائلا:

– هذا ولدي. وأنا أتكل عليه في شيخوختي.

– لكني سأعيده إليك حين ينتهي من عمله في الأرض.

وأصر الشيخ على رفضه، وقد انتابته رغبة شديدة في التعرف أكثر على توم، لكن توم تسلق ذراع أبيه، ووقف على كتفه، ومال علي أذنه، وهمس له:

– لا ترفض يا أبي عرض هذا المزارع الغني. واطلب منه ثمنا مرتفعا، وأنا أعدك بأني سأنتهي من القيام بعملي في أرضه خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر.

وطلب الشيخ من المزارع مائة غيلدر هولندي عدا ونقدا، شرط أن يعود توم إلى أبويه فور انتهائه من عمله. ونقده المزارع مائة غيلدر من الفضة الصافية، وودع توم والده وذهب مع الرجل الغني.

العمل الجاد

وكان في ظن الرجل أن توم لن ينتهي من فلاحة أكبر حقوله إلا بعد شهر أو أكثر من الزمان، لكن توم أكب على العمل ليلا ونهارا، فإذا أصاب الإعياء ثورا، بدله بآخر فما مضت ثلاثة أيام حتى كان الحقل الواسع الأرجاء ينشق عن أخاديد عميقة في التراب، متوازية لا تلتوي ولا تتعرج، وكأنها متعة للعين.

وعاد توم إلى والديه، غائما ظافرا، فرأى البيت ضاحكا، نظيفا، فيه مقاعد جديدة، وسجاد، ورأى المطبخ طافحا بأطايب الطعام والشراب. وأقام والداه مأدبة سخية، للجيران، وأخبراهم قصة توم، وهما فخوران به، والناس مندهشون مما يسمعون.

وراحت الأيام تمضي هنيئة، سعيدة، وقد بدا أن الفلاح الشيخ وامرأته العجوز استعادا الشباب، فالمال كثير، والتعب قليل، لأن توم الاصبع يقوم بأعمال الأرض وحظيرة البقر، خير قيام، ويبيع ويشتري، وقد صار الناس يتوافدون من البعيد للتفرج عليه، ومحادثته والاستماع إلى نوادره الطريفة، ويطلبون نصحه فلا يبخل بالنصيحة، وكأنه خزانة الحكمة ودهشة الفلاحين والحكماء. لكنه كان كثير الفضول يحب الاطلاع على دقائق الأمور حتى لو سببت له المتاعب.

وذات يوم عاد الرجل الشيخ من الحقل حاملا كيسا من لب الشمندر السكري طعاما للثور والبقرتين. وتوجه بحمله إلى الحظيرة، ووضع لبوب الشمندر في المعالف. وأقبل الثور والبقرتان على الطعام الشهي، تلتهمه بلذة وترسل خوارا مرحا وكأنها تشكر للشيخ ما قدم إليها.

وسمع توم هذا الخوار الطريف، فخف إلى الحظيرة يستطلع الخبر، واقترب من المعالف، وقفز إلى معلف منها ليرى ما تأكل البقر، فغرق في الشمندر، وما هي إلا لحظة حتى التهمته بقرة مع طعامها، وهي لا تدري ولم يشعر توم إلا وهو يضطرب في أحشاء البقرة.

نهاية التطفل

مسكين توم. لقد أصبح في أحشاء البقرة يصرخ، ويستنجد، ولكن هيهات فلا سميع ولا مجيب. وراح يلعن كثرة الفضول، وما يجري معها من قلة التحسب والتروي، لكن بعد فوات الأوان.

وافتقد الشيح والعجوز توم الإصبع. وراحا يبحثان عنه، ولم يتركا مكانا إلا نقباه، وبحثا فيه، لكن أتعابهما ذهبت أدراج الرياح. وأخيرا راحا يبحثان في حظيرة البقر.

وكاد يلم بهما اليأس، لو لم يلمح الشيخ على إحدى بقرتيه تقلصات غريبة في أسفل بطنها. واقترب منها فرأى جلدها يخفق وكأن شيئا ما يضرب أحشاءها من الداخل. ونقر بإصبعه نفرتين على بطن البقرة فرأى جلدها يتقلص مرتين. ونقر ثلاث مرات، فتقلص الجلد ثلاث مرات… وهكذا حتى أدرك أن توم الإصبع بات سجينا في أحشاء البقرة. فكيف خلاصه من دون أن يلحقه أذى؟

وتشاور الرجل وامرأته، فأشارت عليه أن يسقي البقرة جرعة من زيت القندس، إذا تحرك في أحشاء البقرة جعلها تضطرب جدا وتعطس بقوة. وسألها:

– وما يفيدنا إذا عطست البقرة؟

وأجابت المرأة الحكيمة:

– إذا عطست البقرة عطسة قوية، فقد تقذف توم من أنفها.

وأثنى على رأي امرأته، وسقى البقرة جرعة سخية من زيت القندس، وسرعان ما راحت تتنفض، وتشهق، وتتلوى، ثم أرسلتها عطسة مثل ريح عاصف ورعد قاصف.

– آآآآآآتتتشوووم ….

واهتزت الحظيرة، وتداعت المرأة في حضن زوجها، كأن زلزالا ضرب الأرض.

وما إن هدأت البقرة، وعاد السكون إلى حظيرة البقر، حتى سمع الفلاحان توم يصيح من زاوية وراء المعالف:

– أبي، أمي، ها أنا، توم.

تعلم الدرس

ونظرا، وما إن وقعت أعينهما عليه وقد بدا مبلل الثوب بمثل رذاذ المطر، حتى حملاه، وراحا يشبعانه ضما وتقبيلا. لكنهما سرعان ما وضعاه أرضا، وسدا أنفيهما، فقد انبعثت من توم روائح كريهة ملأت المكان…

وغسلته أمه بالعطور الطيبة الرائحة، مرات، وسكبت عليه ماء الورد، فلطف هذا كله من كراهة الروائح، لكنه بقي منها أثر قليل ظل يزعج توم وأبويه زمنا طويلا.

وعاد توم إلى العمل في الأرض، وتباعد عنه الناس والمتطفلون، فارتاح وارتاح أبواه من عبء زياراتهم وما تكلف أمور الضيافة من مال، وهدر للوقت. وتعلم توم الإصبع أن يلجم من فضوله، وأن يتبصر كثيرا قبل الإقدام على أي عمل.

وصار توم الإصبع لا يرمي بنفسه، بدافع الفضول، في تهلكة حتى لو كانت لب الشمندر الشكري، أو قفير عسل النحل.

وأصبحت قصته عبرة للمتطفلين والفضوليين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى