قصة الرابح الكبير

تعد قصة الرابح الكبير من قصص قبل النوم والحكايات المسلية للأطفال لتعلم الصغار أهمية الاعتماد والتوكل علي الله في السعي وطلب الرزق من خلال رحلة الثلاثة أصدقاء إلي المدينة لمقابلة الوالي.

ثلاثة أصدقاء في المدينة

عاش في مدينة رجلان تعيسان، كانا إذا عملا ليحسنا مستوى معيشتهما تسوء أحوالهما وتتردى، فضاقت بهما الحياة. وأقترح أحدهما على رفيقه أن يغادرا المدينة إلى بلد آخر للبحث عن رزقهما فوافق الثاني دون تردد.

واستعرض الاثنان البلدان التي يمكنهما أن يذهبا إليها.

قال الأول: نذهب إلى “خزنة” فواليها قد اشتهر بالعطف والحنان على الناس.

وعلى هذا الأساس انطلق الرجلان التعيسان إلى “خزنة”… ولكنهما في الطريق، التقيا برجل ثالث لا تفارق الابتسامة وجهه… بادرهما بالتحية ثم سألهما إلى أين يذهبان، وما الغاية من رحلتهما.

قال الأول: إنها قصة طويلة تبدأ بنحس رافقنا منذ أن عرفنا النور وما زال يواكبنا حتى يومنا هذا. وقد سمعنا أن والي “خزنة” محسن يساعد المحتاجين، فجئنا إليه لكي يساعدنا.

قال الرجل لهما: ليوفقكما الله في مسعاكما. فالتفت إليه أحد الرجلين وقال: سألتنا فأخبرناك، أما الآن فقل لنا أنت ما هدف زيارتك، ومن أنت؟

أجاب: جئت أطلب رزقي بطرق شريفة، فأنا صاحب مهنة، ومهنتي الحياكة إلا أن أعمالي قد تأخرت في بلدي فجئت أرى ما يمكن أن أفعله هنا.

وسألاه: ألن تطلب شيئاً من والي “خزنة”؟

قال: أنا لا أطلب شيئاً من أحد، ثم إن هناك آلاف الناس يحيطون بالوالي، وكل واحد منهم ينتظر أن يمده بالمال، أنا أبحث عن طريقة أبدأ فيها مهنتي لأحقق بعض المال لعائلتي.

تابع الثلاثة طريقهم إلى المدينة وحين وصلوا إلى “خزنة” بحثوا عن مكان يبيتون فيه فلم يجدوا غير بناء مهدم، فآووا إليه.

واستمر الثلاثة يلوذون بهذا المأوى ريثما يجدون حلاً لمصاعبهم.

الوالي المتنكر

في إحدى الليالي وفيما كان الرجال الثلاثة جالسين معاً في البيت المهدم يتحدثون عما واجهوه في نهارهم، خرج والي المدينة مع مرافقين له متنكرين لكي لا يعرفهم الناس، فوصلوا إلى حيث جلس هؤلاء الرجال الثلاثة في البناء المهدم.

سألهم الوالي المتنكر عن سبب مجيئهم إلى المدينة، فقال أحدهم: لقد واكبنا الفقر وسوء الحظ وقادنا القدر إلى هنا، ونحن نأمل أن ترتفع عنا هذه المحنة. وسأل الوالي: وما هي رغبتكما؟ وماذا تريدان؟ قال أحد الصديقين التعيسين: رغباتنا ليست كثيرة، ولكن ما الفائدة من ذكرها؟ هل يمكن لأحد أن يساعدنا عليها؟

فعلق الوالي المتنكر قائلا: من واجب الإنسان أن يساعد أخاه الإنسان، أذكرا لي ما تريدان فربما كان بوسعي أن أخدمكما أو أساعدكما..

وهنا بدأ الأول يحكي قصته:

كنت غنياً فأدار لي الحظ ظهره، وأصبحت فقيراً… تركت بلدي ورحت أبحث عن رزقي، لو كان معي عشرة آلاف دينار لرفعت رأسي عالياً وعدت إلى بلدي مرتاح البال.

وأبدى الرجل الثاني رغبته فكانت متقاربة لرغبة رفيقه، فهو الآخر يريد عشرة آلاف دينار لأن زوجته ماتت وتركت له أطفالاً يتامى إنه يريد أن يتزوج ليحضر لهم أماً ترعاهم.

وحين انتهى الرجلان من عرض مشاكلهما قالا: وهذه هي مطالبنا ورغباتنا فإن تحققت عدنا إلى بلدنا شاكرين وعادت إلينا سعادتنا وإننا لنأمل أن نتمكن من مقابلة مولانا الوالي لنطرح عليه تمنياتنا هذه.

التوكل علي الله

التفت الوالي المتنكر إلى الرجل الثالث الذي لم تفارق الابتسامة وجهه وقال: وأنت ما رغبتك؟

أجاب: أنا لا أنكل على أحد إلا على الله … أنا لا أريد ذهباً ولا شيئا غير رحمة ربي… إن كل رغباتنا معروفة لدى الله سبحانه وتعالى وهو يمنحنا ما نستحق. وكل ما أسألك إياه يا سيدي هو إن أعطاك الله ما تريد… وإن حقق لك رغباتك … صل له من أجلي ليبقيني في طريق الصواب حتى لا أقوم بأي عمل ضد إرادة الله جل جلاله.

أجاب الوالي المتنكر: وماذا تطلب من الوالي؟

فكر الرجل قليلاً، وقال: الوالي؟ أنا لا أطلب شيئا، كل ما أطلبه هو أن يهديه الله إلى سواء السبيل.

سأله الوالي بإلحاح: ألا تحتاج من الوالي شيئاً؟

أجاب الرجل باقتضاب: من يعتمد على الله يا سيدي فإنه لا يحتاج إلى أحد.

ذهب الوالي مع مرافقيه دون أن يدع الرجال الثلاثة يعرفون من هو… ولكنه خرج يكظم غيظه وهو يفكر في هذا الرجل الذي يعتمد على الله ولا يحتاج إلى أحد.

قال الوالي في نفسه: أيجرؤ رجل في هذه المدينة أن يقول إنه لا يحتاج إلى أحد؟ …

طلب واحد لكل شخص

وقرر الوالي أن يلقن هذا الرجل درسا لن ينساه.. وفعلا أوفد في اليوم الثاني رجالاً اقتادوا الثلاثة إلى قصره، وحينما شاهدوا الوالي ارتبكوا، إذ أعتقد الرجلان اليائسان أن الوالي قد أحضرهما ليقتص منهما … ولكنه طلب من كل واحد من الرجال الثلاثة أن يتقدم منه خطوة ويكرر رغباته كما ذكرها في الليلة السابقة.

فأبدى كل من الرجلين اليائسين رغبته، وحين وصل الدور للرجل الثالث الذي لا يتكل إلا على الله طلب منه الوالي أن يقول ما يريد، فقال:

طلب المساعدة يا مولاي من غير الله صعب ومرير على النفوس الأبية… لقد من الله عليك بالصحة… وهي نعمة النعم… وما المال إلا وسيلة من وسائل الحياة، بعض الناس يسيء استعمالها، وبعضهم يحسنه… أما أنا فلا أريد غير نعمة الله وقد أسبغها على وأعطاني ما أريد من قدرة للسعي من أجل كسب الرزق، فأنا لست محتاجاً لأن أطلب المساعدة من أحد غيره عز وجل.

استاء الوالي من كلام هذا الرجل العنيد وراح يفكر كيف أن رجلاً كهذا يجرؤ أن يصرح بمثل هذا الكلام أمامه! وقرر في النهاية أن يعمل في الحال، فأعطى الرجل الأول عشرة آلاف دينار.. وأعطى الرجل الثاني خمسة آلاف دينار وأمر له بأن يتزوج من سيدة فاضلة ويأخذها معه لتهتم بأولاده… وأمر الرجل الثالث أن يعود خالي الوفاض مع رفيقيه بأسرع وقت.

خرج الثلاثة من المدينة معاً.. الأول يحمل كيس ذهب بعشرة آلاف دينار ويصعب حمله… والثاني يحمل كيس ذهب بخمسة آلاف دينار وإلى جانبه تسير عروسه، أما الرجل الثالث المعتمد على الله فكان يسير بينهم دون أن يحمل شيئاً.

خطة الوالي

تأكد الوالي أن الثلاثة قد رحلوا فأوفد بعض رجاله وقال: ذاك الرجل الثالث قد أهانني وحقرني فسأنتقم منه، أحضروه لي حالاً، إنه الرجل الذي لا يحمل شيئاً.

في هذه الأثناء، شعر حامل كيس العشرة آلاف دينار بالتعب من ثقل ما يحمل… فطلب من المعتمد على الله أن يحمل عنه الكيس ليستريح قليلاً. فحمل الرجل الطيب الكيس، في الوقت الذي وصل فيه جند الوالي فاعتقلوا الرجل الذي لا يحمل شيئا معه، واقتادوه إلى الوالي الذي غضب وثار حين رأى أنهم أخطأوا في الرجل، فقال لهم: أذهبوا حالاً وأتوني بالرجل الذي لا يحمل شيئا بيديه.

في تلك الأثناء، كان الرجل حامل كيس الخمسة آلاف دينار قد تعب من حمله، فطلب من الرجل الطيب أن يحمل له كيسه ليرتاح هو قليلاً وحمل الرجل الكيس بالإضافة إلى الكيس الأول دون أن يشكو أو يتذمر… بينما مشى الرجل الآخر قرب عروسه لا يحمل شيئا…

وفي تلك اللحظة وصل رجال الوالي وألقوا القبض على الرجل الذي لا يحمل شيئا واقتادوه إلى الوالي.

ومرة أخرى جن جنون الوالي غيظا للخطأ فأمر بإحضار الرجل الأخير الذي جاء ليقول:

أمر مولاي الوالي…

قال الوالي: كيف نجوت مع أنني أوفدت من يعتقلك مرتين؟

لست أدري يا مولاي إن كنت قد أوفدت في اعتقالي أم لا، ولكن الذي نجاني هو من أعتمد عليه يا مولاي إن من يعتمد على الله لا يخسر بل هو الرابح دائماً.

الرابح الكبير

عندها سأله الوالي أن يطلب منه رغبتين، فقال: إن أصررت يا مولاي، فإنني أطلب أن يطلق سراح الرجلين… وتعاد المنح التي أعطيتهما إياها. وثانياً: أن يسمح لي بالبقاء هنا لأباشر عملي عندكم كخياط…

وهنا تكلم الوالي فقال: تحققت رغباتك يا أيها المعتمد على الله، أما أنا فلي عندك رغبتان: الأولى هي أن تنسى كل إساءة أصابتك بسببي، ورغبتي الثانية هي أن تأتي إلى قصري كل يوم لنقضي أوقاتنا في التأمل والتعبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى