قصة الأميرة الصغيرة

استمتع بقراءة قصة الأميرة الصغيرة، حيث تواجه سارة كرو التحديات بشجاعة بعد أن تفقد ثروتها وتتحول من أميرة إلى خادمة صغيرة.
جدول المحتويات

في يومٍ من الأيام، كانت هناك فتاة صغيرة تُدعى سارة كرو، وُلدت في الهند وعاشت طفولتها هناك مع والدها الضابط الثري. لكن عندما بلغت السابعة من عمرها، قرر والدها أن يُرسلها إلى مدرسة داخلية في إنجلترا لتتعلم وتكبر بين أقرانها. ورغم حبها الكبير لأبيها، ودعته بجرأة، معتقدة أنها ستعود إليه يومًا ما.

في مدرستها الجديدة، كانت سارة محط أنظار الجميع. لم يكن ذلك بسبب ثيابها الفاخرة التي جلبها لها والدها من الهند، بل بسبب ذكائها وأدبها وقلبها الطيب. كانت تروي لرفيقاتها الصغيرات حكايات ممتعة، وتجذبهن بخيالها الواسع. ولكن لم تكن كل الفتيات سعيدات بحضور سارة، فهناك لافينيا، الفتاة المغرورة، التي شعرت بالغيرة من شعبية سارة واهتمام الفتيات بها.

مرت الأيام، وحل عيد ميلاد سارة الحادي عشر. أرسل لها والدها دمية رائعة، ولكن لم يمض وقت طويل حتى وصلت الأخبار السيئة. فقد علمت سارة أن والدها توفي في الهند بعد أن خسر كل أمواله في مناجم الماس. بين عشية وضحاها، تحولت سارة من فتاة غنية إلى فتاة يتيمة وفقيرة. أمرت الآنسة منتشين، مديرة المدرسة القاسية، بنقل سارة إلى سقفية باردة وقذرة في أعلى المدرسة وأجبرتها على العمل كخادمة لتكسب قوت يومها.

واجهت سارة أيامًا صعبة في السقفية. كانت تعمل بجد، تنظف وتغسل وتساعد في المطبخ، وكثيرًا ما شعرت بالجوع والبرد. لم يكن هناك من يواسيها سوى دميتها القديمة “إميلي” والخادمة الصغيرة بكي. ومع ذلك، لم تفقد سارة أبدًا روحها القوية وإيمانها بأنها لا تزال “أميرة” في داخلها.

ذات يوم، انتقل رجل ثري يُدعى السيد كار سفورد إلى المنزل المجاور للمدرسة. كان هذا الرجل يبحث منذ زمن عن ابنة صديقه، الضابط كرو، ليخبرها بأن مناجم الماس التي استثمر فيها والدها قد أثمرت وأصبحت ثرية من جديد. لم يكن يعلم أن الفتاة التي يبحث عنها هي سارة نفسها، الفتاة الصغيرة التي تعيش في السقفية.

بمساعدة خادمه الهندي رام دس، بدأ السيد كار سفورد بإرسال هدايا سحرية إلى سارة في سقفيتها، كإشعال نار دافئة وتقديم طعام شهي دون أن تعرف من يفعل ذلك. وبالفعل، أعادت هذه اللمسات البسيطة الأمل إلى قلب سارة. وفي أحد الأيام، جمع القدر بين سارة والسيد كار سفورد عندما ذهبت إليه لتعيد له سعدانه الهارب. وعندما تحدثت إليه باللغة الهندوستانية، أدرك السيد كار سفورد أخيرًا أن هذه الفتاة هي ابنة صديقه الضائع.

كانت لحظة اللقاء مليئة بالمفاجآت والعواطف. اكتشف السيد كار سفورد الحقيقة، وعلمت سارة أن ثروة والدها لم تضِع، بل أصبحت في أمان بفضل صديق والدها. عاد الأمل إلى قلب سارة، وعرض عليها السيد كار سفورد أن تعيش معه في بيته الكبير كابنته التي لم يُرزق بها.

لم تنسَ سارة صديقتها الوفية بكي، فقررت أن تأخذها معها لتعيش حياة كريمة معها في بيت السيد كار سفورد. وبذلك انتهت قصة سارة، التي بدأت كفتاة مدللة، ثم عاشت كخادمة، لتعود في النهاية إلى مكانها الحقيقي كأميرة صغيرة، قلبها مليء بالإحسان والحب لكل من حولها.

قصة الأميرة الصغيرة مكتوبة

ولدت سارة كرو في الهند. توفيت والدتها بعد ولادتها، فعاشت الطفلة مع والدها الضابط الواسع الثراء، إلى أن بلغت السابعة من عمرها، وكان عليها عندئذ أن تترك أباها لتلتحق بمدرسة في إنجلترا.

قال لها أبوها محاولاً أن يخفف من اكتئابها: “سيكون معك في المدرسة فتيات كثيرات في مثل سنك. وعندما تكبرين تعودين إليَّ لترعي شؤوني!” لكنه كان يعلم، في قرارة نفسه، أنه سيحس بغياب ابنته وحدة قاسية.

لم يكن يهم سارة أن يكون لديها صديقات، فلقد كان أكثر ما يستهويها قراءة الكتب ونسج الحكايات والتحدث إلى دميتها “إميلي” التي كانت سارة على يقين من أنها تفهم كل كلمة تقولها لها. كان الضابط كرو قد جلب لابنته أفخر الثياب، وكان من بين ما اشترى لها فساتين مطرزة، ومعطف مزركش، وقبعة مزينة بريشة نعامة.

ولم تكن تلك الثياب الفاخرة كلها لتُنسي سارة الحزن الذي كانت تشعر به لقرب افتراقها عن أبيها المرح المحبوب. غير أنها ابنة جندي، وكانت تعلم أن عليها أن تكون شجاعة. وقالت لنفسها: “وما أشبه الأمر بالذهاب إلى معركة!”

الرحلة إلى لندن

وفي يوم شتوي قائم، انطلقت سارة وأبوها في عربة يجرها حصان عبر شوارع مدينة لندن التي يغلفها الضباب. وصلت العربة إلى منزل قرميدي قبيح، عُلقت على بابه لوحة نحاسية تقول: “الآنسة منتشن مدرسة بنات الأعيان.”

أخذ الأب ابنته إلى قاعة قائمة، تنتصب في صدرها ساعة رخامية ثقيلة، وتتوزع في أرجائها قطع أثاث منفرة. همست سارة قائلة: “لا أحب هذه المدرسة!” فشد أبوها على يدها.

في هذا الوقت، دخلت الآنسة منتشن القاعة، فإذا هي طويلة وبليدة وقبيحة، مثلها في ذلك مثل منزلها الطويل البليد القبيح. كان لها عينان واسعتان باردتان خبيثتان، وابتسامة واسعة باردة خبيثة. اندفعت تقول: “يا لها من طفلة جميلة!”، وهي عبارتها التي تبدأ بها حديثها مع كل أسرة غنية.

استقرار سارة في المدرسة

كان السيد كرو قد رتب الأمر مع المدرسة بحيث يكون لابنته غرفة جلوس خاصة بها، وبحيث تحصل على كل ما تطلبه من كتب. واختار لها أيضًا خادمة فرنسية ترافقها. قال الأب: “إنها سريعة التعلم، لكن أريدها أن تلعب أيضًا، وأن تحصل على كل ما يسعدها!”

بعد ذلك، ودع الأب ابنته الصغيرة بقلب مثقل وغادر المنزل. صعدت سارة في الحال إلى غرفتها وأغلقت وراءها الباب. بعد أن افترقت عن أبيها، أرادت أن تختلي بنفسها.

وقفت الآنسة منتشن وأختها أميليا خلف الباب تنصتان، لكنهما لم تسمعا شيئًا. فتساءلتا: “لماذا لا تبكي كما يفعل غيرها من الفتيات؟” لكن سارة لم تكن كغيرها من الفتيات.

درس اللغة الفرنسية

في صباح اليوم التالي، وقفت سارة أمام طاولة الآنسة منتشن، وقد لبست ثوبها المدرسي الأزرق الداكن وراحت الفتيات يتهامسن. قالت لافينيا، وهي إحدى الفتيات الأكبر سنًا: “ليست جميلة!” قالت صديقتها جيسي: “لكن عينيها الخضراوين تلفتان النظر!” عادت لافينيا التي دبّ بها الغيرة تقول: “إنها تلبس ثيابًا داخلية مكشكشة! ما أسخفها!”

وقفت سارة هادئة. أعطتها الآنسة منتشن عددًا من المفردات الفرنسية لتدرس معانيها ريثما يصل مدرس اللغة الفرنسية. وكانت سارة تعرف الكلمات، فقد كانت أمها فرنسية، وكثيرًا ما كان أبوها يخاطبها بالفرنسية. وقد حاولت أن توضح ذلك للآنسة منتشن، لكن الآنسة لم تكن تصغي.

تم وصول مدرس الفرنسية، فقالت له الآنسة منتشن، وقد بدا عليها الغيظ: “تلميذتك صعبة المراس. إنها لا ترغب في تعلم اللغة الفرنسية، مع أن أباها اختار لها خادمة فرنسية لأنه يريدها أن تتعلم هذه اللغة!”

قالت سارة: “اختار لي أبي هذه الفتاة لأنه رأى أني سأميل إليها!”

انتفضت الآنسة منتشن قائلة: “ليس الأمر هو ما تميلين إليه وما لا تميلين، أيتها الفتاة! يبدو لي أنك ابنة أفسدها الدلال!”

رفعت سارة عينيها الخضراوين البريئتين إلى مدرس اللغة الفرنسية، ثم شرعت تحدثه بأدب وبلغة فرنسية سليمة، جرى بها لسانها بطلاقة. أوضحت للمدرس أنها تعرف تلك الكلمات الفرنسية التي طُلب إليها إعدادها. وسر المدرس بحديثها سرورًا بالغًا، وقال: “لا أستطيع أن أضيف شيئًا، فلهجتها رائعة.”

انتفضت الآنسة منتشن مرة أخرى وصاحت: “الهدوء! كفى ضحكًا يا بنات! وأنت يا سارة، كان عليك أن تخبريني!”

أجابت سارة: “حاولت!” غير أن الآنسة منتشن كانت قد بدأت تكره الفتاة الصغيرة.

سارة تتخذ صديقة

وقعت عينا سارة، أثناء درس اللغة الفرنسية، على فتاة صغيرة اسمها إرمنغارد، كانت تلوك شريط جديلتها. سُئلت أن تقرأ فكان لفظها للكلمات رديئًا جدًا. سخرت منها لافينيا وجيسي والأخريات. احمر وجه إرمنغارد وتحدرت من عينيها الدموع. أشفقت عليها سارة، ورغبت في مصادقتها، فلقد كان من طبعها أن تسرع إلى نجدة من هو في مأزق.

وما إن انتهى درس اللغة الفرنسية حتى أسرعت سارة إلى إرمنغارد ودعتها إلى غرفة جلوسها لمقابلة دميتها “إميلي”. حملت إرمنغارد الدمية، بينما راحت سارة تروي الحكايات عن الأعمال المدهشة التي تستطيع الدمى أن تقوم بها حين تكون الغرفة خالية من الناس.

سارة وإرمنغارد تتعرفان على بعضهما

سألت إرمنغارد وهي تشد الدمية إليها: “أحقًا أن دميتك تروي لك الحكايات؟”

أجابت سارة: “أتخيل أنها تفعل، فيبدو لي الأمر حقيقيًا. ألا يحدث أن تتخيلي أشياء؟”

قالت إرمنغارد: “لست في هذه النباهة. أما أنت فإنك نبيهة. ألسْتِ نبيهة؟”

أجابت سارة: “ولا أدري…” ثم ارتسمت على وجهها فجأة مسحة حزن، فلقد تذكرت أن والدها اعتاد أن يدعوها بالقطة الصغيرة النبيهة. ثم سألت رفيقتها بلهفة: “أتحبين أباكِ أكثر من أي شيء في الدنيا؟”

كانت إرمنغارد تخشى أباها، فلقد كان متألق الذكاء، وكان يعجب كيف أن ابنته ليست إلا على حظ قليل من النباهة. أجابت الفتاة: “لا أراه كثيرًا. إنه طوال الوقت في المكتبة يقرأ…”

قالت سارة: “أما أنا فأحب أبي أكثر من أي شيء في الدنيا، عشر مرات أكثر. لكنه الآن بعيد عني…”

قالت إرمنغارد بخجل: “بين لافينيا وجيسي صداقة حميمة. أتظنين أن أكون صديقتك الحميمة؟ أعرف أنك أنبه الفتيات وأني أغباهن، لكني أميل إليك!”

ابتسمت سارة وقد تألق وجهها وقالت: “يسعدني ذلك. نعم، سنكون صديقتين، وسأساعدك في دروس اللغة الفرنسية!”

التلميذة المفضلة

لو لم تكن سارة راضية متواضعة بطبعها لكان من السهل أن يصيبها التكبر والغرور. فعلى الرغم من أن الآنسة منتشن لم تكن تحبها، فإنها كانت لا تكف عن الثناء عليها. لقد كانت تخشى أن تكتب سارة إلى أبيها لو أساءت معاملتها. أما لافينيا فقد أكل الحسد قلبها، إذ كانت بين التلميذات، قبل مجيء سارة، قبلة الأنظار.

كانت لافينيا قد استبدت برفيقاتها الصغيرات فبتن يخشينها. أما سارة فكانت فتاة محبة عطوفة، رعاية الآخرين طبع فيها. وقد أظهرت عطفًا شديدًا على فتاة صغيرة كثيرة المتاعب، يتيمة الأم، اسمها لوتي. ولم يكن من طبع سارة أن تتباهى. وقد قالت يومًا لرفيقتها إرمنغارد: “ما أكثر الأشياء الحلوة التي تُهدى لي من غير أن أطلبها! أنا محظوظة، فقد قدم لي أبي كل شيء. ولا فضل لي في أن طبعي راضٍ. ولعلي في داخلي مشاكسة شرسة، فأنا لم أتعرض من قبل لتجارب تمتحنني.”

قالت إرمنغارد: “ولم تُمتَحَن لافينيا أيضًا، غير أن تصرفاتها كلها بغيضة لا تطاق.”

كانت سارة تعرف أن كلام صديقتها صحيح، لكنها لم تقل شيئًا.

لافينيا والغيرة من سارة

قالت لافينيا لجيسي: “وما المجد في أن يكون أبو سارة ضابطًا في الهند؟ ثم إن تلك الحكايات التي ترويها سارة عن جلد النمر في غرفتها والذي تدب فيه الحياة، حكايات سخيفة!”

لقد كانت موهبة سارة في رواية الحكايات سببًا في تعلق الفتيات بها. كانت تجلس وسط حلقة من رفيقاتها الصغيرات وتبدأ في رواية حكايات مدهشة، فتتألق عيناها الخضراوان الواسعتان حماسة. كانت تلوح بيديها، وترفع صوتها أو تخفضه بحسب ما يقتضيه الحال، فتبدو حكاياتها عن الملوك والملكات والأقزام والحوريات حقيقية نابضة بالحياة.

قالت مرة: “عندما أروي حكاياتي لا تبدو لي مخترعة، بل أحس كأني أعيش أحداثها، وأن أبطالها كلهم هم أنا، بطلًا بعد بطل!”

الخادمة بكي وحب الحكايات

كان في المدرسة شخص يرى أن حكايات سارة أجمل الحكايات. ذلك الشخص كان الخادمة الصغيرة الفقيرة بكي التي لم تكن تُرى إلا وقد تلطخ وجهها بالأوساخ. فقد كانت تلمع الأحذية، وتنظف المواقد، وتفرك الأرض، وتحمل أكياس الفحم صعودًا ونزولًا. وكان الجميع يوجه إليها الأوامر من الصباح حتى الليل.

كانت تتباطأ ما أمكنها في تنظيف الموقد في غرفة جلوس سارة، لتتاح لها فرصة سماع الحكايات. كانت سارة تروي يومًا إحدى حكاياتها وتقول: “كانت عرائس البحر يسبحن برفق في المياه الصافية الزرقاء، ويسحبن شبكة صيد منسوجة من لآلئ البحار العميقة. فجلست الأميرة على الصخور البيضاء تراقبهن…”

سارة وبكي تتحدثان عن الحكايات

ارتدت بكي إلى الوراء منبهرة، وأسقطت الفرشاة. فلقد شدها صوت الراوية معها إلى كهوف في أعماق البحار، مرصوفة بالرمال الذهبية، وملونة بضوء أزرق هادئ، ونابضة بأحلى الأغاني. قالت لافينيا بحدة: “هذه الفتاة كانت تنصت إلينا!” سألت سارة: “ولم لا تنصت؟”

قالت لافينيا ساخرة: “ليست إلا خادمة!”

بدأت سارة بعد ذلك في التحدث إلى بكي. وكانت تعطيها قطع الحلوى وتجلسها قرب النار، وتروي لها الجانب الذي يكون قد فاتها سماعه من الحكايات.

صداقة بين سارة وبكي

أحبت بكي كثيرًا حكاية عرائس البحر والأميرة. وقالت يومًا لسارة بصوت خجول: “أظنك أشبه ما تكونين بالأميرة!”

قالت سارة بشيء من التأمل: “كثيرًا ما تساءلت كيف تكون الأميرات. لعلي أتخيل أني واحدة!”

كثيرًا ما كانت بكي تشعر بالجوع، فكانت سارة تشتري لها الفطائر، وتعطيها إياها خلسة. فتسرع بكي إلى السقيفة الخشبية في قمة المنزل حيث تعيش، وقد أسعدتها الفطائر وأسعدها أكثر من ذلك عطف سارة عليها.

مناجم الماس

أرسل الضابط يومًا إلى ابنته أخبارًا مدهشة. فلقد اشترك مع صديق له في شراء مناجم لاستخراج الماس. بدا ذلك لسارة وكأنه حكاية من حكايات الجنيات، وراحت تروي لرفيقاتها حكايات الأنفاق الأرضية الغامضة التي تتألق بريق الجواهر.

قالت لافينيا: “لا أصدقها! ليس هذا إلا ضربًا من تخيلاتها!”

وقالت جيسي: “لعلك سمعتِ بجديدها. إنها تتخيل نفسها أميرة! هذا ما أخبرتني به لوني، تصوري ذلك!”

صحيح. إني أتخيل نفسي أميرة لأتصرف تصرف الأميرات!

في هذه اللحظة دخلت سارة الغرفة، فأزعجها اكتشافهن لسرها الغالي، فقالت بوقار وجلال: “وهذا صحيح.”

عيد ميلاد سارة الحادي عشر

مرت الأيام، وحل عيد ميلاد سارة الحادي عشر. أرسل لها أبوها دمية رائعة، فكتبت له سارة تقول: “هذه دميتي الأخيرة، فأنا كبرت.”

لم يكتب أبوها عن مناجم الماس بحماسة هذه المرة، قال: “الأعمال ترهقني.”

تلقت سارة هدية أخرى كانت موضع إعجابها، فقد قدمت لها الخادمة بكي غطاء وسادة أحمر اللون، صنعته بنفسها من قماش رخيص وطرزته تطريزًا غير منتظم. قالت بكي: “أعرف أنك قادرة على أن تتخيلي أن الغطاء من حرير وأنه مطرز بالجواهر. فلقد تخيلتُ أنا ذلك حين كنت أقوم بصنعه!”

حفلة عيد ميلاد سارة

تقرر أن تُقام حفلة لفتيات المدرسة كلهن، وطلبت سارة أن تحضر بكي الحفلة. وقد وافقت الآنسة منتشن على مضض، وقالت لبكي آمرة: “قفي في الزاوية، ولا تقتربي من الفتيات.” وقنعت بكي بذلك ما دامت قادرة على رؤية الهدايا.

قالت الآنسة منتشن مخاطبة الفتيات: “ستصبح سارة ذات يوم عظيمة الثراء. ولهذا وضعها أبوها في رعايتي لتتزود بالعلم الصحيح. لقد تكرمت ودعتكن جميعًا إلى حفلتها، فاشكرنها. أترككن الآن لحفلتكن…” ثم انسحبت من الغرفة بخيلاء وعظمة.

أسرعت الفتيات كلهن ليرين الهدايا، وبخاصة الدمية الأخيرة. كانت الدمية رائعة، وقد وصلت في صندوق خاص بها مليء بثياب فاخرة ومجوهرات.

شهقت فتاة تقول: “تكاد تكون في حجم لوني!”

قالت سارة: “أتظنين أنها تفهم ما تقولين؟”

خلاف سارة ولافينيا

قالت لافينيا: “أنتِ دائمًا تفترضين وتظنين. عندما يملك المرء كل ما يشتهي فكل شيء حسن. لمَ لا تتخيلين مثلًا أنكِ فقيرة تعيشين في سقيفة خشبية؟”

بدا على سارة التأمل ثم قالت: “أظن أني قادرة على ذلك. لو كنت فقيرة لكان علي أن أتخيل طوال الوقت، لكن لا أظن ذلك سهلًا!”

في تلك اللحظة دخلت الآنسة أميليا الغرفة وقالت: “عليكن جميعًا أن تنتقلن إلى غرفة أخرى لتناول الحلوى، فالسيد بارو، محامي والد سارة، هنا وستستقبله الآنسة منتشن في هذه الغرفة.”

خرجت الفتيات مسرعات، ودخلت الآنسة منتشن المكان يتبعها رجل طويل يلبس معطفًا قائمًا.

حكاية المناجم تتكشف

نظر السيد بارو إلى الدمية الأخيرة وإلى صندوقها المليء بالثياب والجواهر، وقال بحدة: “إسراف وتبذير!”

ابتسمت الآنسة منتشن وقالت: “إنه قادر على ذلك، طبعًا! أنسيت مناجم الماس؟”

قال السيد بارو بجِدّ: “لا شيء من ذلك! وما كان عنده مناجم ماس قط. لقد خدعه صاحبه وفر. إن المرحوم الضابط… كرو.”

“المرحوم؟ ماذا تقصد؟”

“ومات، يا سيدتي. قتلته هموم الأعمال. مات يردد اسم ابنته، ولم يترك وراءه قرشًا واحدًا!”

فقر سارة المفاجئ

شهقت الآنسة منتشن وقالت: “أتعني أن سارة فقيرة معدمة؟ وأن أمرها ترك بين يدي؟”

قال السيد بارو بعبوس: “ليس لها أحد في الدنيا، ولا معها قرش واحد.”

انتفضت الآنسة منتشن قائلة: “ولقد دفعت ثمن الهدايا ومصروفات الحفلة! سأرمي بها في الشارع!”

قال السيد بارو: “لا أنصح بذلك، يا سيدتي. فكري بسمعة المدرسة الطيبة! لعل من الخير أن تحتفظي بها وتفيدي منها. إنها فتاة نبيهة.” ثم انحنى مودعًا وخرج وأغلق الباب وراءه.

نادت الآنسة منتشن، وهي في هياج، أختها الآنسة أميليا، وزعقت: “الضابط كرو مات. مات معدمًا، وترك لي ابنته المدللة. أوقفي هذه الحفلة السخيفة! مري سارة أن تخلع ثوبها في الحال وأن تلبس ثوبًا أسود.”

قالت الآنسة أميليا برجاء، وكانت أرق قلبًا من أختها: “أعلي أن أقول لها ذلك؟ الآن؟ في أوج الحفلة.” لكنها لم تجرؤ على معارضة أختها فمشت إلى الغرفة ببطء، وهي تمسح دموعها.

عالم غير ذاك العالم

عندما أخبرت سارة أن أباها قد مات، لم يصدر عنها صوت. وقفت تنظر إلى الآنسة أميليا التي نقلت إليها النبأ بعينين واسعتين خضراوين جامدتين ووجه شاحب. ثم صعدت إلى غرفتها وأغلقت وراءها الباب، وراحت تدرع الغرفة ذهابًا وإيابًا، وهي تردد بصوت خفيض غريب: “أبي مات! أبي مات!”

قالت لدميتها إميلي: “أبي مات. مات في الهند على بعد آلاف الأميال…”

لبست ثوبًا أسود كان قصيرًا جدًا عليها، وربطت شعرها بشريط أسود. ثم ذهبت إلى غرفة الآنسة منتشن وهي تحمل إميلي.

قالت الآنسة منتشن ببرود: “وما عاد عندك وقت للدمى. أنتِ الآن فقيرة معدمة مثل بكي. وعليك أن تعملي لتكسبي عيشك.”

سارة تبدأ العمل

قالت سارة بلهفة: “أتعطينني عملًا؟ ذلك يخفف مما أنا فيه…”

“نعم، يمكنك أن تعملي مساعدة للفتيات الصغيرات، وتقومين ببعض الأعمال المطبخية. الآن انصرفي!”

عادت سارة إلى غرفتها، فوجدت الآنسة أميليا في انتظارها عند الباب. قالت الآنسة أميليا، وقد بدا عليها الإشفاق: “لم تعد هذه غرفتك!”

“وأين غرفتي الآن؟”

“في السقفية، مع بكي.”

صعدت سارة الدرجات البالية التي توصل إلى السقفية في أعلى المنزل. فتحت الباب وتطلعت. إنه عالم غير ذاك العالم الذي عرفته.

السقفية والواقع الجديد

كان للغرفة سقف مائل، وكانت الجدران المبيضة بالكلس قد تقشرت. وكان الموقد صدئًا والفراش قاسيًا، وتوزعت في الغرفة بضع قطع من الأثاث القديم، وفرش في وسطها بساط بالٍ. وكان في السقفية كوة وسخة لا يرى المرء من خلالها إلا سقوفًا مائلة ومداخن المواقد.

جلست سارة على مقعد خشبي ووضعت دميتها إميلي بين ذراعيها ورمت وجهها على شعر الدمية. ولم يصدر عنها صوت.

بعد هنيهة، سُمع نقر على الباب، وامتد وجه أبيض صغير حزين. كانت تلك بكي.

أجهشت سارة بالبكاء وهي تقول: “آه، يا بكي! قلت لك إننا متشابهتان – فتاتان صغيرتان. أرأيتِ الآن أن ما قلته لك صحيح؟ لستُ أميرة كما كنتِ تحسبين!”

بكي تواسي سارة

جرت بكي نحوها وضمتها إلى صدرها، وأجهشت هي أيضًا بالبكاء، وقالت: “بل أنتِ أميرة، يا آنستي! ومهما حدث من أمر فستظلين أميرة! ولن يغير ذلك شيء!”

حياة جديدة في السقفية

لم تنسَ سارة قط ليلتها الأولى في السقفية. وقد لفها الظلام، رقدت في فراشها البارد القاسي تنصت إلى عويل الرياح وإلى أصوات الجردان تنبش الجدران.

سارة تتحول إلى خادمة

وأُخبرت سارة في اليوم التالي أن عليها أن تتناول طعامها في المطبخ، وأن تعلم الفتيات الصغيرات الفرنسية، وأنه غير مسموح لها بعد الآن أن تخاطب الفتيات الأخريات، أو أن تشترك في الدرس معهن، وأنها تتلقى أوامرها من الطباخة والخادمات في المنزل.

كانت “أميرة” فصارت خادمة بالية الثياب، وبدت وقد تركت ثيابها السابقة فجأة فتاة غريبة الهيئة. كانت تعمل بجد لكي تظهر أنها تكسب عيشها بالعمل. تركض تحت المطر والثلج لتأتي بما يُطلب منها، وتقوم بالأعمال المنزلية الصعبة بلا توقف. وكثيرًا ما كانت تحس بالجوع، ولا تسمع كلمة عطف من إنسان. ولم يكن لها من صديق غير الخادمة بكي.

بلغت سارة من التعاسة حدًا جعلها تشك في دميتها إميلي وفي قدرتها على فهم شيء. وذات يوم صاحت بها قائلة: “لستِ إلا دمية!” ورمتها أرضًا.

عودة إرمنغارد ومساندتها

كانت إرمنغارد غائبة عن المدرسة حين وقعت هذه الأحداث. وعندما عادت لم تفهم سبب التغير الشديد في هيئة رفيقتها سارة، ولا كيف تمر بها سارة في الممرات فلا تكلمها. وذات ليلة صعدت إلى السقفية.

قالت باكية: “يا سارة، اشتقت إليكِ كثيرًا! ظننت أنكِ نسيتني! كيف تحتملين العيش في هذه السقفية المخيفة؟”

أجابت سارة، وقد أخذت مخيلتها تنشط بعد توقف لازمها منذ بداية متاعبها: “أحتملها، إذا تخيلت أني أعيش في غير هذا المكان. سأتخيل أني سجينة في سجن الباستيل! وأني أقيم في ذلك السجن منذ سنين، وأن الناس كلهم قد نسوني. الآنسة منتشن هي السجانة، وبكي هي رفيقة الزنزانة! سأتخذ من أحد الجردان صديقًا وأطعمه فتات الخبز.”

التفتت فإذا عيناها تشعان، كما كانتا تشعان من قبل، وقالت: “سأعود إلى التخيل، فإن فيه عزاء بالغًا!”

الأسرة الكبيرة

أرت سارة رفيقتها إرمنغارد المشهد الذي تكشفه كوة السقف. كانت سقفية المنزل المجاور خالية. قالت سارة بحسرة: “ليت أحدًا يشغل هذا المكان!”

كان يعيش في منزل قريب أسرة كبيرة، تتألف من أب مرح وأم بشوشة وعدة أولاد. وفي أحد الأيام، رأى ولد من الأولاد سارة تقف على الرصيف، فبدت بثوبها البالي ووقفتها الحزينة، جائعة. بحث في جيبه فوجد قروشًا أخرجها وقدمها لسارة قائلًا: “اشتري بها طعامًا!”

صدمت سارة إذ أدركت أنها تشبه الأطفال المتسولين الذين كانت تراهم على الرصيف في أيام هناءتها.

أسرعت الأم البشوشة تقول: “يا بني، كيف تعرض مالًا على الفتاة؟ أنا واثقة أنها ليست متسولة! هل أغضبها ما فعلت؟”

قالت سارة: “لا، إنه لتصرف نبيل!”

قالت الأم بشيء من التأمل: “هذه العبارة لا تصدر عن متسول…”

مساعدة الأسرة الكبيرة لسارة

أصبحت الأسرة الكبيرة بعد ذلك تبدي اهتمامًا بسارة، وتراقبها وهي في طريقها لقضاء حاجات المدرسة، ودعتها بـ”اللا متسولة الصغيرة”.

وجدت سارة مرة في الشارع الموحل قطعة نقد فضية. حملت القطعة النقدية إلى مخبز مجاور، وتركتها عند صاحبة المخبز لتعطيها لمن يسأل عنها. وأثنت صاحبة المخبز على سارة وقدمت لها بضع فطائر. كانت سارة جائعة، لكنها رأت أمام المخبز فتاة فقيرة بالية الثياب، فأعطتها الفطائر، واحتفظت لنفسها بواحدة فقط وقالت لنفسها: “وهكذا تتصرف الأميرات…”

السيد الهندي

في أحد الأيام، وقفت أمام المنزل الخالي المجاور عربة تحمل أثاثًا. راحت سارة تراقب الرجال وهم ينقلون السجاد الشرقي، وقطع الأثاث المنقوشة بأشكال بديعة، والمطرزات الرائعة. أدركت مما رأت أن صاحب المنزل كان، على الأغلب، يعيش في الهند. رأت سارة رب الأسرة الكبيرة، السيد كار مايكل، يتولى إعطاء التوجيهات إلى العمال، فعجبت لذلك. وبينما هي تراقب، دخلت عليها بكي وقالت بحماسة:

“إنه هندي! وهو واسع الثراء، لكنه عليل، ورب الأسرة الكبيرة محاميه!”

في اليوم التالي، وصل الهندي صاحب البيت ترافقه ممرضة وخادمان هنديان. لم يكن الرجل هنديًا فعلاً، بل كان إنجليزيًا عاش في الهند زمنًا طويلاً، ويدعى السيد كار سفورد. وقد تناقلت أخباره الخادمات في مدرسة الآنسة منتشن. قلن: “خسر أمواله كلها، وتسببت له الصدمة بحمى الدماغ. لكنه الآن استعاد كل ما خسر من مال – شيء ذو صلة بالمناجم…”

قالت سارة بحزن: “يشبه ما وقع لأبي.”

لقاء سارة بالفتى الهندي

كانت سارة في إحدى الأمسيات تراقب من سقفيتها لون السماء الوردي الذهبي، فسمعت في السقفية المقابلة صخبًا وصوتًا حادًا. التفتت إلى مصدر الصخب فرأت وجهًا أسمر يطل عليها بعينين مشعتين، ويعلوه غطاء رأس ناصع البياض. لقد كان فتى هنديًا يقف عند شباك السقفية ويحمل بين يديه سعدانًا صغيرًا مصوتًا.

ابتسمت سارة، فابتسم الفتى الهندي أيضًا. أفلته السعدان وأسرع السعدان يتسلق الجدران ويقفز إلى كوة سارة.

خاطبت سارة الفتى الهندي بالهندوستانية قائلة: “تعال خذه، إذا شئت…”

فوجئ الفتى الهندي، واسمه رام دس، وسر سرورًا عظيمًا حين سمع الفتاة تتحدث بلغته. فتحدث إليها بأدب جم واحترام كما كان يفعل خدم أبيها. ثم تسلق الجدار هو أيضًا ونزل عند سارة. سلم عليها وأخبرها أن سيده مريض جدًا، وأنه متعلق بالسعدان لأنه يضحكه.

أحست سارة، بعد رحيل الفتى الهندي، بشيء من الانشراح، وقالت في نفسها: “لا أزال قادرة على أن أحس في داخلي أني أميرة…”

السيد كار سفورد وابنة الضابط كرو

أسرع رام دس إلى سيده يخبره حكاية الخادمة الصغيرة التي تعيش في السقفية الباردة. قال له بلهجة المتعجب: “إنها تتكلم كما تتكلم فتاة من النبلاء!”

كان السيد كار سفورد جالسًا في مكتبه يتحدث إلى السيد كار مايكل، رب الأسرة الكبيرة. قال بتفاعل: “نحن نعيش عيشة ترف وراحة، بينما في الأرض أطفال يعيشون عيشة بؤس وشقاء! ترى أين هي ابنة الضابط كرو الصغيرة؟ آمل أنها لا تعاني ما تعانيه هذه الفتاة الصغيرة، في حين أن أموال أبيها كلها معي وفي انتظارها!”

قال الصديق المحامي: “وليت أباها علم قبل أن يموت أن مناجم الماس ستتكشف، آخر الأمر، عن ثروة هائلة!”

قال السيد كار سفورد، وقد ارتسمت على وجهه مسحة من أمل: “لعلها في مدرسة في باريس. فأمها كانت فرنسية. وآمل أن نجدها قريبًا…”

لم يكن الرجلان يدركان أن الطفلة التي كانا يبحثان عنها منذ زمن طويل، كانت في الجانب الآخر من الجدار.

السحر في السقفية

صعدت سارة وبكي إلى سقفيتهما في اليوم التالي، جائعتين مقرورتين. كانت الطباخة غاضبة فلم تعطهما عشاء. وعندما علمت إرمنغارد بما حدث، حملت بعض الحلوى والكعك والفاكهة التي تلقتها من عمتها وتسللت إلى السقفية. فرشت سارة على الطاولة شالًا قديمًا، ثم أشعلت في الموقد ورقة لتتخيل أن النار تتقد.

الوليمة السحرية

أشعت عيناها بريقهما القديم، ونسيت الشوارع الباردة، وقالت: “هذه وليمة سحرية!”

لكن حدث في تلك اللحظة أن سمعت خطوات ثقيلة على الدرج. لقد اكتشفت الآنسة منتشين الأمر؛ فقد أخبرتها لافينيا! أسرعت الآنسة إلى الطاولة وأزالت الوليمة، ورأت سارة تحدق فيها بعينيها الخضراوين، فقالت لها: “لم تحدقين فيّ؟”

أجابت سارة: “كنت أتساءل، ما الذي كان يمكن أن يقوله أبي لو علم أين أنا الآن…”

انتفضت الآنسة منتشين وزعقت قائلة: “فتاة وقحة، شقية!” ثم دفعت إرمنغارد أمامها على الدرج.

جرت سارة نفسها إلى فراشها القاسي وحاولت أن تخفف من وقع ما جرى. فقالت في نفسها: “لنفرض أن نارًا قوية كانت حقًا تتقد…” ونامت متخيلة ذلك.

السحر في سقفية سارة

وبينما هي نائمة، دخل الغرفة شخصان أسمران، وراحا يجولان في الغرفة بصمت. وعندما استيقظت سارة، ظنت أنها لا تزال تحلم. فقد كانت مغطاة ببطانيات دافئة. ورأت الموقد يتأجج نارًا، ورأت على الطاولة مفرشًا أبيض مطرزًا، وضعت عليه صحون طعام وإناء أزهار. ورأت إلى جانبها رداء مخمليًا فاخرًا وخفين. لقد كانت غرفة أحلامها! وعلى الطاولة رأت ورقة كتب عليها: “إلى فتاة السقفية الصغيرة، من – صديق.”

استيقظت بكي لتجد الأميرة سارة تقف إلى جانب سريرها في رداء قرمزي فاخر. صاحت سارة: “آه، يا بكي، قومي انظري! إن في الأمر لسحرًا!”

الزائر الغامض

تسلمت سارة في اليوم التالي رزمة. كان فيها ثياب دافئة، وأحذية، ومعطف جميل. ساور القلق الآنسة منتشين. أيمكن أن يكون قريب سري من أقرباء سارة قد عرف كيف تُعامل؟ فكرت الآنسة منتشين بالأمر بعض الوقت، ورأت أن تسمح لسارة بالعودة إلى مشاركة رفيقاتها في الدروس.

قالت جيسي: “شيء عجيب! انظروا إلى الأميرة سارة! لا بد أنها قد ورثت ثروة طائلة!”

قالت سارة في نفسها: “ليتني أعرف ذلك الإنسان فأشكره!” في تلك الليلة أتى السعدان الصغير إلى شباك سقفيتها، خائفًا مقرورًا. قالت له سارة: “تعال عندي. سآخذك صباحًا إلى السيد الهندي…”

الجانب الآخر من الجدار

في اليوم التالي، جلس السيد كار سفورد في مكتبه وقد اعترته الكآبة؛ فإنه لم يتلقَ أخبارًا من باريس عن ابنة الضابط كرو. وجاءت الأسرة الكبيرة بأفرادها جميعًا لزيارته. قال ولد لأمه: “هل حدثتِ السيد كار سفورد عن اللا متسولة الصغيرة؟”

في هذه اللحظة دخل المكتب رام دس، وقال: “يا سيدي، الطفلة التي حدثتك عنها هنا. أترغب في رؤيتها؟”

دخلت سارة حاملة السعدان المصوت. حيت من في الغرفة وخاطبت سيد الدار بالهندوستانية قائلة: “أعطيه إلى رام دس؟”

سأل السيد كار سفورد في دهشة: “أين تعلمت الهندوستانية؟”

“ولدت في الهند، وأُرسلت إلى إنجلترا لأتلقى العلم. لكن أبي مات فقيرًا، فكان علي أن أعمل خادمة…”

“كيف خسر أبوك أمواله؟”

“بالغ في الثقة بأحد أصدقائه…”

بدا الذهول على السيد كار سفورد، وقال: “ما اسم أبيك؟”

“اسمه رالف كرو، وقد مات في الهند.”

شهق السيد كار سفورد، وصاح: “كارمايكل… إنها الطفلة!”

قالت سارة في حيرة: “أي طفلة؟”

قال السيد كارمايكل موضحًا: “السيد كار سفورد كان صديق أبيك. ونحن نبحث عنك منذ سنين!”

قالت سارة: “وأنا طوال الوقت ها هنا، في الجانب الآخر من الجدار!”

غفران سارة للسيد كار سفورد

غفرت سارة للسيد كار سفورد إساءته القديمة. فقد علمت أنه كان في حال صحية متردية، وأنه بذل جهدًا كبيرًا في البحث عنها، وأن السحر في السقفية كان من عمله وعمل رام دس.

بدا الانشراح على السيد كار سفورد حين وافقت سارة على الإقامة معه في بيته. وبدت السعادة أيضًا على رام دس والسعدان الصغير! أما الشخص الوحيد الذي لم يكن سعيدًا فقد كانت الآنسة منتشين. فقد ثار عليها الجميع. حتى أختها أميليا ثارت عليها، وسحب بعض الأهالي بناتهم من المدرسة.

انتقال بكي إلى حياة جديدة

وقررت سارة أن تستدعي بكي لتعيش معها. وذهب رام دس إلى السقفية للمرة الأخيرة حاملًا إليها النبأ، وكادت بكي لا تصدق ما سمعت.

وفي أحد الأيام، ذهب السيد كار سفورد وسارة إلى المخبز المجاور. وكان في المخبز الفتاة المتسولة الصغيرة، لكنها كانت الآن نظيفة متوردة الوجه. وكانت تعمل في المخبز، فقد استخدمتها صاحبة المخبز لبيع الفطائر وللعمل في المطبخ أيضًا.

نهاية سعيدة للجميع

قالت سارة للسيد كار سفورد: “أعطها بعض المال، فتقدم فطائر للأطفال الجائعين. إنها تعرف معنى الجوع…”

خرجت الفتاة الصغيرة ترافق سارة إلى عربتها، وقالت في نفسها، وهي تودعها: “وما أشبهها بأميرة صغيرة!”

معرض الصور (قصة الأميرة الصغيرة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى