قصة أسرة روبنسن السويسرية

انضم إلى قصة أسرة روبنسن السويسرية حيث تتحدى عائلة مغامرة الصعاب على جزيرة نائية بعد غرق سفينتهم، في قصة رائعة مليئة بالإثارة والمغامرات.
جدول المحتويات

في إحدى المغامرات الرائعة التي تجمع بين عائلة شجاعة وطبيعة مليئة بالمفاجآت، تبدأ القصة عندما تتحطم سفينة عائلة سويسرية وسط عاصفة هوجاء. العائلة المكونة من الأب، الأم، وأولادهم الأربعة: فريتز، إرنست، جاك، وفرانسيس، يجدون أنفسهم في جزيرة نائية، لا يعلمون كيف سيواجهون التحديات التي تنتظرهم. لكن بروح العمل الجماعي والإرادة القوية، يبدأون في استكشاف الجزيرة، ويحولون مغامرتهم إلى رحلة بقاء مثيرة.

بعد أن تهدأ العاصفة، تبدأ العائلة في تنظيم حياتها على الجزيرة. يبنون منزلاً لهم فوق شجرة كبيرة يطلقون عليه “عش الصقر”، ويقومون بزراعة الفاكهة وتربية الحيوانات، مستغلين الموارد التي حصلوا عليها من حطام السفينة. كانت حياتهم الجديدة مليئة بالتحديات، لكنهم تمتعوا بالقدرة على التأقلم وتطوير طرق مبتكرة لتأمين طعامهم وحمايتهم.

خلال رحلات استكشافهم للجزيرة، واجهت العائلة العديد من المواقف المثيرة. في إحدى المرات، وجدوا قطيعاً من النعام، وتمكنوا من الإمساك بواحدة بعد مطاردة مثيرة باستخدام الكلاب والنسر المدرب. بعد ترويض النعامة، أصبحت وسيلة نقل سريعة للأولاد. كذلك، تمكنت العائلة من حماية نفسها من هجوم أسد مفترس في إحدى الليالي بفضل براعة فريتز الذي تمكن من قتله برصاصة دقيقة.

مع مرور الوقت، تعلم أفراد العائلة المزيد عن الجزيرة وما تحويه من موارد، وبدأوا بتوسيع مزارعهم وإعداد أنفسهم لمواجهة فصل الشتاء. بنوا كهفاً كبيراً ليكون ملجأً دافئاً لهم في الشتاء، وزودوه بكل ما يحتاجون إليه من مؤن وأثاث مصنوع من حطام السفينة. كانت حياتهم تتطور باستمرار، وصاروا أكثر اعتماداً على أنفسهم.

في إحدى الرحلات الاستكشافية، يعثر فريتز على رسالة استغاثة مربوطة بساق طائر القطرس، تشير إلى وجود بحار مفقود. تقرر العائلة البحث عن هذا البحار، وفي رحلتهم، يكتشفون سفينة راسية في أحد الخلجان. يتضح أن السفينة جاءت لإنقاذ البحار المفقود، وتعرض عليهم العودة إلى وطنهم. هنا، تواجه العائلة قراراً صعباً: هل يتركون الجزيرة التي أصبحت موطنهم الجديد أم يعودون إلى حياتهم القديمة؟

بعد تفكير طويل، يقرر الأب والأم البقاء في “سويسرا الجديدة”، الجزيرة التي أصبحت بيتهم، بينما يختار فرانسيس وفريتز العودة مع السفينة إلى الوطن. يُترك للأولاد حرية الاختيار، فيختار إرنست وجاك البقاء مع والديهما. كانت لحظة الوداع مؤثرة للغاية، حيث ودّعوا بعضهم بألم وحب، متمنين أن تكون هذه الرحلة قد جمعتهم مرة أخرى في المستقبل.

بينما تغادر السفينة وتختفي في الأفق، يواصل من بقي في الجزيرة حياتهم الجديدة، معتمدين على ما تعلموه من تلك الرحلة الرائعة. استمرت المغامرات، لكنهم الآن أكثر قوة، أكثر اتحاداً، وأقدر على مواجهة ما تخبئه الحياة لهم.

قصة أسرة روبنسن السويسرية مكتوبة

كانت العاصفة لا تزال تهب علينا منذ حوالي الأسبوع، وتشتد يوماً بعد يوم. أما سفينتنا فقد خرجت عن خط إبحارها، ووجدنا أنفسنا تائهين في بحر واسع. فجأة، سمعنا بحاراً يصيح: “البر! البر!” لكن في اللحظة نفسها اصطدمت السفينة بصخرة هائلة وبدأت تغرق.

جدول المحتويات

شعرنا بحركة واضطراب فوق ظهر السفينة، وسمعنا جلبة وأصواتاً. أسرعت إلى السطح، فما رأيت من خلال ضباب الرذاذ إلا قارب الإنقاذ الأخير وهو يبتعد عن السفينة! يا إلهي، لقد نسونا! اندفعت نحو سياج السفينة وأخذت أصرخ، ولكن زمجرة العاصفة طغت على صوتي.

النجاة من الغرق واستكشاف السفينة

في ذلك الوقت، علقت السفينة بين الصخور وزال عنها خطر الغرق. عدت إلى أسرتي لأهدئ من روعهم. قضينا الليل نصغي إلى العاصفة التي أخذت تهدأ شيئاً فشيئاً. وطلع الصباح، فإذا الرياح ساكنة والبحر هادئ.

ولما كانت الزوارق قد غادرتنا، لم يكن أمامنا سوى أن نبني طوفاً. فتشنا السفينة فوجدنا طعاماً ومعدات وأسلحة، بل ووجدنا أيضاً كلبين وعدداً من رؤوس الأغنام والأبقار والماعز، إضافة إلى طيور الدجاج. انشغلت زوجتي بإطعام الحيوانات، بينما بقي أولادي، فريز وإرنست وجاك والصغير فرانسيس، إلى جانبي يعاونونني في بناء الطوف الخشبي المحمول على البراميل.

الانتقال إلى الجزيرة وبداية الحياة الجديدة

تحركنا في صباح اليوم التالي على طوفنا الغريب، وأخذنا نجذف ببطء نحو الجزيرة القريبة. سمينا الجزيرة “سويسرا الجديدة” تيمناً بوطننا. أول ما لفت أنظارنا كانت أشجار النخيل العالية تتمايل في الهواء فوق بساط من العشب الأخضر.

سجدنا لله شكراً على وصولنا سالمين، ثم بدأنا في تفريغ حمولة الطوف. نصبنا خيمة من قماش شراع السفينة، وبنيت من حجارة الشاطئ موقداً وأشعلت ناراً، بينما انشغل الأولاد بجمع الأعشاب الجافة والطحالب لتكون فراشاً لنا. وضعت زوجتي فوق الموقد قدراً، وبدأت تعد لنا العشاء.

مغامرات الأولاد واستكشاف الجزيرة

بعد العشاء، انطلق الأولاد يستكشفون المكان. وجد جاك في إحدى البرك كركنداً هائلاً، أو بالأحرى الكركند هو من وجده، إذ أنشب أسنانه في ساق جاك ولم يتركه حتى ضربته بفأسي. أما إرنست فقد جمع المحار من بين الصخور، واتخذنا من أصدافه ملاعق. بينما حمل فريز بندقية وخرج للصيد، وعاد إلينا بصيد وفير، وأخبرنا عن انجراف صناديق وبراميل السفينة إلى خليج قريب.

اكتشاف موارد الجزيرة

نمنا تلك الليلة نوماً هادئاً. وفي صباح اليوم التالي، خرجت أنا وفريز لاستكشاف المكان، فوجدنا أنواعاً غريبة من النباتات والفاكهة. كان بعضها يشبه ثمار الجوز الكبيرة، فصنعنا منها صحوناً وزيتيات.

وصلنا في منتصف النهار إلى أعلى تلة شديدة الانحدار، فإذا بالجزيرة بأكملها تنكشف أمامنا. كانت الجزيرة كبيرة، أكبر بكثير مما كنا نتوقع، وغنية بالنباتات والأشجار المثمرة. أدركنا حينها أننا لن نكون فريسة للجوع.

في أسفل التلة، وجدنا مساحات واسعة من قصب السكر، فجمعنا منه حزمة كبيرة. وبينما نحن مشغولان، سمعنا صراخ قطيع من القرود وهي تقفز فوق الأشجار. خطرت لي فكرة؛ تناولت حجراً ورميت به القرود، فاهتاجت وراحت ترمينا بثمار جوز الهند.

جمعنا بعض الثمار وعدنا إلى الأسرة مع حزمة من قصب السكر.

القرد الصغير والرحلة إلى البيت

بينما كنا نعبر إحدى الأجمات، مررنا بقرد ميت وإلى جانبه قرد صغير متشبث به. انحنى فريز يتأمل المشهد المؤثر، فقفز القرد الصغير على ظهره وتمسك بشعره بشدة، ولم يتركه إلا بعد أن هدأ واطمأن. حمل فريز القرد الصغير، لكنه سرعان ما شعر بالتعب لكثرة ما يحمل، فقرر إركابه على ظهر الكلب واستأنفنا السير نحو البيت.

فرح أفراد الأسرة بما وجدناه من غذاء، وأحبوا جميعهم القرد الصغير. كانت زوجتي قد أعدت لنا طعاماً شهياً يتألف من طائر مشوي كبير اصطاده فرانسيس، وقدراً كبيراً من الشوربة اللذيذة.

العودة إلى حطام السفينة

قررنا في اليوم التالي العودة إلى حطام السفينة للاستفادة من الكثير من الأشياء النافعة التي ما زالت عليها. توجهت أنا وفريز إلى السفينة، بينما بقيت زوجتي وأولادي الآخرون على الشاطئ. أطعمنا الحيوانات التي تركناها، ثم بدأنا تفتيش السفينة من أعلاها إلى أسفلها. حملنا زورقنا بأشياء كثيرة حتى غاص في الماء من ثقل الحمولة.

حل الظلام سريعاً، فبتنا ليلتنا في السفينة. في اليوم التالي، واجهتنا مشكلة نقل الحيوانات إلى الشاطئ، إذ كنا نعلم أنها لن تتمكن من السباحة لمسافة طويلة. فكرنا في ربط براميل خشبية صغيرة إلى الحيوانات، ودفعها إلى الماء وسحبها خلف طوفنا.

بدت الحيوانات سعيدة بوصولها إلى الشاطئ. وبينما كنت أنا وفريز نجاهد في تخليصها من براميل النجاة، كانت زوجتي مشغولة بإعداد وجبة كبيرة من عجة بيض السلاحف الذي عثرت عليه في مكان قريب.

بناء البيت فوق الشجرة

أثناء غيابنا، اكتشفت زوجتي أشجاراً ضخمة وعالية، فاقترحت أن نبني بيتاً فوق إحدى هذه الأشجار. بدأنا بجمع حيواناتنا وحزم أمتعتنا استعداداً للانتقال، وقد استغرق ذلك وقتاً طويلاً.

عندما وصلنا، وجدنا أن الشجرة أضخم مما شاهدنا في حياتنا. كان الوقت متأخراً للبدء في بناء البيت، فقمنا بنصب شباك نوم جلبناها من السفينة ونمنا فيها تلك الليلة.

صنع السلم وبناء البيت

في صباح اليوم التالي، كانت مهمتي الأولى هي صنع سلم، إذ كانت أقرب الأغصان إلى الأرض ترتفع اثني عشر متراً. بدأت بصنع قوس وسهام من سيقان نباتات الخيزران التي وجدناها. أعطتني زوجتي بكرة خيوط قطنية، فربطت طرف الخيط إلى سهم وأطلقته بدقة فوق أحد الأغصان. ربطت الخيط بحبل رفيع وسحبته من الجهة الأخرى، فتدلى الحبل من طرفيه وأصبح بإمكاننا إعداد السلم.

الأولاد بدورهم قاموا بجمع عيدان قوية من الخيزران لتكون درجات للسلم. سرعان ما ثبتنا الدرجات في أماكنها وبدأنا العمل على بناء البيت.

الإقامة في البيت الجديد

استغرق العمل عدة أيام حتى أصبح البيت جاهزاً للسكن. في مساء اليوم الأخير، ارتقينا جميعاً الشجرة، رفعنا السلم وراءنا، ونمنا لأول مرة في بيتنا الجديد فوق الشجرة، آمنين ومطمئنين.

تسمية الأماكن المحيطة

في اليوم التالي، بينما كنا نتبادل الحديث، قررنا أن نعطي للأماكن من حولنا أسماء. بدأنا بإعطاء اسم للخليج الذي نزلنا فيه، وبعد نقاش، اقترحت زوجتي أن نسميه “خليج العناية” لأن العناية الإلهية هي التي أنقذتنا. وأسمينا الموقع الذي خيمنا فيه “نزل الخيمة”. تناقشنا طويلاً فيما نسمي بيتنا الجديد. اقترح إرنست اسم “القلعة الشجرية”، بينما رأى فريتز أن ندعوه “عش النسر”، أما جاك فقد اقترح اسم “بلدة التين”. حسماً للجدل، اخترت أن نسميه “عش الصقر”.

أسمينا الجدول الذي وجدناه “نهر ابن آوى” بعد أن عثرنا قربه على بنات آوى، وأطلقنا على الأرض السبخة المحيطة به اسم “أرض البشروس” نسبةً إلى طائر البشروس الذي كان يعشش هناك. وأخيراً، أسمينا الجزيرة المجاورة “جزيرة القرش” بعد أن شاهدنا فيها سمكة قرش متوحشة.

البحث عن المؤن على الشاطئ

في أصيل ذلك اليوم، وبعد أن لطف الجو، توجهت الأسرة بأكملها إلى “نزل الخيمة” حيث كنا نحتفظ بالكثير من المؤن. كان فريتز بحاجة إلى بارود وذخيرة، كما أرادت زوجتي أن تجلب زبدة من أحد البراميل التي جرفتها الأمواج إلى الشاطئ.

انطلقنا في رحلتنا، وكل منا كان يحمل سلاحه: أنا والبندقية، والولدان الكبيران كذلك، بينما حمل الابن الثالث قوساً وسهاماً. قاد الكلبان الطريق، وعلى ظهر أحدهما ركب القرد الصغير. كما رافقنا طائر البشروس الذي دجنّاه.

اكتشاف البطاطا والأناناس

بينما كنا نمشي، أشار إرنست فجأة إلى حقل من البطاطا. أسرعنا لنجمعها وملأنا بها أكياسنا. خلال ذلك، عثرنا على صبار ونباتات غريبة، وأدهشنا أن نجد أشجار الأناناس. جمعنا ما استطعنا من هذه النباتات، وحين وصلنا إلى “نهر ابن آوى”، كان ما معنا يفوق قدرتنا على الحمل.

وصلنا إلى الشاطئ ووجدنا كل شيء في مكانه. شرعت زوجتي في البحث عن برميل الزبدة، بينما كان فريتز يبحث عن البارود. حاول إرنست وجاك الإمساك بالبط والطيور دون جدوى، لكن إرنست استخدم حيلة ذكية؛ ربط قطعة بسكويت بخيط وألقاها في الماء، ثم شد الخيط نحو الطيور حتى تمكن من الإمساك بها.

صنع مزلجة لحمل المؤن

كانت العودة بكل ما جمعناه صعبة، فقررت صنع مزلجة يجرها الحمار. في صباح اليوم التالي، جمعنا أنا وإرنست بعض الأخشاب وربطناها معاً باستخدام المسامير. ربطنا في مقدمة المزلجة حبلين وأصبحت جاهزة. حملنا عليها برميل الزبدة وبرميل البارود وبعض قوالب الجبن.

مواجهة الكنغر الأحمر وبناء الفلك

أثناء طريق العودة إلى “عش الصقر”، رأينا أحد الكلبين يطارد حيواناً غريب الشكل يجري بشكل وتبي. كان الحيوان ذا ذيل ضخم وقائمتين خلفيتين كبيرتين، إنه الكنغر الأحمر!

عدت أنا وفريتز إلى حطام السفينة لنرى إذا ما بقي شيء يمكن الاستفادة منه. قمنا بعدة نقلات، وفي المرة الأخيرة، وجد فريتز فلكاً شراعياً مخزناً في عنبر السفينة، يحتاج فقط إلى تجميع أجزائه.

استغرق بناء المركب عدة أيام. وعندما انتهينا من العمل، كان المركب ضخماً بحيث اضطررنا لاستخدام البارود لإحداث فجوة في جدار السفينة لإخراجه. كان مركبنا مزوداً بصوارٍ وأشرعة ومدفعين صغيرين في مقدمته، وقد بدا مذهلاً!

جولة استكشافية واكتشاف التوت الشمعي

رأينا أنه حان الوقت للقيام بجولة استكشافية في الغابات. في صباح اليوم التالي، انطلقنا ورأينا نباتات وطيوراً غريبة. بعد الغداء، اكتشفنا شجيرات ذات ثمار غريبة تلتصق بين الأصابع. كانت تلك شجيرات التوت الشمعي. عدنا إلى البيت ومعنا كمية من ثمار التوت. أشعلنا ناراً خفيفة تحت القدر حتى تمكنا من فصل الشمع عن الثمار.

صناعة الشموع وتحسين مستلزمات الحياة

صنعت زوجتي فتائل من خيوط القنب التي استخرجتها من إحدى قطع القماش. غمست الفتائل في الشمع وتركتها تبرد وتشتد، ثم عاودت غمس الفتائل مرات عدة، وفي كل مرة تتركها تبرد حتى صارت الشموع متينة وقوية. كان نور تلك الشموع ساطعاً، ولم نعد بعدها مضطرين للنوم عند غروب الشمس.

كان على متن السفينة غراس فاكهة حملها أصحابها لزرعها في أماكن نائية. نمت تلك الغراس بسرعة في مناخ الجزيرة الملائم. قمنا بزرع أشجار البرتقال والليمون حول “نزل الخيمة”، وزرعنا أشجاراً فاكهية أخرى على حافتي الممر بين “نزل الخيمة” و”عش الصقر”، ليس فقط من أجل الثمار بل للاستظلال من الشمس الحارقة. واستخدمنا الأشجار ذات الأغصان الشائكة كأسوار لحماية حيواناتنا من الضياع.

تحصين الموقع وبناء الجسر

أثناء العمل على تحسين المكان، ركزنا على جعله آمناً من أي هجوم خارجي. قمنا بتثبيت مدفعين من حطام السفينة على مرتفعين قرب النهر. كما بنينا جسراً يربط بين ضفتي النهر، لكننا لاحظنا أن عبوره سهل لمن يأتي من الجانب الآخر، لذا أعدنا بناءه وجعلناه جسراً متحركاً يمكن رفعه وقت الحاجة.

استغرق العمل على هذه التحسينات نحو ستة أسابيع، وأدى العمل الشاق إلى تمزق ملابسنا. كنت أعلم أن هناك كمية من ثياب البحارة على متن السفينة، فتوجهت مع الأولاد إلى السفينة حيث قضينا أياماً في فتح الصناديق واستخرجنا منها ثياباً وحاجات أخرى نافعة.

تدمير السفينة والاستفادة من حطامها

بعد أن لم يتبق شيء نافع في السفينة، قررت تفجيرها. كنت أعلم أن الأمواج ستجلب الأخشاب المتطايرة إلى الشاطئ لنستخدمها لاحقاً. وضعنا برميلاً من البارود في مقدمة السفينة ووصلنا به فتيلًا طويلاً يستغرق اشتعاله ساعات. أشعلنا الفتيل وعدنا إلى الجزيرة. في تلك الليلة، تسلقنا قمة إحدى الروابي، وعند هبوط الظلام رأينا نوراً خاطفاً يضيء السماء وسمعنا انفجاراً هائلاً، وزال حطام السفينة من فوق سطح الماء.

رحلة جديدة إلى الغابة

في صباح اليوم التالي، انطلقنا إلى الغابة لحاجتنا إلى مواد متنوعة. كنا بحاجة إلى عيدان الخيزران لدعم أشجار الفاكهة، وإلى ثمار التوت الشمعي لتعويض النقص في مخزوننا من الشمع، وسيقان قصب السكر. حولنا المزلجة إلى عربة يجرها البقرة والحمار، وانطلقنا لجمع حاجتنا.

قضينا فترة ما بعد الظهر نجمع ثمار جوز الهند والتوت الشمعي، ونقطع سيقان قصب السكر وعيدان الخيزران. وعندما هبط الظلام، بنينا ملجأ من الأغصان ونسيج القنب.

مواجهة الجواميس البرية

في تلك الليلة، أخذ الحمار ينهق فجأة ثم ركض إلى قلب الغابة وغاب عن أنظارنا. في صباح اليوم التالي، تتبعنا أنا وجاك آثاره لعدة كيلومترات حتى وصلنا إلى منطقة ذات أعشاب عالية. بينما كنا نسير بين الأعشاب، ظهر أمامنا فجأة قطيع من الجواميس البرية. وقفت الجواميس تراقبنا، وبعضها كان مستلقياً على الأرض وبدأ بالنهوض.

كنا على وشك الانسحاب بهدوء، إلا أن أحد الكلبين اندفع نحو العجل الصغير وأمسكه. فاندفعت الجواميس نحونا مما أثار ذعرنا، فأطلقنا النار من بنادقنا. أفزع صوت الرصاص الجواميس فهربت جميعها باستثناء العجل الصغير. قمنا بربط العجل وأخذناه معنا، ولكن لم نعثر على الحمار وفقدنا الأمل في العثور عليه.

العودة إلى الأسرة وترويض النسر

عدنا مساء إلى الأسرة فوجدنا أن فريتز قد أمسك فرخ نسر، وهو ما سرّنا جميعاً لأنه يمكننا ترويضه وتدريبه على مساعدتنا في الصيد. أقمنا ليلتنا في المخيم مجدداً، وفي صباح اليوم التالي بدأنا رحلة العودة إلى “عش الصقر”، مستخدمين العجل والبقرة لجر العربة.

كان الكلبان يسيران أمام الركب، وفجأة توقفا وأخذا ينبحان بصوت عالٍ. أسرعنا إليهما، فرأينا قطة برية وحولها ستة هريرات. قررنا ترك هذه الأسرة الصغيرة تعيش حياتها الطبيعية في البرية.

تحسين “عش الصقر” وتوسيع المزرعة

كانت عملية تسلق الجبل للوصول إلى “عش الصقر” صعبة للغاية، وكنت أخشى أن ينزلق أحدنا ويسقط. لاحظت زوجتي وجود تجويف في جذع الشجرة، فلو كان التجويف متصلاً إلى أعلى الجذع، لتمكنا من بناء درج داخلي. في اليوم التالي، تفقدت الجذع وتبين لي أنه مجوف بالكامل، فبدأنا ببناء درج داخلي. حفرنا فتحة في أسفل الجذع وثبتنا باباً جمعناه من حطام السفينة. بعد ذلك، حفرنا ثلاث نوافذ صغيرة في الجذع. استغرق العمل ثلاثة أسابيع حتى تم إنجاز الدرج.

في هذا الوقت، وضعت عنزاتنا جديين، وولدت أغنامنا خمسة حملان، كما وضعت كلبتنا عدة جراء. رُوِّض عجل الجاموس تدريجياً ليحمل أثقالنا، وتعلم الأولاد ركوبه، بينما كان فريتز مشغولاً بتدريب نسره.

بدأت مزرعتنا بالاتساع، وفي أحد الأيام عاد الحمار الضائع ومعه حمار بري. فقست بيض دجاجاتنا أربعين صوصاً. مع اقتراب فصل الأمطار، أصبح علينا بناء زرائب للحيوانات وحفظ المؤن لفصل الشتاء، بالإضافة إلى تجهيز الأرض للزراعة قبل موسم الأمطار.

بداية فصل الشتاء ومواجهة العواصف

ما إن أنهينا أعمالنا حتى بدأت العواصف. مزقت الرياح القوية أغصان الأشجار، ودفعت مياه الأمطار إلى داخل بيتنا في الشجرة، ما اضطرنا إلى الانتقال إلى الزرائب والعيش مع الحيوانات طوال فصل الشتاء.

كانت هذه أول مرة نشعر فيها بالضيق منذ تركنا السفينة. افتقرنا إلى مدفأة مناسبة، فلم نشعر بالدفء طوال الشتاء. سرعان ما نفدت الحيوانات مخزونها من العلف، وكان علينا تقاسم مؤنتنا معها. بدت ليالي الشتاء الطويلة نهاراته القصيرة بلا نهاية.

البحث عن ملجأ شتوي آمن

مع انتهاء الشتاء، اكتشفنا أن الرياح قد عاثت فساداً في “نزل الخيمة”، وتسببت في انهيار العديد من المستودعات. أدركنا حينها أننا بحاجة إلى ملجأ شتوي آمن لا تدخله الأمطار. بحثنا أميالاً على طول الشاطئ، ولكننا لم نجد كهفاً مناسباً. اقترح الأولاد أن نحفر كهفاً في المنحدر الصخري.

اخترنا مكاناً مشرفاً على “خليج العناية” وبدأنا الحفر فوراً. بعد يومين، لم نحرز تقدماً يُذكر، لكن الصخر بدأ يلين تحت ضربات معاولنا. وبعد أيام، اخترق فأس جاك الصخر فصاح: “تجويف صخري!”. وسرعان ما وسعنا الفتحة، فاكتشفنا كهفاً رائعاً، كانت جدرانه مغطاة بصخور بلورية لامعة تعكس ضوء شموعنا وكأنها بريق آلاف الماسات.

الكهف الشتوي الجديد

قررنا أن يكون هذا الكهف هو ملجأنا الشتوي الجديد، بينما نعيش الصيف في “عش الصقر”. كان الكهف واسعاً جداً، فقسمناه إلى غرف متعددة، وأقمنا نوافذ تسمح بدخول الضوء. قضينا شهوراً في تجهيز الأخشاب من حطام السفينة لجعل الكهف مكاناً مريحاً للإقامة.

وفرة الأسماك وحلول موسم الأمطار

أثناء عملنا في الكهف، وصل إلى الخليج عدد هائل من سمك الرنكة، فقمنا بصيد كمية كبيرة منها وحفظنا بعضها في الماء المالح. بعد حوالي شهر، بدأ سمك السلمون في الصعود إلى النهر لوضع بيضه. كان حجمه ضخماً بحيث لم نتمكن من صيده بالصنارة، فابتكر جاك طريقة مختلفة؛ ربط خيطاً رفيعاً إلى سهم وتمكن من صيد العديد من الأسماك بهذه الطريقة.

ثم جاء المطر، منبئاً بحلول موسم الأمطار قبل أن نتمكن من جمع كل محاصيلنا. في الأسابيع التالية، انشغلنا كثيراً بجمع المحاصيل وتخزينها، بالإضافة إلى حرث الأرض وبذرها قبل هطول الأمطار بشكل كامل.

شتاء العام الثاني والتحسينات في الكهف

حل شتاء العام الثاني، وكان مختلفاً عن العام الأول؛ فقد شعرنا بالراحة والاطمئنان. خلال هذا الشتاء، أجرينا تحسينات عديدة على الكهف. علقنا المصباح الكبير الذي جلبناه من السفينة في السقف، وصنعنا رفوفاً للكتب التي أحضرناها من حطام السفينة. كما أخرجنا من الصناديق مرايا وساعات وقطع أثاث مختلفة، مما جعل الكهف مكاناً مريحاً للإقامة، وقضينا الوقت فيه دون أن نشعر بالملل.

ظهور الأفعى المخيفة

عاد الربيع وبدأنا في إصلاح ما خربته العواصف. في أحد الأيام، رأى فريتز شيئاً غريباً يقترب منا، وحوله سحابة هائلة من الغبار. بدا الأمر غريباً لأن جميع حيواناتنا كانت في زرائبها. استخدمت منظاري المقرب لأكتشف أن ما يقترب منا كان وحشاً أخضر بلا سيقان… أفعى ضخمة ومخيفة!

لم يكن للأفعى مثيل في ضخامتها، فهرعنا إلى الكهف ومددنا بنادقنا عبر النوافذ وانتظرنا بصمت. عندما اقتربت الأفعى، أطلقت أنا وفريتز النار بدقة، واستقرت رصاصتان في رأسها. انتفضت الأفعى في الهواء ثم سقطت ميتة على الأرض.

رحلة استكشاف الجزيرة والخوف من الأفاعي

أقلقنا احتمال وجود جحر للأفعى في الجزيرة، ولذلك قررنا التحرك لاستكشاف المنطقة والتأكد من عدم وجود فراخ للأفاعي. بدأنا رحلة استكشافية جماعية، مزودين بالزاد والمعدات الكافية لثلاثة أسابيع.

لم نجد أي أثر لأفاعي أخرى، لكن بينما كنا نعبر حقل قصب السكر، رأينا السيقان تهتز بعنف وسمعنا ضجيجاً. بدأت الكلاب تنبح، فرفعنا بنادقنا. بعد وقت قصير، ظهر أمامنا قطيع من الجواميس البرية في حالة هياج. أطلقنا النار على الفور، فأسقطنا جاموساً وعجلاً، بينما فر بقية القطيع. عالجنا لحم الجاموس بالملح وقمنا بتقديده.

تجربة طهي العجل على طريقة سكان الجزر

قرر فريتز أن يحضر لنا طعاماً من العجل على طريقة سكان الجزر في البحار الجنوبية. قام هو وإخوته بحفر حفرة مستديرة عميقة، أوقدوا فيها ناراً قوية، ثم وضعوا حجارة في الحفرة حتى أصبحت ساخنة جداً. فرك فريتز العجل بالملح وحشاه برؤوس البطاطا، ثم لفه بأوراق نباتية كبيرة. بعد ذلك، أنزل العجل في الحفرة الساخنة وغطاه بحجارة ساخنة أخرى، وتركه لينضج لمدة ساعتين.

عندما انتهى الطهي، قدم لنا وجبة كانت من أشهى ما تذوقناه في حياتنا.

البحث عن الأفعى وصيد النعام

في اليوم التالي، تابعنا بحثنا حتى وصلنا إلى حافة سهل فسيح، وهناك عثرنا على أثر للأفعى. عبرنا الوادي ووصلنا إلى صحراء، وفجأة سمعنا فريتز يناديني من أعلى إحدى الروابي قائلاً إنه رأى فرساناً. أسرعت بمنظاري للتحقق، لكنني لم أر فرساناً، بل رأيت قطيعاً من طيور النعام تركض نحونا في صف واحد. رصدنا الطيور حتى تأكدنا من أنها تتجه إلى أعشاشها، وقررنا محاولة الإمساك بإحداها.

كنت أعلم أن النعام سريع للغاية، يفوق في سرعته سرعة الجياد. فزحفنا نحوها بحذر، كممنا فم الكلبين وربطنا منقار النسر كي لا نجرح الطيور. بمجرد أن رأتنا النعامات، هربت، فركض الكلبان خلفها، وأطلق جاك نسره الذي حلق عالياً ثم انقض على إحدى النعامات. دار النسر حول النعامة حتى جمدها بضربة قوية من جناحه، فربطنا ساقيها بالحبال وحملنا معنا عدداً من بيض النعام.

استمر البحث عن جحر الأفعى طويلاً، ولكن دون جدوى، فعدنا إلى الكهف وبدأنا بترويض النعامة. استغرق ترويضها عدة أشهر، ففي البداية كانت النعامة هائجة وترفس كل من يقترب منها. تدريجياً، دجناها وجعلناها تحمل أحمالاً خفيفة على ظهرها، ثم صنعت لها سرجاً وصارت قادرة على حمل الأولاد والانطلاق بهم بسرعة فائقة.

بناء الزورق الجلدي وتجربة الإبحار

مع حلول الشتاء، عدنا إلى الكهف. في البداية بدت الأيام طويلة، ثم اقترح فريتز بناء زورق صغير. كان يفكر في زورق جلدي متنقل على غرار زوارق الكاياك التي يستخدمها الإسكيمو.

بدأنا العمل ببناء الهيكل من عظام حيتان وجدناها على الشاطئ، ثم غلفنا الهيكل بشبكة دقيقة من أوراق الأسل، وغلفنا الشبكة بجلود عجول البحر، وسددنا الثقوب باستخدام صمغ شجري قوي لمنع تسرب الماء. ثبتنا مقعداً صغيراً داخل الزورق، وصنعنا مجدافاً ذو طرفين من خشب الخيزران. بعد الانتهاء من بناء الزورق، انتظرنا انحسار العواصف لتجربته.

لما اقترح فريتز بناء زورق الكاياك، قررنا أن يكون أول من يخرج به إلى البحر عند اعتدال الطقس. ما إن سطعت شمس الربيع حتى أخذ فريتز زورقه إلى الماء، وكان سعيداً للغاية عندما اكتشف أن الزورق سريع وينساب على الأمواج بسهولة، تماماً كما ينزلق لوح من الفلين. كان رائعاً حقاً!

الحياة بعد عشر سنوات والتوسع في المزارع

مرت السنوات، وكبر الأولاد وأصبحوا شباباً أقوياء وأصحاء. تضاعف عدد حيواناتنا، وبنينا مزارع أخرى. خصصنا إحدى المزارع لإنتاج الحبوب، وأخرى لتربية الحيوانات التي زادت عدداً وحجماً. كانت الحيوانات البرية تهاجم قطعاننا أحياناً، ما كان يجبرنا على الخروج لمطاردة الحيوانات المفترسة واستعادة الحيوانات الشاردة.

مع مرور الوقت، أصبح أولادي يخرجون في جولاتهم الاستكشافية غالباً دوني. في إحدى المرات، ركب فريتز زورق الكاياك وانطلق في النهر، فاكتشف وادياً عظيماً مليئاً بالطيور الملونة والحيوانات. هناك رأى قطيعاً من الفيلة العملاقة، كانت الفيلة تمر بجانب الأشجار وتعريها من أغصانها، ثم تلتهم الشجرة بأكملها. كما شاهد نموراً تتجول في الغابة، وأفراس النهر تشق المياه من حوله، مما اضطره للفرار سريعاً.

رحلة استكشافية جديدة ونداء الاستغاثة

خرج فريتز في رحلة استكشاف جديدة نحو الجزر البادية في الأفق، وعاد وقد ملأ زورقه بالفراء. كما أخرج كيساً مملوءاً باللآلئ استخرجها من مياه إحدى الجزر. وأراني أخيراً خرقة من ثياب وجدها مربوطة في ساق طير من طيور القطرس التي حطت على زورقه. كانت الرسالة المكتوبة على الخرقة تقول: “النجدة! أنقذوا بحار السفينة الغارقة على صخرة الدخان.”

أدركنا أن هناك بحاراً ضائعاً، ربما يكون أحد الناجين من السفينة التي تحطمت بنا. قررنا على الفور تجهيز حملة للبحث عن البحار الضائع وجمع المزيد من الفراء واللآلئ. قام فريتز بتجهيز زورقه بمقعد ثانٍ للبحار الذي كنا نأمل إنقاذه، كما زودنا المركب بكمية كبيرة من المؤن، وانطلقنا بعد أسبوع مصطحبين كلبينا معنا.

صيد اللآلئ ومواجهة الأسد

تمتعنا بيوم إبحار رائع، ووصلنا قبيل الغسق إلى الخليج حيث وجد فريتز سابقاً اللآلئ. نزلنا إلى الشاطئ، أعددنا عشاءنا، وأشعلنا ناراً عظيمة لإبعاد الحيوانات المفترسة. في صباح اليوم التالي، استيقظنا مبكرين وبدأنا في جمع محار اللآلئ، وتركناه تحت أشعة الشمس حتى فتحت الأصداف بفعل الحرارة. كانت اللآلئ التي استخرجناها جميلة وفريدة، لكنها لم تكن ذات قيمة كبيرة بالنسبة لنا في تلك اللحظة. ومع ذلك، إذا تمكنا من العودة إلى بلادنا، قد نصبح أثرياء بفضلها.

في تلك الليلة، أشعلنا ناراً أخرى على الشاطئ وتركنا الكلبين يحرسون حولها، بينما عدنا إلى مركبنا للنوم. فجأة، سمعنا زئيراً مخيفاً يأتي من الغابة. دب الرعب فينا وفي الكلبين، ولم نكن قد سمعنا شيئاً مماثلاً من قبل. اقترب الزئير أكثر، وظهر أسد ضخم غاضب قفز إلى دائرة الضوء حول النار. كان الأسد هائجاً بسبب النار، وأخذ يتحفز للهجوم علينا. فجأة، سمعنا صوت طلقة نارية، ورأينا الأسد يسقط ميتاً على الرمال، لقد أنقذنا فريتز!

البحث عن البحار الضائع ومواجهة الحوت

بعد ليلة بلا نوم، انطلق فريتز وحده في صباح اليوم التالي للبحث عن البحار الضائع، لكنه لم يعد في المساء ولا في اليوم التالي. انتظرنا يومين إضافيين قبل أن نبدأ في البحث عنه. خلال رحلة البحث، اصطدم مركبنا بشيء ضخم، ليتبين أنه حوت ضخم بدأ بمهاجمتنا. أطلق جاك قذيفة من المدفع فأصابت الحوت، لكنه غاص في الماء وعاد للظهور مجدداً. أطلق جاك قذيفة ثانية، هذه المرة أصابت الحوت وأجبرته على الغوص دون رجعة.

لقاء الصبية الناجية

بينما كان الأولاد يلهون في إحدى لحظات الراحة، لاحظ أحدهم اقتراب رجل غريب الهيئة في زورق. ظننا في البداية أنه رجل متوحش. رفعت راية بيضاء إشارة للسلام، فتوقف الرجل للحظة ثم بدأ يجدف نحو مركبنا بسرعة. عندما اقترب منا، اكتشفنا أنه فريتز، وقد ملأ وجهه باللون الأسود ليتنكر. فعل ذلك لأنه ظن أننا قراصنة، وكان يحاول إخافتنا لإبعادنا.

بعد أن كشف عن هويته، أشار إلينا بصمت أن نتبعه إلى جزيرة صغيرة. تبعناه، وعند نزولنا إلى الشاطئ رأينا بين الأشجار كوخاً صغيراً مصنوعاً من سعف النخل وأغصان الأشجار. أسرع فريتز إلى داخل الكوخ وخرج ممسكاً بيد صبية جميلة. أخبرنا أن هذه الصبية كانت الناجية الوحيدة من سفينة تحطمت وغرقت بعد أن تعرضت لعواصف لمدة أسبوعين كاملين.

العودة إلى نزل الصخرة

انطلقنا عصر ذلك اليوم، برفقة الصبية الناجية، عائدين إلى “نزل الصخرة”. توقفنا في خليج اللآلئ لقضاء ليلتنا هناك. مر موسم أمطار آخر، وفي إحدى الأمسيات كان جاك وفريتز ينظفان اثنين من مدافعنا. وقبل أن ينهيا عملهما، أطلقا قذيفتين على سبيل التجربة. ولكننا ذهلنا لسماع ثلاث قذائف تعيد صدى قذيفتينا بعد دقيقة واحدة، وكأنها رد من مكان بعيد.

نظرنا إلى البحر فلم نر شيئاً، وانتظرنا حتى الصباح. أطلقنا قذيفتين أخريين، وبعد دقائق معدودة سمعنا سبع قذائف تهدر من خلف الضباب. ركبنا أنا وفريتز زورق الكاياك، وجذفنا حول الشاطئ لمدة ساعة حتى وجدنا سفينة ضخمة راسية في أحد الخلجان.

لقاء السفينة واتخاذ قرار العودة

عدنا إلى “نزل الصخرة” حاملين الأخبار، وركبنا جميعاً مركبنا الصغير واتجهنا نحو السفينة. عندما وصلنا، دهش القبطان لرؤيتنا، ورحب بنا على متن سفينته. كان ترحيبه حاراً خاصة عندما التقى بالصبية، التي كان يعرف أهلها. عرض القبطان أن يأخذنا جميعاً إلى بلادنا.

بعد هذا العرض، تأملت الأسرة طويلاً في أمر العودة إلى الوطن. لقد كانت حياتنا في “سويسرا الجديدة” هادئة وراضية. كانت لنا في هذه الجزيرة الواسعة قطعان من الأبقار والأغنام، وأسراب من الطيور. بعد تفكير عميق، قررت أنا وزوجتي البقاء في الجزيرة.

الاختيارات والوداع الأخير

تركنا لأولادنا حرية اتخاذ القرار، فاختار إرنست وجاك البقاء معنا، بينما قرر فرانسيس وفريتز العودة إلى الوطن. جاءت السفينة في اليوم التالي، وصحبنا القبطان والبحارة وبعض الركاب في زيارة إلى جزيرتنا. أحب ثلاثة من المسافرين الجزيرة وقرروا البقاء معنا.

لم ينم أي منا كثيراً في الليلة التي سبقت رحيل السفينة. وعند الفجر، سمعنا صوت مدفع السفينة معلناً قرب موعد رحيلها. كان الوداع بيننا وبين فريتز وفرانسيس والصبية وداعاً مؤثراً للغاية، ولعلّه كان الوداع الأخير.

عندما بدأت السفينة في التحرك من خليج العناية، صاح الجميع بتأثر عميق: “الله معكم!”

معرض الصور (قصة أسرة روبنسن السويسرية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى